رسالة فلسطين

بقلم
أ. د. محسن محمد صالح
ثلاثة عشر مؤشّرا على دخول الحرب الإسرائيليّة على غزّة في ”الوقت الضّائع“!
 ثمّة ثلاثة عشر مؤشّرا تظهر أنّ الحرب على قطاع غزّة، دخلت في «الوقت الضّائع»، بعد أكثر من ستّة أشهر من العدوان، وأنّ الاحتلال لم يتمكّن من تحقيق أهدافه، وأنّ العوامل الضّاغطة لوقف الحرب تتزايد في وجهه.
فقد كان انسحاب الجيش الإسرائيلي من منطقة «خان يونس» يوم الأحد 7 نيسان/أبريل، بعد الفشل في تحقيق أهدافه، بحسب ما أكّدت جريدة هآرتس، مؤشّرا جديدا على تراكم الفشل الميداني، وعلى الصّعوبات الحقيقيّة التي يواجهها على الأرض في مواجهة «حماس» وفصائل المقاومة، التي ما زالت قادرة على الصّمود وإيقاع خسائر جسيمة بالعدوّ؛ كان آخرها عمليّة «الزّنة» في 6 نيسان/أبريل التي خسر فيها 14 جنديّا و18 جريحا وثلاث دبّابات، بحسب مصادر المقاومة، والتي سرَّعت خروجه من «خان يونس».
غير أنّ مؤشرات دخول هذه الحرب «الوقت الضّائع»، لا يعني بالضّرورة أنّ الحرب ستتوقّف قريبا، وإنّما يعني أنّ الحرب فقدت مبرّراتها وجدواها، وتحوّلت إلى عبء على الاحتلال، وأنّه سيضطر عاجلا أو آجلا للتّراجع وتغيير حساباته. ونجمل المؤشّرات فيما يلي:
أوّلا ـ فشل العدوان في تحقيق أهمّ أهدافه وهو سحق «حماس»، فما زالت «حماس» هي الأقوى شعبيّا، والأكثر حضورا في قطاع غزّة؛ وما زالت كتائب القسّام فاعلة ليس في وسط القطاع وجنوبه فقط، وإنّما أيضا في شمال القطاع، بعد نحو 150 يوما من الاجتياح الإسرائيلي له، وما زال هناك بحسب التّقديرات أكثر من سبعة آلاف مقاتل لحماس، يخوضون معارك وعمليّات يوميّة، ويوقعون خسائر كبيرة بالاحتلال.
ثانيا ـ فشل العدوان في احتلال قطاع غزّة حتّى الآن، وفي فرض نظامه العسكري عليه. فما زالت منظومة التّحكّم والسّيطرة لحماس فاعلة في معظم قطاع غزّة، سواء في بنيتها العسكريّة أم في بنيتها الإداريّة والتّنظيميّة، بالرّغم من كلّ التّضحيات والشّهداء.
ثالثا ـ فشل العدوان في تحرير محتجزيه وأسراه لدى المقاومة فشلا ذريعا.
رابعا ـ فشل العدوان فشلا ذريعا في إحداث حالة «كيّ الوعي» لدى المقاومة ولدى الحاضنة الشّعبيّة، فلا المقاومة استسلمت أو تفكّكت أو فقدت فاعليتها، ولا الحاضنة الشّعبيّة تخلّت عن المقاومة ودعمها والالتفاف حولها؛ ولم تنفع كلّ وسائل الحرب القذرة من مجازر وقتل النّساء والأطفال، وتدمير المنازل والمستشفيات والمدارس والبنى التّحتيّة، وأساليب التّجويع في كسر إرادة أهل غزّة ومقاومتهم.
