كلمات

بقلم
الخامس غفير
التّضامن الشّعبي المغربي: رسالة الأمل المتجدد لتحرير فلسطين ومقدساتها
 يتكشف الحقد المطلق من طرف المتصهينين تجاه القضيّة الفلسطينيّة بالمغرب، وبشكل أوضح في طبيعة الدّعاية المستمرة للتّطبيع مع الكيان الغاصب، سواء من خلال حالة الاستقطاب التي تمارسها الآلة الصّهيونيّة لبعض الإعلاميّين وبعض الوجوه الفنّية العفنة التي عبرت الحدود الجغرافيّة المغربيّة وقامت بزيارات متكرّرة للكيان الغاشم، أو من طريق الأنشطة التي أصبح يمارسها الصّهاينة بشكل علني على أكثر من صعيد؛ اقتصاديّا وسياسيّا وعسكريّا. 
ويظهر ذلك بجلاء أيضا من خلال الهجوم والتّهجّم الذي يتعرّض إليه مناهضو التّطبيع بالمغرب، من تضييق وخنق لأصواتهم الحرّة، وسعي الجهات المتصهينة بالمغرب إلى ثني الشّعب المغربي عن إسناد غزّة، ومحاولة تصوير القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة تخصّ الفلسطينيّين وحدهم، والحال أنّها قضيّة شعبيّة وإنسانيّة وأخلاقيّة من صميم اهتمامات الأمّة كما أنّها شأن عربيّ وللمغاربة نصيب أوفر منها. 
النّاظر إلى الحركة التّضامنيّة والحقوقيّة والفعاليّات الوحدويّة التي يقودها الشّعب المغربي بكلّ مكوناته وأطيافه السّياسيّة والجمعويّة والحزبيّة، يرى ما يمكن أن نسمّيه بالرّد الصّريح على أنّ قضيّة فلسطين هي قضيّة الشّعب المغربي والأمّة العربيّة والإسلاميّة وأحرار الوطن والعالم. فهي ليست قضيّة نخبة فاسدة من فسدة الرّأي في بلدنا.
ولعلّ من العبارات التي يتداولها مناهضو التّطبيع بالمغرب عبر وسائل التّواصل الاجتماعي وتطبيق الواتساب وغيرها من الوسائل، وهي بمثابة نقد واضح وصفعة في وجه كلّ الذين يردّدون « فلسطين لا تعنيني»، جاء فيها «فلسطين لا تعني إلاّ الأحرار وهي أكبر من أن يحملها العبيد أو الجبناء» وعليه، لن تستطيع الفئة المتصهينة التي تعيش بيننا تحمّل مسؤوليّتها، ولن تكون في الحاضر أو المستقبل محطّ مساومة من أحرار الشّعب المغربي وحرائره. 
لذلك؛ يجب التّأكيد على أنّها قضيّة مغربيّة، بل هي القضيّة الأم التي توّحّد الشّعوب العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة جميعا، رغم هرولة الأنظمة العربيّة وعرّابيها وأزلامها إلى التّطبيع المجاني مع الكيان الغاصب.
طالما أنّ القضيّة الفلسطينيّة تحمل عدالتها في ذاتها، وبما أنّها حقّ يأبى النّسيان في ظلّ الإبادة الجماعيّة التي يتعرّض إليها الفلسطينيّون على مدار أكثر من عام ونصف، فإنّ صوت أحرار العالم، وفي مقدّمتهم المقاومة الباسلة ،سيبقى عاليا؛ لن تنعم اسرائيل بالأمن، ولن تكون لها أيّ صولة على تراب أرض العزّة، ولن تفرح بأدنى تمكين على الأراضي الفلسطينيّة ما دامت الشّعوب حيّة، وقلوبها نابضة، وألسنتها تلهج بتحرير قدس الأقداس وكلّ شبر بفلسطين المحتلة.
إنّ إخواننا بقطاع غزّة يحتاجون إلى أيّ موقف جريئ، مهما بدا بسيطا، لدعمهم وتحفيزهم على الصّمود والثّبات: من مسيرات، ووقفات، وأشكال تعبيريّة، وتدوينات رافضة للتّطبيع، وتسجيلات، ودعاء، وهو أصل الأصول ومخّ العبادة.
لا شك أنّ حضور مواطني ومواطنات الشّعب المغربي المكثّف خلال أيّام الحرب الهمجيّة والنّازيّة على الشّعب الفلسطيني في الوقفات التي لم تتوقّف إلى يوم النّاس هذا، وتفاعلهم الكبير مع المسيرات الشّعبيّة وأثناء المناسبات الدّينيّة منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، يحمل رسائل واضحة لمن يهمّه الأمر؛ أنّ هذا التّضامن الشّعبي لا يمكن تجاهله لأنّه يعبّر عن عمق المكانة التي تحتلها فلسطين، وعن روح الرّوابط الدّينيّة والتّاريخيّة التي تجمع بين الشّعبين: المغربي والفلسطيني.
