أ.د. عبدالرزاق بلقروز
سؤال الحقيقة والفعل في فلسفة القيم إشكالات وإيضاحات(1-3) : 201 - 2024/03/05
يشير فيلسوف القيم الألماني هينريش ركرت rickert إلى التّمييز بين «مملكة القيم وبين عالم الواقع، وبين مملكة المعنى، وهذه الأخيرة تشمل الذّات وتمكّن من إقامة ارتباط بين المملكتين الأخريين. ويصنّف «ركرت» القيم بحسب الميادين التّالية «المنطق، علم الجمال، التّصوّف والأخلاق شؤون الجنس، وفلسفة الدّين، ويناظرها القيم التّالية على التّوالي : الحقيقة، الجمال، القداسة غير الشّخصيّة، السّعادة، القداسة الشّخصيّة»(1)، وجليّ إذن أنّ الحقيقة هي موضوع أو ميدان من ميادين فلسفة القيم، وقد اعتبر «هيجل» في موسوعة العلوم الفلسفية، « أنّ أوّل سؤال يصادفنا هو : ما هو موضوع المنطق؟ وأبسط وأوضح إجابة هي: موضوع المنطق هو الحقّ Truth أو الحقيقة… غير أنّنا قد نلتقي في الحال، بالاعتراض الآتي: أنحن قادرون على معرفة الحقيقة؟ إذ يبدو أنّ هناك ضربا من التّنافر وعدم التّجانس بيننا بوصفنا موجودات متناهية وبين الحقيقة التي هي مطلقة، وتبدأ الشّكوك تظهر حول ما إذا كان يمكن أن يكون هناك جسر بين المتناهي واللاّمتناهي. اللّه هو الحقّ أو الحقيقية، فكيف يتسنّى لنا أن نعرفه؟ إنّ هذه المحاولة تتعارض فيما يبدو مع فضائل التّواضع البشري وشعور الإنسان بضآلته» (2) .
اقرأ المزيد
قيمة العقلانية عند محمد أركون في منظور طه عبد الرحمن (2/2) : 199 - 2024/02/02
إنّ مساءلة مسألة العقل في الخطاب العربي المعاصر لها أكثر من مبرّر، سواء في سياق حديثنا عن نظرة طه عبد الرحمن لمسألة العقل ونقده لأنماط العقلانيّة المنتشرة، أو في سياق حديثنا عن الكيفيّة التي عاش بها الخطاب العربي صلته بالعقل كأداة ومرجع وفعاليّة. وفضلا عن ذينك المبرّرين؛ فإنّ الحقيقة السّاطعة التي لا يُنكرها قلق الارتيابي «أنّ العلاقة بمسألة العقل والعقلانيّة مازالت علاقة مضطربة في الفكر العربي، والوعي بها مازال وعيا لاتاريخيّا حتّى الآن»(1)، والعرض الأوضح على هذا الاضطراب، انشطار الخطاب العربي المعاصر في تعامله مع مسألة تحدّي العقل والعقلانيّة إلى فرق متباينة، وتصوّرات متصادمة، تنتهل من مرجعيّات فكريّة هي الأخرى متباينة، وتتشارك هواجس التّحضّر والإصلاح والتّحديث، وقد حصرت بعض الدّراسات هذه الفرق في تعاطيها مع مسألة العقل إلى فرق ثلاث:
اقرأ المزيد
قيمة العقلانية عند محمد أركون في منظور طه عبد الرحمن (1/2) : 198 - 2024/01/05
ليست مسألة الخوض في العقل وماهيته وحُدُوده، بالمشكلة المُستحدثة في مسائل الفكر العربي والإسلامي المعاصر، إنّما تضرب بجذورها في التّراث المعرفي الإسلامي وبمختلف أنساقه وفروعه المعرفيّة؛ فقد حدث اختلاف في بيان ماهية العقل، بين الطَّرح الفلسفي المُتأثّر بالموروث اليوناني، وبين الطَّرح المقابل الذي ينهل من مصادر متعدّدة؛ منها ماهو فقهي؛ ومنها ما هو كلامي، ومنها ما هو عرفاني صوفي، إلّا أنّ هذا التَّعدُّدَ يجوز لنا حَصْره في تحديدين للعقل هما:التَّحديد الجَوهراني الماهوي، والتَّحديد الفعّالي القَلْبيِ. ففيما يتّصل بالمستوى الأول؛ ثمّة هيمنة للمفهوم اليوناني للعقل على شُعب المعرفة في التّراث المعرفي الإسلامي المُتأثّرة بنظريّات العقل عند اليونان، أي القول بالدَّلالة الجوهرانيّة لقوى النّفس الإنسانيّة، فهذا الكندي (ت252)يعرف العقل بأنه:«جوهر بسيط مُدرك للأشياء بحقائقها»...أمّا الفارابي فإنّ فعل العقل عنده «العناية بالحيوان النّاطق، والتماس تبليغه أقصى مراتب الكمال، الذي للإنسان أن يبلغه وهو السَّعادة القصوى؛ وذلك بأن يعبّر الإنسان في مرتبة العقل الفعّال، بأن تحصل مفارقا للأجسام غير محتاج في قوامه إلى شيء آخر ممّا هو دونه من جسم أو مادّة أو عرض» (1)
اقرأ المزيد
من عقلانية الحداثة الغربية إلى عقلانية الإيمان التوحيدي: نحو حداثة إسلامية متصلة (5-5) : 196 - 2023/11/03