خامساـ فشل العدوان حتّى الآن في إيجاد حكم بديل لحماس في القطاع، بحيث ينفذ الأجندة الإسرائيليّة، فيضرب المقاومة في القطاع، ويوفّر الأمن للكيان الإسرائيلي، خصوصا في غلاف غزّة. وبالرّغم من أنّ سلطة «رام اللّه» تحاول تكييف نفسها وعرض خدماتها لليوم التّالي للحرب، إلاّ أنّها لا تريد الظّهور كمن يأتي على ظهر دبّابة إسرائيليّة، وشعبيتها في قطاع غزّة ما تزال متدنية جدّا مقارنة بحماس؛ وهو ما ينطبق أيضا على دخول قوّات عربيّة كمرحلة انتقاليّة في التّخلّص من حماس، وتهيئة بديل يُرضي الاحتلال والأمريكان.
سادسا ـ استنفد العدوان بنك أهدافه في قطاع غزّة بعد كلّ المجازر والدّمار الذي أحدثه، ولم يعد هناك ما يمكن «إنجازه»، أو ما يمكن به كسر المقاومة وإرادتها. أمّا معركة رفح التي أَجّلها أكثر من مرّة، والتي يدرك مخاطرها، فإنّ احتمالات الفشل فيها عالية جدّا، ولم يَعد يجد لها سندا غربيّا أو أمريكيّا، كما أنّ بيئته الدّاخليّة تدفعه للمزيد من التردّد والوقوع في «رعب الفشل» من جديد.
سابعا ـ طالت الحرب على قطاع غزّة بلا أيّ أفق لهزيمة قوى المقاومة. وهذه الحرب طالت أكثر بكثير ممّا كان متوقّعا لدى الأمريكان والحلفاء الغربيّين، وتحوّلت الحرب و«إسرائيل» من قيمة استراتيجيّة إلى عبء عسكري ومالي وسياسي وإعلامي و«أخلاقي» – إن كان ثمّة أخلاق-، وإلى مشكلة داخليّة للحكومات مع شعوب بلدانها، ومن ثمّ تراجع الغطاء الغربي لاستمرار الحرب، بل ودراسة بعض هذه البلدان إمكانيّة وقف تصدير السّلاح لـ «إسرائيل».
ثامنا ـ تزايد الشّعور لدى التّجمّع الاستيطاني الصّهيوني وقوّاه السّياسيّة، أنّ «نتنياهو» يسعى ما استطاع لإطالة أمد الحرب لحسابات شخصيّة مرتبطة ببقائه في الحكم، والهرب من استحقاق انتهاء حياته السّياسيّة أو دخوله السّجن؛ وليس من أجل المصالح العليا للكيان الإسرائيلي. وتزايد الضّغوط على «نتنياهو» للوصول إلى تسويات «معقولة» بالمعايير الإسرائيليّة.
تاسعا ـ أن الكيان الإسرائيلي بطبيعته لا يتحمّل استمرار الحروب والاستنزاف طويل الأمد، واستمرار تدهور الاقتصاد، ونزيف الهجرة المعاكسة، وفقدان الأمن، وهروب الاستثمارات، وانسداد التّطبيع؛ خصوصا إذا ما استمرت قدرة المقاومة على إيقاع خسائر نوعيّة يوميّة في الاحتلال.
عاشرا ـ إنّ الشّريك الأمريكي أخذ يضيق ذرعا بالأداء العسكري والسّياسي الإسرائيلي، خصوصا أنّ شعبية الرّئيس «بايدن» قد تأثّرت سلبا بسبب دعمه للحرب على غزّة، وأنّ فرصه في الفوز في الانتخابات، والقدرة على الحسم في الولايات المتأرجحة أخذت تتراجع. هذا بالإضافة إلى تزايد الخوف الأمريكي من تضرّر مصالحه في المنطقة نتيجة استمرار الحرب. وهو ما يدفع إدارة «بايدن» لمحاولة تسريع الخروج من الحرب بأقلّ الخسائر الممكنة.
