تحت المجهر

بقلم
د.محرز الدريسي
أيّ دور للتّربية المدرسيّة في التّوقّي من السّلوكات المتطرّفة (2-4) المرجعيّات والمقاربة المحتشمة ل
 1.  إطلالة عامّة على المرجعيّات التّربويّة التّونسيّة:
1.1 قانون رقم 118 لسنة 1958 مؤرّخ في 4 نوفمبر 1958 يتعلّق بالتّعليم:
يتكوّن القانون من أربعة(4)عناوين وتسعة أبواب موزّعة على ستيّن(60) فصلا، تتمحور حول الرّهان الأساسي بإعداد الطّفل للقيام بدوره كمواطن وكإنسان، وتكوين الإطارات الصّالحة الكفيلة بنحو النّشاط القومي على مختلف وجوهه وفي جميع الميادين»(1). وإلى إعدادهم للقيام بنشاط مهني بواسطة تنمية مواهبهم العقليّة والعلميّة تنمية منسجمة متلائمة(2)، وتكوين الإطارات المتوسطة الفنّية وغير الفنّية اللاّزمة لمختلف ميادين نشاط الأمّة(3). يتمحور المشغّل الرّئيسي حول بناء الدّولة الفتيّة والاهتمام بالمشروع الاقتصادي وتكوين الكفاءات من الشّباب التّونسي، ولم تبرز بعد معضلات التّطرّف، لذا من الطّبيعي أن تغيب من اهتمامات الإصلاح التّربوي الأوّل بتونس.  
2.1 قانون رقم 65 لسنة 1991 مؤرّخ في 29 جويلية 1991 يتعلّق بالنّظام التّربوي
يتكون القانون من خمسة (5) أبواب وستة وثلاثين (36) فصلا، يتحدّد الرّهان الأساسي في تمكين النّاشئة منذ حداثة عهدها بالحياة ممّا يجب أن تتعلّمه حتّى يترسّخ فيها الوعي بالهويّة الوطنيّة التّونسيّة وينمو لديها الحسّ المدني والشّعور بالانتماء الحضاري وطنيّا ومغاربيّا وعربيّا وإسلاميّا، ويتدعّم عندها التّفتّح على الحداثة والحضارة الإنسانيّة(4). واعداد النّاشئة لحياة لا مجال فيها لأيّ شكل من أشكال التّفرقة والتّمييز على أساس النّوع أو الأصل الاجتماعي أو اللّون أو الدّين(5)، وتمكين المتعلّمين من حقّهم في بناء شخصيّتهم ومساعدتهم على التّرشّد الذّاتي حتّى ينشؤوا على قيم التّسامح والاعتدال(6). يتكثّف القانون التّربوي حول ترسيخ ثقافة قائمة على مناهضة التّمييز والتّطرّف وتأكيد قيم التّسامح والاعتدال، وهي الأسس التّربوية والقيميّة الجديدة، حيث بدأ العقل التّربوي في تونس يعي بأهمّية محاصرة التّطرّف من المدرسة. 
3.1 القانـون رقم 80 لسنة 2002 مؤرّخ في 23 جويليـة 2002 يتعلّــق بالقانـون التّوجيهي للتّربية والتّعليم المدرسي
يتكوّن من تسعة أبواب وسبعين فصلا. يتكثّف الرّهان الأساسي للمرجعيّة التّربويّة بمسايرة إيقاع التّحوّلات الدّاخليّة والعالميّة وتأطير كلّ التّغيّرات في سياق التّحوّلات الجوهريّة التي تشهدها المدرسة، والنّظر في متطلبات المستقبل التي ستغيّر دعائم مكوّنات الفعل التّربوي وقواعد سير المؤسّسة التّربويّة. تهدف التّربية الى تنشئة التّلاميذ على الوفاء لتونس والولاء لها، وعلى حبّ الوطن والاعتزاز به، وترسيخ الوعي بالهويّة الوطنيّة فيهم، وتنمية الشّعور لديهم بالانتماء الحضاري في أبعاده الوطنيّة والمغاربيّة والعربيّة والإسلاميّة والافريقيّة والمتوسطيّة، ودعم التّفتّح على الحضارة الإنسانيّة(7). وتهدف الى غرس ما أجمع عليه التّونسيّون من قيم تنعقد على تثمين العلم والعمل والتّضامن والتّسامح والاعتدال، وهي الضّامنة لإرساء مجتمع متجذّر في مقومات شخصيّته الحضاريّة، متفتّح على الحداثة، يستلهم المثل الإنسانيّة العليا والمبادئ الكونيّة في الحرّية والدّيمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة وحقوق الإنسان، وتنشئة التّلميذ على احترام القيم الجماعيّة وقواعد العيش معا(8). تصنّف الكفايات والمهارات العامّة كالآتي: مهارات عمليّة ومهارات منهجيّة وكفايات المبادرة وكفايات سلوكيّة تتمثّل في تنمية روح المسؤوليّة والاعتماد على النّفس والتّعاون مع الآخرين وتقبّل النّقد والرّأي المخالف(9). 
