بحوث
بقلم |
![]() |
م.لسعد سليم |
البحث الثّاني: «الكبائر الفرعيّة»(3) اجتناب : الأوْثَان-عبادة الطّاغوت |
وكما أوردنا سابقا، فإنّ الكبائر (ومنها الفواحش) هي أوّل ما أمر اللّه عزّ وجلّ باجتنابه وذلك في سورة النّجم التي نزلت في الأشهر الأولى من البعثة، وبالتّالي يكون التّحريم بصيغة «اجتنبوا» أوّل ما ورد في القرآن الكريم : ﴿..لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى*الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ..﴾(النجم: 31-32)، ثمّ في سورة الشّورى: ﴿..وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾(الشورى: 37)،
والكبائر هي أيضا أوّل ما أمر اللّه باجتنابه في المدينة المنورة، وذلك في سورة النّساء: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾(النساء: 31)، و في هذا دلالة واضحة على استمراريّة الخطاب الدّيني في ما يتعلّق باستعمال نفس المصطلحات للنّهي عن الكبائر بصيغة الاجتناب.
وهنا إشارة من اللّه سبحانه بتكفير السّيئات في حال تجنّب الكبائر، أي «إصلاح» أثار الأعمال السّيئة التي يقوم بها المؤمن ما لم تكن من الكبائر خاصّة كبيرتي القتل العمد والزّنا، التي وعد اللّه مقترفها بالخلود في العذاب ما لم يتب، كما ورد في قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾(الفرقان: 68-70)، فالقتيل لا يمكن إحياؤه، وكذلك الزّنا إذا حصل، أمّا باقي الكبائر وإن عظمت فهناك دائما إمكانيّة الإصلاح أو على الأقل تخفيف الضّرر، فآكل الرّبا يصلح إذا تنازل على ربا المال الذي أخذه، والسّارق إذا أعاد ما سرق لصاحبه الخ... فاللّه سبحانه تعهّد بمساعدة المؤمن إذا تاب وأحسن على إصلاح آثار هاته السّيئات في الدّنيا، وهذه من نعم اللّه على التّائبين من المؤمنين.
1 - الأوثان
نزلت سورة الحجّ (8ه) ليأمر اللّه فيها باجتناب الأوثان وقول الزّور(4) : ﴿.. فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ*حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ..﴾(الحج: 30-31)، فكان الأمر باجتناب الأوثان والأصنام (أي التّماثيل للعبادة) بعد الهجرة، وذلك بعد انحسار ظاهرة الشّرك باللّه خاصّة وأنّ المسلمين مقبلين على فتح مكّة التي لا تزال تحت سيطرة المشركين وبالتّالي انتشار الأوثان فيها. وهذا الذي حصل بالفعل عندما فتح المسلمون مكّة المكرّمة (8ه) بقيادة رسول اللّه ﷺَ، وقاموا بتطهير بيت اللّه الحرام من الأصنام والأوثان، فرجعت إلى حالها الأصلي كما كانت زمن سيدنا إبراهيم. وبذلك أكمل سيدنا محمد ﷺَ مهمّته بتطهير بيت اللّه الحرام (حرمة الإنسان) وتبليغ قرآنه، الذي تعهّد سبحانه بحفظه كمرجع لحرمة البيت وبالتالي حرمة الإنسان، مصداقا لآخر ما نزل من القرآن: ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾(النصر: 1-3)،
ومن نافلة القول الإشارة أنّ الأصنام الأثريّة يجب الحفاظ عليها والاعتناء بها بصفتها إرثا للحضارة البشريّة (وعبرة أيضا)، فسياق الآيات واضح في أنّ التّحريم محصور فقط في التّماثيل التي تتّخذ للعبادة، وبالتّالي لا يطال تماثيل الزّينة مثلا، ونفس الأمر ينطبق على الصّور(5).
2 - عبادة الطّاغوت
وهنا أيضا نلاحظ نفس الاستمراريّة في ما أمر اللّه عزّ وجلّ بتجنّبه منذ الفترة المكّية، والتي ورد فيها الأمر باجتناب عبادة الطّاغوت(6) أي الخضوع والإنصياع الكامل للحاكم الطّاغية، (فرعون مصر) وذلك في سورة الزّمر: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِِ..﴾(الزمر: 17). ثمّ في سورة النّحل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ..﴾(النحل: 36).
ولئن ورد وصف قوم نوح وثمود بالطّغيان في مناسبة واحدة لكلّ منهما: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ﴾(النجم: 52)، ثم بعد فترة وجيزة: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾(الشمس: 11)، إلاّ أنّ فرعون مصر هو الشّخص الوحيد الذي وصفه اللّه سبحانه بعينه بالطّغيان وذلك في أربع مناسبات(7) وذلك منذ الأشهر الأولى من البعثة:﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ﴾(الفجر: 10-11) و﴿اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾(طه: 24)، و﴿ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي*اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾(طه: 42-43)، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ* إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى* اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾(النازعات: 15-17).
