تمتمات
بقلم |
رفيق الشاهد |
شرعنة الإرهاب |
إنّ كلّ ما يحصل في غزّة من جرائم، مع أنّها ليست بالجديدة على البشريّة التي سجّلت شواهدها التّأريخيّة مدى وحشيّة الإنسان تجاه أخيه الإنسان، سجّلته عدسات وكاميرات الإعلاميّين على المباشر صورا بشعة وشنيعة تسيئ إلى البشريّة بعريها بعد أن انتزعت عنها الكرامة الإنسانيّة.
في الواقع، الصّور العارية لم ولن تؤذي شخوصها، بل رفعت من هامات الأحياء منهم وزادتهم عزّة وفخرا وشهامة. وآخرون فقدوا أرواحهم بعد أن ارتقت إلى صفوف الشّهداء وتركت أجساما مقطّعة أوصالها وصمة عار على وجوه الفاعلين باسم الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان التي لا أستطيع إلاّ أن أكفر بها وبصنيعها طالما جعلت سوءتها قناعا على وجهها.
هؤلاء يرهبون النّاس بديمقراطيّة يشرّعون بها العقوبات ضدّ كلّ من ترنو نفسه إلى الحرّية والانعتاق، ويشرّعون القتل والدّمار لكلّ من ينافسهم الحقّ في الحياة. ديمقراطيّة لا يتجاوز مداها حدود البرلمان فيشرّع لحماية الحاكم، والاعتداء على حقوق المحكوم ولزيادة أطماع الدّولة، وشنّ الحروب وإبادة الشّعوب. ولمزيد الحيطة والصّون، تحيط الدّيمقراطيّة نفسها بنطاق يقلب المفاهيم، فتصير المقاومة إرهابا وتشرّع مصطلحات جديدة، فتصير السّاميّة أداة للتّمييز العنصري.
الفعل تواجهه ردّة الفعل. والذّهاب بعيدا بشرعيّة الدّيمقراطيّة المجزّأة التي حيكت شباكها على المقاس لبلوغ أهداف توسّعيّة والهيمنة على مقدرات الآخر، تشرعن للمقاومة ولبزوغ أنظمة وقوى ردع لا يعكسها طوق الدّيمقراطيّة إلاّ في صورة أنظمة إرهابيّة طبقا للمصطلح المحدّد للغرض.
أين أنا؟
لماذا أجدني اليوم أخوض في الأساسات وأرغب في زعزعتها؟ وأنا الذي عرفت نفسي منذ كنت طفلا ديمقراطيّا أومن بالدّولة والمواطنة وبحقوق الإنسان. لماذا هذا الشّكّ وما هي مبرّراته؟ اعذروني لقد أصبحت أخجل من نفسي ومن انعكاس صورتي على مرآتي «إنسانا»، وتقتلني صرخات الاستغاثة، ويكبّلني العجز لمواجهة هذا الزّيغ والانحراف بمنظومة حقوق الإنسان وفقدان الثّقة في المنتظم الدّولي ومؤسّساته التي أصبحت تكيل بمكاييل مختلفة لا تحدّدها إلاّ المصلحة. فلا يزيد إلاّ في تأجيج الصّراعات وتغليب هذا على ذاك بعنوان. «? What’s for me »
نعم، كفرت بديمقراطيّتهم المجزّئة، وأرنو إلى أخرى أكثر شموليّة وإنسانيّة. آن الأوان لمراجعة منظومة حقوق الإنسان وتحديثها، ولبناء نظام عالمي جديد يرتقي بالأمم المتّحدة ويجعل لها دستورا عالميّا تنبثق منه كلّ الدّساتير حتّى تكبح جموح الدّول المهيمنة وتردع جنوحها عن جادّة الإنسانيّة.
إن كان لحرب غزّة فضل، فهي قد أيقظت مشاعر واضعي القوانين الدّوليّة وأحاسيسهم، وعرّت سوءة المعتدين والغاصبين بمسح مساحيق الكرامة وإزالتها من على وجوههم.
والغلبة دائما للمستضعفين.
|