يهدف هذا المقال ـ الذي يأتي في سلسلة من الحلقات ـ إلى تسليط الضّوء على حدود مشروع عقلانيّة الحداثة الغربيّة، وإلى تطوير نموذج عقلاني آخر لا يقطع مع الإيمان التّوحيدي، بل يقصد بلورة مشروع الحداثة الإسلاميّة في أفقها العقلاني بمقدّمات توجيهيّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّّ موضوع هذا المقال يجد أسبابه في مظاهر النّقص والتّأزُّم في مشروع عقلانيّة الحداثة، التي منها: حذف القداسة عن المعرفة، ووحدة العقلنة والعلمنة، وهيمنة العقل الأداتي والحسابي. ومن جهة أخرى يرتكز مشروع عقلانيّة الإيمان التَّوحيدي على: تضافر العقل والإيمان من أجل ترشيد مسيرة الإنسان، ووحدة التّفسير والقيمة في قراءة الطّبيعة، والتَّّكامل بين الملكات الإدراكيّة. قسّمنا المقال إلى خمس حلقات، تضمّنت الأولى (العدد 192) حديثا عن ترابط العقلانيّة بالحداثة الغربيّة وعن أقوى المسوّغات التي دفعت بنا إلى التّشاغل على مسألة العقل والعقلانيّة وحدود مرجعيتهما كما تبدّى لنا في سياق التّجربة الغربيّة. ثمّ تطرّقنا إلى أوّل عناصر الموضوع وهو «وحدة الحداثة الغربيّة والعقلانيّة: الظّروف والفضاءات» بصفة عامّة، وفي الحلقة الثانية (العدد 193) تحدثنا بشيء من التفصيل عن مختلف فضاءات العقلنة الغربيّة. ثمّ عملنا على تبيان نتائج عقلانيّة الحداثة الغربيّة ومآلاتها في الحلقة الثّالثة(العدد 194) ، وخصّصنا الحلقة الرابعة (العدد 195) للحديث عن العوامل التي تفرض المرور على المساءلة النّقدية لمشروع الحداثة العقلانيّة، قبل رسم الصّورة التي ينبغي أن تسلكها الحداثة الإسلاميّة المتّصلة التي تختلف عن تلك الغربية ذات المسلك الانفصالي والانشطاري لمكونات سيرورة الحياة، ونختم في هذه الحلقة (الخامسة والأخيرة) بالحديث عن العقلانيّة الإسلاميّة ومرتكزات الحداثة المتّصلة.
اقرأ المزيد
من عقلانية الحداثة الغربية إلى عقلانية الإيمان التوحيدي: نحو حداثة إسلامية متصلة (4-5) : 195 - 2023/10/06
يهدف هذا المقال ـ الذي يأتي في سلسلة من الحلقات ـ إلى تسليط الضّوء على حدود مشروع عقلانيّة الحداثة الغربيّة، وإلى تطوير نموذج عقلاني آخر لا يقطع مع الإيمان التّوحيدي، بل يقصد بلورة مشروع الحداثة الإسلاميّة في أفقها العقلاني بمقدّمات توجيهيّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّّ موضوع هذا المقال يجد أسبابه في مظاهر النّقص والتّأزُّم في مشروع عقلانيّة الحداثة، التي منها: حذف القداسة عن المعرفة، ووحدة العقلنة والعلمنة، وهيمنة العقل الأداتي والحسابي. ومن جهة أخرى يرتكز مشروع عقلانيّة الإيمان التَّوحيدي على: تضافر العقل والإيمان من أجل ترشيد مسيرة الإنسان، ووحدة التّفسير والقيمة في قراءة الطّبيعة، والتَّّكامل بين الملكات الإدراكيّة. قسّمنا المقال إلى خمس حلقات، تضمّنت الأولى (العدد 192) حديثا عن ترابط العقلانيّة بالحداثة الغربيّة وعن أقوى المسوّغات التي دفعت بنا إلى التّشاغل على مسألة العقل والعقلانيّة وحدود مرجعيتهما كما تبدّى لنا في سياق التّجربة الغربيّة. ثمّ تطرّقنا إلى أوّل عناصر الموضوع وهو «وحدة الحداثة الغربيّة والعقلانيّة: الظّروف والفضاءات» بصفة عامّة، وفي الحلقة الثانية (العدد 193) تحدثنا بشيء من التفصيل عن مختلف فضاءات العقلنة الغربيّة. ثمّ عملنا على تبيان نتائج عقلانيّة الحداثة الغربيّة ومآلاتها في الحلقة الثّالثة(العدد 194) ، وسنخصّص هذه الحلقة للحديث عن العوامل التي تفرض المرور إلى المساءلة النّقدية لمشروع الحداثة العقلانيّة، قبل رسم الصّورة التي ينبغي أن تسلكها الحداثة الإسلاميّة المتّصلة التي تختلف عن تلك الغربية ذات المسلك الانفصالي والانشطاري لمكونات سيرورة الحياة، ونختم في الحلقة الخامسة بالحديث عن العقلانيّة الإسلاميّة ومرتكزات الحداثة المتّصلة.
