تمتمات
بقلم |
رفيق الشاهد |
لا أدري كيف؟ ولا متى؟ |
متى؟ وكيف؟ أداتان أو عبارتان حوصرتا في ظلمة آخر النّفق ولم تستطيعا لا الرّجوع ولا التّقدم لضياع الأمام خلف الوراء في غياب بريق الأمل. لماذا؟ وكيف؟ أداتان أو عبارتان أخريان توالدتا ونشرتا ذرّيتهما ليغمروا المكان من كلّ حدب وصوب، فجاء الإخوة من كلّ شاكلة لا يشبه أحدهم ولا إحداهم الآخر، إلاّ في الفظاعة والغلظة، فاشرأبت الأعناق وتشابكت الأذرع والتفت السّاق بالسّاق، وضاعت العبارتان المتماثلتان في سوق عكاظ وسط الهرج والمرج.
الكلّ خائف من انبعاث قوم لا يشبهوننا لعلّهم يكونون يأجوج ومأجوج لا نفقه ما يختصمون فيه، فيا ليت يوجد بيننا عالِم ليفقّهنا. لقد تشابه علينا الأمر وعظم خوفنا من أن يكون هذا الشّأن من فقه الجنّ، فهل من الممكن أن يخرج لنا من بين هؤلاء المشعوذين حكيم؟
أقول قولي هذا والقطار يسير على الحديد، والطّائرات تطير في الفضاء الرّحب حاملة فلذات أكبادنا، والأيّام تتداول علينا متثائبة في روتينها بتسجيل الولادات وبدفن الأموات، فلا النّعوش كلّت ولا المقابر ملّت. وما زرعناه في رحم الأرض ينبت بإذن ربّك في البطون الخاوية، فمنهم من يسطع اسمه في السّماء التي اكتظت ولم يعد يحدق فيها أحد. يا حسرة على نجوم وسماء كانت السّفن والقوافل بها تهتدي!
أين؟ لا تسأل، لأنّ المكان تونس. بل السّؤال الذي يُطرح وتاه حوله الجميع هو من أنت؟ أو بالأحرى من أنا؟ لا أحد تعرّف إلى الوجه الذي يقابله على المرآة فتوجّس منه خيفة وتحاشاه، ولمّا ضاق به عاداه وتهجّم عليه حتّى تكسّرت كلّ المرايا. لا تسأل أين؟ لأنّ المكان تونس لا ظلّ فيها، ولا تسأل عن الصّور التي على شهادات الميلاد فأنّها أقنعة دنّستها أقلام وفرشاة الزّينة لأدوار البطولة على ركح المسرح السّياسي.
أقول قولي هذا والسّماء مازالت لا تمطر ذهبا، وإن فعلت لا يصيب المبكّرين. فلا تستغرب فإنّك لا شكّ في تونس وكلّ شيء فيها استثنائي يستحقّ سجلاّت «غينيس» للأرقام القياسيّة، وفيها كلّ دافعي الضّرائب أغبياء لأنّهم سارعوا إلى خلاص ما بذمّتهم قبل الآجال ولم ينتظروا حتّى يصدر العفو الجبائي الذي يأتي كلّ مرّة يكرم ويكافئ الأذكياء الذين تجرّؤوا فتأخّروا، فلم يدفعوا. ولا تستغرب كذلك من الأذكياء الذين أرادوا إيهام الجميع بأنّ الجدار الذي بُنِيَ على السّكة لمنع تنقّل الأرتال لا لشيء إلاّ لفت انتباه السّلطة إلى وضعهم الاجتماعي.
أين؟ لا تسأل، لأنّ المكان تونس. والسّؤال الأجدر أن يُطرح والذي تاه حوله الجميع هو متى ننضبط في الطّابور، ومتى ندرك أنّ المصطفين أمامنا وخلفنا بشر، ومتى نتفّق على الهدف الأوحد «أن تراني كما أراك إنسانا».
أقول قولي هذا والمدارس تربّي أطفالنا على القيم والأخلاق الحميدة، والقنوات التّلفزيّة تتنافس على نيل ثقة المشاهد العادي البسيط والمسكين الذي في كلّ الحالات لا يفهم. نعم، تتكرّر على لسان مقدّمي البرامج والمنشطين «المستمع والمشاهد البسيط لا يفهم».
أين؟ لا تسأل، لأنّ المكان تونس. والسّؤال الذي تُهْت وراءه هو كيف يصنع الإعلام الخبر. أنا فعلا لم أعد أفهم. كنت أظنّ أنّ دور الإعلام الإخبار بما يقع من أحداث، فإذا به يَصنع الحدث كما يُصنع الخبز ثمّ يقدّمه لنا -بارك الله فيه- ساخنا. هل معنى ذلك أنّ الإعلام شريك في كلّ الجرائم؟ هل وضع يده في كلّ ما يساق لنا من أوجاع؟
أقول قولي هذا ومحرّكات الضّمائر في أقصى جهدها والدّواليب تدور فوق سرعتها، إلّا أنّ العجلات لا تلامس الأرض والعربة لا تتقدّم مخافة أن تدهس الكرامة.
أين؟ لا تسأل، لأنّه نفس المكان الذي تداس فيه الكرامة باسم الزوّالي. ولكن من الزّوالي؟ أليس هو الجامعي والطّبيب والصّيدلي والمهندس؟ أليس هو المحامي والقاضي والوزير والنّائب في البرلمان؟ وأخيرا لعلّني فهمت. لم أستغرب حين تبيّن أنّ الرّئيس كذلك زوّالي. مسكين زوّالي تونس، افتكّوا منه كلّ شيء حتّى اسمه.
أقول قولي هذا ولم أقل كلمتي بعدُ. لن أبرح حتّى يلقى التّونسي إنسانيته ويستردّ الزّوالي اسمه المسلوب. |