تمتمات

بقلم
م.رفيق الشاهد
الحرية والمسؤولية
 يختلف منسوب حرّيّة كلّ إنسان تجاه قوانين الوجود بقدر معرفته لهذه القوانين وعمق معرفته بها.
الحرّيّة مسألة مثيرة للتّفكير شغلت الفكر الإنساني ومازالت تشغله حاضرا ومستقبلا. ولنفهم جيّدا أبعاد حرّيّة الإنسان ومداها وعلاقتها بالقوانين الكونيّة يتوجّب علينا أوّلا تعريف مصطلحات الحرّيّة والمسؤوليّة والإنسان، وتحديد الإطار الزّماني والمكاني لتتوفّر الخيارات وبذلك الإرادة.
تشترط الحرّيّة توفّر الخيار بين الفعل وعدم الفعل وإدراكهما، ومعرفة أثر كلّ منهما حتّى تتحقّق المسؤوليّة. وبذلك لا يتمتّع بالحرّيّة إلّا الإنسان العاقل والمسؤول والقادر على الإرادة، وكلّ ما هو خارج عن هذا النّطاق يعدّ تصرّفا غير عاقل من إنسان ناقص قريب بدرجات من الحيوان الذي يمكنه اختبار بين تجنّب فعل وراءه عقاب أو الرّغبة في القيام بآخر وراءه مكافأة.
والفعل هو كلّ ما ترك أثرًا، والعمل هو كلّ فعل أو أفعال مترابطة وموصوفة بإرادة. لهذا لا تستقيم الحرّيّة بفعل دون إرادة، كما لا تستقيم الإرادة دون إدراك ووعي بالمسؤوليّة.
ارتبطت كلمة «لا» التي تعبّر على الرّفض بأعلى درجات الحرّيّة، ولكن «نعم» التي تعبّر على القبول، ارتبطت بالرّضوخ والخنوع، رغم أنّه يمكن لها هي أيضا أن ترتقي إلى أعلى درجات الحرّيّة كلّما صدحت عن إرادة مثلها مثل كلمة «لا».
والمقصـود بالإنسـان هنا والـذي ينطبق عليه مبدأ الحرّيّـة يلامس مستويين مختلفين اختلافا منهجيا:
• الأول، هو الإنسان في المطلق والمقصود به الوجود البشري. ويمكن في هذا المستوى البحث في حرّيّة الإنسان على مرّ العصور عبر ما حقّقته البشريّة بأعمالها من تغيير وتطوير في كلّ مظاهر الحياة عن وعي وإدراك. كما يمكن في هذا السّباق أن نعتبر الإنسان المقصود هنا هو هذا المعاصر، أي الإنسان في نسخته الأخيرة بكلّ ما توفّر لديه من أعضاء ومدارك حسّيّة خلقيّة وأخرى مكتسبة ومن صنع يديه، وما تراكم عنده من معارف قديمة وجديدة جعلته أكثر ذكاء من الذين سبقوه وأقل بكثير ممّن سيلحقون به من بعده.
• المستوى الثّاني هو الفردي والذّاتي. أي أنّ المقصود بالإنسان هنا هو الشّخص العاقل والمسؤول والواعي بالسّياقات المحيطة به والذي يعيش لحظته بين «يريد» و«لا يريد» وبين الفعل وعدم الفعل لتحقيق حرّيته من خلال قراره.
يبدو أنّ الإنسان مجبول على تحمّل عواقب أعمالـه، وهي درجـة من الذّكـاء صيّرته يتعلّم من أخطائـه وجعل من كلمـة «لو» عنوان التّـدارك والتّصحيح. ولكنّ عبارة «لو» لا تستعمـل الّا بعد إدراك معرفـة جديدة كانت غائبـة. لذلك يصحّ القـول بأنّ «قوانين الوجود تقيّد الإنسان الذي يجهل كنهها وتجعله ضعيفا يرضخ لها، وبالتّالي لا يمكنه أن يدّعي الحرّيّـة باعتبار أنّه مسلوب الإرادة، يفعل ولا يعمل.  أمّا الذي فهم شيئا من هذه القوانين، فيمكن له أن يكون أكثر حرّيّة وأكثر إنسانيّة من ذلك الذي لا يفهم لأنّ معرفة القوانين تجعل الإنسان يتأقلم معها ويتحكّم فيها لصالحـه، فتجعله أكثر إرادة وأكثر حرّيّة».