رفيق الشاهد
مفارقات (2) : 201 - 2024/04/05
مثل كلّ مسلم تمنّيت على ربّي أن يكرمني ويسهل عليّ زيارة البيت الحرام. وتمّ ذلك بتوفيقه حيث كنت دائم الوثوق من أنّ اللّه ربّي سييسّر لي أداء العمرة في أوّل مهمّة عمل بالمملكة السعوديّة. وكنت طلبت من زوجتي التي كانت ترغب هي أيضا في أداء هذه الشّعيرة أن تتأهّب لأوّل فرصة تتاح لها وألاّ تنتظر تفرّغي لمرافقتها. وتمّ لها ذلك، ولم أتأخر بعده إذ توفّرت فرصة السّفر في زيارة حكوميّة إلى المملكة مدّتها طويلة بما يسمح لي بأداء العمرة التي طالما انتظرتها دون تسرّع ولا عناء.
اقرأ المزيد
مفارقات (الجزء الأول) : 200 - 2024/03/01
أسفاري خارج الوطن وإن تعدّدت كانت جميعها في إطار مهمّات عمل تتحمّل الإدارة نفقاتها طبقا لضوابط التّشريعات الجاري بها العمل. من موقعي داخل المنظومة الإداريّة، أتفهّم حرص الدّولة على التّقشّف في نفقاتها، ولكن ليس إلى الحدّ الذي يجعل الإطارات يتهرّبون من التّكليف لتمثيل بلدهم أو مؤسّساتهم في إطار برامج التّعاون الدّولي. وكنت ممّن يشاركون في ندوات واجتماعات المنظّمات الدّوليّة في مجال الاختصاص، وكنت في كلّ مرّة أتأقلم مع الظّروف بالتّقشّف والاحتياط، فأقدّم الأهمّ على المهمّ حتّى أُحِدّ من التّكلفة التّكميليّة التي تكون من مدخّراتي أو ممّا تدبرتها سلفة على الحساب.
اقرأ المزيد
تونس : 199 - 2024/02/02
في زحمة أفكار تحرّكها الرّغبة في الكتابة، تتطاير العناوين في سباق للفوز بتصدّر مقال لم تتحدّد ملامحه بعد. ويكفي أن أخطّ اسم «تونس» عنوانا على دفتري أو نقرًا على لوحة المفاتيح، حتى يُشْحن قلمي حبرا بما يكفي وزيادة، وتشتغل أطراف أصابعي للنّقر استجابة لما يملى عليها وحيا، فينساب على ورقة الشّاشة جملا متجانسة ومترابطة دون تقطّع ولا تردّد. ثمّ تحطّ منهكة قاطرة العناوين آتية من بعيد يقودها عنوان جاء يتوّج سيل الكلمات.
اقرأ المزيد
رقصة اصحاب الارض : 198 - 2024/01/05
لما تكبر البنت يكبر معها الوعي ان لا شيء بات ينطلي عليها وتضيع الحيل ولا مفر من تركها. ولكن في الأخير لابد من آخر الحيل ولم يبق الا ان تشاركها بحثك عن حيلة لا تنطلي عليها ولكن احذر فقد تنطلي احيانا واحيانا اخرى لا تنطلي. و في الاخير الم تثبت التجارب ان لابد للحيلة الأخيرة من ان تنطلي على البنت ولو بتواطؤ منها وان ابت انطلت على صاحبها لانها واقعا انطلت.. كيف؟ لا يهم . إن شئتم اسألوها. أما أنا فلم أعد أجرؤ على سؤال ابنتي منذ كبرت واصبحت تشاركني كل همومي وتحمل عني اثقالها.
اقرأ المزيد
كوميديا : 197 - 2023/12/01
أنا في رأيي من منظور فكري وفلسفي هذا العالم كوميديا لا يستقيم له حال ولا ينبني إلاّ على مفارقات يجسّدها شخوص مختلفون لا يلتقون على شيء سوى أنّهم بشر، يلعب كلّ الدّور الذي كُلِّف به وهو أن يصنع للآخر مقلبا يضحك منه، لا جميع المتفرّجين فحسب، بل كلّ الشّخوص الأخرى ضحايا وصنّاع المقالب. والجميع على الرّكح لأنّ مدرج الجمهور جزء منه.
اقرأ المزيد
أطلق جماح نفسك ما هي الحرية؟ : 196 - 2023/11/03
تعوّدت الجري وراء المعرفة ولا يُدرَك الشّيء منها إلاّ بشق الأنفس. كم كتابا دفعت فيه حرمان زوجتي وأولادي، عساهم يسامحونني يوما ما عن كلّ مليم غيّرت وجهته وسرقته منهم لاقتناء كتاب أو مجلة أو صحيفة، وكم أصبحت هذه الدّعائم باهظة باعتبار قيمة الرّواتب. ولم أندم رغم هذا على كلّ ما أنفقته في ذلك. أمّا اليوم، فقد كثر الحديث عن تأثيرات وسائل التّواصل الاجتماعي ومحركات البحث مثل «قوقل» وغيره، التي أصبحت بالتّدرج المصدر الأساسي للمعرفة وأصبح جزء كبير منها مجانيّا، ملقى على جانبي الطّريق مثل «الفريب»، ما عليك إلاّ اختيار الأصلح والمفيد. هذه الحقيقة، -مع الأسف- وجب علينا التّعامل معها إيجابيّا وتوظيفها للاستفادة منها على حساب الورق والحبر، وهو مكسب بيئي لو كنتم تعلمون.
اقرأ المزيد
أخيرا ... أنا موجود : 195 - 2023/10/06
قال الفيلسوف الألماني كارل ماركس‏ :‏ « أنا آكل ‏...‏ إذن أنا موجود ‏» وقال الفيلسوف الفرنسي ديكارت : « أنا أفكر ... إذن أنا موجود» وقال الشاعر بايرون : « أنا أحب ... إذن أنا موجود» وقال الأديب كافكا : « أنا خائف ... إذن أنا موجود» قيل لي: «وأنت، ماذا يلزمك فى الحياة لتشعر بأنّك موجود؟»
اقرأ المزيد
بورصة العيش في سوق الحياة (الجزء الثاني : ما أحوج الغني للفقير ليسعدا) : 194 - 2023/09/01
أثبت العلماء أنّ للمادة نقيضها سمّيت مادّة مضادة وأنّ الخلط بينهما يؤدّي إلى فناء كلّ منهما ويتحوّلان في الحال إلى طاقة. لم أنشغل لا بالجزيّئات المكوّنة للمادّة المضادّة ولا بنشأتها وعدم تماثلها مع جزيئات المادّة على الأرض، ولم أذهب أبعد من هذه المعلومة لعدم الاختصاص، ولكنّني توقّفت عند نظريّة اينشتاين التي تعتبر أنّ الكتلة والطّاقة صورتان لشيء واحد حيث يمكن تحويل المادّة إلى طاقة، كما يمكن تحويل الطّاقة إلى مادّة. توقّفت عند ما لمسته من تشابه بين نظريّة فناء المادّة والمادّة المضادّة وفرضيّة ازدواجيّة التّقاطع والتّناقض التي أصبحت من أسس العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة ترتكز عليها تناقضات الشّخصيّة الازدواجيّة بين علمي النّفس والاجتماع وازدواجيّة التّقاطع والتّناقض في إدارة الصّراعات وكذلك التّناقضات السّياسيّة عند الأحزاب وتضاربها في الوقت نفسه وفي المجتمع ذاته.
اقرأ المزيد
بورصة العيش في سوق الحياة (الجزء الأول : هل كل شيء يباع؟) : 193 - 2023/08/04
هل كلّ شيء يباع ؟ هل لكلّ شيء ثمن؟ في الواقع، كلّ شيء أمكن عرضه للبيع والشّراء وكلّ شيء وُضعت له سوق بعد أن تأكّد في الاعتقاد على لسان أحدهم «ما لا يشترى بالفلوس يشترى بفلوس كثيرة»، أنّ كلّ شيء يباع فعلا وأن لا شيء لا يشترى من سوق الفضيلة.
اقرأ المزيد
هيروستراتوس مازال بيننا Héro stratus jamais oublié : 192 - 2023/07/07
لست مختصّا في التّاريخ لأسمح لنفسي بالتّحدّث في الحضارة اليونانيّة أو مناقشة علاقتها بالحضارة الإغريقيّة التي امتدّت على ما يقارب الألف سنة وانتهت بموت الإسكندر الأكبر 323 عاما قبل الميلاد. ولكن لم يمنعني عدم التّخصّص من توفّر قليل من المعرفة حصلت لي كما تحصل لكلّ من اطّلع على بعض الآثار الأدبيّة والفنيّة للكتّاب القدامى، أو ما نقل عنهم عدد من الباحثين المعاصرين المهتمين بهذا الشّأن. يزداد كلّ يوم أعجابي بإنجازات فلاسفة ذلك العصر وعمق الفكر الذي نجد آثاره في كلّ المجالات: رياضيّات وعلوم اجتماعيّة وسياسيّة، وكذلك في مجال الفنون وبصفة خاصّة الشّعر.
اقرأ المزيد
إذا خاب التلميذ فاللوم على المعلم : 191 - 2023/06/02
إلى والدي الحبيب الذي افتقدته في الظروف العصيبة. رحم الله زمانه ومن عايشه من المصلحين والأبطال والمجاهدين. نعم، مجاهدٌ كل من خط بالقلم لينير العقول ومجاهدٌ كل من أعمل المعول ومجاهدٌ كل من - على لسان الشيخ إمام - «يغرق في أنهار العرق طول النهار ويلمّ همّو في المساء ويرقد عليه»، مجاهدٌ كل من كابد وصارع فغالب الجهل والفقر ومجاهدٌ كل من صنع المهندس والطبيب.
اقرأ المزيد
عشق : 190 - 2023/05/05
لحظة ... يعرج التعبير عند التأمل وتعطّل المدارك وتُدرَك ... في تسلل ويغيب اللفظ
اقرأ المزيد
قلم : 189 - 2023/04/07
ما أثقله من قلم حط علي من عل هل يكفي أن يشحن حبرا ... حتّى يحبر ؟ بالطّبع كلا. .. فالقلم يجب أن ينتصب
اقرأ المزيد
موجة : 188 - 2023/03/03
وجدتني على صهوة الزّمن فكنت من حينها... مشروع قلم شهِدت نبض دمي لحظة بلحظة وفي لحظة ... نفد الحبر وتعطّل سيل الحروف عن البيان
اقرأ المزيد
ماذا أريد ؟ : 187 - 2023/02/03
« لا شيء أريده من هذه الحياة التي لم اختر خوضها. وبما أنّني فيها، أتمنّى معرفة لماذا. وأريد أن أعيش تفاصيلها، وأن أخرج منها دون ضجر». بقيت فترة ألوك هذه الجملة التي جاءت عفويّة ومتسرّعة. وإن وجدتها قد شكّلت فكرة تشبهني وأقنعتني لفترة حتّى لم أكن أتصوّر يوما نكرانها، إلاّ أنّني وجدتني من حينها مهموما لا أفكّر في شيء سواها، مع أنّني تعوّدت معالجة مسائل متعدّدة في آن واحد. وملكني هذا الانشغال فترة كنت فيها هائما ومنجذبا بين البحث عن جواب يقنعني ويرضيني والرّغبة في التّنصّل من هذا السّؤال وتركه لمن من شأنه التّفكير في مثله وإبداء الرأي فيه من فلاسفة ومختصّين. وعلى عادتي التي لا تختلف عن عادات الباحث، كنت أفكّر أحيانا بصوت مرتفع متصفّحا ما توفّر من مراجع ورقيّة، تشبثت قبل أن تترك مكانها لأخرى رقميّة أصبحت في أيّامنا أكثر قربا. واستمتعت برقيّ بعضهم وضحكت من آخرين بعد أن اطلعت على ردود أهل الاختصاص ومن عرفوا بالحكمة والعالميّة.
اقرأ المزيد
أزمة مروءة؟ .. لا، إنها أمور أخرى : 186 - 2023/01/06
أصبحت المرآة كاذبة لا تعكس حقيقة ما نرى، ربّما لأنّها مسطّحة لا تبتعد بأبعادها أبعد ممّا تتطلّبه حقيقة الأشياء. ولا تكتمل الصّورة دون الانتباه الى ما يُلتقَط من حين لآخر من شظايا الحقيقة التي تمرّ بنا كشُهُب لا يُدرك معدنها إلاّ بجمع ما أمكن من أجزائها أحجار نيازك نادرة وثمينة. واقفا في عربة قطار السّاعة الخامسة وعشرين دقيقةً الذي انطلق يوم السّابع من أكتوبر من السّنة الثّانية والعشرين بعد الألفين -في موعده هذه المرّة- لم أكن الوحيد واقفا بين المقاعد المشغولة جميعها ولكنّني كنت من أكبرهم بل بدا لي من السّهل التّأكّد أنّني كنت أكبر سنّا من جميع من كان في العربة، حكم عليّ كبريائي بتحدّي أوجاع ظهر تنطلق من فتق خذروفي قديم وتتشعّب عبر تفرّعات عرق الأسى، ليصيب عضلات الكاحل فتنشدّ وتتيبّس. وحكم عليّ طبعي - الذي لان لتجارب الحياة ولتأثيرات شغلي داخل الإدارة حتّى جعلني نظاميّ التّفكير والسّلوك- بالصّبر وتحمّل أزمات هذا الوطن وأوجاع ومعاناة شعبي المتزايدة من سنة إلى أخرى، على أمل أن نكون ربّما قد بلغنا القاع انحدارا، فيميل المنحى نحو الانفراج.