أحد عشر ـ ثمّة مخاوف من أن إطالة أمد الحرب، سيتسبّب في تصاعد التّوتّر في المنطقة، وثمّة خشية لدى الأنظمة العربيّة المُطبِّعة مع الاحتلال أو الواقعة تحت النّفوذ الأمريكي، من أنّ الحرب تتسبّب في زيادة عناصر التّفجير الدّاخلي الشّعبي لديها، بعد أن بدت عاجزة أو شريكة في حصار غزّة والمقاومة. وهو ما جعل هذه الأنظمة تدفع أكثر باتجاه وقف الحرب.
ثاني عشر ـ أنّ الخناق الدّولي يزيد على الكيان الإسرائيلي، كما تزيد عزلته، بعد أن تكرّست صورته الوحشيّة المتعجرفة، المتعالية على القانون الدّولي وحقوق الإنسان، وبعد أن زادت الدّول التي انضمت إلى جنوب أفريقيا في دعواها في محكمة العدل الدّوليّة، وبعد أن لم يعد الكيان يجد من يُصوت لصالحه حتّى في مجلس الأمن.
ثالث عشر ـ انتهاء «مدّة صلاحيّة» الدّعاية الإسرائيليّة الصّهيونيّة في الحرب على غزّة، بعد انكشاف زيف وكذب ادعاءات قتل المدنيين الإسرائيليّين على يد حماس في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ وبعد البروز الأوضح لحماس كحركة تحرّر وطني، وكحركة إسلاميّة معتدلة ذات سلوك قيمي وحضاري متقدّم، وبعد انتهاء قدرة «إسرائيل» على تسويق نفسها كـ «ضحية»، وتغطية جرائمها باعتذاريات «الهولوكست» وغيرها، التي استخدمتها طيلة الـ 76عاما الماضية.
***
إنّ الفشل فيما سبق يعني أنّه لم يعد ثمّة فرصة لتحقيق أهداف الحرب في المدى المنظور، وأنّ العدوان يغوص في «مستنقع» لا يعرف كيف يخرج منه، وأنّ الوقائع على الأرض أبعد بكثير من رغباته، وأنّ الحرب فقدت مبرّراتها وجدواها، وتحوّلت إلى عبء على الاحتلال، ومن ثمّ دخل في «الوقت الضّائع» لإنجاز ما يمكن إنجازه، في الوقت الذي تتضافر فيه مجموعة من العوامل، تدفعه لوقف الحرب والانسحاب من غزّة، والوصول إلى صفقة تبادل أسرى جادّة.
وهذا لا يعني بالضّرورة -كما ذكرنا- أنّ الحرب ستتوقّف قريبا؛ إذ إنّ حالة العجرفة الإسرائيليّة، وحالة «الرّعب من الفشل»، والخشية من إعلان انتصار المقاومة، ووجود «نتنياهو» وحكومته المتطرّفة، مع استمرار الدّعم الأمريكي، على الأقل فيما يتعلّق بمسألة ألّا يشكل قطاع غزّة مستقبلا تهديدا أمنيّا للكيان الإسرائيلي، وألاّ تستأنف حماس حكم غزّة.. كلّ ذلك سيدفع الجانب الإسرائيلي للمراوغة وإطالة أمد الحرب (ربّما مع تخفيف وتيرتها)، للوصول إلى ترتيبات مقبولة من طرفه. وسيستخدم ذلك، مع احتلاله لشمال غزّة، ومنع عودة النّازحين إليه كأوراق ضغط على المقاومة.
أمّا المقاومة، فلا تملك إلاّ الاستمرار في أدائها النّوعي والفعَّال، لإجبار الاحتلال على النّزول عن الشّجرة، والاستجابة لشروطها في وقف الحرب، وانسحاب الاحتلال، وعمل صفقة جادّة لتبادل الأسرى، وعودة اللاّجئين ودخول احتياجات قطاع غزّة وبرنامج الإعمار، واحتفاظ المقاومة بسلاحها، وأن يكون مستقبل قطاع غزّة شأنا فلسطينيّا داخليّا.
الهوامش
(*) تمّ نشر أصل هذا المقال على موقع «عربي 21» ، 12/04/2024.