لا ريب أنّ التّضامن الشّعبي المغربي يأبى الإجهاز عليه أو تعليبه في قوالب صهيونيّة أو شعارات تدّعي الكونيّة والإنسانيّة. ولا يمكن القفز على هذا التّضامن المغربي أو صده، ولا تقزيمه مهما كانت التّحديّات والظّروف سواء من طرف الاستبداد العربي أو الاستكبار الدّولي، ولا حتّى من الضّغط الذي يمارسه الكيان الصّهيوني الغاصب، الذي ما فتئ يبذل قصارى جهده من أجل قتل روح التّضامن الشّعبي المغربي الذي قلّ نظيره في المنطقة مع المقاومة الفلسطينيّة الباسلة.
إنّ الفشل الذي مُني به دعاة التّطبيع والماكينة الإعلاميّة الصّهيونيّة بالمغرب، يؤكّد بلا مواربة أنّ قضيّة فلسطين متجذّرة في وجدان الشّعب المغربي الوفيّ لها ولرموزها التّاريخيّة المجاهدة، فهي تسري في عروق نسيجنا المجتمعي، وتسكن سويداء القلب، بل وتجري في عروقنا مجرى الدّم. لذلك، لا يمكن فصلها عن ذاكرتنا وقيّمنا المغربيّة، مهما طغت وتجبّرت علينا الصّهيونيّة التي لم تملّ من توظيف أبواقها الإعلاميّة المتصهينة التي اختارت لنفسها التّغريد إلى جانب ذبابها المجرم والحاقد، وارتمت في كنف الصّهيونيّة وغذّت بوقا من أبواقها الإعلاميّة والثّقافيّة التي تروّج لروايتها الوحشيّة وتماهت مع ساديّتها.
لقد ضرب الشّعب المغربي أروع الأمثلة في التّاريخ الحديث لمعنى التّضامن الإنساني والانتماء الدّيني واللّغوي والتّاريخي مع القضيّة الفلسطينيّة، وأبدع بكلّ ما أتيح له من وسائل لإيصال صوت المظلوم والمكلوم بغزّة الجريحة إلى العالم أجمع، يشهد العالم أنّ الشّعب المغربي الأبي لم يتوقّف عن إسناد غزّة، بحيث خرجت الجماهير الشّعبيّة بكلّ أشكالها وألوانها، رغم المحاولات الرّامية إلى وقفها عن واجب التّضامن المبدئي والعقدي والإنساني مع أهل قدس الأقداس المبارك.
وعلى سبيل الختم؛ نتوجّه بالشّكر والتّقدير إلى كلّ الحرائر والأحرار الذين استجابوا لنداء التّضامن الفلسطيني، وتثميننا لكلّ الجهود المبذولة لإيقاظ الهمم العالية نصرة للقضيّة، وبثّ روح التّضامن المطلق عبر المهرجانات والنّدوات، أو عن طريق المسيرات الوطنيّة والمحلّية والجهويّة، باعتبارها جداراً سميكاً أمام عمليّات الاختراق الصّهيوني للشّعوب. بعدما تمكّنت الجرثومة الصّهيونيّة من السّيطرة على الأنظمة الرّسميّة، والتي لم تقتنع بأداء هذه الأنظمة في وأد المظاهرات ووقف الرّفض الشّعبي للتّطبيع معه، وعلمت يقينا بأنّها لم تكن في المستوى المطلوب منها من داخل غرفة عمليّات الكيان الصّهيوني حتّى تنجح في الاستفراد بفلسطين، وفهم الصّهاينة على أنّ كلّ محاولات الأنظمة وأجهزتها غير مجدية للتّخلّي عن غزّة. 
ولذلك يرى الكيان الصّهيوني أنّ المسيرات والفعاليّات التّضامنيّة والوقفات وجميع الأشكال التّعبيريّة والفنّية؛ عقبة كؤود أمام تنفيذ مخطّطاته التّهويديّة، وأنّ صفعة القرن التي لم تكن ضمن حساباته السّياسيّة والتّطبيعيّة هي الشّعوب التي خرجت للميدان بغية إسقاط التّطبيع، ورفضت خطوات المؤسّسات الرّسميّة التي طبعت ووقعت على «بياض» وبدون عائد يذكر ولا حظّ يرجى. 
رهاننا بعد اللّه عزّوجل لنصرة الأقصى وفلسطين ووقف الإبادة الجماعيّة التي تعرفها غزّة على وحدة أمتنا ورصّ صفّ شعوبنا الحيّة، التي تحمل راية الكفاح والمقاومة بوسائلها المتاحة، متمثّلة الشّعار الخالد؛ بصوت وعبارة الشّهيد إسماعيل هنية « لن نعترف بإسرائيل، لن نعترف بإسرائيل».