نفحات

بقلم
أشرف شعبان أبو أحمد
ظاهرة الزّكاة أهمّيتها وضرورتها للفرد وللمجتمع (3) الزكاة واجب اجتماعي
 الزّكاة واجب اجتماعي، ويمكن أن يقال عنها واجب اجتماعي تعبدي(1) حيث تهدف إلى تحقيق التّكافل والضّمان الاجتماعي(2) وإقامة التّوازن المعيشي بين أفراد المجتمع(3) بتوزيع الثّروة وتداولها بينهم (4)، فهي ليست مجرد معونة وقتيّة، لسدّ حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شيء من بؤسه، ثمّ تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة، بل هدفها الأساسي القضاء على الفقر، واستئصال شأفة العوز من حياة الفقير، وجعله قادرا على النّهوض لوحده بعبء المعيشة، حيث من مهمّتها أن تيسّر للفقير قواما من عيش، لا لقيمات أو دريهمات، وهي فريضة دوريّة منتظمة دائمة الموارد(5) وحقّ محدّد مقرّر، لا تهاون فيه، تتولّى الدّولة المسلمة جبايته وتوزيعه(6)
وتساعد الزّكاة على تحقيق التكافل المعيشي الذي هو جزء من نظام التّكافل الاجتماعي في الإسلام الذي يشمل جوانب الحياة المادّية والمعنويّة، فهناك التّكافل الأدبي والتّكافل العلمي والتّكافل السّياسي والتّكافل الدّفاعي والتّكافل الجنائي والتّكافل الأخلاقي والتّكافل الاقتصادي والتّكافل الحضاري وأخيرا التّكافل المعيشي. تستغل الزّكاة في ما يسمى اليوم بالتّأمين الاجتماعي والضّمان الاجتماعي مجتمعين(7)، ذلك أنّ كثيرا ممّن يؤدّون الزّكاة في عام قد يكونون في العام التّالي مستحقين للزّكاة لنقص ما في أيديهم عن الوفاء بحاجاتهم، أو حلول كوارث جعلتهم يستدينون على أنفسهم وعيالهم، أو نتيجة انقطاعهم عن وطنهم وعن أموالهم، أو نحو ذلك، فهي من هذه النّاحية تأمين اجتماعي، وهناك آخرون لم يكونوا ممن وجبت عليهم الزّكاة من قبل ولم يساهموا بشيء في حصيلة الزّكاة، لكنّهم في حاجة إلى المال نتيجة فقرهم، فهي من هذه النّاحية ضمان اجتماعي، غير أنّ الزكاة في الواقع أقرب إلى الضّمان منها إلى التّأمين، لأنّها لا تعطي الفرد بمقدار ما دفع كما هو الشّأن في نظام التأمين وإنّما تعطيه بمقدار ما يحتاج إليه قلّ ذلك أو كثر، فمن بين أهداف الزّكاة ما له صبغة اجتماعيّة كمساعدة ذوي الحاجات، والأخذ بأيدي الضّعفاء من فقراء ومساكين وغارمين وأبناء السّبيل، فإنّ مساعدة هؤلاء تؤثّر فيهم بوصفهم أفرادا، وتؤثّر في المجتمع كلّه باعتباره كيانا متماسكا. والحقّ أنّ الحدود بين الفرد والمجتمع متداخلة، إذ أنّ المجتمع ليس إلا مجموعة أفراده، فكلّ ما يقوّي شخصيّة الفرد وينمّي مواهبه وطاقاته المادّية والمعنويّة، هو من غير شكّ تقوية للمجتمع وترقية له، وكلّ ما يؤثّر في المجتمع بصفة عامّة، يؤثّر في أفراده، فلا عجب أن نعدّ تشغيل العاطل ومساعدة العاجز ومعونة المحتاج كالفقير والمسكين والرّقيق والمدين أهدافا اجتماعيّة، لما تؤدّي إليه من تماسك المجتمع وتكافله، وهي في الوقت نفسه أهداف فرديّة بالنّظر لهؤلاء الآخذين للزّكاة. 
ولقد سدّدت الزّكاة كلّ ما يتصوّر من أنواع الحاجات النّاشئة عن العجز الفردي أو الخلل الاجتماعي أو الظّروف العارضة، التي لا يسلم من تأثيرها بشر، ونحن نقرأ في ما كتبه الإمام الزّهري لعمر بن عبد العزيز عن مواضع السّنة في الزّكاة: أن فيها نصيبا للزّمني والمقعدين، ونصيبا لكلّ مسكين به عاهة لا يستطيع عيلة ولا تقلّبا في الأرض، ونصيبا للمساكين الذين يسألون ويستطعمون (حتّى يأخذوا كفايتهم ولا يحتاجوا بعدها إلى السّؤال)، ونصيبا لمن في السّجون من أهل الإسلام ممّن ليس له أحد، ونصيبا لمن يحضر المساجد من المساكين الذين لا عطاء لهم ولا سهم (ليس لهم رواتب ولا معاشات منتظمة) ولا يسألون النّاس، ونصيبا لمن أصابه فقر وعليه دين، ولم يكن شيء منه في معصية اللّه ولا يتّهم في دِينِه أو قال في دَيْنِه، ونصيبا لكلّ مسافر ليس له مأوى ولا أهل يأوي إليهم، فيؤوى ويطعم وتعلف دابته، حتّى يجد منزلا أو يقضي حاجة، فهو ضمان شامل لكلّ أصناف المحتاجين، وكلّ حاجاتهم المختلفة بدنيّة ونفسيّة وعقليّة، وقد رأينا كيف اعتبر الزّواج من الحاجات التي يجب إشباعها وكذلك كتب العلم لأهلها، ولم يكن ذلك خاصّا بالمسلمين وحدهم بل شمل كلّ من يعيش في ظلّ دولتهم من اليهود والنّصارى، كما فعل سيّدنا عمر مع اليهودي الذي وجده يسأل على الأبواب، وأمر بكفالته من بيت مال المسلمين، وجعل ذلك مبدءا له ولأمثاله، كما أنّه حين رأى في طريقه إلى دمشق قوما مجذومين، من النّصارى، أمر أن يرتّب لهم معاش من بيت المال الإسلامي، وبذلك تعدّ الزّكاة أوّل تشريع منظّم في سبيل ضمان اجتماعي لا يعتمد على الصّدقات الفرديّة التّطوّعيّة، بل يقوم على مساعدات حكوميّة دورية منتظمة، مساعدات غايتها تحقيق الكفاية، لكل محتاج، الكفاية في المطعم والملبس والمسكن وسائر الحاجات، لنفس الشّخص ولمن يعوله في غير إسراف ولا تقتير (8) 
الهدف الأول من الزّكاة إذن هو القضاء على الفقر، لذلك فإنّ الفقراء والمساكين هم أول من تصرف لهم الزّكاة، حتّى أنّ النّبي ﷺَ، لم يذكر في بعض المواقف إلاّ هذا المصرف، لأنّه المقصود أوّلا، أو على سبيل الاكتفاء به، كأمره لمعاذ وقد بعثه إلى اليمن أن يأخذها من أغنيائهم ويردّها على فقرائهم، وحتّى ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الزّكاة لا تصرف إلاّ لفقير(9) فالإسلام يريد للنّاس، أن يحيوا حياة طيّبة، تتوافر لهم فيها كفايتهم، وكفاية من يعولونهم، حتّى إذا اطمأنّوا في حياتهم، اتجهوا بالعبادة الخاشعة، إلى ربّهم الذي أطمعهم من جوع وأمنهم من خوف. ومن هنا فرض اللّه الزّكاة تؤخذ من الأغنياء لتردّ على الفقراء، فيقضي بها الفقير حاجاته المادّية، كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن، وحاجاته النّفسية الحيويّة، كالزّواج الذي قرّر العلماء أنّه من تمام كفايته، وحاجاته المعنويّة الفكريّة ككتب العلم لمن كان من أهله، وبهذا يستطيع الفقير أن يشارك في الحياة، ويقوم بواجبه في طاعة اللّه ويشعر بأنّه عضو حيّ في جسم المجتمع، ليس شيئا ضائعا ولا كمّا مهملا، وإنّما هو في مجتمع إنساني كريم يعني به ويرعاه ويأخذ بيده، ويقدّم له يد المساعدة في صورة كريمة، لا منّ فيها ولا أذى، بل يتقبّلها من يد الدّولة، وهو عزيز النّفس رافع الرّأس موفور الكرامة، لأنّه إنّما يأخذ حقّه المعلوم ونصيبه المقسوم، حتّى لو اضطربت الأمور في المجتمع المسلم، وقدّر للأفراد أن يكونوا هم الموزّعين للزّكاة بأنفسهم، فإنّ القرآن يحذّرهم من إهانة الفقير، أو جرح إحساسه بما يفهم منه الاستعلاء عليه أو الامتنان، أو أيّ معنى يؤذّي كرامته كإنسان وينال من عزّته كمسلم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ..﴾(البقرة: 264).
