تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
امرأتنا بعد الثورة
 كنت أظنّ أنّ مسألة المرأة وتحرّرها من سلطة أخيها الرّجل مدعومة بسلطة المتديّن وسلطان الجهل تمّ البتّ فيها نهائيّا بعد خوض صراعات ومعارك عادلة آلت في الأخير للجانب الأقوى. نعم إنّها امرأتنا على لسان «الطاهر الحداد» التي بانت الأقوى لصبرها على تحمّل الخسائر دون انهزام ولما لقيته من دعم من نظيرها أخ كان أو زوج أو صديق، تمكّنت من إقناعه بمشروعيّة حقّها في التّحرر والعيش الكريم جنبا إلى جنب. تلك المرأة ذات البنية الواهنة والتي جُبِلت بتحوّلات فيزيولوجيّة تستفرغها وتستنزف قواها باستمرار، أظهرت طاقة تحمّل للتّغيرات التي تعتريها وتشبثّت بإيمانها بقضيتها العادلة وبشرعيّة حربها على من اضطهدها دينا كان أو مذهبا أو فكرا. كم نتمنى فضّ النّزاعات بقبول الآخر والعيش معه جنبا إلى جنب فالتّجربة تستحق الذّكر والنّظر. 
لماذا اليوم بعد جيلين أنعمت امرأتنا خلالهما بالقدر الذي ظنّت أنّه ملائم لها من الحرّية والذي راوح بين الإفراط والتّفريط، فكان سواد بياضه في الاعتدال فقها وسلوكا على نهج الأحوال الشّخصية، لماذا اليوم بعد أن تفاخرت امرأتنا التّونسية بين جيرانها إلى الأربعين وزرعت كمْ غِيرة غربا وشرقا، شمالا وجنوبا، نجدها على قدر ما تكره أن تكون ذرّة رابعة بين ثلاث أو إحداهن أو شريكة أخرى وإن كانت نفسها، أضحت -على ما هي عليه اليوم  تخشى ما لم يخطر ببالها يوما أن تتوقّع حدوثه أو تخافه؟. 
كم هي في حاجة لتثبيت دعائم الحرّية التي لم تحسن حمايتها من انقلابات الزّمان وانفلات زمام ما عقد بأمل بسط نفوذ الحكم الرّشيد، سبب غير واه لكن لا يبرّر هروبها اليوم لنسف كلّ ما تحقّق. من الذي يدفعها لمواجهة ما لا يحمد عقباه؟ فهي لم تتسلّح ولم تتموقع لهذه  المعركة التي لا تشبه المعارك السّابقة التي تعوّدت عليها ولم تختر زمانها ولا مكانها؟ من المستفيد من دفعها والإيقاع بها بين فكّي عفريت تطالب بمساواة في الميراث وبحقّ في اختيار القرين؟
في ما مضى لم أتعرّض لما يفيد بأنّ أحد النّصوص القانونيّة يحدّد مجال نشاط المرأة ومشاركتها في الحياة السّياسية والثّقافية. فلماذا اليوم، نقحم كلمة التّناصف في كلّ شاردة وواردة والحال أنّ امرأتنا يمكنها - لو أرادت - أن تتجاوز النّصف زائد الكثير في المجالس النّيابية وغيرها من الهيئات؟ وقد أمكنها فعلا احتلال مدرج إلقاء الدّروس بالجامعات والمدارس العليا فضلا عن احتكار الشّهادات العليا في جميع الاختصاصات. ألا يسيء التّناصف لكرامة امرأتنا التي تبوّأت المناصب العليا بالإدارة والمؤهّلة أكثر من غيرها لقيادتها؟ إنّ التّناصف تمييز إيجابي يهدّد مكاسب المرأة لأنّه يحتّم عليها الاعتراف بالضّعف وقبول الوضع الحالي القديم وينزع عنها الاستحقاق بعد أن أثبتت امرأتنا جدارتها في المشاركة بجديّة في كلّ المجالات. وما يطرح اليوم من حماية لها ومعاضدة لا لضعف إرادة منها ولكن لعزوف المرأة أوّلا عن المشاركة الفعّالة بما يكفي في الشّأن العام وثانيا نتيجة عمل دءوب لمن يريد اليوم المساس من عذريّة امرأتنا بتعديل وتحسين مجلّة الأحوال الشّخصية فأثمر هذا السعي وأعطى الحجّة الدّامغة والمبرّر الثّاقب لضرورة التّحصّن من احتمال انفراد المرأة بالرّأي والتقوّي على الرّجل وبالتّالي ضرورة الرّجوع إلى نقطة الصفر.