اقرأ المزيد
من عقلانية الحداثة الغربية إلى عقلانية الإيمان التوحيدي: نحو حداثة إسلامية متصلة (3-5) : 194 - 2023/09/01
يهدف هذا المقال ـ الذي يأتي في سلسلة من الحلقات ـ إلى تسليط الضّوء على حدود مشروع عقلانيّة الحداثة الغربيّة، وإلى تطوير نموذج عقلاني آخر لا يقطع مع الإيمان التّوحيدي، بل يقصد بلورة مشروع الحداثة الإسلاميّة في أفقها العقلاني بمقدّمات توجيهيّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّّ موضوع هذا المقال يجد أسبابه في مظاهر النّقص والتّأزُّم في مشروع عقلانيّة الحداثة، التي منها: حذف القداسة عن المعرفة، ووحدة العقلنة والعلمنة، وهيمنة العقل الأداتي والحسابي. ومن جهة أخرى يرتكز مشروع عقلانيّة الإيمان التَّوحيدي على: تضافر العقل والإيمان من أجل ترشيد مسيرة الإنسان، ووحدة التّفسير والقيمة في قراءة الطّبيعة، والتَّّكامل بين الملكات الإدراكيّة. قسّمنا المقال إلى خمس حلقات، تضمّنت الأولى (العدد 192) حديثا عن ترابط العقلانيّة بالحداثة الغربيّة وعن أقوى المسوّغات التي دفعت بنا إلى التّشاغل على مسألة العقل والعقلانيّة وحدود مرجعيتهما كما تبدّى لنا في سياق التّجربة الغربيّة. ثمّ تطرّقنا إلى أوّل عناصر الموضوع وهو «وحدة الحداثة الغربيّة والعقلانيّة: الظّروف والفضاءات» بصفة عامّة، وفي الحلقة الثانية (العدد 193) تحدثنا بشيء من التفصيل عن مختلف فضاءات العقلنة الغربيّة. و سنحاول في هذه الحلقة (الحلقة الثّالثة) تبيان نتائج عقلانيّة الحداثة الغربيّة ومآلاتها، على أن نخصّص الحلقة الرابعة للحديث عن العوامل التي تفرض المرور على المساءلة النّقدية لمشروع الحداثة العقلانيّة، قبل رسم الصّورة التي ينبغي أن تسلكها الحداثة الإسلاميّة المتّصلة التي تختلف عن تلك الغربية ذات المسلك الانفصالي والانشطاري لمكونات سيرورة الحياة، ونختم في الحلقة الخامسة بالحديث عن العقلانيّة الإسلاميّة ومرتكزات الحداثة المتّصلة.
اقرأ المزيد
من عقلانية الحداثة الغربية إلى عقلانية الإيمان التوحيدي: نحو حداثة إسلامية متصلة (2-5) : 193 - 2023/08/04
يهدف هذا المقال ـ الذي يأتي في سلسلة من الحلقات ـ إلى تسليط الضّوء على حدود مشروع عقلانيّة الحداثة الغربيّة، وإلى تطوير نموذج عقلاني آخر لا يقطع مع الإيمان التّوحيدي، بل يقصد بلورة مشروع الحداثة الإسلاميّة في أفقها العقلاني بمقدّمات توجيهيّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّّ موضوع هذا المقال يجد أسبابه في مظاهر النّقص والتّأزُّم في مشروع عقلانيّة الحداثة، التي منها: حذف القداسة عن المعرفة، ووحدة العقلنة والعلمنة، وهيمنة العقل الأداتي والحسابي. ومن جهة أخرى يرتكز مشروع عقلانيّة الإيمان التَّوحيدي على: تضافر العقل والإيمان من أجل ترشيد مسيرة الإنسان، ووحدة التّفسير والقيمة في قراءة الطّبيعة، والتَّّكامل بين الملكات الإدراكيّة. قسّمنا المقال إلى خمس حلقات، تضمّنت الأولى (العدد 192) حديثا عن ترابط العقلانيّة بالحداثة الغربيّة وعن أقوى المسوّغات التي دفعت بنا إلى التّشاغل على مسألة العقل والعقلانيّة وحدود مرجعيتهما كما تبدّى لنا في سياق التّجربة الغربيّة. ثمّ تطرّقنا إلى أوّل عناصر الموضوع وهو «وحدة الحداثة الغربيّة والعقلانيّة: الظّروف والفضاءات» بصفة عامّة، وسنعمل في هذه الحلقة على الحديث بشيء من التفصيل عن مختلف فضاءات العقلنة الغربيّة. على أن نخصّص الحلقة القادمة (الحلقة الثالثة) لتبيان نتائج عقلانيّة الحداثة الغربيّة ومآلاتها، ثمّ الرابعة للعوامل التي تفرض المرور على المساءلة النّقدية لمشروع الحداثة العقلانيّة، قبل رسم الصّورة التي ينبغي أن تسلكها الحداثة الإسلاميّة المتّصلة التي تختلف عن تلك الغربية ذات المسلك الانفصالي والانشطاري لمكونات سيرورة الحياة ، ونختم في الحلقة الخامسة بالحديث عن العقلانيّة الإسلاميّة ومرتكزات الحداثة المتّصلة.