إنّ شعور الفقير أنّه ليس ضائعا في المجتمع وأنّ مجتمعه يهتمّ به ويرعاه كسب كبير لشخصيّته، وزكاة لنفسيّته، وهذا الشّعور نفسه ثروة، لا يستهان بها للأمّة كلّها. إنّ رسالة الإنسان على الأرض، وكرامته على اللّه سبحانه، تقتضيان ألاّ يترك للفقر، الذي ينسيه نفسه وربّه، ويذهله عن دينه ودنياه، ويعزله عن أمّته ورسالتها، ويشغله عن ذلك كلّه بالتّفكير في سدّ الجوع وستر العورة والحصول على المأوى(11)
وتستخدم الزّكاة في تشغيل الطّاقة الإنتاجيّة المعطّلة، حيث إنّه لا يشترط توزيع الزّكاة على مستحقيها نقدا، بل يمكن أداؤها في شكل مواد استهلاكيّة أو إنتاجيّة، كما كان يحدث في صدر الإسلام، على أن يكون مقدار العطاء، بالقدر الذي يذهب الفقر، ويقضي على أسبابه، أي يحقّق قوام العيش، فبالتالي من كان ذا حرفة وتنقصه أدوات إنتاج، يمكن توفيرها له من أموال الزّكاة، فقد أجاز الفقهاء أن يعطى للمحترف مال يشتري به أدوات حرفته بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته، قال النّووي: «فمن كانت عادته «أي الفقير» الاحتراف أعطى ما يشتري به أدوات حرفته، قلّت قيمة ذلك أو كثرت، ومن كان خيّاطا أو نجّارا أو قصّابا أو غيرهم من أهل الصّنائع، أُعطي ما يشتري به الآلات التي تصلح لمهنته».
ويذهب الفقهاء إلى تحديد أوجه إنفاق حصّة الزّكاة المخصّصة للقضاء على الفقر وأسبابه، بحيث تقسم إلى جزءين: الأول يُعطى لغير القادرين على الكسب بأنفسهم، والثاني يُعطى للقادرين على الكسب بأنفسهم، بحيث يمكنهم شراء وسيلة للإنتاج والكسب، مثل آلة حرفتهم، وبذلك يتمّ تحقيق قدر من التّشغيل للعمالة المعطّلة بسبب عدم توافر رأس المال اللاّزم لتشغيلها. ومن التّطبيقات المعاصرة لهذه الحالة: شراء آلات وأدوات حرفة للنّساء الفقيرات المحترفات صنعة، واللاّتي لا يستطعن الخروج، ويمكنهن العمل داخل البيت، وبذلك يتمّ تحويلهن إلى قوّة منتجة، وشراء آلات وأدوات حرف الصّناعات الصّغيرة للشّباب الفقير العاطل، لتحويله إلى قوّة منتجة من خلال نظام القرض الحسن، بدلا من القروض الرّبويّة والقروض المشتبه فيها، وشراء آلات وأدوات الحرف ونحوها للمعاقين الفقراء، وتدريبهم على ممارسة حرفة، ويقاس على ذلك اللاّجئين والمعتقلين والسّجناء. فمن الآثار الاقتصادية الهامة لتمويل وسائل الحرفة للفقراء المحترفين من الزكاة، تحويلهم من طاقة عاطلة إلى قوة اقتصادية إنتاجية سوف تتحول بعد فترة إلى دافعي زكاة (12)
