تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
رقصة اصحاب الارض
 لما تكبر البنت يكبر معها الوعي ان لا شيء بات ينطلي عليها وتضيع الحيل ولا مفر من تركها. ولكن في الأخير لابد من آخر الحيل ولم يبق الا ان تشاركها بحثك عن  حيلة لا تنطلي عليها ولكن احذر  فقد تنطلي احيانا واحيانا اخرى لا تنطلي. و في الاخير الم تثبت التجارب ان لابد للحيلة الأخيرة من ان تنطلي على البنت ولو بتواطؤ منها وان ابت انطلت على صاحبها لانها واقعا انطلت.. كيف؟  لا يهم . إن شئتم اسألوها. أما أنا فلم أعد  أجرؤ على سؤال ابنتي منذ كبرت واصبحت تشاركني كل همومي وتحمل عني اثقالها.
أتيتها اليوم خجولاً من نفسي اعلمها انني اسكت أختيها الصّغريتين اللتين أبتا  الاّ اللعب بلعبتها هي دون سواها في انتظار ان اشتري لهما لعبة اخرى. فاجابتني وكأنها تواسيني وترفع عني التكلف أنها اليوم  كبرت على ان تواصل اللعب بها.  
هل كبرت ابنتي فعلا؟ حقيقة لا أظن لان ملامحها مازالت طفولية وحتى صدرها لم يرتفع بعد وما زالت لا تكترث به فتخرج احيانا دون سترة. هل كبرت ابنتي لدرجة انها اقنعتني ان لا اشتري لعبة أخرى رأفة بي لانها تعلم البئر وغطاءه كما حفظت عن أمها التي تركتنا ؟ هل كبرت ابنتي الى درجة انها ارجعت صدى حيلتي فانطلت علي؟ كيف لا وهي التي اصبحت منذ مدة تطعم اختيها وتغير لهما؟ الم تصبح كل منهما لعبة آدمية حقيقية بين يديها؟ 
نعم كبرت البنت اكبر مما كنت اتوقع واتصور. كبرت منذ  انطلى علي انني أشاركها بعض همومي التي في الحقيقة اكتشفتها قبلي وحملتها عني بثقلها دون انين ولا تذمر. 
كبرت ابنتي اكبر مني. نعم رأيتها تنهض من حطام غزة مغبرة داكنة لا ملامح لها لا شرقية ولا غربية تغير لونها مثلما تغير لون الزيتونة واصطبغ كل شيء باللون الباهت لون اتربة الهدم والدمار. ها هي تخرج من بين الانقاض كما لا أعرفها تلم ضمن أشيائها أشلاء  وتواسي الكبير والصغير صبرا وكمدا وتحمل عنهم ما ثقل  من هموم جيلها وجيل ابيها وأجيال الأمة ثلاثة سابقة. رأيتها تغتسل من المآسي دون ماء  وترتدي ثوب الطهر والستر دون  قماش ونهضت يكاد نورها  يضيء ولو لم تمسسه فرشاة زينة لترقص مع أندادها رقصة أصحاب الارض كما لا يرقصها الا اصحاب الارض. 
نعم كبرت البنت منذ قالت ولم تدرك الخجل انها يجب ان تحبل مثل مريم وان تلد قبل الحيضة طاهرة عذراء. ستنجب من حيث لا تدري الكثير من  الاطفال عوضا عن  أخيها والذين استشهدوا وستعدهم ليكونوا شهداء مثلهم ولكن ليس قبل ان يرقصوا معها رقصتها التي اصبحت عنوانا لفلسطين.