اقرأ المزيد
من عقلانية الحداثة الغربية إلى عقلانية الإيمان التوحيدي: نحو حداثة إسلامية متصلة (1-5) : 192 - 2023/07/07
يهدف هذا المقال ـ الذي يأتي في سلسلة من الحلقات ـ إلى تسليط الضّوء على حدود مشروع عقلانيّة الحداثة الغربيّة، وإلى تطوير نموذج عقلاني آخر لا يقطع مع الإيمان التّوحيدي، بل يقصد بلورة مشروع الحداثة الإسلاميّة في أفقها العقلاني بمقدّمات توجيهيّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّّ موضوع هذا المقال يجد أسبابه في مظاهر النّقص والتّأزُّم في مشروع عقلانيّة الحداثة، التي منها: حذف القداسة عن المعرفة، ووحدة العقلنة والعلمنة، وهيمنة العقل الأداتي والحسابي. ومن جهة أخرى يرتكز مشروع عقلانيّة الإيمان التَّوحيدي على: تضافر العقل والإيمان من أجل ترشيد مسيرة الإنسان، ووحدة التّفسير والقيمة في قراءة الطّبيعة، والتَّّكامل بين الملكات الإدراكيّة. قسّمنا المقال إلى خمس حلقات، نتحدّث في الأولى (هذا العدد) عن ترابط العقلانيّة بالحداثة الغربيّة وعن أقوى المسوّغات التي دفعت بنا إلى التّشاغل على مسألة العقل والعقلانيّة وحدود مرجعيتهما كما تبدّى لنا في سياق التّجربة الغربيّة. ثمّ نتطرّق إلى أوّل عناصر الموضوع وهو «وحدة الحداثة الغربيّة والعقلانيّة: الظّروف والفضاءات» بصفة عامّة، وسنعمل في الحلقة القادمة (الحلقة الثانية)على الحديث بشيء من التفصيل عن مختلف فضاءات العقلنة الغربيّة. على أن نخصّص الحلقة الثالثة لتبيان نتائج عقلانيّة الحداثة الغربيّة ومآلاتها والرابعة للعوامل التي تفرض المرور على المساءلة النّقدية لمشروع الحداثة العقلانيّة، قبل رسم الصّورة التي ينبغي أن تسلكها الحداثة الإسلاميّة المتّصلة التي تختلف عن تلك الغربية ذات المسلك الانفصالي والانشطاري لمكونات سيرورة الحياة ، ونختم في الحلقة الخامسة بالحديث عن العقلانيّة الإسلاميّة ومرتكزات الحداثة المتّصلة.
اقرأ المزيد
لم نبلغ بعد مرحلة ممارسة الاختلاف. : 191 - 2023/06/02
لا بدّ أن نميّز أوّلا بين الاختلاف والخِلاف، أو بين الحوار الخِلافي والحوار الاختلافي، فالاختلاف مبناه حضور العقل والدَّليل في فعل التَّواصل والتَّحاور، بينما الخِلاف مبناه غياب العقل والدّليل، ومن حيث الصُّورة النّظريّة فنحن في امتساس الحاجة إلى الحوار الاختلافي وليس إلى الحوار الخلافي، فهو الذي يثمر تدافع الآراء وتغذية النّقاشات وتوليد الفوارق، لأنّه يستند إلى الدّليل عقليّا وإلى مكارم الأخلاق عمليّا؛ وبيئة ثقافيّة هذا وصفها فلن تكون إلاّ خطوة صحيّة من النّاحية الحضاريّة، أمّا البيئة التي يسود فيها الخلاف والإكراه وتغييب الدّليل فهي بيئة تمهّد الطّريق نحو العنف والتّنازع، وبالتّالي ذهاب العلم والأدب.