يؤكّد روح هذا القانون على قيم التّسامح والاعتدال واحترام حقوق الإنسان، والاشتغال على تكوين الشّخصيّة المتبصّرة والمتوازنة للمتعلّم.
4.1 الأمر المنظّم للحياة المدرسيّة (عدد 2437) لسنة 2004 مؤرّخ في 19 أكتوبر
يتكوّن من سبعة عناوين وخمسة وثلاثين فصلا، أكّد على الأفكار المحوريّة التّالية: 
* أنّ الحياة المدرسيّة تمثّل إطارا لتنمية شخصيّة التلميذ ومواهبه وللتّمرّس بالعيش الجماعي(10)، وأنّها امتداد للتّعلّمات في الفصول. 
* الاضطلاع بالأمانة التّربويّة على نحو يضمن الموضوعيّة وحقّ الاختلاف في توافق مع الأهداف التّربوية الوطنيّة وفي ظلّ القيم والثّوابت التي يجمع عليها التّونسيّون(11). 
* التّنصيص على إحداث هياكل وآليّات مؤسّسيّة لتنشيط الحياة المدرسيّة ضمن أفق تقليدي (غياب المهارات الأفقيّة- ثقافة التّطوع...).
5.1 الكتاب الأبيض مشروع إصلاح المنظومة التّربويّة في تونس (ماي 2016):
يتضمّن أربعة (4) عناصر رئيسيّة:
* أوّلا، سياقات الإصلاح ومرجعيّاته، حيث يبرز هشاشة المدرسة أمام اجتياح ظواهر مستجدّة ومشينة لفضاءاتها أصبحت تهدّد جدّيّا عددا كبيرا من أبنائنا وبناتنا، مثل العنف والغشّ والإدمان والتّسيّب والتّطرّف وكلّ المظاهر المنافية لقواعد العيش معا. ويتّجه إصلاح المنظومة التّربوية إلى تعزيز تحقيق أهمّ ما تضمّنته المعاهدات الدّوليّة والإقليميّة في هذا الشّأن ونخصّ بالذّكر: الاتفاقيّة الخاصّة بمكافحة التّمييز في مجال التّعليم الصّادرة عن اليونسكو بتاريخ 14/12/1960، وإعلان الأمم المتّحدة للقضاء على جميع أشكال التّمييز العنصري، الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بتاريخ 20/9/1963.
* ثانيا، التّحدّيات والرّهانات، لا توجد في الرّؤية والمبادي(12) و«التّربية في خدمة التّنمية المستدامة»(13)وفي رسالة المدرسة(14) أيّة إشارة لظواهر التّطرّف وسبل مقاومته بالرّغم ممّا عاشه المجتمع التّونسي من ويلات التّطرّف والعمليّات الإرهابيّة. مع إشارات جدّ محدودة في تربية النّاشئة على قيم حقوق الإنسان وقيم المواطنة(15)، واختزلت ملامح المتخرّج في سبع(7) نقاط أهمّها، أنّه متجذّر في هويّته العربيّة الإسلاميّة ومنفتح على القيم الكونيّة وقادر على التّواصل الإيجابي مع محيطه. 
واحتوى عنصر برامج الإصلاح ومشاريعه تسعة (9) أهداف استراتيجيّة من تحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، وتطوير الحياة المدرسيّة وترقية الكفايات البشريّة ومكتسبات التّلاميذ ومراجعة الخارطة المدرسيّة وصولا إلى الحوكمة، ووضع إطار قانوني للأنشطة الثّقافيّة والرّياضيّة بالمؤسّسات التّربويّة وتطوير آليات العمل التّطوعي (منذ 2016). 
