تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
رجاء أغمض عينيك
 هل أخطأ الأديب الكبير «طه حسين» حين شجّع الكتابة بأساليب جديدة ومختلفة وقبل بالشّعر الحرّ عوضا عن الشّعر العمودي؟ ألم يتلقّ انتقادات من كلّ صوب عن دفاعه عن الكتابة باللّغة العامّية عوضا عن العربيّة الفصحى القحّة؟ لا أظنّه ندم على ذلك ولا من بعده. لقد فتح الأبواب على مصراعيها لاقتحام بحر الكتابة الذي أصبحت أمواجه عالية يصعب خوض غمارها. وشقّ بعصا موسى مسلكا في بحور الشّعر ليرتعوا فيها فراشة يسبحون أو على الظّهر، ولمَ لا سباحة صدر أو كما يشاءون حرّة على وزن الشّعر الحرّ. ولا ضرر أن يسبح من أراد ضدّ التّيار.
الفلاسفة دائما على حــقّ. هــؤلاء ورثة الأنبيــاء، يستشرفون المستقبــل بمحاسنه ومساوئــه. هكـــذا رأى «طه حسين» بعيدا بنظره لا بناظريه هوّة تتّسع بين المفكّر والجمهور وهكذا رأى ضياع الفكر في تلاطم أمواج بحور الشّعر وارتفاع منسوب البلاغة عند السّلف ممّا أرهق الخلف، فوقفوا عاجزين عن أي إنتاج للمعرفة. كساد الشّعر فـــي سوق عكـــاظ وهــوّة الثّقافــات والفنون تنبأ لها «طه حسين» مبكرا حين لم ينتبه لها مبصر .
أغمض الحكيم عينيه وفتح قلبه فرأى المستقبل.
هوّة وفجوات 
كم كثرت الفجوات هذه السّنوات، فهذه رقميّة، والأخرى اجتماعيّة، وتلك ماليّة ثمّ والأكثر شيوعا هذه الأيام والأشدّ اتساعا وعمقا الهوّة الثّقافية والفكريّة المتسبّبة في صراع كبير بين الأجيال. هذا الصّراع عادة ما يرقى إلى مستوى الحرب ولكنّه أكثر عنفا ونتائجه أشدّ ألما. وباعتبار الوحدة المتعارف عنها للامتداد الزّمني للجيل تعدّدت الفجوات في الجيل الواحد إلى حدّ الاعتقاد بانفجاره إلى أجيال صغيرة متقاربة، كما أصبح الصّراع يحتد بين أفراد التّرب الواحد وبين الأخوين على قدر تباعد عمريهما. 
لماذا يعيش أولادنا في عزلة ووحدانية عمياء، فلا يبصر أحدهم إلاّ افتراضا؟ لماذا هرب الشّباب إلى الفضاء السّيبرنيكي وقطعوا كلّ اتصال بأهلهم وأصدقائهم الحقيقيين؟ ...
أسئلة عديدة حول مسألة واحدة. ما العمل إن لم تفلح الدّولة في رسم ذاتهــا وكذلك العائلــة كمثال مصغــر؟ ما العمل إن لم توجد الدّولة في مشاعر النّاس ووجد الشّباب هذا الشّعور في الفضاء الافتراضي الذي أقنعهم بأنّهم مواطنوه يشاركون مجتمعهم في إدارته بأخذ القرار وتحمّل مسؤوليّة تبعاته، فينفعلون ويتفاعلون مع كلّ النّتائج التي تشعرهم أنّهم مواطنون. ألا تراهم يستنشقون الحرّية وراء أبواب مغلقة؟ ألا تراهم مقلعين إقلاعا في الفضاء الافتراضي؟ لقد وجدوا - كلّ في فضائه - أصدقاء جددا يحاورونهم بلغة جديدة لا حدود لها، أقنعتهم بأنهم مواطنون دون وطن. وكذلك الطّفل في غفلة عن والديه في غرفته المغلقة وجد هذا الإحساس بالانتماء خارج حدود العائلة. هذا هو سرّ «الحوت الأزرق» الذي يستهدف الحسّ الرّهيف والطّوق إلى الحرّية. 
نعم هذه التي تفكّ كلّ القيود إلى حدّ الموت أسمى مظاهر الحرّية والانعتاق والتخلّص من كلّ الآلام الموجعة.
 في غياب الحرّية الحيّة يتمّ اللّجوء إلى الحرّية الحلم التي تزيل السّحابة في حالة الصّحو وترفع الوصاية في حال المقدرة. كم من رضيع كتم أنفاسه الثّدي الذي يرضعه.  
اليوم، أحمد الله أن جنّحت فراخي وتسلّقت الفضاء. لو ظلّ الفرخ تحت جناح أمّه لما طار. إنّ أسمى مظاهر التّقوى أن تتحمّل الرّوح أعباء الجسد وتصبر على آلام الوجد من أجل تخفيف أوجاع الأرواح الأخرى. لي قناعة أنّني المريض المداوى من داء التّسلط وحبّ الذّات منذ أن فقدت نظري.