اقرأ المزيد
مقومات التعارف وقيمه : 190 - 2023/05/05
تَمُرُّ المجتمعات الإنسانيّة المعاصرة بأحوال؛ يمكن صرف القول حولها والإقرار فلسفيّا بأنّها: أحوال قَلِقَة! ومنبع هذا القلق أن الإنسان المعاصر رغم أنّه استطاع تقليص الزَّمان والمكان بمخيّلته العلميّة، إلاّ أنّ مخيلته الأخْلاقيّة لازالت في مرحلة لم تبلغ فيها حالة النُّضج والرّشد(1)، وتظهر هذه السّمة، فيما نراه من أشكالِ للعنف الرَّمزي والمادي في مستوى التَّحقُّق الواقعي، وفكريّا فيما نبصره من كثرة التَّنظيرات الأخلاقيّة التي تُجاهد لأن تُبرم تعاقدات أخلاقيّة جديدة؛ تتصالح بموجبها الإنسانيّة في ذاتها وأغيارها المكوّنة لها، وفي هذا يقول أحد المهتمين بالسُّؤال الأخلاقي في الفكر المعاصر «نحن نَعيش في حقبة باتت فيها القيم الأخلاقيّة تثير أسئلة صعبة، ونشهد أيضا تحوّلات اجتماعيّة وثقافيّة كبيرة، تُغرقنا في اللاّيقين، يجب علينا رفع هذه التحدّيات ومواجهة المشكلات الخفيّة، ومع هذا كلّه، فإنّه لا يلوح لنا من أجل تحقيق ذلك (أي رفع التّحديات ومواجهة المشكلات) أنّ بحوزتنا نظاما في القيم الأخلاقيّة صَلبا ومتناسقا(2)؟. ومدلول هذا، أنّ الحياة الأخلاقيّة للإنسان ليْست بخير، وأنَّ ثمَّة خلل ضمن الرُّؤى الأخلاقيّة، التي تجتهد لأجل صرف هذه الأمراض الإنسانيّة. وبيان هذا الأمر، أنَّ عديد الأمراض الاجتماعيّة لازالت لم تتحقَّقُ بالعلاج الجذري بعد مثل : العنف (الرَّمزي والمباشر) والظّلم وأشكال الاحتقار الاجتماعي والتعدُّدية الثّقافيّة المُتصادمة، هذه جميعا باتت في مسيس الحاجة إلى قوّة تنظيريّة أخلاقيّة تساعدها على التَّخفيف من الأمراض الاجتماعيّة التي في عمقها هي أمراض للحضارة من الدَّاخل، وأعراضُ على أنّ المسألة تتعدّىَ طور الجزئيّات إلى طور الكلّيات المعرفيّة أو الأفكار التي رسمت منهج الإنسان في تدبير الحياة. ولأجل هذا، ما هي قيم التّعارف الحقيق بنا استعمالها في سياق التّحديات التي تواجهنا ؟
اقرأ المزيد
مالك بن نبي وفريدريك نيتشه: ما الذي جعل فيلسوف الحضارة يهتم بفلسفة السائل الكبير ؟ : 189 - 2023/04/07
إن مالك بن نبي(1905-1973) قد هزّته الصّواعق النّيتشويّة ووجد حلولا لمشكلات فكريّة عند زرادشت، وافتتح نصوصه باقتباسات مختلفة مأخوذة من المتن الفلسفي النّيتشوي، وفهارس أعلامه لا تخلو جميعها من تواجد اسم نيتشه بينها. إن تواجد اسم نيتشه في المدونة الفكريّة لمالك بن نبي، يدخل في إطار اطّلاعه على الفلسفة الغربيّة بعامّة، وتشغيل عُدّة مفاهيميّة مُكَثَّفة من أجل نقد الحضارة الغربيّة من جهة ومن أجل البحث عن الدُّروب التي تجعل العالم الإسلامي يستأنف رسالته التّاريخيّة بالدّخول إلى دورة حضاريّة جديدة من جهة أخرى، فنجد في متنه الفكري القانون الأخلاقي الكانطي « القيام بالواجب قبل المطالبة بالحقوق»، وأولويّة عالم الأفكار في التّغيير الحضاري لدى هيجل، والقيمة العمليّة للفكرة بخاصّة لدى جون ديوي، ونيتشه الذي هو مدار سؤالنا في هذا المقام.
اقرأ المزيد
نحو حرارة ثقافية-فكرية : 188 - 2023/03/03
لاشكّ بأنّ الصّلة الموجودة بين الثّقافة والفكر والمعرفة صلة حيويّة، فالفكر يتأثّر بالثّقافة كما يتأثّر الإنسان بخصائصه الجينيّة البيولوجيّة، وقد ميّز أهل الفكر دوما بين الأفكار الطّبيعيّة والأفكار الصّناعيّة، وقصدوا بالأولى ما يتشرَّبُه الفرد من الحاسوب الثّقافي الكبير، أي من محيطه الثَّقافي الأصلي؛ وقصدوا بالثّانية أي الصّناعيّة، التصرُّف في هذه الأفكار الطَّبيعيّة الأصليّة؛ بلغة علميّة وتقنيّة اصطلاحيّة خاصّة، وكأنّ الأفكار الطّبيعيّة أفكار للجمهور، والأفكار الصّناعيّة أفكار للنّخبة، والفرق بينهما ليس فرقا نوعيّا، وإنّما هو فرق في اللُّغة التي تَسْتَخْدمها النّخبة من خلال اصطلاحاتها وأشكال تواصلها؛وابن خلدون في مقدّمته لفت انتباهنا؛ إلى أنّ المنطق الذي يتداوله المناطقة «علماء المنطق» بقوانينه ومصطلحاته، ما هو إلاّ تصرُّف في أفعال الفكر الأصليّة؛ «فالمنطق أمر صناعي مُساوق للطّبيعة الفكريّة ومنطبق على صورة فعلها» (ابن خلدون،).