اقرأ المزيد
الأصل ثابت أو متحوّل ؟ (3/3) : 185 - 2022/12/02
أخذا بخاطرك أيها القارئ المحترم، وليس خوفا من ضميرك داخلي الذي أنّبني في السّابق، آتي في هذا الجزء الأخير لأرفع الالتباس وأبيّن ما بقي مبهما وسط الضّباب. وما عليك إلاّ اتباع خيط أريان للخروج من المتاهة التي وجدت نفسك فيها، والتي في الحقيقة لم أتفطن إلى تعقيداتها حيث كلّ الأبواب تفتح على بعضها، وكلما أغلقت أحدها أجدني لا يمكنني الخروج إلاّ من باب آخر وجب فتحه.
اقرأ المزيد
الأصل ثابت أو متحوّل ؟ (2/3) : 184 - 2022/11/04
يعتبر الإبداع تأسيسا لشيء ممّا لم يكن. وإبداع الكون في واقعنا الذي باطنه روحاني وظاهره إدراكي يبدو أن لا بداية له ولا نهاية. وإذا فرض الوجود المكان والزّمان فإنّه لا يدرك خارج البعد الآخر حالة الوعي، حيث لا يمكن إدراك الشّيء الموجود خارج فضاء هذا الوجود، ولا يكون إلاّ داخله باعتبار جميع أبعاده.
اقرأ المزيد
الأصل ثابت أو متحول ؟ (1/3) : 183 - 2022/10/07
بين الأصل والمتغيّر حيرتي كبيرة. أرى ذاتي الأصليّة متعدّدة، وواقع ما أنا عليه ما هي إلاّ النّسخة الأخيرة منّي. قد يكون لدى أحد منكم في إدراكه نسخة حقيقيّة لذاتي الأصليّة، فاعلموا إذَنْ أنّها فقط صورة حينيّة لتلك الذات، وأنّني في اللّحظة التي أخاطبكم فيها لا أكون إلّا نسخة أصليّة حقيقيّة لمن أكون رُسِمتْ على الصّفحة التي تقرؤونها من سجل حياتي. كلّ صفحات السّجل نسخ أصليّة لما كنْتُه. وطالما لا أحد يمكنه قراءة عدّة صفحات معا مثلما لا يمكنه التّواجد في مكانين مختلفين في نفس الوقت، فإنّ صفحات كتابي -حتّى وإن تشابهت- تبقى مختلفة. فإذَنْ ما أحببتموني يوما، فرجاء لا تديروا الصّفحات.
اقرأ المزيد
الهجرة ... الانتقال من الإنسان الطبيعي إلى الإنسان الروحي : 182 - 2022/09/02
على عكس الاستقرار الذي يميل إليه البحر بعد الاضطراب، وحين يستعيد سطح الماء استواءه على اثر انتهاء العاصفة وهدوء الرّياح، فإنّ الصّحراء الفضاء الوحيد الذي تتغير تضاريسه بعد كلّ عاصفة ولا تستقر في كلّ مرّة إلاّ على لوحة فنّيّة جديدة ترسمها الرّياح بمعاولها الضّخمة والعتيدة وأدواتها الصّغيرة والدّقيقة. ولا يكون الإبداع إبداعا دون حبّات الرّمال حين تشغل كلّ حبّة مكانها ليمتلئ الفضاء وتنسجم الكثبان بالسّهول والظّهران بالبطون، وتتشكّل للمكان روح يرتاح إليها كلّ تائه ومثقل مهموم.
اقرأ المزيد
ما لم يقل في الخير : 181 - 2022/08/05
الخير كلمة مفردة تعني الكثرة ولا تجمع، فنقول مثلا «الخير كثير». ولا معنى للخير إذا ما اجتثّ من حضن الشّرّ في ازدواجيّة تجعلهما متلازمين متناغمين لا معنى لهذا بمعزل عن الآخر، ولا يحضر شكل كليهما بغياب أحد جوهريهما. تحيلنا هذه الازدواجيّة إلى مفهوم «اليين» و«اليونغ» في الفلسفة الصّينيّة الذي يشير إلى أنّ لكلّ عنصر من عناصر الكون قوّتين أو طاقتين معاكستين، ويجسّم ذلك رسم «التاي تجي» الصّيني، ويعني بدوره وصول الشّيء إلى أقصاه وذروته، وقد أصبح مفهوم «اليين» و«اليونغ» مصدر استلهام لعديد المفكرين لفهم قوى الطّبيعة المبنيّة على التّباين وكذلك القوى الذّاتيّة للإنسان سواء المادّية منها أو المتعلّقة بالبنية البدنيّة والبيولوجيّة أو الحسّية والخاصّة بالمجالات النّفسيّة والرّوحانيّة.
اقرأ المزيد
هل تقبلوني ضيفا عاريًا تمامًا ؟ : 179 - 2022/06/03
نعم! هل تقبلوني ضيفا عاريًا؟ لا تستغربوا، هي دعوة لنفسه علّقها «أحمد» على جداره الفيسبوكي لحضور حوار إذاعي أو تلفزي بإحدى القنوات التّونسيّة وطنيّة كانت أو خاصّة قائلا:«هل من قناة تقبل بضيافتي للحديث كمواطن عار تمام من كلّ الالتزامات المهنيّة والوظائف السّياسيّة والمجتمعيّة والهيئات الدّستوريّة، ومن كلّ ما يمكن أن يميّزني غير المواطنة؟»
اقرأ المزيد
فعل مات لا يبنى للمتكلم : 177 - 2022/04/08
كعادته، على وتيرة واحدة استفاق باكرا أبكر من صلاة الفجر التي لا يمكنه إقامتها، «إن قرآن الفجر كان مشهودا»، فقد يؤدّيها جلوسا على مقعده في عربة القطار. ودون تردّد، ولا وقت يسمح بالتّخاذل لأنّه استعدّ لهذه اللّحظة منذ البارحة قبل اللّجوء الى فراشه، اغتسل وحلق ذقنه، وأعدّ ملابسه حتّى لا يتعطّل عند مغادرته المنزل باكرا. انطلق بخطى حثيثة عبر مسلك ضيّق اعتاد تحسّسه في الظّلمة حتّى يأمن الوحل شتاء وغبار الأتربة صيفا. ولكن وفي كلّ الحالات، مسكين هذا الحذاء لا مفر لّه من هذا ولا من ذاك، وما أقرب حتفه لو لم يوفّر صاحبه البدائل احتياطا من التّلف المباغت.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (12) - الأخيرة : 170 - 2021/09/03
تيقّنت «نوفل» أنّها ليست خللا وإنّما تتمّة لجمال وروعة الكون. إنّها الجزء الذي لا يكتمل بدونه الكلّ. وهي روح خلق اللّه. وهي تعتقد أنّ اللّه أحسن خلقها وجعلها في أحسن تقويم. ولا اعتراض على تدبيره طالما خصّت بالشّيء النّادر والنّفيس. تعلّمت «نوفل» من خلال قراءاتها الفلسفيّة كيف تكون الاسم الفاعل لا المفعول، فلم تكترث لما يشاع من أفكار سيّئة. وواصلت ذلك النّسق من التّفكير الذي صنع منها المرأة المهابة التي أغوت الجميع، ولا أحد تجرّأ واقترب منها.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (11) : 169 - 2021/08/06
إيمانا منّي بالحرّيات الشّخصيّة وحرّية الضّمير التي أصبحت من ثوابت دستور البلاد، لن أسمح لنفسي كشف أسرار البنت «نوفل» إلاّ ما سمحت به هي نفسها وأذنت بنشره. لهذا ألتمس منك أيها القارئ الفطن وأنت تحترم هذه المبادئ الانسانيّة أن تغفر لي تقصيري في البيان، وأتمنّى أن لا ينقص هذا التّحفّظ المتعمّد من القيمة السّرديّة للقصّة. وسأعمل ما بوسعي لتمرير بعض الإشارات أرجو التقاطها من بين السّطور.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (10) : 168 - 2021/07/02
كم تمنّت «بسمة» أن تبعد ابنتها عن الأنظار كلّها وخاصّة الأقارب من بعيد وقريب والجيران الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم، وكم كانت تسعد لما يخطر ببالها وتصدّق إنّ الجميع نسي «نوفل» منذ غابت عنهم وغادرت إلى العاصمة تتابع تعليمها العالي. هل حسنا فعلت لمّا شجعتها بسكوتها واستحسانها تباعد زياراتها لهم، وكم تمنّت أن يطول ابتعادها لا لشيء إلاّ لتجنب حديث النّساء الثّرثارات مثل التي تُعرف في ذاكرتنا الشّعبية بـ «عجوزة السّتوت» يقلّلون عليها الرّحمة عندما تموت. ومثلها كثيرات حتّى يعتقد أنّ جهنم قد تمتلئ بهنّ وحدهن.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (9) : 167 - 2021/06/03
تحتفل البنت «نوفل» في هذه السّنة بعيد ميلادها العشرين، وسيشاركها أصدقاؤها وصديقاتها من رفاق ورفيقات الدّراسة منذ السّنوات الأولى، لا في إحياء هذه الذّكرى بل الرّغبة في استغلال هذه المناسبة لجمعهم والتّمتع بدفء اللّقاء. هؤلاء الأصدقاء الذين أخلصوا الودّ على قلّتهم، ملؤوا حياتها غبطة، وعوّضوا عزلتها أنسا وطمأنينة. لهؤلاء فقط انتظرت بشغف هذا اليوم من هذه السّنة التي تعني للبنات من سنّها الانعتاق والحرّية. عشرون سنة لمن تابعت دراستها بانتظام دون تعثّر تتزامن عادة مع السّنة الأولى أو الثّانية من التّعليم العالي بعد الحصول على شهادة ختم الدّروس الثّانوية (البكالوريا)، وهي عادة ما تكون فرصة لفئة كبيرة من الطّلبة والطّالبات لتغيير نمط حياتهم بالكامل، فيكتشفون البيئة الخارجيّة التي أتيحت للمنقطعين عن التّعليم من دونهم، والذين فتحت لهم المقاهي والملاهي أبوابها مشرعة ليلا ونهارا ويوم الأحد.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (8) : 166 - 2021/05/06
أصبح أبوها من حين لآخر ينفرد بنفسه بعد أن يعصر لها قهوة تقاطرت خلاصتها مركّزة في قعر الفنجان، تعبق رائحتها الذّكيّة المتسرّبة من فقاعات زبدها، فتدغدغ مواسير الشّم لديه. وهو يتكيّف مرارتها الشّهيّة، يعتصر بعض السّطور تحت وطأة الضّغط النّفسي المتنامي نتيجة تردّي أوضاع البلاد هنا وهناك، من قبل الثّورات ومن بعدها. لم تعرف هذه الشّعوب الخروج من أزماتها ولو بأكبر الخسائر. فشمت الحاسدون ولم يندم الفاعلون، وإن سئموا نكد الحياة وبؤسها اللّذيْن أصبحا يدفعان الجميع إلى متنفّس وحيد وجدوه غير بعيد عنهم بل بين أيديهم. فتراهم يصدحون بالمنكر شتما وسبّا حينا، وبجلباب الأتقياء الأجلاء نصحا ودعاء حينا آخر.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (7) : 165 - 2021/04/01
تكبر «رجولة» وتكبر معها تطلّعاتها، وأصبحت تراودها أفكار طالعتها وبحثت فيها فشغلتها، كما أصبحت تشارك أباها قراءة ما حصل بين يديها من منشورات تعوّد اقتناءها. تكبر «نوفل» وتكبر معها أيضا عقدها التي ما أن تظن نفسها فكت إحداها إلاّ برزت عقد أخرى كبيسة أكثر من قبل. وفهمت أنّ الحلّ لا يكون إلاّ عبر المضي الى الإمام دون الالتفات الى الخلف. عملا بقوله تعالى يخاطب لوطا «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَد ......... إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» . أجل الصّبح لديها قريب. ستصبح «رجولة» كما أرادتها والدتها أن تكون.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (6) : 164 - 2021/03/03
كبرت «رجولة» ابنة «بسمة»، واليوم عمرها ستّة أعوام، وتستعد للالتحاق بقاعات الدّراسة في سنتها الأولى. لقد فقدت العودة المدرسيّة رونقها ونكهتها لتلاميذ الأقسام الأولى باعتبارهم قضوا ثلاث أو أربع سنوات مرّوا من خلالها بالمحضنة، ثم برياض الأطفال، فالسّنة التّحضيريّة التي لا تختلف أقسامها عن أقسام السّنوات الابتدائيّة.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (5) : 163 - 2021/02/04
استعدّت الأخصائيّة لهذه الحالة الخاصّة، وأعدّت لها نفسها رغم ما حفظته من كلام يناسب كلّ المواقف. ولكنّ هذه المسألة معقّدة حقّا لأنّها لم تعترضها من قبل أبدا، ودفعت إليها مكرهة لغياب زميلتها الأكثر منها تجربة في الميدان. ولكن إن وصلنا إلى المرمى لم يبق إلاّ أن نسدّد الكرة ونجعلها في الشّبكة. وسدّدت المرأة كلامها، فاندفع منسابا دون جهد منها، وكان غير الذي أعدّته حيث بلغ الهدف بسهولة باغتتها. تكّلمت المرأة بجوارحها واثقة من نفسها فقالت:
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (4) : 162 - 2020/12/31
أفاقت بسمة ووجدت نفسها في فراشها وحيدة، تتحسّس آثار أوجاع البارحة بين آلام الحوض وآلام غرز التّثبيت أسفل البطن. هل تستطيع النّزول من فراشها لتبحث عن وليدها؟ ما أحوجها لمعرفة أولدا أنجبت أم بنتا. تسرّبت أشعة الشّمس عن غفلة من خلف السّتائر واقتحمت رويدا، رويدا أرجاء الغرفة. وما أن تفطّنت لذلك، ازداد قلقها، وارتفع منسوب الشّوق لديها. لماذا لم يوقظها أحد؟ ولماذا لم يأت زوجها بعدُ؟ أم لعلّه قدم وأبى إزعاجها بعد أن اطمأن عليها وعلى وليدها.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (3) : 161 - 2020/12/03
الغرفة فسيحة، تتسع إلى أربعة أسرّة ولا توجد إلاّ مريضة واحدة يبدو أنّها وضعت وبدأت تتعافى ولم يبطئ التّأكد من ذلك، إذ أقبل أهلها قبل أن يتمّ التّعرف عليها، فاحضروا وليدها وغادروا في فرح وسرور. بقيت الشّابة «بسمة» وحدها بالقاعة، بعد أن تركها الأهل على أمل الرّجوع إليها إن شاء اللّه بعد الخلاص. لم يكن خروجهم سهلا، وكانت بسمة تنتظر مغادرتهم بفارغ الصّبر حتّى يتسنى لها الاستفراد بنفسها، لترتب أفكارها المزدحمة، لعلّها تجيب عن الأسئلة الحارقة التي فرضت نفسها عليها. استلقت على السّرير استجابة لرغبة كم هي أكيدة، وتشابكت أصابع يديها محتضنة أسفل بطنها. هل تحتضن مولودها قبل الوضع وهل تتحسّسه بين يديها شوقا؟ وسرعان ما عاد السّؤال إليها وأعيد عليها من جديد. «هل سيكون لديها ولد غدا أم بنت؟». أجل، إلى حدّ تلك السّاعة، لا علم لها ولا طبيب من العشرة الذين تداولوا على فحصها وكشفوا عنها واستكشفوا جنينها -ممّا جعلها لم تعد تنزعج من كشف أنوثتها للطّاقم الطّبي المختصّ في أمراض النّساء أو غير المختص ولا فرق رجالا كانوا أو نساء – لا أحد منهم أكّد لها جنس جنينها. جميعهم على نفس الكلمة قالوا لها «غير متأكّد. وضع الجنين غير ملائم».