لكن لا نعثر على أيّ إشارة في التّربية على تحليل ظاهرة الإرهاب والتّطرّف العنيف التي يعايشها التّلاميذ في وسائل الإعلام والشّبكات الاجتماعيّة ولا عن طرق مقاومة التطرف ومناهجها.
6.1 المنهاج العام « غايات النّظام التّربوي التّونسي الجديد»(سبتمبر 2017):
يضبط مجموعة من النّقاط منها، «تربية النّاشئة على قيم المعرفة والعمل والحرّية والمسؤوليّة والتّعاون والتّسامح والاعتدال والسّلم، والحقّ، والعدالة والجمال»(16). وفي العنصر الثّالث يحدّد وظائف المدرسة في الوظائف التّربويّة والتّعليميّة والتّثقيفيّة والتّنشئة الاجتماعيّة من ضمنها الإسهام في قبول الآخر في اختلافه وتكامله باتجاه إرساء مناخ تفاهم وتعاون. وفي العنصر الرابع يصبح التّلاميذ المتخرّجون من المدرسة التّونسيّة مواطنين متشبّعين بمبادئ حقوق الإنسان وقيم الجمهوريّة، ومتسامحين معتزّين بهويّتهم في تعدّد أبعادها وشموليتها، ومقبلين على العيش المشترك.
وفي مجال التّعلّمات، يعدّ أساس تكوين التّلميذ بوصفه شخصا ومواطنا متشبّعا بالقيم المجتمعيّة والإنسانيّة (قيم الحرّية والعدالة والدّيمقراطيّة والمساواة وحقوق الإنسان والواجب والمواطنة). وفي مجال تكوين الشّخص والمواطن، تعتبر المهارات الحياتيّة كلاّ متكاملا من الكفايات التي تدمج ضروب السّلوك والمواقف والمعارف التي يمكن للمتعلّمين تطويرها والمحافظة عليها طوال الحياة. وتميّز بين صنفين من المهارات: المهارات الحياتيّة ذات البعد العرفاني (البرهنة- الحسّ النّقدي- التّحليل...) والمهارات الحياتيّة ذات البعد النّفسي الاجتماعي (القيادة، تقدير الذّات، التّعاطف، التّحكّم في الضّغوطات...). وتغطّي أربعة أبعاد أساسيّة: البعد العرفاني الخاصّ بالمعارف التّصريحيّة والبعد الأداتي المتعلّق بالمعارف الإجرائيّة والبعد الشّخصي الخاصّ بمعارف الكينونة والبعد الإجرائي المتعلّق بالمعارف العمليّة. وهذه المهارات والكفايات متّصلة بـ «التّربية على...» ليست موضوع تعلّم مستقل، لكنّها مدمجة في مناهج المواد وفي الحياة المدرسيّة في جميع مراحل التّعلّم.
الهوامش
(1) النقطة 4 من الفصل 1، قانون رقم 118 لسنة 1958
(2) النقطة 2 من الفصل 10، قانون رقم 118 لسنة 1958
(3) النقطة 2 من الفصل 14، قانون رقم 118 لسنة 1958
(4) النقطة 1 من الفصل 1 ، قانون رقم 65 لسنة 1991
(5) النقطة 3 من الفصل 1، قانون رقم 65 لسنة 1991
(6) النقطة 6 من الفصل 1، قانون رقم 65 لسنة 1991
(7) الفصل 3، قانون رقم 80 لسنة 2002
(8) الفصل 8، قانون رقم 80 لسنة 2002
(9) الفصل 57، قانون رقم 80 لسنة 2002
(10) الفصل 1،  الأمر المنظّم للحياة المدرسيّة (عدد 2437) لسنة 2004
(11)   الفصل 2،  الأمر المنظّم للحياة المدرسيّة (عدد 2437) لسنة 2004
(12)  النقطة 8، الكتاب الأبيض مشروع إصلاح المنظومة التّربويّة في تونس (ماي 2016)
(13)  النقطة 7، الكتاب الأبيض (ن.م)
(14)  النقطة 12، الكتاب الأبيض (ن.م)
(15) النقطة 5، الكتاب الأبيض (ن.م)
(16) النقطة 4، المنهاج العام «غايات النّظام التّربوي التّونسي الجديد»(سبتمبر 2017)