اقرأ المزيد
الواجب الأخلاقي و الشر السائل : 187 - 2023/02/03
تمتلك كلمة الواجب قيمة معتبرة في الحياة الأخلاقيّة للإنسان، إذ أنّه بفعل الواجب يكون بادئا ومبادرا وفاعلا وغير مُنتظر لمبادرات الآخرين؛ لأنّ الواجب هو الفعل ليس استجابة لمنفعة عاجلة، أومنفعة فرديّة، بل إنّ دافعه الجوهري هو الحافز والقانون الذي يعطي للأفعال صفتها الأخلاقيّة؛ وقد عرف الواجب صورة التّأسيس النّظري كمشرّع للفعل الخلقي مع الفيلسوف الألماني «إيمانويل كانط»، الذي عاند ودافع به ضدَّ المذاهب الأخلاقيّة التي تنتصر في تعاليمها للمنفعة ولقانون حساب اللذّات؛ في إعراض تامّ عن الفعل الأخلاقي الذي تحرّكه دوافع الرّوحانيّة والأخلاقيّة الخالصة .
اقرأ المزيد
مفاهيم: ثقافة ما بعد الأخلاق «méta-éthique» : 186 - 2023/01/06
داخل هذه الكلمة المركّبة، تتداخل معانٍ من مجالات معرفيّة فلسفيّة، وأخرى ثقافيّة ترسم أسلوب الحياة وفلسفتها، فالمجال المعرفي هو مَدلولها كما يتعيَّن في المعاجم الأخلاقيّة ودراسات فلسفة القيم؛ أمّا المجال الثّقافي فهو الأقرب إلى أسلوب الحياة المتعيّن، وسنشير إليه بعد أن نستكمل المدلول المُعجمي. «فما بعد الأخلاق في مدلولها الاصطلاحي تتَّجه نحو التَّمايُز عن الأخْلاق المعياريّة، فهي لا تهتم بما هو «أحسن» بل بمدلول كلمة «الأحسن»، والكلمات الأخرى من نفس الصِّنف: مثل «عدل»، «صدق»... إلخ.
اقرأ المزيد
مفاهيم : معنى مكارم الأخلاق : 185 - 2022/12/02
تتباين معاني الجملة المركَّبة «مكارم الأخلاق» من حيث ما تحتويه من قيم خُلقية محمودة، وقلَّما نجد من يقف على حقيقتها ومعناها على طريقة الحدّ المنطقي أو الرّسم التّعريفي، وفي المقابل نجد من يعدّدُ فوائدها ويُكْثر من الإشادة بها، من حيث إنّها ضروريّة وأساس العلاقات الاجتماعيّة بين الإنسانيّة التي لا يمكن حصرها في تبادل المنافع الاقتصاديّة من غير مكارم الأخلاق، والقول الأكثر معقوليّة أنّ استخدام «مكارم الأخلاق» يُراد به الأخلاق المحمودة التي يؤسّس لها الشَّرع ويقتبسها العقل، وعليه جرى وضع هذا المصطلح لكي يكون مُعبرًا عن الفضائل الأخلاقيّة المحمودة، بما أنَّ لفظ الخُلق يدخل في معناه كلّ من الصّفات السيّئة والصّفات الحسنة التي تصدر عن الحال أو الهيئة التي عليها الصّورة المعنويّة للإنسان.