ثمّ يتواصل النّهي في الآيات المدنيّة عن عبادة الطّاغوت والتّحاكم إليه والقتال في سبيله: ﴿......وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(البقرة: 257)، و﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾(النساء: 60)، و﴿..وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾(النساء: 76)،
ولئن كان النّهي عن اتباع الطّاغوت والخضوع له موجّها إلى كافّة النّاس، إلاّ أنّه سبحانه وتعالى شدّد إنكار هذا الأمر على أهل الكتاب خاصّة من اليهود بصفتهم «مؤمنين»: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ(8) وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا*أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾(النساء: 51-52)، وقوله:﴿.. قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾(المائدة: 60)،
ثمّ يذكّر اللّه في آخر ما نزل من القرآن (التّوبة)، بعبادة أهل الكتاب للطّاغوت «الدّيني»، بطاعتهم للأحبار والرّهبان وخضوعهم لهم إلى حدّ التأليه، فصارت أحكام هؤلاء الأحبار تتّبع على أنّها إرادة اللّه، وخاصّة في ما يتعلّق بالتّعامل بالرّبا الذي نهوا عنه، حيث كان تحت إشرافهم المباشر بعد أن أفتوا بإباحته: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(التوبة:31).
وفي هذا إشارة واضحة بأنّ جوهر الرّسالة المحمديّة كباقي الرّسالات هو محاربة الشّرك أي (تعدّد الآلهة)(9)، وفي نفس الوقت عدم اتباع الطّواغيت والخضوع لهم، ممن ادعى الألوهيّة الوثنيّة كفرعون مصر، ومن حرّف شرع اللّه من الموحّدين كالأحبار والرّهبان والأئمة (الطّاغوت الديني)، وكلّ من طغى وتحكّم في رقاب النّاس (الطّاغوت المدني).
فهدف الطّواغيت إضفاء القدسيّة على أحكامهم وأعمالهم وقراراتهم، بحيث تصير غير قابلة للنّقاش، ويكون ادعاء الألوهيّة أقصى مرتبة للطّغيان. فالأحكام الإلهيّة لا تناقش، زيادة على ذلك يخرج الطّاغوت من دائرة المحاسبة، فلا يحاسب على أخطائه وتجاوزاته. وبالتّالي يقود الطّاغية قومه ومن تبعه منهم إلى الهلاك لا محالة، والأمثلة على ذلك كثيرة حتّى في عصرنا الحاضر كطواغيت ألمانيا واليابان الذين أشعلوا في القرن العشرين حروبا ذهبت ضحيّتها الملايين من البشر، وطواغيت أمريكا وإسرائيل في القرن الحالي (10).
وفي هذا الإنكار لأهل الكتاب بعبادة الطّاغوت واتّباعه، «دينيّا» كان أو «مدنيا»، تحذير للمسلمين من نفس الفعل، ولكن للآسف نرى الكثير منّا يسارع إليه (ماضيا وحاضرا) بدعوى طاعة ولي الأمر وتجنّب الفتنة ألخ... وكأنّه لا خيار ثالثا بين الخضوع للطّاغية أو الخروج عنه، وهذا يعني أنّنا لم نتدبر الآيات التي تأمر بعدم الخضوع للحاكم الطّاغية ومواجهته وبيان فساده(11) كما فعل المؤمنون الصّادقون مع فرعون، وهي تأمر في نفس الوقت بالصّبر على أذاه:
*﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ*قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ* وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾(الأعراف: 123-126).
*﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ*وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ*فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(يونس: 83-86).
وقد بيّن اللّه سبحانه في العديد من السّور المكّية والمدنيّة بأنّ اتباع المستضعفين للطّواغيت والخضوع لهم جزاؤه صحبتهم في النّار، فبخضوعهم للطّغيان وسكوتهم عنه وما ينتج عن ذلك من فساد في الأرض، أصبحوا شركاء في هذا الفساد، فاستحقّوا بذلك «مشاركة الفاسدين» النّار:
*﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ*النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ*وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ*قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾(غافر: 45-48).
*﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ*وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ*قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ*تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ*فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ*وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ*فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾(الشعراء: 94-102)،
*﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾(هود: 113)،
*﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ*قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ* وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(سبأ: 31-33)،
*﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾(ابراهيم: 21)
*﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ*وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾(البقرة: 166-167)،
*﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا*وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا*رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾(الأحزاب: 66-68)،
وقد استثنى سبحانه وتعالى من العذاب من ينهى عن السّوء (قولا): ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾(الأعراف: 164-165).