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت (2) : 160 - 2020/11/05
انطلق البحث والتّنقيب على صفحات الفيسبوك لمعرفة سبب غبطة صديقتنا «بسمة» صباح ذلك اليوم في محطّة القطار. ورغم شحّ المعلومات المتوفّرة عنها على الشّبكة العنكبوتيّة، لقلة تفاعلها مع ما يتمّ تداوله وتناقله من أخبار على المواقع الاجتماعيّة، ولأنّها من أولئك الذين يدخلون الأبواب المفتوحة دون استئذان، ولا يتركون أثرا لا بالتّعليق الإيجابي ولا السّلبي، بل يستكثرون النّقر حتّى على أيقونة «لايك» أو «ديسلايك»، إلاّ أنّ الجميع أصبح يعلم الخبر السّار الذي ملأ «بسمة» غبطة، كتمتها في أحشائها ذلك اليوم إلى أن يظهره اللّه بفضله، ولم تنبس بشيء منه إلّا بما فاض من عينيها.
اقرأ المزيد
صرخة في صخب صامت : 159 - 2020/10/01
ها قد استؤنفت المشاورات همسا بين الأهالي، لأنّه عادة ما تسوّى هذه المسائل بالسّتر والكتمان محافظة على شرف الأسرة من الأقاويل، ومن اتساع رقعة انتشار خبر تصدع العلاقة بين المتصاهرين. من العبث أن ندّعي أنّ سكان العمارة الواحدة لا يعرفون بعضهم البعض، ولا يسلّم أحدهم على الآخر، وكلّ في شغل عمّن سواه، والحال أنّ الكلّ يقرأ كتاب الآخر إن بقي لهم كتاب يُقرأُ. بل أصبح الجميع مفضوحين لدى الجميع. لماذا يُطرق باب نُشِر كلّ ما خلفه أمامه؟ ها قد فاح طبيخ هؤلاء وراء بابهم الموصد بكلّ المراتيج، وانتشرت رائحته في كلّ الأرجاء على الفيسبوك والواتساب، والكلّ يرشّ ملحه بالكلمة والصّورة، حتّى أصبح الطّعام أجاجا.
اقرأ المزيد
لا يمثلني أحد : 157 - 2020/08/03
( ... بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ... إنْ كنْتَ حَكِيما فأنْتَ حكيمً لنَفْسِكَ ، وَإنْ اسْتهْزَأتَ فأنْتَ وحْدَكَ تتَحمَّلُ...) من سفر الأمثال الأصحاح التاسع. اليوم أجدني كهلا، وأعتقد أنّني أصبحت راشدا بما يكفي لتكون لي خياراتي وشهواتي ونزواتي في إطار الحقوق والواجبات. اليوم، وبعد أن سلكت طريق الفهم، أصبحت أدرك معنى للحرّية وحدود حرّيتي التي أعيها وأقف عندها.
اقرأ المزيد
لا تغريد خارج السّرب : 155 - 2020/06/04
مازلنا في تونس نتساءل أين نحن من الثّورة وأهدافها. ومازال الشّارع التّونسي مع الشّارع المغاربي والعربي يتابع مآل هذا الحدث الجلل الذي ميّز البلاد وينتظر بشغف أجوبة على أسئلة بقيت ومازالت مبهمة. من قام بهذه الثّورة؟ ومن هم حاموها ومن هم أعداؤها إن كان لها أعداء؟ مازلت أتساءل مثل هؤلاء طالما أراني في ذاتي في قلب الرّحى وأرى الآخر مفردا يغرّد خارج السّرب.
اقرأ المزيد
أخطب زوجتي من جديد : 153 - 2020/04/07
بكل فخر واعتزاز بالانتماء لهذا البلد الجميل بجمال اختلاف فصول السّنة فيه وبجمال اختلاف طقوس مريديه. أفتخر، نعم دون تردّد رغم ما يُنشَر من بؤس عن جهل لا يستغرب من جاهل وآخر لا ينكر في عالم.
اقرأ المزيد
ماذا وراء الضباب : 152 - 2020/03/05
لا تخشى السّقوط طالما بعده نهوض وانطلاق من جديد.‏ للعقل في صفاء الذّهن رؤية شفّافة بعيدة المدى توضّح الأشياء مهما بعدت ‏المسافات. مثله مثل العين المبصرة والأذن الصّاغية -عضوين حسّيين من ‏الأدوات التي يستشعر بها العقل العوامل المؤثّرة على صحّة الجسم الذي ‏يحويه- يشوش الضّباب والضّوضاء الطّفرة التي كانت ستشكّل صورتها.‏
اقرأ المزيد
حالة وعي : 148 - 2019/11/07
هل صحيح أنّ الشّعب العربي يمرّ اليوم بحالة وعي حقيقيّة، أم أنّه لا يبدو إلاّ ‏حالما وسرعان ما تزول النّشوة وتعود حليمة لعادتها القديمة؟ السّؤال يبدو بسيطا ولكنّه في الحقيقة معقّد ويتعقّد أكثر كلّما تذكّرت طرفا آخر ‏يهتم بالمسألة ويمكنه أن يتأثّر منها أو يؤثّر فيها. ورغم ذلك تمرّ البلاد العربيّة ‏بتجربة نادرة قلبت المفاهيم القديمة وقد لا يأتي منها إلاّ خير باعتبار أنّ شعبنا ‏خسر كثيرا وباستمرار وفي كلّ الحالات لا يمكنه أن يخسر أكثر من ذلك، إلاّ إذا ‏ما استمر الحال على ما هو عليه، فعندها لا غالب ولا مغلوب وتستنزف كل ‏القوات شيئا فشيئا تنفيذا لمخطّط أحد المهتمين الواقعيين الذين لا يحلمون ‏فقط بل يعيشون حلمهم في اليقظة المستمرة.‏
اقرأ المزيد
تناغم - اتزان : 146 - 2019/09/04
لماذا للإنسان رجلان؟ على الأولى يرتكز وبالثّانية يتفادى الوقوع عند التأرجح، ‏فيناوب الارتكاز عليها ثمّ على الأخرى، فإذا به يتقدّم ويمشي فيجري. إنّه ‏شكل من أشكال الاتزان يعتمد على التّأرجح.‏
اقرأ المزيد
الميــزان : 145 - 2019/08/01
أيّ الموازين أختار لثقل همّي وأيّ وزن من الأوزان يناسب لحني ؟ لا أعرف لماذا رسخت في ذهني منذ طفولتي صورة الميزان أو الميوْزان أصلا ‏عند اللّغويين، ولكنّني أدرك جيّدا كيف ارتبط مفهوم الميزان لديّ بشخصيّة بطل ‏حركة التّحرير للقطر اللّيبي الشقيق الشّيخ عمر المختار التي تقمصها الممثل «أنطنيو ‏كوين» في الفيلم الذي حمل عنوانه الإسم الرّمز.‏
اقرأ المزيد
حنين : 144 - 2019/07/04
اهتزّ القلب وهفهف. إنّه رجع صدى انتظرته على بابي من زمن بعيد. طُرِق ‏الباب أخيرا، وجاء من رافقني خياله في وحدتي، فلم أشْكُ من صمت ولا من ‏ملل. خاطبته ظلا ّعلى جدار في غرفتي، انبثق من زاوية النّافذة كلّما أطفأت ‏الأنوار وتمدّدت في فراشي. فأسهد معه، ولا أعرف كيف نمت لمّا أستفيق، ولا ‏أجد بالبيت إلاّ قطتي تغتسل وتتمطّى، تنتظر مشاركتي فطور الصّباح. ‏
اقرأ المزيد
مَنْطِحة : 143 - 2019/06/06
لمّا تغيّر موقعك من الأحداث تتغيّر الزّوايا التي تنظر منها إليها. كم هو ممتع أن ‏يشاهد المرء بعيني مولع إلى التّشنج والتّعصّب مباراة أو منافسة يشتدّ فيها ‏الصّراع ويحتدّ الوطيس حتّى يبلغ الاقتتال. ‏ في ميدان المصارعة، إن صحّ التّعبير، أو أسمّيها كما هي «حلبة تناطح الكباش» ‏لأنّ الخرفان لا تتصارع، وجدتني في بحر هائج من البشر انقسموا إلى حشدين ‏تفصلهما بطحاء شاسعة يغلب طولها عرضها أضعافا، خالية من النّاس الذين ‏شدّهم إلى كلّ جهة مغناطيس خلف خطّين مستقيمين دون حاجز كأنّما الطّود ‏الذي شدّ جدار الماء عندما ضرب موسى بعصاه البحر.‏
اقرأ المزيد
علوم صحيحة ‏ : 142 - 2019/05/02
يا جهّال ... يا أغبياء! من ؟ يخاطب من ؟ ماذا يُنتظر من هكذا خطيب ومن هكذا جمهور؟ ‏ لا ألوم إلاّ نفسي. لم أعد ذلك التّلميذ ولا ذلك الطّالب في القسم أنتظر من ‏أستاذي الدّرس حتّى أتلقى منه التّحقير والتّذليل. ولأنّني كنت وقتها حقيقة ‏جاهلا وأريد أن أتعلّم، وجب عليّ حينها أن أقف لمعلّمي وأوفّه التّبجيل ولكن ‏دون شرط مسبق ولا آخر لاحق لأنّ هذا المعلّم أو الأستاذ مهما كبر شأنه ما ‏تواجد بالفصل إلّا للقيام بعمل دُعِي له بمقابل وكان حين يغضب يدير العصا التي ‏كنت أخشاها، بل أهابها أنسب. أمّا اليوم، وأنا خارج الفصل -وصورة العصا لا ‏تبارحني تحمل وجه وبطاقة شخصيّة حامليها من المعلّمين والمعلّمات- لا ‏أخشى النّظام ولا سيفه الحاد طالما سلّط على الجميع بالعدل والمساواة. ولا ‏سلطان عليّ اليوم سوى سلطان العلم الذي لم أكتسبه بعدُ. فأتقرب من ‏منبعه بتودد واحترام وافرح بلقائه فرح القطة بعائلها.‏
اقرأ المزيد
لا أدري كيف؟ ولا متى؟ : 141 - 2019/04/04
متى؟ وكيف؟ أداتان أو عبارتان حوصرتا في ظلمة آخر النّفق ولم تستطيعا ‏لا الرّجوع ولا التّقدم لضياع الأمام خلف الوراء في غياب بريق الأمل. لماذا؟ ‏وكيف؟ أداتان أو عبارتان أخريان توالدتا ونشرتا ذرّيتهما ليغمروا المكان من كلّ ‏حدب وصوب، فجاء الإخوة من كلّ شاكلة لا يشبه أحدهم ولا إحداهم الآخر، ‏إلاّ في الفظاعة والغلظة، فاشرأبت الأعناق وتشابكت الأذرع والتفت السّاق ‏بالسّاق، وضاعت العبارتان المتماثلتان في سوق عكاظ وسط الهرج والمرج.‏
اقرأ المزيد
مجردة : 140 - 2019/03/07
حين مسكت بالقلم، فُتِحت أمامي أيقونة اللّغات فعدّلتها على العربّية بمعاجمها ‏المختلفة، ولمّا وجهته للدواة أبى إلاّ أن يحبّر بماء مجردة.‏ أيّها النّائم، يا تِرْب الأجيال كلّها، جميعهم شهدوا انتشارك وفيضانك والكلّ انتظرك ‏يوما ما بين الخوف والرّجاء. هيا انهض على لسان جيلي الذي تربّى على «سالم ! يا سالم! أفق يا ولدي أما كفاك اللّيل طوله؟» - « ما دهاك يا أمّاه؟ النجوم مازالت ‏في كبد السّماء وأنت ما فئت توقظيني‎ ‎كأنّ النّهار قد انقضى». - «أيّ نجوم وأيّ ‏سماء؟ أنا قلت لك أفق ....» ‏
