تمتمات
بقلم |
رفيق الشاهد |
علوم صحيحة |
يا جهّال ... يا أغبياء!
من ؟ يخاطب من ؟ ماذا يُنتظر من هكذا خطيب ومن هكذا جمهور؟
لا ألوم إلاّ نفسي. لم أعد ذلك التّلميذ ولا ذلك الطّالب في القسم أنتظر من أستاذي الدّرس حتّى أتلقى منه التّحقير والتّذليل. ولأنّني كنت وقتها حقيقة جاهلا وأريد أن أتعلّم، وجب عليّ حينها أن أقف لمعلّمي وأوفّه التّبجيل ولكن دون شرط مسبق ولا آخر لاحق لأنّ هذا المعلّم أو الأستاذ مهما كبر شأنه ما تواجد بالفصل إلّا للقيام بعمل دُعِي له بمقابل وكان حين يغضب يدير العصا التي كنت أخشاها، بل أهابها أنسب. أمّا اليوم، وأنا خارج الفصل -وصورة العصا لا تبارحني تحمل وجه وبطاقة شخصيّة حامليها من المعلّمين والمعلّمات- لا أخشى النّظام ولا سيفه الحاد طالما سلّط على الجميع بالعدل والمساواة. ولا سلطان عليّ اليوم سوى سلطان العلم الذي لم أكتسبه بعدُ. فأتقرب من منبعه بتودد واحترام وافرح بلقائه فرح القطة بعائلها.
جُهّال جمع جاهِلٌ مثل جاهِلون و جُهَلاءُ و جَهَلة و جُهَّل.
من ألوم؟ لا ألوم إلاّ نفسي ولا أستغرب أن يقف اليوم واحد يعدّ من النّخبة، ويطلق حماقته عبر مصدح يوقظ النّائمين ويقلق راحة الآمنين. هل تعلم ليختار لشعبه من كلّ الأدوات الأكثر وجعا؟ لا آسف عليه، لمّا لا يصيبه منّي إلاّ رجع صدى صوته، أي ما جناه على نفسه. العين بالعين والبادئ أظلم.
أأحمد الله أنّ شعبنا -طبقا لاستطلاعات الرّأي- لا يقرأ؟ في كلّ الحالات لا أستطيع إلاّ حمده على كلّ شيء فيه خير وعلى كلّ شيء فيه شرّ لا أعرف الخير الذي وراءه. كيف لا أحمده؟ ألم تر كيف فعل الّذين قرؤوا وما فقهوا والذين تعلّموا وما عملوا؟ ألم تر كيف طالت أياديهم وأُطْلِقت ألسنتهم تغزل من الأحلام شباكا لضحاياهم الذين جلسوا يسمعون ولا يفقهون كالخرفان النّاعمة تساق إلى المراعي لتسمّن استعدادا لوليمة أو فدية يوم العيد. نَعمْ ! هم أغبياء طالما جلسوا واستمعوا إلى من اعتلى المنبر ليستبيح سذاجتهم ويصِمهم بالجهل والغباء ثم يعدّهم مطيّة لبلوغ كرسي المصلحة والسّيادة.
الحمد الله على ما سبق وعلى ضمائرنا الحيّة المستترة تستّر القلب بالصّدر، فلا يصدر منه إلاّ نبض الحياة، علماءنا الصّامتون الشّغوفون في طلب العلم والتّفقه في ما ينفع النّاس. فشكرا لهم وبارك الله في مسعاهم وإخلاصهم في أعمالهم.
يعتبر الاحتساب من العلوم الصّحيحة التي غابت في إدارة الشّأن العام مثل العلوم الصّحيحة الأخرى التي لم تجد مكانا بين سفسطائيي هذا الزّمان. هذه العلوم لا تنطق عن الهوى، بل تكشف المعتلّ وتعرّي الضّمير المتستر خلف ربطة العنق شعار المدنيّة والانفتاح، أو تحت الجبّة والعمامة شعار المحافظة والتّدين، وكذلك كلّ الشّعارات الجديدة الدّخيلة على مجتمع آمن بقانون التّوسط والاعتدال.
قانون العدد الأكبر هو السّائد أيّام هذا الرّبيع، ولكن ماذا بعد الرّبيع؟ صيف وخريف فشتاء حسب نظريّة الموجات. العلوم الصّحيحة تذكر الغافلين والمتغافلين بالحقيقة دون سواها وتدحض كلّ كذب وبهتان.
في مجلسنا الموقّر نواب محترمون مصانون برلمانيّا مصابون بالانفصام، أغلبهم محامون ورجال أعمال يديرون مكاتبهم وأعمالهم عن بعد وتتشابك المصالح بينهم وكلّ هؤلاء لا يفوّتون فرصة لملء جيوبهم حتّى استدارت بطونهم وانتفخت الأوداج ولم يفوّتوا فرصة يشهّرون فيها محاباة وزير أو إدانة النّظام بالعمالة والفساد.
في مجلسنا الموقّر نوّاب محترمون مصانون برلمانيّا مصابون بالانفصام، يعتمدون في إدارة مؤسّساتهم خارطة الباريتو لأفضليّة الحلول للمسائل التي ينصح بها كلّ إحصائي مبتدئ في معالجة الإشكاليّات أو تجنب المخاطر والتي تؤمّن الحلّ الأكثر فاعليّة والأقلّ كلفة. هؤلاء النّواب يتشبّثون في المجلس في الدّفاع عن مواقفهم كلّفهم ذلك ما كلّفهم، ضاربين عرض الحائط بكلّ الوسائل وأدوات الحوكمة الرّشيدة والمصلحة العامّة التي لا تغيب في لوائح أحزابهم. بيقين المحتسب والعارف بالعلوم الصّحيحة الأخرى أقول بعد صمت وتأمّل طويلين أنّ الوطنيّين الحقيقيّين خارج هذا المجلس وربّما وجب أن نستوردهم من خارج هذا البلد.
أيّها العارفون بالعلوم المترفّعون على صغائر الأمور القاعدون المترنّحون لا تحرّكون ساكنا والخانعون للظّلم وللبلطجة، هل رأيتم كم من البيض تكسّر، وهل من حكيم رأيتم عاكفا يصلح ويجبّر بيضا تكسّر؟ هل تدركون كم من البلاء مازلنا نتحمّل حتّى تستدير عجلاتنا وتهدأ هزّاتنا؟ اعلموا أنّ صمتكم قد طال. فهل أنتم تشعرون؟ وأنّ صغائر الأمور بالتّراكم قد عظمت. فهل أنتم مقبلون ؟
متّى تستفيق الحكمة من سباتها الطّويل؟ متّى تنشر نورها في ربوع بلدي الذي لا يهون ضياع سبيله؟. |