وقد ترك جلّ جلاله باب العفو والمغفرة مفتوحا للمستضعفين الذين هم في حال الولدان ليس لهم حول ولا قوّة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا*إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا*فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾(النساء: 97-99).
الهوامش
(1) أنظر مقالنا بمجلّة الإصلاح، العدد 213، أفريل 2025، ص.ص:90-97
(2) وقع النهي عن أكل الميتة منذ الفترة المكية, كما استدركنا ذلك في الإصلاح 213
(3) أنظر مقالنا بمجلّة الإصلاح، العدد 214، ماي 2025، ص.ص:106-113
(4) تطرقنا إلى كبيرة قول الزّور التي ورد النّهي عنها منذ أوّل الفترة المكيّة في العدد 210 من مجلة الإصلاح،جانفي 2025 ص.ص 82-87
(5) ما نسب لرسول اللّه ﷺَ بأنّ أصحاب الصّور يعذّبون أو أنّ الملائكة لا تدخل البيوت التي فيها صور، لا يأخذ بها لأنّها وفي أحسن أحوالها صحيحة وليست متواترة. فالإخبار عن عذاب اللّه في الآخرة أو ما يتعلّق بالملائكة والجنّ، هي من الغيبيّات التي يجب فيها اليقين أي نصّ قرآني أو حديث متواتر، كما اشترط «الفقهاء» أنفسهم بادئ الأمر. إلّا أنّه وكما ذكرنا في بحوث سابقة، تساهلوا في هذا الأمر، حتّى وصل بهم الحال للأخذ بالحديث الضّعيف كما أفتى الإمام أحمد بن حنبل (انظر بحثنا: «كبيرة التّقوّل على اللّه»، الإصلاح 210، جانفي 2025)
(6) تبين خلال البحث من أنّ عبادة الطّاغوت من الكبائر التي ورد النّهي عنها منذ أوّل الفترة المكّية ولا تدخل تحت الشّرك باللّه، فوجب تصنيفها مع الكبائر الأساسيّة (حالها حال « أكل الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير أللّه به»)
(7) وفي هذا إشارة إلى أنّ تكرار بعض الأمور دون غيرها في القرآن الكريم هو لحكمة بالغة تستوجب التّعمق في البحث كما هو الحال في البحوث الحديثة المتعلّقة بترادف الكلمات (من عدمه) في القرآن، خاصّة عندما يأخذ ترتيل السّور (ترتيب نزولها) بعين الاعتبار.
(8) وردت كلمة «جبت» في القرآن مرّة واحدة، واختلف «الفقهاء»، كالعادة، في معناها. والأقرب هي أنّها الأداة التي يستعملها الطّاغوت للسّيطرة، أي «السّحرة» بالنّسبة لفرعون، و«رجال الكهنوت الدّيني» الذين هم أداة في يد الطّواغيت من أهل الكتاب وللأسف من المسلمين من بعدهم (انظر موقع الباحث وخبير اللّغة العربيّة: سامر إسلامبولي (الطّاغوت والجبت – الموقع الرّسمي للباحث سامر إسلامبولي)
(9) هاته الآفة التي بدأت تظهر من جديد بصعود الهند التي ترفع راية الشّرك وتعلن عدائها للإسلام والمسلمين، أو بالأحرى «تصعيد» الهند بعد تحالف قادتها الهندوس المتطرّفين مع «الصّهيونية العالميّة»، حتّى وصل الأمر إلى استعداد رئيس وزرائها، لتقديم الدّعم لإسرائيل في حرب الإبادة بغزّة بحجّة محاربة الإرهاب، مهيئة بالتّالي الأوضاع لمشروع إبادة للمسلمين خاصّة بمنطقة كشمير المحتلة:
Modi’s Statement on the Israel Crisis Demonstrates a Transformed India-Israel Bilateral Relationship | Council on Foreign Relations
وما أشبه اليوم بالأمس، عندما تحالف يهود المدينة مع مشركي قريش ضدّ المسلمين حتّى وصل إدّعاؤهم بأنّ حلفاءهم أهدى من المؤمنين: ﴿ألَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلًا ﴾(النساء: 51)
(10) ولأن كان ظاهر الأمر أنّ حكام أمريكا وإسرائيل يصلون إلى الحكم عن طريق الانتخابات، إلّا أنّ واقع الحال أنّ الفئة النّافذة في هاته البلدان هي التي تسمح بوصول أشخاص دون غيرهم للحكم، ومن يحيد عن المسار المطلوب يقع التّخلّص منه ولو بالقتل إن لزم الأمر، كما حصل مع الرّئيس كندي (1963) ورابين (1995)
(11) عدم السكوت عن الحاكم الطّاغية وبيان فساده هو أعلى درجات «الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» الذي هو ليس من أسس الإسلام فقط بل كلّ الرّسالات، والذي سنتطرق إليه بعون اللّه في بحوث قادمة.
|