اقرأ المزيد
تطاول : 139 - 2019/02/07
نعم أنا أتطاول. صرفيّا على وزن أتفاعل، فعل ثلاثي مزيد بحرفين ومصدره ‏تطاوُلً. ولغويا، لا أريد أن أقف عند المعنى المتعارف لهذا التطاول ولا ما يحمله ‏من تكبّر وترفّع حيث أحسِبُني أطول من الطويل وأعلم من العالم وأثقف من ‏المثقّف ولا أنقص من شأني مثقال ذرّة. قد ترونه غرورا لا أدّعيه على من حولي ‏و لا على جيلي، قرؤوا ما قرأت وشاهدوا ما شاهدت وشهدوا ما شهدت، ولا تجاه ‏السّلف من الذين اجتهدوا في قراءة الماضي، فصنعوا حاضرهم وتوجوه بتيجان ‏المعرفة والحكمة، ولكنّني لا أنكره على من ترنّح وربط راحلته برمس الحبيب ‏يبكي ذكراه ولم يبرحه حتّى توقفت عنده قوافل حرنت رواحلها اجتذابا ببني ‏جنسها. ‏
اقرأ المزيد
سماد المدينة : 138 - 2019/01/03
هل من أحد يسمعني؟ هل من أحد ينصت لخفقان قلبي؟ إني أكره أن ‏أبعث أول رسالة حبّ لميت.‏ إنه لمن الأنانيّــة أن يقــدم علـــى الانتحــار (*)، هذا الوغد الحقير تركني ورحل دون ‏رجعــة، لمّـا كنا نسابق ساعات الزّمن سويّا فيُنهض كلّ منّا ويُسند الآخر كلّما ‏تعثّر ويدفعه إلى الأمام قبل أن تلحق بنا إحدى عقارب السّاعـــة. كنـــّا نجري ‏في اتجاهها، لا تخيفنا الإبرة العريضــة البطيئة لقربها من السطح فكنـــا نقفز ‏فوقهــــا دون عنــاء ونجري في الفضـــاء الرّحب لركح العقارب أمام الإبرة الدّقيقة ‏والعالية التي تحصد كلّ من لحقت به وكنّا نتجنّبها وننبطح تحتها حتّى تمرّ ‏فوقنا وفي كلّ مرّة تذرو على ظهورنا وعلى أكتافنـــا بطــلاء جديد لا يكــاد يخفــي ‏ما سبق.
اقرأ المزيد
أنا وسيزيف الحرمة : 137 - 2018/12/06
كلما حفرت في الذاكرة البشرية ازددت قناعة ويقينا أن سيزيف رمز العذاب ‏والتحدي حسب الأسطورة (الميثولوجيا) الإغريقية لا يكون إلاّ امرأة. وما ‏نسبة هذه الشّخصية إلى الجنس الذّكوري إلاّ شاهد آخر على غطرسة هذا ‏الجنس الذي افتك لسيزيف الحرمة شرف تحدّي الموت والوقوف في وجه ‏الإله زيوس وكشف أسراره الشّنيعة. وما صبرها على العقاب الذي سلّطه ‏عليها بأن تحمل الصّخرة إلى الأبد من أسفل الجبل إلى أعلاه وتعود ترفعها ‏بعد أن تتدحرج الصّخرة كلّما بلغت بها القمة، إلا عنوان آخر للتحدّي لا يزيد ‏سيزيف إلا ّكبرياء ورفعة. ‏
اقرأ المزيد
فيضان القلم : 135 - 2018/10/04
الفيضان كلّ ما فاض عن حوض السّيل وتجاوز حدودَه. والفيضان موسميّ ولكنّه ‏عصيّ على كلّ متنبئ حذق ترويض فرسان الغيوم الجامحة على طول جبهة ‏المعركة، تثيرها الكتل والتّكتلات، ومهما باعد بين الأقطاب ونشر من مخبرين ‏يترصّدون ما يفيد في ضبط حدوده وأوانه، ففي غفلة من الجميع ينفلت الفيضان ‏وينطلق يكسّر القيود ويذبّ الحواجز، فيجرف الأخضر واليابس ولا يُبقِي وراءه إلاّ ‏الطّين والوحل الآسن. كم من الأرواح زُهقت غرقى في طيّاته وكم دُفنت في ‏طميه من ضحايا.‏
اقرأ المزيد
غيروا نظاراتكم : 134 - 2018/09/06
الطّقس ربيعي والسّماء صافية أكاد ألامسها من روعة نقاء الهواء. كيف لا ومنذ ‏ساعة هطلت أمطار غزيرة أزاحت كلّ الغبار المنتشر في الفضاء، فغسلت الهواء ‏ثمّ الأشجار والمنازل، فالأنهج والشوارع حتّى بان كلّ شيء برّاقا وتفتّقت الألوان ‏الحقيقيّة للأشياء، فكانت زاهية في كلّ ما حملته الطّبيعة من اخضرار متفاوت ‏الدّرجات والأزهار على كامل الطّيف القزحي من طبقة الأحمر إلى البنفسجي ‏مرورا بالأصفر والبرتقالي . هل يستشعر الحركة من لا يدرك الألوان؟ ‏
اقرأ المزيد
سحابة الكذب : 133 - 2018/08/09
بين العيدين انتظم عيد جديد وانطلقت مبكّرا الاحتفالات بكأس العالم لكرة القدم. وليس بعيدا عن مشارف عيد الفطر وعلى مسافة أسبوع فقط خسرت مصر العربية مباراتها الثانية وغادر الفريق ومرافقوه على إثرها روسيا البلد المضيف وودعوا أحلامهم التي باتت سرابا. صدحت من مصر صيحة فزع لسائق تاكسي هز رجع صداها أركان عالمنا العربي الإسلامي. «عاوزين نفرح! لماذا استكثر علينا رؤساءنا ومسؤولونا أن نفرح؟». ماذا حدث؟ ما علاقة كرة القدم بما يتمناه صاحبنا الذي لم يتحسس بصيص الفرح المفقود؟.
اقرأ المزيد
العيد ... : 132 - 2018/07/05
كم من الحبر سال احتفاء بالعيد ما القصدُ من ذي السطور مزيدُ تمجيد العيد ذكرى زوالِ المحنْ وتحقيقٌ لأمانينا لا عيد نسينا ولا زالت عنا مآسينا هل رجعت هذا العام بعزيز من بعيد
اقرأ المزيد
الشكل أم المضمون؟ (هل يقبل الفن قيودا؟) : 131 - 2018/06/07
تسنى لي مؤخّرا حضور ندوة فكريّة – علميّة حول «المرأة في المسرح التّونسي : الرّهانات والمكاسب» نظّمها مهرجان قلعة المسرح في دورته الرّابعة بدار الثقافة بالقلعة الكبرى. ومكنتني هذه المشاركة من الاستماع الجيّد لمحاضرات نخبة من الأساتذة. وكنت حقيقة استمتعت بمحاضرة أولى موضوع بحث علمي للأستاذ «حافظ الجديدي» ألقاها بلغة موليار -على لسان الفرنسيّين- بثبات وثقة في النّفس وبشكل منمّق أكدّ شاعريّة المحاضر واهتمامه العميق بفنّ المسرح وإلمامه الكبير بأبعاده الفنّية والتّقنية وآثاره الاجتماعيّة والسّوسيولوجيّة خاصّة ببلدان المغرب العربي.
اقرأ المزيد
رجاء أغمض عينيك : 130 - 2018/05/03
هل أخطأ الأديب الكبير «طه حسين» حين شجّع الكتابة بأساليب جديدة ومختلفة وقبل بالشّعر الحرّ عوضا عن الشّعر العمودي؟ ألم يتلقّ انتقادات من كلّ صوب عن دفاعه عن الكتابة باللّغة العامّية عوضا عن العربيّة الفصحى القحّة؟ لا أظنّه ندم على ذلك ولا من بعده. لقد فتح الأبواب على مصراعيها لاقتحام بحر الكتابة الذي أصبحت أمواجه عالية يصعب خوض غمارها. وشقّ بعصا موسى مسلكا في بحور الشّعر ليرتعوا فيها فراشة يسبحون أو على الظّهر، ولمَ لا سباحة صدر أو كما يشاءون حرّة على وزن الشّعر الحرّ. ولا ضرر أن يسبح من أراد ضدّ التّيار.
اقرأ المزيد
نعم ... ولكن ... : 129 - 2018/04/05
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ و هل يختلف اثنان في معنى هذا السؤال الاستنكاري الذي يفيد تقديم من تقدموا على من تخلفوا. وما تقدم الأول في اللغة عن الثاني إلا لرفعة منزلته ولجلال مقامه. وإن شابت الديمقراطية شائبة أو أوخذت بمأخذ واحد لا يكون إلا في مساواتها بين صوت العالم المتعلم وصوت الجاهل الأمي.
اقرأ المزيد
مرافعات : 128 - 2018/03/01
أصبح السّؤال متداولا : «اليوم بعد إقالة المدير العام وتعيين المدير الجديد، ما مآل المدير القديم؟» لماذا يطرح هذا السّؤال أصلا والجواب بيّن في شروط التّعيين في الخطّة الوظيفيّة وشروط الإعفاء منها؟ نقطة الاستفهام هذه قد تبقى قائمة اليوم وغدا طالما لم تنطلِ الثّورة على عقول بعض التّونسييّن وبعض آخر يرى أنّ كلمة «ثورة» لا تناسب ما حدث.
اقرأ المزيد
خيوط العنكبوت : 127 - 2018/02/01
لم يتلق دعوة ولم يرغب في المثول بين يدي من وجدهم حوله. كل الأعين ترمقه بابتهاج شديد وكلّ الأيادي ممتدّة لتتلقفه مستبشرة بمقدمه. هل رآهم؟ هل تعرف عليهم؟ هل تمعّن في تفاصيل وجوههم؟ هل عرّى عريهم وعرف ما يبطنون. لا ليس بعدُ. كيف له أن يعي كلّ هذا في يوم واحد؟. لكي يرى لابدّ أن يكتب على لسان الكاتب الإيرلندي جون ماكغرين. وليكتب لا بدّ أن يعيش ويواجه الشّمس من شروقها إلى غروبها وأن يترقّبها حتّى مطلع اليوم الجديد.
اقرأ المزيد
أضواء الخطر : 126 - 2018/01/04
لم أكن يوما كاتبا محترفا ولم أتعود الكتابة حسب الطلب، بل تعودت الانصياع لخاطري تحت وطأة ضغط ما حولي ألتقط ما يفيض من فوهة القِدر الذي يغلي، فأرتب البخار والهباء المتناثر في تمتمات حسب الطّعم والرّائحة. فإن وعيت متى وكيف بدأت قلّما عرفت كيف ومتى أنتهي، ولا يكون ذلك إلاّ بعد قراءات ومراجعات عدّة. ولا شيء يشجّعني على نشر بنات أفكاري إلاّ براءتها والصّدق الذي فيها.
