تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
كيف السبيل إلى الغفران؟
 رسالتي اليوم موجّهة إلى صاحبتها سألت «كيف السّبيل إلى الغفران؟»، وهي مختلفة عن رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي التي أنصح بها لثراء معاني الغفران فيها. رسالة أبي العلاء التي وجهت إلى صديقه عليّ بن منصور بقيت أثرا أدبيّا خصبا فيه وفرة من المعاني تؤكّد علوّ كعب المعرّي في اللّغة والأدب. 
ويستعرض أبو العلاء من خلال رسالته وفي قصّة خياليّة مشوّقة ما يعيشه النّاس يوم الحشر. وتدور أحداثها حول الشّخصيّة الأساسيّة صديقه المذكور ابن القارح الذي بعد طول عناء تحمله جارية فاطمة الزّهراء وتعبر به الصّراط بسرعة البرق وتضعه على باب الجنّة. وفي صورة هزليّة ساخرة يجعله يدخل إليها، فيلتقي بشعرائها ويناقشهم فيما قالوا في الدّار الفانية، ويسأل كلّ من يلاقيه: «بم غفر اللّه لك؟» ويطلّ من حين لآخر على جهنّم ليسأل من فيها: «لمَ لمْ يغفر اللّه لك؟». 
ولد وعْيُ الإنسان بوجوده منذ أن بدأ في البحث عن ذاته، أي منذ أن تأمّل وأدرك الأشياء من حوله وعلاقته بها. كان ذلك منذ أن اقتحم الإنسان البدائي الحياة على هذه الأرض متسلّحا بالخوف دون سواه. فكان في حدود الفضاء الذي يحويه وكيفما أدركها، لا يرى نفسه إلاّ من خلال جوعه وعطشه وما يصيبه من وجع. ومنذ ذلك العهد، ما فتئ الإنسان ينمّي الوعي بتراكم المعرفة وتطوّر آليّات الإدراك، إلى أن سأل يوما «كيف السّبيل إلى الغفران؟». 
وقبل أن يسأل نفسه هذا السّؤال استوعب معنى للغفران وتبيّنه، وجعله هدفا ضمن الأهداف وتساءل ثم سأل كيف الوصول إليه؟ أي أنّه أصبحت لديه قدرة على التّصوّر والاستنباط والتّخطيط. 
لا تختلف المعاجم في معنى الغفران (بالإنجليزية: Forgiveness وبالفرنسية: Le pardon)،‏ كما لا تختلف الدّيانات السّماويّة على أنّه «منح العفو من دون مقابل والتّخلّي عن كلّ الدّعاوى المتعلّقة بالإساءة أو الدّيْن». أي أن يسامح المرء شخصا أساء إليه، أو أن يتخلّى عن حقّه في المطالبة بدَيْن ما.‏ ويستخدم معنى الكلمة في طلب الغفران عند صلاة المسلم والمسيحي واليهودي، عندما يدعو أحدهم ربّه «ربّنا اغفر لنا خطايانا»، كما أنّ أغلب الدّيانات تدعو العباد ليغفروا لكلّ مَن هو مديون لهم.‏ 
الغفران صفة من صفات اللّه. «الغفور» الذي يغفر الذّنوب العظام و«الغفّار» هو الغفور للذّنوب الكثيرة. فالغفّار والغفور هما صيغتا مبالغة. فكانت الأولى «الغفّار» أبلغ من الثّانية «الغفور» وكلاهما اسم من أسمائه الحسنى. أمّا «غافر» فهو اسم فاعل يسند لكلّ شخص غفر ومنح العفو لشخص آخر.
والمؤمن يسعى بعبادته أن يسمو بنفسه فيكون لطيفا رحيما بين الناس ويتحلى بالحكمة والرشاد، والهداية، وبالعدل، والغفران. وأن يكون نافعا صبورا ليستحق مرتبة خليفة الله على الأرض. 
السبل إلى الغفران طويلة وتتفرّع إلى مسلكين إثنين يلتقيان من جديد في نهايتهما عند اكتمال الإنسانيّة المحدّد ببلوغ الألوهيّة، أي لمّا تنصهر الذّات الإنسانيّة في الذّات الالهيّة.
فالمسلك الأول هو الذي يجعل المؤمن على مثال ربّه في علاقاته مع النّاس، فيصبر على إساءة من تجرأ منهم وعلى مساخطهم، وعند طلب العفو تجاوز وصفح وعفا عما سلف. والمسلك الثّاني هو الذي يتبعه المؤمن فيما بينه وبين ربّه. فيسرف على نفسه أسفا على ما صدر منه من سيئات وذنوب ويتوب التّوبة النّصوح، ويستغفر اللّه حتّى يغفر له، وهو «الَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ».