تمتمات

بقلم
م.رفيق الشاهد
فائق التّميّز
 الفائق بمعنى الجيّد والممتاز سمة ميّزت صفات يتفاخر بها الرّجال، فصيّرت الذّكاء دهاء والمهارة عبقريّة، وارتقت بها جميعا لترصع تاج الرّفعة والاستحقاق. والرّجل فائق الدّهاء «باقعة» وفائق الحدس «لوذعي»، وفائق الرّأي والإنجاز على التّوالي «ألمعي وأحوذي». هذه ستّة أكاليل فائقة الصّنع من أفخر الجواهر الثّمينة النّادرة وألطفها تداولها عدد من الفيسبوكيّين وجعلوها توشح تاجا لا يليق إلاّ بذي عقل يستحقّ من الرّجال. حتّى إذا جاءت تاء التّأنيث واعتلت وتربّعت فوق قمم الأكاليل المعتلّة زادت التّاج نظارة وبريقا وأصبح لا يليق إلّا بالنّساء، ويأبى أن يعتدل ولا أن يستقرّ على رأسِ ذات عقل سوى الحبيبة ذاتها، فهي في عيني ألمعيّة أحيانا ولوذعيّة أحيانا أخرى، وهي الباقعة دائما وأحوذيّة في كلّ شغل تتعاطاه. 
كثير لم يحملوا مثل هذا التّاج إلاّ صغارا في عيني والديْهم، وقليل منهم فقط اهتدوا لنزعه تواضعا ورفعه فوق رؤوس آبائهم وأمهاتهم عربون محبّة وتقدير. وآخرون كثيرون جعلوه يكلّل رؤوس من يميلون إليهم حبّا. والحبّ على عكس المرآة التي تعكس الحقيقة عارية، شاشة لا تعكس إلّا ما نعتقده جميلا، فتكسو العري والفضيحة بأفضل الحلل وأنفسها، والقبحَ تُلبِس أقنعةََ من كلّ لون بهيج. 
من منّا يدرك إذا كان يحمل تاجا؟ فقد قيل «الصّحّة تاج على رؤوس الأصحّاء لا يراه إلاّ المرضى». كذلك حامل التّاج لا يرى تاجه إلاّ في عيون النّاظرين إليه شغفا أو حسدا، ولا يسمع صداه إلاّ من أفواه المعجبين به أو الحاقدين عليه. وفي كلّ الحالات يحمل التّاج دلالات الرّفعة والتّطلّع إلى الأفضل ولا يحمله إلاّ فائق.
وإن صحّ أن تجتمع هذه الفوَقة عند أحد من النّاس فلا أستكثرها على رئيس قائد، رجل كان أو امرأة يقودنا إلى ما فيه خير ونماء. يا حبذا لو كانت مواصفات انتقاء رؤسائنا ومسؤولينا تعتمد على مقياس الفائق من الفضائل. ولكن هل يكفي لو اجتمع الذّكاء بالحدس والمهارة وبالرّأي والإنجاز لصناعة تاج ثابت متصالح مع من يحمله؟ أين الشّجاعة وقوّة التّحمّل والصّبر؟ وأين المعرفة عنوان القوّة الناعمة؟ وأين الشّهامة والمروءة؟ وأين الحكمة لتكيّف كلّ هذا حتّى لا نلبس تاجا أكبر من رؤوسنا؟.
كلّما ارتفعت الأعمدة مرصّعة بأنفس الأحجار زاد ثقل التّاج على صاحبه.  من استحقّ أن يعتلي رأسه ذلك التّاج بأبراجه الضّخمة لا بدّ له من تحمّل عبء ما يحمل وأذاه بما حمل من الأكاليل بالزّيادة دون النّقصان، لأنّ من لم يضع تاجا على رأسه لم يدرك ثقله ولا آلام وخز معدنه النّفيس وما يتركه من جروح وقروح. ولا يخطر بباله ما قد يصيبه من عناء ملائمته حتّى يعتدل ويستقر ثابتا لا يتأرجح، فلا يسقط مهما اشتدت هبّات العواصف وهزّات الزّلازل. إنّ التّاج ثقيل يثبّت عزّة حامله. والذّليل لا عزّة له ولا يستقر تاج على رأس أجوف وأخرق.
كانت لملوك الفرس تيجان مرصّعة بالألماس الثّمين واللآلئ الكريمة، وتواصل تتويج الملوك عبر العصور في بريطانيا بتاج مطعّم بالمجوهرات والألماس. فإن زالت التّيجان في عصرنا الحديث حتّى نكاد لا نسمع بها ولا نراها إلّا في المتاحف الخاصّة، فإنّ رمزيّتها باقية ولم نتخل عنها أبدا. أصبحنا نراها في المحافل في أشكال أخرى مختلفة تتوّج المتفوّقين والشّخصيات المرموقة، وتتصدّر السّير الذّاتية ويتفاخرون بها في كلّ المناسبات. وإن لم تحمل هذه الأصناف من التّيجان جواهر حقيقيّة فهي عند مالكيها ذات رمزيّة عالية وقيمة ثمينة طالما تفرّدوا بها من دون سواهم.
لهذا ترى تاج التّواضع والكرم، وتاج الورع والتّقوى، وتاج العفّة والنقاء في سوق النّخاسة لا يلتفت إليها أحد طالما الكلّ يدّعي امتلاكها.