اقرأ المزيد
فهمت لماذا وكيف ومن تخلى عن من : 124 - 2017/11/02
كيف تصير غنيّا دون أن تفقِر الآخر؟ كيف تؤمّن أهلك وذويك ولا تؤذي أحدا؟ يبدو أن الأمن يمكن بلوغه إذا ما تسلّح الفرد بالحكمة وتزهد من كلّ ما يشدّه بالعالم السّفلي إذا ما ارتقى بنفسه إلى عالم آخر لا يرى فيه نفسه عاريا. أمّا أن تصير غنيّا، فلا يختلف العقلاء والعقلانيّون الذين مارسوا الحياة وخبروا خفاياها، شرورها ومآسيها وتناقضاتها الشّديدة أنّه لا يمكن ذلك إلاّ بالعمل والمثابرة، إذا ما تحدثنا مع أطفال نعلّمهم الأخلاق الحميدة. ولمّا يتعلّق الأمر بعالم المال والأعمال باختلاف أحجامها، يصبح المشهد مغايرا بين التّنافس والعداء وتتطلّب المعاملة مع المنافس أو الخصم أن تعنّفه و.... بالتدرّج إن لزم الأمر، تبعده أو تتخلّص منه نهائيا؟
اقرأ المزيد
أنوار قد تنطفئ : 123 - 2017/10/05
تبقى «باريس» رغم الغيوم التي تغشاها من حين لآخر مدينة الأنوار. ولكن عن أيّ من الأنوار نتحدّث؟ عن النّور الذي قُذِف في قلب الغزالي؟ أم النّور الذي يصيب العين لتبصر؟ أم أنّها تلك الأنوار الضّوئيّة بنمنماتها وألوانها والزّخارف الجميلة، كلّها تثير دهشة الكبير والصّغير وتستهوي الزّوار وتغريهم، فيتوافدون عليها قبلة في موسم رأس كلّ سنة ميلادية. أم عن أنوار أخرى أحرى بنا أن نتحدّث، فتحت العقول وأنارت السّبل؟
اقرأ المزيد
سي بوراوي والموجة : 121 - 2017/08/03
توقّف الرّجل، طويل القامة ونحيل الجسم، تبدو ثيابه نظيفة ومتناسقة وتمّ كيّها بعناية شخص ما. يده معلّقة إلى أذنه تحمل هاتفا جوّالا لم يكد يظهر في كفّه من فرط صغر حجمه. بان شيب صدغه وانتشر على خصلات الشّعر التي انسدلت طويلة ملتوية الأطراف. لمّا كانت يده المنشغلة بالهاتف ثابتة خلف جدار الشّيب، كانت الأخرى كثيرة الحركة مضطربة تسأل وتجيب، تتوسّل وتتهدّد وأحيانا تثور، فتضرب الهواء تارة بعنف فتدير الرّجل حول نفسه من فرط تدحرجها واليد الأخرى بما فيها لا تتزحزح عن مكانها حتّى لا تقطع حبل التّواصل مع المخاطب. كان يحاوره بل يعنّفه بغلظة وكلام بذيء يعلو ولا ينخفض. تراجع الرّجل الآتي من طرف الرّصيف النّائي في اتجاه بهو المحطّة يتكاثر نحوه تدريجيّا عدد المسافرين والمسافرات المنتظرين حلول القطار. لمّا اكتشف الرّجل نفسه يقترب من النّاس توقّف واستدار ليواصل مشيه وترنّحه في الاتجاه المعاكس. التقطت منه أنا، من كان أكثر النّاس تطرّفا بعيدا عن ضوضاء البهو، كلّ ما قاله تقريبا من سبّ لنفسه وجلد لذاته، وكم مرّة أعاد لمخاطبه «أنا ما ادعيت الرّجولة. أنا لم أعد رجلا» وأكثر من ذلك بكثير كان يسبّ الآخر عبر الذّبذبات بأبشع النّعوت وأخزى الصّفات وبأقبح الكلام .
اقرأ المزيد
التحدي (3) ما بعد الانقلاب : 119 - 2017/06/01
عاد المشغل إلى سالف نشاطه ودارت دواليب المكنات على عادتها بنفس الأعوان الذين تعوّدوا على رتابة الحركة وانسجامها. فلا يكتمل المنتوج إلاّ بلمسات المرحلة الأخيرة التي تخصّص للتّعيير ومراقبة الجودة بعيدا عن ضجيج الآليّات.
اقرأ المزيد
تحدي ... (2) شرعية الانقلاب : 118 - 2017/05/04
غادر حسن ولم يغادر طيفه قاعة الاجتماع بل التصق بالجدار معلقا إلى جانب الصور التغادر حسن ولم يغادر طيفه قاعة الاجتماع بل التصق بالجدار معلقا إلى جانب الصور التذكارية لمديري المؤسسة السابقين الذين أفنوا وقتهم في التأشير على الملفات وإمضاء الوثائق والاستماع إلى هذا وذاك وانتقاء ما توفر من أخبار تفيدهم في أخذ القرار الذي يؤمن استقرارهم.
اقرأ المزيد
تحدّي : 117 - 2017/04/06
«حسن» رجل بسيط لا يجرؤ على رفع عينيه في وجه أحد، لم يقرأ ولكنه متعلم واكتفى بما يعلم فلم يشوّش تفكيره بما لا يعنيه. وفي موجة الاكتئاب التي يمرّ بها أعوان وعملة المؤسّسة لم يتغيّر «حسن» وبقي لا يبالي بما حوله. «حسن» ليست لديه قضيّة ولا مشكلة مع قريب ولا بعيد، فلم يفقد بسمته النادرة التي لا يعرضها مجانا إلاّ على من ارتضى ولا أظنّني منهم لأنّني لم يتسنّ لي اقتناصها إلاّ خلسة لمّا ألمحه عن بعد يعمل منجله الصّغير في شجيرات الحديقة.
اقرأ المزيد
هل أتاكم حديث الكرامة (2) ألوان باهتة : 116 - 2017/03/02
في سباق شديد التنافس على التبكير، يتوافد الأهالي على السوق الأسبوعية التي بدأ الاستعداد لها منذ عشية الأمس في سباق لا يقل تنافسا عن الأول على حجز أماكن وفضاءات الانتصاب. باعة متجولون بين سوق وسوق كادحون يبيتون لياليهم خارج أفرشتهم وبعيدا عن دفء عائلاتهم.
اقرأ المزيد
هل أتاكم حديث الكرامة : 115 - 2017/02/02
الليل شتوي والبرد قــارس وقاعة الانتظــار شبه فارغة في ساعة متأخّــرة من اللّيل. ليل لا يدرك طوله من كُفّن في فــراش وثير في بيت جدرانه وهاجة فاستسلم لنوم لا يفيق منه إلاّ بمنبّه. أمّا من لا مأوى له وتركه الزّمان على حافّة ستار اللّيل، فمن أين يأتيه النّوم على حافّــة مقعد خزفي بمحطة القطارات أو بزاوية على قارعة الطّريق تسرّب من خلالها دفء رواد المقاهي والحانات التي لا تــدور دواليب الزّمن داخلهـا وخارجهــا بنفس السّرعة، فلاذ إليها روّادها لابتلاع السّاعات بلعب الورق أو الحديث حول «حارات» القوارير المتراصّــة على الطّاولة؟. فما أحــوج من تُــرِك بالخارج لمفتــاح الولوج خلف باب وبقي أمامه يقضم الدّقائــق من الزّمن المتوقّف.
اقرأ المزيد
حجر الوادي : 114 - 2017/01/05
تمر السنوات وتنساب ببطء أحيانا ومسرعة أحيانا أخرى رغم دقّة انتظام جريان المنظومة الشّمسية كلّ في مستقر له والكلّ في فلك يسبحون. وما تسارع الزّمن في فترات من عمر الإنسان إلاّ إحساس ينبع من حدّة الضّغط النّفسي. اعتبر شخصي من المحظوظين في العالم أنّي تونسيّ المولد، معاصر لهذه الفترة من الزّمن بما انطوت عليه من تقلّبات ونزاعات شرقا وغربا، جنوبا وشمالا. وبما أنّ عمر الإنسان لا يقاس بطول السّنين التي مرّت عليه ولكن بأثرها فيه، ورغم اختلاف التّأثر من شخص لشخص آخر بمدى قدرة التّحمل، فإنّ العقدين الأخيرين لم يمر خلالهما الزّمن على عادته بل تدفّق سيلانا جارفا ترك خلفه أخاديد عميقة في ذاكرة الجميع وأحرف غليظة في سجّل التاريخ.
اقرأ المزيد
إعصار : 113 - 2016/12/08
تشدّ الأوضاع الجويّة اهتمامي وتستهويني شدّة عنف عواملها تنفخ البرد والحرارة، فتهبّ الرّياح العاتية تهيّج أمواج البحر وتثير رمال الصّحراء. كلّها تقلّبات عنيفة تحدث في فصول مميّزة، إن فاتت الحدّ تأتي على الأخضر واليابس فتتلف الممتلكات وتقطع الأرزاق. ومن حين لآخر تنفرد إحدى هذه الظواهر خارج الموسم، فيكون أثرها مباغتا وأكبر وضحاياها أكثر وكلّها فصلّية كانت أو منفردة ولا تزيد إلاّ من معاناة البشر.
اقرأ المزيد
مرٌّ قبلُ وبعدُ : 112 - 2016/11/03
رحم الله امرؤً ما ادّخر لنفسه إلاّ محبّة النّاس فتلاحقت له الأدعية من قلوب صادقة تؤثّث له موقعا في جنّات النّعيم. رحم الله والدتي ما ادّخرت لنفسها إلاّ رضاء من حولها، فكانت ما عاشت شمعة تذوي لتضيء سبيل من خلفتهم يهتدون بنورها الفيّاض. رحم الله كلّ الأمهات رحمة لا تُستكثر ممّن رضع حليبا وشرب من عصارة الجهد ما عاشت الأمّ، واستساغ بعد مماتها ما زهدت فيه لا عن بخل عرفت به ولا عن كثرة مال ولا ترف، بل في زمن العوز والاحتياج ادّخرت ما قد يشفي العطش والجوع. فلم يُدرَك فيض عطائها إلاّ لما غيض ماء العين.
اقرأ المزيد
امرأتنا بعد الثورة : 111 - 2016/10/06
كنت أظنّ أنّ مسألة المرأة وتحرّرها من سلطة أخيها الرّجل مدعومة بسلطة المتديّن وسلطان الجهل تمّ البتّ فيها نهائيّا بعد خوض صراعات ومعارك عادلة آلت في الأخير للجانب الأقوى. نعم إنّها امرأتنا على لسان «الطاهر الحداد» التي بانت الأقوى لصبرها على تحمّل الخسائر دون انهزام ولما لقيته من دعم من نظيرها أخ كان أو زوج أو صديق، تمكّنت من إقناعه بمشروعيّة حقّها في التّحرر والعيش الكريم جنبا إلى جنب. تلك المرأة ذات البنية الواهنة والتي جُبِلت بتحوّلات فيزيولوجيّة تستفرغها وتستنزف قواها باستمرار، أظهرت طاقة تحمّل للتّغيرات التي تعتريها وتشبثّت بإيمانها بقضيتها العادلة وبشرعيّة حربها على من اضطهدها دينا كان أو مذهبا أو فكرا. كم نتمنى فضّ النّزاعات بقبول الآخر والعيش معه جنبا إلى جنب فالتّجربة تستحق الذّكر والنّظر.
اقرأ المزيد
نحن والسعادة : 110 - 2016/09/01
قدمت السعادة كشعور ذاتي للفرد يعلو وينخفض بارتفاع وهبوط نسبة هرمون الأندروفين حسب أهل الاختصاص. ولكن هل يشفي هذا التعريف عطش ظمآن قضّى حياته من سراب لسراب يحسبه في كل مرة سعادته المنشودة حتى إذا ما أتاها لم يجد شيئا، ووجد عندها توصيفات جديدة أتته وَسْوَسَة فأقنعته أن السعادة في الدنيا ما هي إلا وهم وما السعادة إلا في الآخرة.
