تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
الأصل ثابت أو متحوّل ؟ (2/3)
 الوجود والموجود
يعتبر الإبداع تأسيسا لشيء ممّا لم يكن. وإبداع الكون في واقعنا الذي باطنه روحاني وظاهره إدراكي يبدو أن لا بداية له ولا نهاية. وإذا فرض الوجود المكان والزّمان فإنّه لا يدرك خارج البعد الآخر حالة الوعي، حيث لا يمكن إدراك الشّيء الموجود خارج فضاء هذا الوجود، ولا يكون إلاّ داخله باعتبار جميع أبعاده. 
وإن أمكن حصر وجود الموجود في بوتقة الزّمكان والوعي، فإنّ وجود الوجود لا يكون إلاّ خارج واقعنا الإدراكي أي خارج مجال الوعي. يمكن القول قبل البداية وبعد النّهاية أو ربما قبل القبل وبعد البعد.
الذّكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان
واليوم أين نحن من الذّكاء الاصطناعي الذي أصبح يهدّد المجتمعات الإنسانيّة المحافظة والمتشبّثة بهويّتها وبأصولها التّجارية في الأسواق القيميّة؟ ولن تستعيد قيمتها الإنسانيّة الحقيقيّة إلاّ بمراجعة منظومة حقوق الإنسان لسنة 1948 الثّابتة والتي أصبحت هي نفسها سبب تراجع القيم وضياع الذّات بين اندفاع الرّغبة عند البعض في البحث والتّطوير الذي أصبح أكثر الأبواب ربحيّة والأكثر إثراء، وبين ثبات على الرّأي والتّشبّث بالمفاهيم والمصطلحات التي بنيت عليها مبادئ الحقوق الأساسيّة لدى البعض الآخر.
فمنظومة حقوق الإنسان المنبثقة خلال عصر النّهضة الإنسانيّة، بعد تجارب الحروب الدّينيّة والأهليّة التي مرّت بها أوروبا، نجحت في تثبيت بعض القيم الأساسيّة الكونيّة لكنّها لم تمنع اندلاع الحروب بين الدّول واستعمال هذه القيم سيف ديمقليدس على رقاب الشّعوب الضّعيفة. 
آن الأوان على المنتظم الدّولي، باعتبار موازين القوى المتغيّرة والمتحركة، لإعادة النّظر في مفاهيم القيم الإنسانيّة وتطويرها بما يتماشى ومتطلّبات العصر الحديث. بل آن الأوان على الشّعوب الجامدة المتشبّثة بما تعتبره ثابت أن تستفيق وتفهم أنه لا شيء ثابت وأنّ الكلّ متغيّر ومتحرك. فالإنسان ككائن حيّ يستبدل جميع ذرّاته وهباءاته المكنونة لجسمه في غضون سبع سنوات فقط. فأيهما الأصل ما قبل أو ما بعد السّبع سنوات؟ أم لدينا مفارقة الأصلين لذات واحدة حال سفينة ثيسيوس؟ 
الذّكاء الاصطناعي قدرنا
عشنا تجربة تفشّي جائحة الكورونا، ورأينا كيف انتشر خوف عدد غير قليل من النّاس من التّلاقيح التي قد تحمل مكوّنات الكترونيّة تزرع داخل البدن للتّحكم فيه. وإن كان الخوف مبرّرا، فقد نجح المجتمع الغربي في سعيه لربح السّباق مع القوى الأخرى المنافسة باستعمال هذا الخوف كوسيلة للتفرّد بمقومات الذّكاء الاصطناعي الذي سيمكّنه من الاستحواذ على مقدرات الأرض والسّماء، وتصحّ نظريّة داروين حينها، حيث من لا يتطوّر لن يرتقي. 
لم تمنع وثيقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الشّعوب من الرّكض وراء التّسلّح باعتبار الخوف من الآخر والاستعداد للحرب أحسن ضمان لتفاديها. ومن هذا المنطلق، ودون الرّغبة في السّيطرة على الآخر واستعباده، وجب على دولنا إعداد ما استطاعت من قوّة حتّى تضمن السّلام والكرامة لشعوبها. 
أنا أقترح أن يتضمّن دستور البلاد حقّ المواطن في حصوله على مكونات الذّكاء الاصطناعي بما يضمن له الارتقاء. وتتوق نفسي إلى أن يصبح ختان الأطفال وثقب شحمة الأذن عند البنت فرصة لتثبيت شريحة الكترونيّة توسّع من القدرات الإدراكيّة وتزيد من الذّكاء. 
عفوا سيدي القارئ الجليل هناك من يهتف داخلي. إنّه لا شك ضميري.
- نعم ماذا تريد؟ ... وأنت منذ ساعة تقرع طبلة حسي.
- ... ... ... ثمّ، لماذا تخاطبني ذكرا وأنا أنثى؟
- من تكونين أولا ؟
-  أنا ضمير القارئ الذي بداخلك.
- مرحبا بكِ. كنت أستشعرك ولم أتشرّف بمعرفتك وما خاطبتكِ إلاّ بما تعوّدنا عليه في معاجم لغتنا العربيّة القحّة. تستعمل مفردة «ضمير» كاسم مذكّر. فنقول ضمير الرّجل وضمير المرأة سواء. والضّمير بدون اعتبار تقديره يبقى مذكّرا.
- يبدو أنّكم معشر البشر تعوّدتم تقديم الذّكر على الأنثى وجمع المختلط على الجمع المذكّر ولا أظنّه سهوا منكم بل احتقارا لمثلي. لدينا هنا في عالمنا عالم الضّمائر تستوي الأنثى بالذّكر مفردا وجمعا. ولا أطلب منك إلاّ الإنصاف. فأعد عليّ سؤالك بصيغة المؤنّث.
- طيب ! نعم ماذا تريدين؟ ... وأنتِ منذ ساعة تقرعين طبلة حسي.
- حسنا، فقد أجبتك. ولا تنسى أن تخاطبني كما اتفقنا.
آسف سيدي القارئ إنّها، بل إنّه فعلا ضميرك داخلي تدخّلت لتلفت نظري، لا عفوا أقول وأصحّح تدخل ليلفت نظري إلى ضرورة بيان علاقة فلسفة الوجود والموجود التي قدّمتها بمسألة الذّكاء الاصطناعي التي خضت فيها. فإنّه يرى أنّني قصّرت بسهو أو ربّما عن قصد، حيث لم يجد خيط أريان يقوده إلى الحقيقة.