فمن واجبات الدّولة الإسلاميّة نحو أبنائها تهيئة العمل المناسب لكلّ عاطل قادر على العمل، فما ينبغي لراع مسؤول عن رعيته أن يقف مكتوف اليدين أمام العاطلين عن العمل، كما لا يجوز أن يكون موقفه منهم، بصفة دائمة مدّ اليد بمعونة قلّت أو كثرت من أموال الصّدقات، فقد قال ﷺَ: « لا تحلّ الصدقة لغنيّ ولا لذي مرّة سويّ» وكل إعانة مادّية تعطى ( لذي مرّة سويّ ) ليست في الواقع إلا تشجيعا للبطالة من جانب، ومزاحمة للضّعفاء والزّمنى والعاجزين في حقوقهم من جانب آخر. والتّصرّف السّديد الواجب نحو القادرين على العمل العاطلين عنه هو ما فعله رسول الله ﷺَ  بإزاء واحد من هؤلاء السّائلين، فعن أنس بن مالك أنّ رجلا من الأنصار أتي النّبيّ ﷺَ يسأله فقال:«أما في بيتك شيء؟»، قال:«بلى، حلس (كساء يوضع على ظهر البعير أو يفرش في البيت تحت حرّ الثياب) نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب (القدح الإناء) نشرب فيه الماء». قال:«ائتني بهما»، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله ﷺَ وقال:«من يشتري هذين؟»، قال رجل: «أنا آخذهما بدرهم»، قال:«من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا»، قال رجل: «أنا آخذهما بدرهمين»، فأعطاهما إياه وأخذ الدّرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال:«اشتر بأحدهما طعاما وانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به»، فشدّ رسول الله ﷺَ عودا بيده ثمّ قال له: «اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما»، فذهب الرّجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، قال رسول اللّه ﷺَ: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكته في وجهك يوم القيامة، إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة، لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع»، وفي هذا الحديث  نجد النبي ﷺَ لم يرد للأنصاري السّائل أن يأخذ من الزّكاة وهو قويّ على الكسب، ولا يجوز له ذلك إلاّ إذا ضاقت أمامه المسالك، وأعيته الحيل، وولي الأمر لابدّ أن يعينه في إتاحة الفرصة للكسب الحلال وفتح باب العمل أمامه، كما إنّه لم يعالج السّائل المحتاج بالمعونة المادّية الوقتيّة كما يفكّر كثيرون، ولم يعالجه بالوعظ المجرّد والتّنفير من المسألة كما يصنع آخرون، ولكنّه أخذ بيده في حلّ مشكلته بنفسه وعلاجها بطريقة ناجحة، علّمه أن يستخدم كلّ ما عنده من طاقات وإن صغرت وأن يستنفد ما يملك من حيل وإن ضؤلت، فلا يلجأ إلى السّؤال وعنده شيء يستطيع أن ينتفع به في تيسير عمل يغنيه، وعلّمه أنّ كلّ عمل يجلب رزقا حلالا هو عمل شريف كريم، ولو كان احتطاب حزمة يجتلبها فيبيعها، فيكفّ اللّه بها وجهه أن يراق ماؤه في سؤال النّاس، وأرشده إلى العمل الذي يناسب شخصه وقدرته وظروفه وبيئته وهيأ له آلة العمل الذي أرشده إليه، ولم يدعه تائها حيران، وأعطاه فرصه خمسة عشر يوما يستطيع أن يعرف منه بعدها مدى ملاءمة هذا العمل له، ووفائه بمطالبه فيقره عليه، أو يدبّر له عملا آخر، وبعد هذا الحلّ العملي لمشكلته لقّنه الدّرس النّظري الموجز البليغ في الزّجر عن المسألة والتّرهيب منها والحدود التي تجوز في دائرتها. 