اقرأ المزيد
الثورة والعمل : 109 - 2016/08/04
أقلّ الثورات ضررا وأقلّها تكلفة ثورة تونس التي مازال شبابها وشيوخها ينتظرون مستحقّاتها الضائعة بين مفردات ضبابيّة المعاني تحلّلت وذابت في واقع طغى عليه غياب الوعي الاجتماعي واضطراب المفاهيم العقائديّة. حملت هذه الثّورة منذ أيّامها الأولى ألغازا حيّرت المحلّلين السّياسيين والمهتمين بالشّأن العام فسال حبر كثير ليلطخ عديد الصّحف بالتّقارير المبنيّة على الظّنون وسال حبر آخر لا يقلّ أهميّة للتّكذيب والسّب والتّقريع. لماذا تأخّرت كتابة أحداث هذه الثّورة التي لا تزال غامضة؟ أَلِجفاف الأقلام في عهد أصبحت الكتابة دون قلم ودون حبر؟ أم لغياب المنتصر الذي تعوّد كتابة التّاريخ وتوثيقه عاجلا دون تردّد. أين المنتصر في هذه الثّورة؟ وإن كان لابدّ من منتصر، فأين المنهزم؟
اقرأ المزيد
الانسان : 108 - 2016/07/07
رأيتني فيما رأيت في نشوة لا ينظر إليّ أحد ولا أحد يتعقّبني. رأيتني إنسانا حرّا كرّمه ربّه وميّزه على جميع المخلوقات بقوله «لا». لأنّ آدم عصى وما غوى تعرّى وانكشف له السّيئ القبيح، ومن حينها حمل الإنسان وزر أبيه وبقي ابن آدم حيران تعتصره الهواجس، أين الخير من الشّر وما القبيح والحسن؟ وتُحطِّمه الشكوك والظّنون، أين التّقوى من الفجور؟.
اقرأ المزيد
رياضة رمضان : 107 - 2016/06/02
قطع المسافات عدوا أو سباحة أو على صهوة جواد والجري خلف كرة كبيرة وصغيرة رجالا أو ركبانا لدفعها ركلا أو بمضرب لتستقر في الهدف، وقفز طويل بأدوات مختلفة ووثب بزانة وتسلق جدران صخرية جبلية كانت أو لبنايات عصرية وداخل المدن العتيقة، كلها ألعاب رياضية جديدة وقديمة شاعت واشتهر بعض من أتقنها ونجح في التميز في حذقها.
اقرأ المزيد
لم تنفلت ناعورة الهواء : 106 - 2016/05/05
وقفت أتأمل ناعورة الهواء مستحضرا الفارس المهووس «دون كيشوت» بطل إحدى روائع الأدب العالمي، عندما راح الفارس الحالم يقاتل كلّ من اعترضه وخالفه الرّأي وعارضه. ها هو تحت خوذة مميّزة كما صوره بعض المبدعين وقد ركب حصاناً هزيلاً يصارع ناعورة الهواء متسلّحا برمح وسيف ومدرّعا بالقديم ممّا خلّفه له أسلافه. حارب «دون كيشوت» بسيفه ورمحه أشرعة ناعورة الهواء التي لم تكترث به وواصلت انسيابها مع النّسائم تعدّل واجهتها نحوها لتحصل على أكبر صفعة لأكثر اندفاع. وفي حركتها المتردّدة، متسارعة أحيانا ومتخاذلة أحيانا أخرى، لم تنس النّاعورة ممازحة زائرها العنيد المتشدّد لعلّه بلغها من النّسائم المواتية مأساته وخباله، فقبل أن ينصرف ركلته على مؤخرته ساخرة منه، ونقش الزّمن هذه الواقعة بتصرف عن الكاتب الاسباني «ميغيل دي سرفانتس» عبرة للأجيال التي تعلمت القراءة واختارت ما تقرأ واستفادت ممّا تقرأ.
اقرأ المزيد
عصير السحاب حلال : 105 - 2016/04/07
كثرت انتقادات النّشرة الجويّة التي يعدّها عدد غير قليل من خبراء المرفق الوطني للرّصد الجوّي بالاعتماد على التّطبيقات العلميّة والفنّية المتاحة والمتطوّرة ثمّ يقدّمها إعلاميون ومنشّطو برامج القنوات التّلفزية. وطالت هذه الانتقادات لتلاحق أخصائيّي الرّصد في سعيهم لمشاغلهم اليوميّة يؤاخذونهم بزوال البركة من النّشرة الجويّة لتبرّج الشّابة مقدّمتها وتعرّيها وعدم ذكر الله في نصّ التّوقعات.
اقرأ المزيد
راية العلم : 104 - 2016/03/17
كيف لا أتأزم ولا أتألم؟ لم أعرف ممّن حولي من التّونسي حقّا؟ نعم أكلني الشّك ونال منّي حتّى وجدتني غريبا بين أهلي وأحبابي. كنت أظنّ أنّ تونس وطن بحدود جغرافيّة يضمّ شعبا كما ثقفته يجمعه إطار واحد من الثّقافة والعادات ومجتمعات اتّحدت على أرض واحدة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
اقرأ المزيد
صمت ابن خلدون : 103 - 2016/03/03
أيّها الشّيخ الجليل، صاحب البرنس الأخضر والعمامة المتواضعة أندلسية بل لا شرقية ولا غربية، يا حارس «باب البحر» نبض المدينة ويا وريث موقع قدمي الكاردينال «لافيجري» ركّزته الكنيسة حارسا لها لعقود طويلة حاملا إنجيلها ومركّزا الصليب بشعابنا، هل حدّثتنا عن ما يحدث بجواريك يمينا وشمالا وهل عرّفتنا بمن يشغّل الدمى والعرائس المتحركة على خشبة المسرح أمامك غير بعيد عن ناظريك متطلّعا الأفق البعيد وراء البحر.
اقرأ المزيد
ارشيف : 102 - 2016/02/18
كثرت مشاغلي وتعطلت شؤون مستعجلة لم أوفّق في تصريفها وازدادت تعقيدا كلما حاولت تفكيكها. كنت أجدني أؤجل كل يوم مسألة فأحفظها في سلة المحفوظات أرشيف همومي. ارتفعت أكداس ملفّاتي حتّى صارت اليوم أبراجا عالية مائلة ترضخ تحت الضّغط المتنامي فتهدّد بالانفلات والتّرامي. كنت في زمن الانبساط أعالجها أوّلا بأول وأحيانا ولتخفيف الوطء، تصرف المسألة الأخيرة أوّلا. وبدأت التّراكمات منذ حداثة عهد التّسويف، عهد الرّفض بدون لا. ولازلت أحفظ عن أبي مقولةً شائعةً:
اقرأ المزيد
تونس وجائزة نوبل : 101 - 2016/02/04
نالت تونس جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 لنجاحها في تأمين الانتقال الديمقراطي بعد ثورة الرابع عشر من جانفي. هل استحقت تونس هذا التشريف؟ سؤال طرح ومازال يطرح باستمرار على الرأي العام عبر مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمنابر التلفزية بين من مثلي معجب مفتخر وآخر غير مقتنع قد يكون له مبررات لموقفه.
اقرأ المزيد
أي سلم؟ : 100 - 2016/01/21
اعتمدت ثقافتنا على أنماط أدبية مختلفة للتواصل ومعالجة مسائل عامة وخاصة والغوص في ثناياها. أما غير المباح فقد تعدّاه الأذكياء من الكتّاب والقرّاء بالرّمز شعرا ونثرا. وعلى خطى «ابن المقفع» و «لافنتان Lafontaine» أسرد لكم هذه القصة القصيرة، لعلي وإياكم ممّن يستخلصون العبر. وضعت كلبة حراسة جروين توأمين وُلعت بهما ولعا شديدا. فكنت أطعمهما بيدي وأعدل بينهما وقد بان ذلك في تشابه النسختين وتلاءم الشكل بالمضمون إلى أن كبرا واشتدّ عودهما وأصبحا يعولان كلّ على نفسه. وواصلت عنايتي بهما بالعدل الموصوف، فجعلت لكلّ منهما إناء ما أن أقدّمهما يتهافت الجروان على الطّعام فيلتهمانه بسرعة فائقة ويلعق كلّ منهما إناءه فلا يتركه إلاّ نظيفا برّاقا.
اقرأ المزيد
محمّد صلى الله عليه وسلّم فوق كل اعتبار : 98 - 2015/12/25
لم أتعود على كتابة المقال الصحفي الذي يُعنى بالأحداث اليومية والمناسباتية وتركت هذا المجال لأصحاب الشأن الإعلامي وعوّدت نفسي على أن لا أخط إلا ما فاض عن خاطري وثقل حمله بعد مخاض طويل تليه ولادة عادة تكون عسيرة وأحيانا قيصرية. ولادة كنت قدمتها مشروع مقال أحرج صاحب المجلة فلم ينشرها إلى هذا اليوم لما فيها من صدق.
اقرأ المزيد
مناخات وطقوس : 97 - 2015/12/11
لا يتمنى المرء لهذه البلاد إلا الخير. وإن اختلف الناس في معنى الخير وظواهره وكيفية تحقيقه –وإن كان أحيانا عبر الجوائح والمحن- فهم لا يختلفون حول معاني الشر الذي قد يلحقهم من وراء المصائب والنكبات. للناس حدس يستشعر قرب حدوث الفاجعة ومدى الضيم الذي قد ينزل بهم والعناء الذي سيتكبدون. ولمّا يصيب الأمّة مكروه يقدّم العلاج بتضميد الجراح وتسكين الأوجاع رحمة بالضّحايا ثم بعد ذلك يستوجب وقائيّا تحديد الأسباب وأخذ التّدابير اللاّزمة لتفادي عودة الوجع. وبقدر ما تهمّ معرفة من كان السّبب تهمّ معرفة السّبب ذاته وليتكفّل التّاريخ وكتبته ببيان وتدقيق مجريات الأحداث وتمحيص الحقيقة وتوثيق زلاّتنا ونجاحاتنا وأنّ يخبر الأجيال القادمة بتفاصيلها فيمجد المصلح وينكل بالمفسد عبرة لمن يعتبر.
اقرأ المزيد
الخدمة العسكرية : 96 - 2015/11/27
لحوظا في المشهد الإعلامي الذي بدأ يميل نحو الاستقرار بعد المدّ التسونامي النّاتج عن زلزال الثّورة والذي اجتاح السّاحة وأغرقها فاختلط الحابل بالنّابل وغابت الحقيقة تحت الأنقاض التي خلفتها أمواج الباطل. فقد تراجع المدّ ولكن منسوب المادّة بقي عاليا ومجال الحركة واسعا ومدى التحرّك بعيدا وشاسعا بقدر ما قد ينبئ البعض وقد يحقّون، أنّ لهذه الثورة التي قادها ذات يوم شباب هذه الأمّة صباحٌ بدأت أشعته تنتشر وتنير لولا بعض الغيوم الدّاكنة أحيانا مازالت تؤخر فجره .
اقرأ المزيد
جنون البشر : 95 - 2015/11/13
ظواهر جديدة بدأت تطفو من حين لآخر نتيجة اختلال الطبيعة، منها مرض الجنون الذي أصاب البشر كما سبق وأن أصاب قطعان كبيرة من الغنم والأبقار. مرض استعصى على البياطرة وعلى مربي المواشي الذين بغرض الربح السريع أو لمغالبة الكلفة المرتفعة، سارعوا للحلول السهلة دون علم بما قد ينجر عنها من أخطار.
اقرأ المزيد
مصافحة لخبير الاصطخاب (ليوناردو دافنتشي ونهضة تونس) : 81 - 2015/04/30
أطلعني صديق لي خبير في العلوم الفيزيائية كيف يُقبل على تفكيك وتفسير ظاهرة «الاصطخاب» في اندفاع المواد السائلة. فيبدأ الدرس بعرض لوحة الفنان «ليوناردو دافنتشي» المشهورة «توربُلنزا» ويبين للطلبة مدى حدس الفنّان وإحساسه بالقوى والعناصر الفيزيائيّة قبل أن يثبتها العلماء من ذوي الاختصاص.
اقرأ المزيد
إذا خاب التلميذ فاللوم على المعلم : 80 - 2015/04/16
إلى والدي الحبيب الذي افتقدته في الظروف العصيبة. رحم الله زمانا ومن عايشه من المصلحين والأبطال والمجاهدين. نعم مجاهد كل من خط بالقلم لينير العقول ومجاهد كل من أعمل المعول ومجاهد كل من - على لسان الشيخ إمام - «يغرق في أنهار العرق طول النهار ويلمّ همّو في المساء ويرقد عليه»، مجاهد كل من كابد وصارع فغالب الجهل والفقر ومجاهد كل من صنع المهندس والطبيب. كلما تعودني الذكرى، تتوالى بخاطري معرض صور عالقة لا يمحوها الدهر لهؤلاء الأبطال الخارجين عن كل المقاييس. كيف أقاس بمن لا يخضع لمقياس؟ أين أنا، عفوا! في لغتي العربية - أفصح وأكثر اللغات ثراء- لم أجد صيغة تصغير للأنا، فأقول إذن أين أنا هذا القزم من ذاك الأب العملاق؟ ألا يكفيه فخرا ذلك الذي تعلقت همّته بأن ينهل ابنه من العلوم بالقدر الذي يحقق آماله ويدعم ذاته باعتبار فضل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، والذي أبى إلا أن يعيش أبنه أكثر منه رفاها. ولكنني شاهد على فشلي وخسارتي في ما نجح فيه وفاز والدي.