اقرأ المزيد
مفاهيم: معنى العلوم العقلية : 184 - 2022/11/04
تُتَداول هذه العبارة المركَّبة في مجالات تصنيف العلوم؛ ولأنّ موضوعنا هو وصف العبارة وشرحها، فلن نتَّجه إلى سياق المدح أو الذّم للعلوم، بل إنّنا نتقصَّدُ الغرض من وضع هذه المفردة، خاصّة أنّها -أي العلوم العقليّة- مفهومٌ قلقٌ تارة، واحْتِجَاجِيٌّ تارة أخرى، أي إنّه استعمل بوصفه أداة نقد لمنظومة العلوم النَّقلية. وعليه، فإنّ العلوم العقليّة والعلوم الحِكميّة والفلسفيّة ألفاظ متقاربة في استعمالاتها العديدة، يقول ابن خلدون إظهارًا لهذه الفكرة: « وأمّا العلوم العقليّة التي هي طبيعيّة للإنسان من حيث إنّه ذو فكر فهي غير مختصّة بملّة، بل يوجد النّظر فيها لأهل الملل كلِّهم ويستوون في مداركها ومباحثها. وهي موجودة في النّوع الإنساني، منذ كان عمران الخليقة، وتسمّى هذه العلوم علوم الفلسفة والحكمة»(1). وإذ عرف هذا -كما جاء في النّص المذكور- فإنّنا نستنتج ما يلي:
اقرأ المزيد
في أيّة مرحلة يعيش الإنسان المعاصر ؟ وأيّة وُجهة يقصد ؟ : 183 - 2022/10/07
إنّ الذي دفع بنا إلى كتابة قول حول الإنسان الحديث وتقويمه على حسب مراحل الحضارة الثّلاث التي سنشير إليها، هو كون الإنسان المعاصر لنا لم يعد إنسانا محدودا بسكنه الجغرافي ومساره التّاريخي، إنّما أضحى نموذجا خُلقيّا ومثالا ذهنيّا، يقطع المسافة المكانيّة والزمانيّة، لكي تتلقَّاه المجتمعات التي تقع خارج دائرة الوجود الأصلي، وهذا الإنسان المعاصر لنا لم يعد إنسانا فقط متواجدا في المجال التّداولي الغربي، بل إنّ ثقافات أخرى امتصَّت قيمه الفكريّة والسُّلوكيّة، وتشرَّبت صورته الباطنة والظّاهرة، فبات إنسانا رحَّالا في شعب الثّقافات برمتها. لكن ما هو حال هذا الإنسان الذي أضحى فكرة تطوي المسافات وتفرح به القلوب؟ هل فعلا هو النُّموذج الخلقي والمثال الذّهني أو الفكرة الرحَّالة التي تعكس النُّموذجيّة الإنسانيّة في رئاستها في الوجود؟
اقرأ المزيد
ماذا بعد الشفاء من مرض القابلية للاستعمار أو المسألة اليهودية عند مالك بن نبي؟ : 182 - 2022/09/02
ثمّة أسئلة كثيرة تحوم حول النَّص الذي صدر سنة 2012، الذي أنجزه«مالك بن نبي»في 1951 كجزء ثانٍ من كتاب وجهة العالم الإسلامي، ولا نهتم هنا كثيرا بقضيّة البحث في جذور وأسباب بقاء الكتاب في الظلّ، بقدر ما سيتركّز جهدنا في استخراج الأفكار والإشكاليّات الكبرى التي قدّمها مالك بن نبي؛ وما هي الرّهانات التي يقدّمها الكتاب في زيادة فهم للإنسان اليهودي ولثقافته ولطبيعة تكوينه النّفسي والتَّاريخي، وما هو المنهج الذي شغّله «مالك بن نبي» في مقاربة وتحليل المسألة اليهوديّة؟ وما صلة الظَّاهرة اليهوديّة بـ : هيمنة «النّفعيّة الرّأسماليّة» و«الدُّولار» و«المرأة» في الواقع العالمي المعاصر؟
اقرأ المزيد
ظلامية المفاهيم التي تدّعي تفسير كلّ شيء : 181 - 2022/08/05
سَأُفْصِحُ بدءا، في هذه المقالة عن أنّني اسْتَعَرْتُ هذا العنوان بالتَّصرُّفِ من أفكار الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي المعاصر «إدغار موران»، في سياق نقده لما سمّاه بالمعرفة المعلولة، ويَقْصِدُ بها؛ تلك المعرفة التي تجزّئُ العُلوم والحياة أوتُقَطّعُها قِطعا قِطعا، حيث تتبدّىَ مَفْصُولة عن بعضها، وممتنعة عن التَّواصل فيما بينها، وكلُّ علم من العلوم، أو نموذج من نماذج الحياة، يُقَدّمُ ذاته، على أنّه يمتلك الكَفاءة التّفسيرية للكون أو للحياة؛
اقرأ المزيد
حوار الأديان .. من وجهة نظر المنهج المركب : 180 - 2022/07/01
إنّ ظاهرة الأقوال الكثيرة حول ضرورة حوار الأديان في عالم اليوم، في المجال: الدّيني والسّياسي والفكري.. تؤكّد على جملة من الحقائق الهامّة التي من الأَوْلَى الإشارة إليها، وفي مطلع هذه الحقائق، تراجع الرّؤية الحداثيّة إلى العالم، التي جمَّدت الدّين في نطاق خاصّ، وأبصرت فيه جملة من الاعتقادات التي تعوق حركة الإنسان نحو التّقدّم؛ وتشكَّلت ثقافة العلمنة التي ترى في البشر، أنّهم جماعة من المواطنين وليسو جماعة من العبيد؛ وطردت الدّين من المجال العام، ليستقل العقل الإنساني بعدها في تدبير الشّأن السّياسي.
اقرأ المزيد
الكتاب إرشاد للعقول التّائهة و علاج للأنفس التّالفة.. : 179 - 2022/06/03
ليست القراءة في الكُتب مجرَّد استجلاءِ للمعاني الفكريّة أو استقصاءً للحقائق الواقعيّة، وإنّما تخطّ فينا طبيعة رؤيتنا إلى العالم وكيفيّة الفعل فيه، فالحضارات القائمة والحضارات المندثرة بدأت سفرها في الوجود انطلاقا من الكتاب، فدوما هناك الإقرار الخالد : «في البدء كان الكلمة». إنَّ الكتاب ليس هو تلك التَّوليفات الورقيّة أو الرُّموز المرسومة، إنّه يحمل روحا لطيفة وقُدرة نافذة تخترق قلب الإنسان؛ فتحوّلـه إلى شخـص ذي مبـدأ ورسالــة في الحياة.