ودور الزّكاة هنا لا يخفى، فمن أموالها يمكن إعطاء القادر العاطل ما يمكنه من العمل، في حرفته، من أدوات أو رأس مال، ومنها يمكن أن يدرب على عمل مهني يحترفه ويعيش منه، ومنها يمكن إقامة مشروعات جماعية مصانع أو متاجر أو مزارع ونحوها ليشتغل فيها العاطلون وتكون ملكا لهم بالاشتراك كلها أو بعضها (13)
وقف الإسلام دون إرخاء العنان لغريزة الجنس، لتنطلق بغير حدود، ولا قيود، ولذلك حرّم الزّنا، وما يفضي إليه وما يلحق به، ولكنّه إلى جانب ذلك قاوم نزعة مصادرة الغريزة وكبتها، ومن أجل ذلك دعا إلى الزّواج، ونهى عن التّبتّل والخصاء، فلا ينبغي لمسلم أن يعرض عن الزّواج مع القدرة عليه، بدعوى التّبتّل للّه، أو التّفرّغ للعبادة والتّرهّب والانقطاع عن الدّنيا، وقد لمح النّبي ﷺَ في بعض أصحابه شيئا من النّزوع إلى هذه الوجهة الرّهبانيّة، فأعلن أنّ هذا انحراف، عن نهج الإسلام، وإعراض عن سنته(14)ومن هنا قال بعض العلماء إنّ الزّواج فريضة على المسلم لا يحلّ له تركها ما دام قادرا عليها، ولا يليق بالمسلم أن يصدّ عن الزّواج خشية ضيق الرّزق عليه أو ثقل المسؤوليّة على عاتقه، وعليه أن يحاول ويسعى وينتظر فضل اللّه ومعونته التي وعد بها المتزوّجين، الذين يرغبون في العفاف والإحصان، قال تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(النور: 32)،وقال رسول الله ﷺَ:«ثلاثة حقّ على اللّه عونهم النّاكح الذي يريد العفاف والمكاتب الذي يريد الأداء (أي العبد الذي يريد أن يحرّر رقبته ببذل مقداره من المال يكاتب عليه سيده) والغازي في سبيل اللّه»(15).
ومن فضل اللّه وعونه، الذي وعد به كلّ مؤمن يريد أعفاف نفسه بالزّواج، أن يمدّ المجتمع المسلم ممثّلا في الحكومة أو مؤسّسة الزّكاة يده إليه بالمساعدة في المهر ونفقات الزّواج إن كان من أهل الحاجة، حتّى يستطيع أن يستجيب لنداء الإسلام في غضّ البصر وإحصان الفرج، وإقامة الأسرة المسلمة، ومعرفة آية اللّه البيّنة التي نبّه عليها عباده ممتنا عليهم بقوله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾( الروم: 21) وهذا ليس ابتداعا أو اجتهادا  غير مسبوق إليه، ولكن هذا الذي قرّره أئمتنا منذ قرون، فقد جعلوا الزّواج من تمام الكفاية وقالوا إنّ من تمام الكفاية ما يأخذه الفقير ليتزوّج به، إذا لم تكن له زوجة واحتاج إلى الزّواج (16)
الهوامش
(1) العدالة الاجتماعية في الإسلام سيد قطب ص 150
(2) التطبيق المعاصر للزكاة كيف تحسب زكاة مالك؟ حسين شحاتة ص33
(3) إسلام لا شيوعية عبد المنعم النمر ص 283
(4) تنمية المال في الاقتصاد الإسلامي أميرة عبد اللطيف مشهور ص 37
(5) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج1 ص87
(6) العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص272
(7) الفرق بين التأمين والضّمان أنّ كل فرد في التّأمين يؤدّي قسطا من دخله في نظير تأمينه عند عجزه الدّائم أو المؤقّت، أمّا في الضّمان فالدّولة هي التي تقوم بتوفير قسط من ميزانيتها العامة بدون أن يشترك أفراد المجتمع بأداء قسط معين. 
(8) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2  من ص880 إلى ص 882
(9) مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام يوسف القرضاوي ص60 / فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج1 ص 87 و98  
 (11) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2  من ص 872 -   875
(12) تنمية المال في الاقتصاد الإسلامي أميرة عبد اللطيف مشهور ص.ص 42-44 / التطبيق المعاصر للزكاة كيف تحسب زكاة مالك؟ حسين شحاتة ص 220
(13) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ، ص.ص 894 - 897
(14)  روى البخاري: قال رسول اللّه ﷺَ: « إنما أنا أعلمكم باللّه وأخشاكم له ولكنّي أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النّساء فمن رغب عن +سنّتي فليس مني». وقال سعد بن أبي وقاص: رد رسول اللّه على عثمان بن مظعون التّبتّل، ولو أذن له  لاختصينا. ووجه ﷺَ نداءه إلى الشّباب عامّة فقال « يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج». 
(15) رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة والحاكم  عن أبي هريرة بإسناد صحيح
(16)فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ،  ص. ص 910  -  911