اقرأ المزيد
هذه النيازك من حولنا : 79 - 2015/04/02
لا مناص للأرض من تهديد النيازك التي تحول حولنا ولا خوف منها ما دامت في مستقر لها، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون. ونرى من حين لآخر شهبا قليل من الناس يدركون ماهيتها ومآلها وما قد ينجرّ عنها. ويركض خلفها آخرون ممن يجري وراء ندرة معدنها. ينكبّ الباحثون في العلوم الفضائية على رصد وجرد مواقع ومسارات الأجرام من حولنا ويتوقّعون انحرافاتها الممكنة. وقد أمكنهم تحديد قائمة في النيازك المحتملة حسب درجة الخطورة. وانخرطت الأمم المتحدة في وضع خطة استباقية لتجنّب دخول أي جرم خبيث أجواء أرضنا الحبيبة. ويتمّ التفكير جدّيا في كيفيّة التّعامل مع كل جرم خرج عن مساره العادي والمتعقل ومال وحاد عن الاعتدال الذي يقيه التّصادم.
اقرأ المزيد
أيّ الضمائر تحكمنا؟ : 77 - 2015/03/06
الآن وبعد أن تمّ التّنصيص على حرّية الضّمير في الدّستور التّونسي، ورغم تواصل اللّغط بين مؤيّد ورافض لهذا الخيار الصّعب بسبب إمكانيّة امتناع مواطن عن أداء الخدمة الوطنيّة إن كانت تتعارض مع قناعته الشّخصيّة التي تكفلها له هذه الحريّة، أستغرب ممّن يدّعي ذلك باعتبار أنّ الدّولة يمكنها محاسبة الممتنع عن الخدمة العسكريّة لا لما يعتقده واقتنع به ولكن لمخالفته لقوانينها فعلا لا عقيدة، وباعتبار كذلك أنّ المصادقة على أيّ قانون قد تتمّ بنسب دون الإجماع أي أنّ كثيرا يعارضون القانون كمشروع ثمّ يصبح ملزما لهم ولزاما عليهم العمل به مباشرة بعد المصادقة والإصدار.
اقرأ المزيد
اعمل لدنياك ... : 49 - 2014/02/06
وضعت تونس دستورها. قيل من البعض أن المولود وضع ميتا وكبّروا عليه أربعا ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال آخرون أن ما ولد ميتا إنما هو حلم من أراد التفرّد بالدستور ليشكله على مقاساته ويوهم الناس بأن المولود من صلبه. ولمّا حمي الوطيس بين هذا وذاك يتنازعون حياة المولود من موته، استشرت صاحبة الأمر فجاءني جوابها في غفوتي وترسّخ في يقظتي واضح الرؤية لا يشوب الخطاب نقص ولا تردد. قالت : « كنت، كلما أومأت على جيراني من وراء المتوسط تنتابني الغيرة وأشفق على من مثلي تلد ولا تعتني بالولد.
اقرأ المزيد
و أخيرا نجحنا.. : العدد 47 - 2014/01/10
تونس بلد ليس ككل البلدان. تونس موضع فخر واعتزاز بشعبها ونخبها وموروثها الثقافي المنقى من جملة الحضارات التي توالت عليها عبر آلاف السنين. لقد اعترف المستعمر بشجاعة آبائنا وأجدادنا ووثق بسجلاته أسماء العديد من أبطال التحرير وغفل كما غفل مؤرخو الحركة الوطنية عن ذكر آخرين كثيرين لم يشهروا نشاطهم تواضعا لوطنهم واعترافا له بأحقية الدفاع عنه دون منة ولا رياء. لقد انفتحت البلاد التونسية على بلدان صديقة كانت بالأمس معادية تنهب ثرواتها فبنت معها علاقات صداقة مصلحة وهي ما تصنف بالعلاقات الدبلوماسية الضرورية بين الدول وخاصة المجاورة منها. وهكذا استفاد التونسي من مستعمر الأمس الذي لم يكن ساذجا حتى لا يستفيد هو بدوره من التونسي الذي كان يرنو إلى تحقيق أهداف غاية في الأهمية وقد نجح في ذلك حيث تمكنت تونس من تكوين نخب تعلمت في مدارسهم وبلغتهم فعرفت قراءة أفكارهم ومجابهة خططهم لتعديل كفة الاستفادة من هذه العلاقات الدولية التي لا غنى عنها.
اقرأ المزيد
عرش ومسمار : العدد 45 - 2013/12/13
إنها حكاية ثورة لم افهمها لأنها لم تدخل التاريخ بعد ولازال الغبار يتراكم على أحداثها فيظلم زواياها. انهار عرش البلاط بهروب ساكنه وانقض العامة عليه يتنازعون الانفراد به. وسرعان ما فهم الجميع أن العرش يجب أن لا يجلس عليه إلا حاكم واحد يكون من خيرتهم. واحتاروا من سيكون هذا الذي سينسيهم فساد من سبق في ماض قريب. وادّعى كل فريق أن لديه الأكفأ لتسيير شؤون البلاد والعباد. طال النزاع على امتلاك العرش ولو لفترة لعلّها تطول ويؤمل أن لا تنتهي. وكلما طال التفاوض وفقد أحد أطراف النزاع الأمل في السيطرة على العرش، دق فيه مسمارا حادّ الشوكة. وإن اختلف المتنازعون في التوافق على تحديد الأجدر بالعرش، اتفقوا بسوء نية أن يزرع كلٌّ مسماره.
اقرأ المزيد
تنمية مستديمة - حج الامتياز : العدد 41 - 2013/10/18
كان الشاب يدرك عن يقين قدرات والده المالية التي يمكنه استثمارها والاستفادة منها كما يأمل تشريك العديد من أصدقائه من العاطلين مثله عن العمل. سأل والده يوما : «بابا، لقد طال انتظاري للحصول عن شغل وتضاءل الأمل بتزايد عدد المتنافسين على عروض الشغل التي أصبحت أكثر شح يوما بعد يوم. فما قولك في أن نتدارس الوضع المالي للعائلة ونضع خطة للتعويل على أنفسنا فأعمل لحسابك فأستفيد وأفيد.» قطب الرجل وانشغل فكره لفترة طويلة كأنه يفك مسألة حسابية عسيرة، ثم رجع لمن حوله وكانت الزوجة تتابع حديث ابنها ولم تخف فخرها برأس مالها ذلك الشاب وبرجاحة عقله، وبعد تململ وتعثر قال رب البيت : « بني لا تحمل هما، إن بعد العسر يسرا، اصبر وسأعينك بما في وسعي ولن أبخل عليك بما تطلبه من مصروف يومي حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.» ورفعت الجلسة العائلية الضيقة وانصرف الشاب يحفزه أمل كبير يما سمعه من أبيه من استعداد للمساعدة .
اقرأ المزيد
رسالة أولى لابن بالمهجر : العدد 39 - 2013/09/20
القلعة الكبرى في 09 سبتمبر 2013 الحمد لله والعزة له وحده لا شريك له. ولدنا، كبدنا يمشي على أرض بعيدة يفصلنا عنه بحر شاسع غالبه العقل المجتهد والخيال الذي لا يعرف حدودا فجعل ولدنا بالقرب منا هنا نراه ويرانا نسمعه ويسمعنا. الحمد لله الذي مكن للإنسان من العلم ما صلح ومن العزم ما صنع والذي بفضل ربه ساس ما سخّر الله من خلقه وألان الصلب وميعه وصلّب السوائل وغالب من الصعاب ما كبر حجمه أو صغر. ولدي، ما دفعني غيابك الذي هان للكتابة ولكن عملا بما أخذنا عن آباءنا واستئناسا بآثارهم ومآثرهم التي نستنير بها، من هؤلاء من كتبوا لفلذات أكباد مهاجرة يحفزونهم ويشدون من عزمهم في غربتهم البعيدة. أنا (فلان) أكتب لابني في غربة لا كالغربة فهو قريب وإن بعد. أكتب لك ابني بأسلوب تقليدي يثبّت تواصلا لا يمكن لما توفر اليوم من وسائط أن يبلغه. أكتب لك ابني بالخط على أسطر علمتك قراءة ما بينها فلا تغفل، واحرص على القراءة وإعادة القراءة فإنك ما لم تدركه الساعة لا مناص فهمه ساعة أخرى. أكتب لك ابني بقلم لا كالقلم وبحبر لا كالحبر ولكن ما يخط على صفحة بيضاء مثل أول صفحة يقرأ كما قرأت كل الصحف.
اقرأ المزيد
غليون : العدد 38 - 2013/09/06
انشر استعمال النرجيلة بالمقاهي والفضاءات العمومية بشكل أصبح يثير قلقا لدى غير المدخنين وكنت واحدا منهم. كنت أتجنبها ما بوسعي إلا أنها أصبحت تطاردني أينما جلست لاحتساء فهوة صباحية كانت أو مسائية مما دعاني إلى أن أبحث عن أصلها وعن أسباب تفشي هذه الظاهرة. وقادني البحث الذي أجريته إلى تبيان علاقة مثيرة بين ما يحدث في سوريا وغليون أنستني النرجيلة ومشاكلها ووقفت عند معرفتي بانتمائها لعائلة الغلايين. معلوم أن الغليون أداة للتدخين استعملته العديد من الشعوب في أشكال وأحجام مختلفة. وقد دخَّن الناس التبغ بالغليون منذ عهود قديمة، وكان الهنود يُدخنون التبغ أثناء احتفالاتهم الدينية. وإن اختلفت الغلايين في الشكل ومواد تصنيعها فلا تختلف في أنها تستخدم في تصفية وترشيح الدخان من المواد الضارة بنسب مختلفة وتؤمن كلها تواصل اشتعال التبغ داخل الوعاء أو الموقد وتعمل الساق على تبريد الدخان قبل وصوله إلى فم المدخن. واكتشف الأميركيون الغليون مع الهنود المحليين أما الأوروبيون فقد تعرفوا عليه مع وصول المهاجرين من إفريقيا وآسيا، فطوروا الغلايين باعتبار تطور المواد المستعملة و نقشوا الكثير من الرسوم اليدوية على أوعيتها وسيقانها. أما الفرنسيون فقد زادوا اهتماما بالغليون فكونوا له نواد ومعارض ووثقوا تاريخ الغلايين بفرنسا وخارجها. وآخر غليون أنتجته لم تُسمه كمعظم الغلايين التي تحمل عادة أسماء نوعيات الخامة المستعملة في الوعاء. فالغليون الأخير من أصل سوري من مدينة حمص بالتحديد احتفظ بما لقب به.
اقرأ المزيد
الشارة : العدد 36 - 2013/08/09
تعود المرور بشارع الحبيب بورقيبة صباحا في اتجاه مقر عمله ومساء عند عودته منه. وفي يوم وبالقرب من وزارة الداخلية شدت نظره قطعة معدنية بين الأرجل التقطتها بحس ورثه عن والده الذي كان يجمع النقود القديمة وكان يساعده في تنظيفها وتلميعها وتسجيل تاريخ إصدارها والعهد التي تعود إليه. ويذكر أن غالبية القطع التي تناولها تعود للدولة الحسينية. وضع القطعة أمامه يتفحصها فتبين له أنها من الشارات التي تعلق بقبعات أعوان الأمن وتحمل شعار الجمهورية وقد طمست معالمه. وبالأدوات التي مازال يحتفظ بها شرع في تلميعها فبان له في أعلى الشعار الهلال والنجمة الدالان على العلم تلألآ حالما مسّح عليهما ثم انتقل أسفل يتحسس معالم السفينة الشراعية البونية فلم يستطع تحديد ملامح الأشرعة وبانت له مرتخية فأعاد توضيح معالمها حتى انتفخت الأشرعة استعدادا للانطلاق. ثم تفحص وسط الشعار الكلمات الثلاث «حرية» «نظام» و»عدالة» التي مسحت نقوشها حتى غاب معظم حروفها فأعاد نقشها بعناية حتى استرجعت ألقها، وكم كان يتمنى إضافة كلمة «كرامة» التي لم يتوفر لها بعد فضاء مناسب. أما أسفل الشعار فقد لحقت آثار الطمس الميزان الذي اختل التوازن المعهود لكفتيه، وكذلك الأسد البربري الحامل للسيف الذي بدا باهتا مترددا. .
اقرأ المزيد
يد أمي في الغربال : العدد 35 - 2013/07/26
قد يفاجأ بما يقدم للأجانب من خدمات سياحية داخلية كل من سنحت له فرصة زيارة إحدى الأروقة التي خصصت لتعرِض على طول السنة مظاهر الحياة التونسية على مر العهود السابقة والتي طبعت سلوكنا وثقافتنا المميزة بالاعتدال والانفتاح. في زيارة لمنتزه مدينة الزهراء بمدينة القلعة الكبرى واكبت وضيوف أجانب عروضا حية للأنشطة الحياتية التقليدية مازالت متواصلة في بعض ربوع البلاد. إن كانت المشاهد أثارت دهشة مرافقي من السياح ودفعهم الفضول وحب الإطلاع لطرح العديد من الأسئلة فقد حركت في شخصيا حنينا بالغا لطفولتي التي عشتها بين دفتي الكتاب الذي فتحه هذا الفضاء الترفيهي. بل أجدني من شخصيات هذا التراث القريب وإن كانت ثانوية. كيف لا وأنا أرى المرأة التي تقوم بقردشة الصوف جدتي وعمتي وخالتي بل أمي التي واكبتها طفلا في التحضير لانعقاد «النقال» بإخبار جميع النّساء من الأقارب والجيران بالموعد المحدّد له وإعداد ما يلزم من أدوات تتمثل في الأمشاط والمغازل والقراديش، ثم شابا لما كنت أتعرّض لعمليّة التخييط من قبل نسوة «النقال» فلا أفك ذلك الرباط الرمزي إلا بما لذ من حلويات وطاب من غلال. هذا «النْقال» أو ما يعبر عنه بولايات أخرى “التويزة” هو عبارة عن تجمع بموجب دعوة مسبقة لنسوة للقيام بعمل تّطوعي مشترك لإعداد الصوف أو العولة لإحداهن.
