تمتمات
بقلم |
![]() |
م.رفيق الشاهد |
وزارة السّعادة |
كم يدفع المواطن الحريف من صبر ثمن تقاعس عون في موقع عمله وخموله؟، علم اللّه كم من الصّبر هو أيضا تكبّد أو أيّ عمولة باهظة قدّمها رشوة ليشغل خطّة حدّد هدفها خدمة المستحقّين وإرضاءهم، وضبطت مشمولاتها وطرق العمل وآلياته مسبقا، فإذا بالعون يفرض سلطانه الذي أصبح نظام عمل عوض دليل إجراءات.
كم يدفع المواطن الحريف من ضغط النّفس وما ينجرّ عنه من أمراض قلب وشرايين ثمن تعنّت الأعوان وتسلّطهم على أعرافهم؟ أظنّ أنّ كلّ الوسائل متوفّرة لتقديم الخدمة التي ترضي الحريف، ولكن في كلّ مرّة يحيد العمل، فيجري على غير السّكّة التي وُضعت له.
لماذا تُهدَر أموالٌ وجهودٌ، فتجرى دراسات فنّية وماليّة لمشاريع لا تُنجز دون كّراس شروط تضمّنت في كلّ مرّة المواصفات الفنّية التي تستجيب لتطلّعات المستفيدين؟ لماذا يتمّ استخدام خبرات كبيرة من مهندسين ومهنيّين مختصّين من داخل البلاد وخارجه ويدفع لهم من الأموال الكثير، كانت تهون لو تحقّقت سعادة المواطن من وراء المشاريع المكتملة الأهداف. لسائل أن يسأل أيضا، هل نحن في حاجة إلى وزارة السّعادة كما شاع عند بعض دول العالم المتحضّر والتي تتابع بعثها ببعض دول الخليج؟
هذا الخلل طال كلّ القطاعات وكلّ مؤسّسات الدّولة ولم يعد غريبا. ولكنّ الكلام موجّه هذه المرّة وبصفة خاصّة إلى أعوان المترو الخفيف بتونس وكذلك بين سوسة والمنستير. أنا بصفتي مهندس، أستغرب أيّما استغراب، بل أستهجن أن يتجّرأ يوما مسؤول ويدّعي أنّ تنظيم حركة المسافرين الجارية بمحطتي المترو النّهائيتين «برشلونة» بتونس العاصمة أو «باب الجديد» بمدينة سوسة مطابقة لمقترح مكتب دراسات وقع قبوله وتنفيذه في إطار صفقة أنجزت تحت قانون الصّفقات العموميّة. إنّ ما يثيرني في هاتين المحطّتين قد يبدو في ظاهره بسيطا ولا يستحقّ كلّ هذا الانشغال. ولكن أهمّية المسألة تصبح مقلقة لمّا يتعلّق الأمر بالكرامة الإنسانيّة. وتكمن هذه الأهمّية في الفرق بين الزّحمة والازدحام. ومن أبجديّات مهنة المهندس أن يبلور من جملة الإشكالات، وإن تعدّدت وتعقدت بعضها وارتقت لتصبح عراقيلا، حلولا عمليّة وتسهيلات تحفظ بالأساس كرامة الإنسان وأدناها في محور اهتمامنا هذا الخطّ الفاصل بين الزّحمة والازدحام.
فالزّحمة قد نتعوّد عليها وهي كبيرة في كلّ المدن الكبرى ذات الكثافة السّكّانيّة العالية، وتعود أساسا لسببين متّصلين: وفرة النّاس وضيق الفضاء، وقد تكون مصدر سعادة وانشراح.
ولكنّ الازدحام في كلّ الحالات هو صنف من أصناف الزّحمة غير المنظّمة، بل الزّحمة الفوضويّة لمجموعة من النّاس حول عنصر اهتمام واحد والنّاتجة عادة عن رغبة الجميع في شيء مستحقّ ونادر ممّا يجعل الكرامة البشريّة في أدنى تجلّياتها. يكفي أن نغفل عن أبسط القواعد لتتعطّل على الرّصيف حركة المسافرين في الاتجاهين، وتنسدّ أبواب جميع العربات بين الصّاعدين والنّازلين في وقت واحد، وتتحوّل الزّحمة إلى ازدحام. مثلما يحصل بالمحطّتين المذكورتين. هذا المعاش صباحا، مساء ويوم الأحد، أصبح شيئا منّا نتيجة التّخلّي عن عنصر وحيد من عناصر السّلامة يتطلّب من السّائق الصّبر بضع الدّقائق حتّى نزول آخر مسافر من جهة واحدة، ثمّ صعود المسافرين من الجهة المقابلة أو إنزال الوافدين على رصيف ثمّ التّنقل إلى رصيف آخر لصعود المغادرين. وفي كلّ الحالات تأخذ هذه السّلامة من السّائق أكثر وقت ممّا هو عليه الحال بترك الحبل على الغارب.
كلّنا نعلم أنّ السّعادة لا تقاس بالتّعب، ولا بالإرهاق ولا بكثرة مال أو وفرة صحّة، بل يتقلّص منسوبها كلّما شعرنا بالظّلم والحيف والإكراه على ما لا نطيق. هل علمتم دور وزارة السّعادة ومجال نشاطها وتدخّلها إن كان لها أن تنشأ في يوم من الأيام؟
|