تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
أخيرا ... أنا موجود
 قال الفيلسوف الألماني كارل ماركس‏ :‏ « أنا آكل ‏...‏ إذن أنا موجود ‏»
وقال الفيلسوف الفرنسي ديكارت : « أنا أفكر ... إذن أنا موجود»
وقال الشاعر بايرون : « أنا أحب ... إذن أنا موجود»
وقال الأديب كافكا : « أنا خائف ... إذن أنا موجود»
قيل لي: «وأنت، ماذا يلزمك فى الحياة لتشعر بأنّك موجود؟» 
قلت : «عاش هؤلاء واستهلكوا حياتهم ليجيبوا عن مثل هذا السّؤال. وعشت أنا حياتي مذبذبا بين الخوف والرّجاء وبين الحبّ واللاّحب ولكنّني كنت دائم التّفكير ومدفوعا إليه مثله مثل الأكل».
قد يفهم من جوابي ربّما أنّني مثلهم موجود. ولكن في قرارة نفسي، يستحقّ هذا الأمر التّدقيق والتّمحيص. وانطلقت في البحث من حيث بدأ السّؤال إلى أن استخلصت ربّما معنى لوجودي من عدمه.
جميع هؤلاء قالوا الشّيء نفسه فيما معناه «أنا موجود على حالة الوعي التي أعيشها في يقظتي». فقد أعادوا فقط تجربة من يعضّ على يده أو يَخِزُها بإبرة ليحسّ الألم دليل يقظته وأنّه لم يكن يحلم لأنّ الحلم يكون خارج الوعي. فأصبح إذا كلّ منهم موجودا بدليل وعيه بالحدث الذي تحقّق فعلا في المكان والزّمان المحدّدين، أكلا كان أو تفكيرا أو شعورا بالخوف كالتّشيكي «فرانز كافكا» أو حبّا مثل الشّاعر البريطاني «لورد بايرون».
فالوجود إذا ليس شعورا وإنّما يقينا يحقّ لكل امرئ التّفكير فيه وأن يبرهن على وجوده من عدمه على خطى «وليام شكسبير» الذي أطلق وجوديّته «أكون أو لا أكون، تلك هي المسألة الكبرى» وردت على لسان الملك هاملت في المسرحيّة التي حملت اسمه، واستحالت هذه المقولة مسألة تستدرج الجميع للتّفكير في كيفيّة برهنة الوجود عند هؤلاء المفكّرين الذين ساهموا في بيان وعي الوجود في أوجه متعدّدة ومختلفة وكلّ بطريقته. 
قياسا بما سبق من استنتاجات، يمكن القول مثلا أنّه طالما أنا مريض فأنا موجود.  ولا يكون ذلك إلاّ إذا تيقّنت أنّني لست على أحسن حال. كما يبادر لكلّ إنسان أن يسأل نفسه من حين لآخر كم هو ذكي. وكلّما سألت نفسي متى أكون أكثر ذكاء؟ يأتيني الجواب مباشرة «سأكون كذلك لمّا أعي ذلك يقينا». لهذا وجدتني مثل غيري أسعد بتتويج أو تكريم أو شهادة أتحصل عليها دليلا لتحقيق الشّعور بهذا الذّكاء، وبالتّالي لتأكيد الوعي به. ولكن من جهة أخرى وباعتبار أنّ مظاهر الوجود متعدّدة بحالات وعي مختلفة ومتزامنة، فإنّ حدوث الوعي بالتّواضع لدى العقلاء يحجب عنهم الوعي بالذّكاء وإن شُهِد به لدى العامّة.
بين هذا وذاك، أنا ما وقفت عند روتين الحياة، لقد فعلت كلّ شيء في مسيرتي مستعملا كلتا يديّ لأنّني وجدتني بأدوات وأشياء أخرى استخدمتها، فعشت حياتي بملء رئتي، ولكن بتؤدة ودون ضجيج أدافع عن الاستمتاع بالأشياء كما هي. هل تستحق الحياة كلّ هذا العناء؟ أنا هكذا، لأنّني لم أكن يوما ثوريّا ولا أدّعيه، ولا أصلح أن أكون كذلك رغم اعتقادي دائما أنّ الإنسان في عيشه اليومي لا يصنع إلاّ ثورات. فبالنّسبة لي، أرى أنّني موجود لمّا أحقق ذاتي. أي حين استحق أن أكون «إنسانا». ولا يكون ذلك إلاّ على قدر شعوري بحبّ الآخرين لي ورغبتهم فيّ. أي أراني مثل تفّاحة لا تريد أو لا يراد لها إلاّ أن يُرغَب فيها وأن تُشتَهَى، فتتحقّق بذلك ذاتها «تفاحة» تنتظر لحظة سعادة تتمثّل في أن تُقضم وتُنهش، فتتخلّص البذرة من سجنها. كم شجرة نبتت في روث الحيوانات؟
نحن البشر تتحقّق ذات كلّ منّا على قدر احساسنا برضاء الآخرين ومحبّتهم لنا، مثلنا مثل تلك التّفاحة التي تتمنّى أن تُشتهى ويُرغب فيها. كما أعتقد أنّ في جينات الإنسان ما يثبت الرّغبة في أن يكون محبوبا ومُشتهى من غيره على غرار الزّهرة والغلال التي يتلخّص مسارها ودورتها الحياتيّة في مجابهة العناصر المناخيّة الصّعبة ومقاومتها وتحمّل وقعها، لتظهر في أحلى حلّة، فتغري كلّ من رآها فيشتهيها، فتتحقق ذاتها. 
هكذا أعتقد أنّ الكائن الحيّ يقاوم باستمرار قوى الموت المحيطة به من كلّ مكان والتي تترصّد أيّة غفلة منه لتسحب منه وجوده من باب من أبواب الهلاك التي تُرِكت ولم توصد في وجهه. لماذا كلّ هذا العناء إن لم يكن لتحقيق الذّات عبر ما يراه تحقّق من فعل يثبت وجوده عن وعي.
الكائنات الحيّة مبرمجة جينيّا على أن تموت وإن كان الموت يوقف أيّ فعل وأي عمل لا أعتقد أنّه يلغي بصمات الوجود.