اقرأ المزيد
أي الشرعيات أَشْرع : العدد 34 - 2013/07/12
قال تعالى «والفتنة أشد من القتل». أفتنة أبلغ من الفتنة التي تحاك بمصر الشقيقة بين شقّين لكل منها شرعيته التي لا شك فيها وكلاهما يعتبر التنازل عنها خيانة. والقياس على الفتنة الكبرى التي آلت إلى معركة الجمل والتي قاتل فيها الصحابي صحابيا وأهل عشيرته ويعتقد كلاهما أنه على حق وأن الآخر على باطل. إن كان ما يجري بمصر الشقيقة ينبئ بسوء العاقبة التي لا نتمناها، وجب على الجميع القيام بما يلزم لتفادي المكروه والمتمثل فيما ذكرناه. وبما أن السبب ظاهر للعيان ولا يخفى إلا على غافل ولا ينكره إلا جاهل، فإن الحل يكمن في تحديد أي الشرعيات أشرع ولزم على المختصين في القوانين الدستورية أن يرتبوا الشرعيات حسب الأفضلية. والعملية أعلم بأنها غير بسيطة كما بسطْتها بل معقدة جدا وكان الله في عون أولي الأمر ليقنعوا أنفسهم أولا ثم ذويهم بما تمليه عليهم المصلحة العليا للبلاد. نعود الآن لتونس، والسؤال هل أن تونس بمنأى عن سيناريو مصر؟ فإن اعتقد البعض من جانب «الترويكا» بكل تفاءل بأن تونس لا خوف عليها من فقدان الشرعية الانتخابية، فإني أتمنى ذلك ولكن لا يشاطره الشق الآخر الرأي اعتقادا بأن ثورة الرابع عشر من جانفي ارتكزت على شرعية إرادة الشعب وهو صحيح إذ واكبنا رجع صدى «الشعب يريد» من كل أرجاء الكون.
اقرأ المزيد
كش... مات : العدد 33 - 2013/06/28
أعيش منذ مدة على إيقاع كر وفر أتابع مثل كل التونسيين نقل القطع على رقعة الشطرنج بين لاعبيْن من الحجم الثقيل وكنت أشارك في تفاعلات المتفرجين منتقدا أحيانا ومستحسنا أحيانا أخرى. تنازع عدد من اللاعبين في ما بينهم وأسروا النجوى وجُعل بَيْنهم مَوْعِدًا لمْ يختاروه ولم يِخْلِفُوه مَكَانًا سُوًى. فحشر الناس ضحى حول الحلبة حيث تواعدوا دون ميعاد. ودخل لاعبان الحلبة مصحوب كل منهما بفريق المستشارين والمعاونين وانقسم الفريقان إلى جانبي رقعة شطرنج كبيرة اصطفت عليها القطع بأحجامها الكبيرة في مواضعها الأولى واشرأبت الأعناق استعدادا لنقلة البداية. مباراة اليوم ليست ككل المباريات حيث تجمع فريقين تعادلا في حذق أصول اللعبة وقواعدها واستعان كل منهما بعدد من المختصين والفقهاء في الميدان كما استنصر كلاهما بعدد غير صغير من المشجعين احتلوا أماكنهم بمدارج الحلبة يهيجون ويموجون عند كل نقلة صديقة ومعادية. ووسط المتفرجين ورغم الهرج والمرج كنت مبتهجا بمتابعة اللعبة التي طغى عليها الاعتدال والتساوي في النتائج. ويستخلص من ذلك حنكة المتبارين والمتنافسين وعمق التجارب والنماذج التي تم دراستها والاستفادة منها.
اقرأ المزيد
تنمية مستديمة : العدد 31 - 2013/05/31
قامت ثورة ولم تقعد. فهل ستبني لتونس تنمية مستديمة ومستدامة كما يسميها البعض؟ يتأكد يوما بعد يوم أن الثورة تحمي نفسها بنفسها، فلم يخب لهيبها بعدُ، بل مازال مستعرا. ولكن، هل يمكن أن يُدرج كل تحرك اجتماعي أو سياسي، فكري أو ثقافي تحت عنوان ثورة أو مواصلة الثورة ؟ صادف أن اطلعت على كراس طفلي أراجع معه درسا كان حول التنمية المستدامة. وقد ارتحت لما قرأت مفاده «استغلال ثروات البلاد مع تأمين حصص الأجيال القادمة»، ولمست أن المدرس نجح في تلخيص مفهوم التنمية على مقاس فهم الطفل. ولكن سرعان ما انتابني شعور بالخوف من أن يفقد الأطفال الثقة في المفاهيم التعليمية التي تلقوها إذا ما استكشفوا وفهموا ما تفرزه الثورة من فوضى تهتك بكل القيم وتهدم كل ما شيّد من أسس للاستثمار لتأمين المستقبل.
اقرأ المزيد
القرد : العدد 28 - 2013/04/19
في حديقة الحيوانات مر رجل بقرد اجتمع حوله جمـــــع من النـــــاس تعالـــــــت ضحكاتهـــــم وقهقهاتهـــــم على حركــــات بهلوانيـــة يقوم بها القرد من حين لآخر أو كلما رمى له أحدهم بقطعة حلوى أو شيئا مما يشتهيه الأطفال ويحتفظون به بجيوبهم. فكان يجيب كل عطاء وكان الجميع كبيرا وصغيرا يضحك من صنيعه ويقتصد العطاء. ولما اقترب الرجل وشاهـــــد مــــا رأى لــــم يستطــــع أن يكظم انشراحــــه وضحكـــه. وكان القرد يتفانــــــى في حركاته فيتسلق القضبان الحديديــــة ويتدحرج ممسكا القضيب بذنبه الطويل بكل ثقــــة في النفس. وكان ذنبه يتبعه بكل رشاقـــة ويعينه في كل حركاته. ولما فارق الرجل القــــــرد لم تفارقــــه صورتــــــه وثبت في الصورة ذنب القـــــرد الذي كــــان محــــور حركتــــــه وكاشـــف فرحتــــه. فضحك الرجل من جديد إعجابـــــا بالذنب وقـــــال "قــــــرد دون ذنب كرجل كثير الهمّ". ——————
اقرأ المزيد
فحم يطعم القطار : العدد 27 - 2013/04/05
انطلق القطار ولا أدري إن كان من قبل متوقفا أو معطلا طال وقوفه. الوقوف إرادي أما العطب فيوجب التوقف قصرا وإن كان خارج المحطة. مازالت صورته عالقة بذاكرتي تطفو فوق صورة كل قطار ذلك الذي عرفته منذ كنت طفلا صغيرا فحامَ القطار من شدة تلوث سترته ووجهه ويديه بالسواد، كنت أراقبه باستغراب في اندفاعه يدس ملئ المعول فحما لمرات عديدة في الفرن الذي كلما فتحت فوهته ينبعث منها لهب لا تخبو جذوته. معلوم أن القطار لا يتزحزح عن مكانه إلا إذا احرق بتنوره كمّا هائلا من أحجار الفحم، ويكون الانطلاق في كل مرة عسيرا وبطيئا، فيتحرك بعناء ثم سرعان ما تشتد سرعته شيئا فشيئا حتى ينطلق بانسياب طالما انتظم التطعيم. ومن شدة الدفـــع لا توقفه الفرامــــل إلا عن مسافات بعيدة في جو مشحون برائحة الاحتراق من شدة الشد. وأخيرا يتوقف القطار بالمحطة، فيفرح كل المسافرين الذين بلغوا غاياتهم ويبعث الأمل في الباقين استشرافا للقاء قريب.
اقرأ المزيد
لعبة الميزان : العدد 26 - 2013/03/22
كنت أنجذب بصعود طرف اللوح الخشبي الطويل الذي كنا نجعله متوازنـــا فـــوق برميـــل. وبعـــد أن أتخيـــر رفيقا يعادلنـــي وزنـــا أجعله كمــا يجعلنــي في الطرف الآخر فيستمتع كلانا لمدة طويلة بين الارتفاع والنزول لإعادة الارتفاع. الارتقاء ممتع ولذيذ. الهبوط مخيف ومرعب، وأكثر منه رعبا أن تبقى معلقا تتمنى النزول وتخشـى أن أزهــــد فـــي الرفعـــة وأقاطـــع اللعبـــة من جهة واحدة فتهوي أسفل السافلين.
اقرأ المزيد
قوس قزح : العدد 25 - 2013/03/08
في مدينتنا الساحلية شرقا، وفي يوم من الأيام الباقيات من شتاء بارد وقارص، أتلفت رياحه العاتية كل سحابة ودفعت بها بحرا لعلّها لتروي أسماكه أو لتعدل ملوحته. كانت الشمس في هذا اليوم مشرقة طيلة الصباح الذي بدأ يتمطط بعد انكماش طال شهرين كاملين أو يزيد، استبشر بها أصحاب النزل مرضاة لنزلائهم من سياح لم تسعفهم جيوبهم للاستمتاع بالشمس والبحر صيفا، فدفء الشتاء يعد بالعودة وبالرزق وبدوران الدواليب. أما أصيلي المدينة فلم تبعث فيهم الشمس سوى اليأس الذي بدأ يطارد راحة البال عند كبارهم والبشاشة من أقنعتهم التي أبت إلى العبوس.
اقرأ المزيد
النحل لا يتصادم : العدد 24 - 2013/02/22
في مزرعة النحل خلايا سكانها من أصل واحد "تونسي" لا تختلف النحلة عن الأخرى إلا بالانتماء لخليتها وكلها ملك للمالك الواحد جمهور المزرعة "شعب تونس". ترى النحول اليوم تتسابق وتتنافس تحت إمرة ملكات الخلايا فتوحد كل ملكة رعاياها وتسدي لهم النصح وتشحذ هممهم للاجتهاد في البناء لأفق أوسع ومجال أرحب لحرية مازال الجميع يستكشف حلاوتها خلف مرارة الأصالة ونكهة الصفاء. لم نشهد منذ عقود نهضة مثلما نراها في هذا الربيع، ازدهرت فيه خلايا النحل بفضل نشاط النحول وسباقها نحو المراعي فتكتنز أجباحا من العسل شفاء لكل سقيم. وحين يكتمل الحمل يأتي المخاض وتنعم الخلايا بما تم جمعه من خير يغدق على كل من في الدار.
اقرأ المزيد
موطني : العدد 23 - 2013/02/08
موطني يا سبب همي واكتآبي يا سبب سقمي واغترابي موطني يا مرسم البسمة على شفاه مقلوبة بين مرارة العشق ووجع الفرحة المسلوبة موطني بين مقرضتي الشمس معقوف كنون هلال انحنى من وطأة السنون
اقرأ المزيد
لولا قلبي لنزلت قبري : العدد 22 - 2013/01/25
ثقلت أهدابي من تحت بياض ناصع، وتراخت أعضائي وتأنّت حركاتي واستحال عليّ شباب أوجع ذاكرتي وأرّق سهدي. على فراشي الذي صار رفيقي، أيقظني حسّ فاتر ضعيف وجدته يهمـــس إلى أذني جسما صغيرا جدّا لا يتجاوز الإصبـــع، أخافني حتّى قفزت ناسيا ثقلي، كأنّ شابا سكن فيّ، ثمّ غلبني كبري فتمالكت وأخذت أتفحّص الغريب. جميل في ريعان الشباب، صغير أراه بوضوح فقدته منذ أمد بعيد، مشرق الوجه، خفيف اللحيــة، عاريا إلاّ من الحياء، نظــــرت حولـــي وتأكّـــدت من خلوتي به. اقتربت منه أكثر وسألته: من أين أتيت ؟
اقرأ المزيد
جسد بلا ظل : العدد 19 - 2012/12/14
هالني ما حصل ليتني لم أر ولم أسمع ليتني أعمى واصم يبكي ولا يجف القلم عن انهار سالت من دم عن عزة حطت من عل
اقرأ المزيد
سداسية حائر : العدد 18 - 2012/11/30
- توق للحرية - في قراري أنصاف حياة تتململ داخلي توقا إلى التفتّق والحرية. وفي خيالي أحلام تطفو كأطياف نسيم تلهـــو بمشاعري، فأنقاد كطفل خلف كرة سبقته إلى منحدر.
اقرأ المزيد