اقرأ المزيد
الإشكالات الحيّة للفلسفة المعاصرة ودلالتها : 178 - 2022/05/06
يقتضي منّا المقام التّحليلي والفلسفي هنا وصف المشكلات التي تسكن في أذهان الكثير من كُتّابنا في الفكر والفلسفة والنّقد، هل هي مشكلات حيّة أم ميّتة؟ وهل ما يتداوله كتّابنا ومفكرونا من إشكالات كاللّغة ونظريّة المعرفة وأزمة القيم وقيمة الحداثة ومستقبل ما بعد الحداثة وغيرها من الموضوعات، يمكن أن تكون فعلا هي الأسئلة الكبرى التي من الأجدى لعقولنا الفلسفيّة تركيز التّفكير حولها؟ أم أنّ الاستقراء الحقيقي يكشف لنا طلوع المشكلات الحقيقيّة التي تستغرق اهتمامات الإنسان المعاصر، وبالأحرى أنّها عذاباته التي يدور حولها من أجل إيجاد التَّدبير المستقيم الذي يجعله يحصل على الأمن الأنطولوجي بدلا من فقدانه، والتَّكامل في الوجود بدلا من التّجزيء، والقيمة الحيّة بدلا من العدمية، والانشراح النّفسي بدلا من الاكتئاب، والجودة في الحياة بدلا من الاختزال في الحياة الاستهلاكية.
اقرأ المزيد
هل نعيش أزمة قيم؟ : 177 - 2022/04/08
لابدّ لنا أن نفرّق تفريقا جليّا بين معنى أزمة القيم في الدّوائر الثّقافيّة المتعدّدة، فأزمة القيم في الغرب تعني أنّ الإنسان لم يعد يعرف ما الذي يعنيه بكلمة القيم، خاصّة بعد سيادة ثقافة النّهايات، نهاية الإلزام الدّيني ثمّ نهاية الإلزام العقلي، فأزمة القيم هنا تعني أنّ الغرب يعيش زمن تلاشي المرجعيّات وسيولة المعايير، أزمة القيم في صميمها تعني الفراغ الأخلاقي وفقدان الأسس، وفي هذا السياق يقول «ميشيل ميتايير» أحد فلاسفة الأخلاق المعاصرين: « نحن نَعيش في حقبة، باتت فيها القيم الأخلاقيّة تثير أسئلة صعبة، ونشهد أيضا تحوّلات اجتماعيّة وثقافيّة كبيرة، تُغرقنا في اللاّيقين، يجب علينا رفع هذه التحدّيات ومواجهة المشكلات الخفيّة، ومع هذا كلّه، فإنّه لا يلوح لنا من أجل تحقيق ذلك (أي رفع التّحديّات ومواجهة المشكلات) أنّ بحوزتنا نظاما في القيم الأخلاقيّة صَلبا ومتناسقا». ومؤدّى هذا الإقرار فيما يخصّ أزمة القيم، فقدان القيم العليا قيمتها، والإقبال على ثقافة المُتعيّة والنَّرجسيّة وإدمان اللّذات وفقدان القدرة على التّحرّر منها.
اقرأ المزيد
في السّيرة الفلسفية ... : 176 - 2022/03/04
تواردت كلمة السَّيرة الفلسفيّة في الموروث الفلسفي العربي الإسلامي، تحت أسماء منها « السَّيرة الفاضلة» و«السَّيرة العادلة» و«سيرة الفلاسفة»، و«سيرة المتوحّد» و«السّيرة الأمامية». وقد أشار أبو بكر محمد بن زكريا الرَّازي، في نصّين له هما:«الطّب الرّوحاني» و«كتاب السَّيرة الفلسفيّة»، إلى سمات السَّيرة الفلسفيّة أو الصُّورة النّموذجيّة التي يجب أن يكون عليها الفيلسوف. يقول الرّازي «إنَّ السّيرة التي سار بها وعليها أفاضل الفلاسفة هي بالقول المجمل معاملة النّاس بالعدل والأخذ عليهم من بعد ذلك بالفضل واستشعار العفة والرَّحمة والنُّصح للكل و الاجتهاد في نفع الكل، إلاَّ من بدأ منهم بالجور والظُّلم وسعي في إفساد السياسة»(1)، ويقول كذلك «أقرب عبيد اللّه جلَّ وعزَّ إليه أعلمهم وأعدلهم وأرحمهم وأرأفهم. وكلّ هذا الكلام مراد قول الفلاسفة جميعا«إنَّ الفلسفة هي التّشبُّه باللّه عزَّ وجلَّ بقدر ما في طاقة الإنسان» وهذه جملة السّيرة الفلسفية»(2)
اقرأ المزيد
ابن خلدون وتربية الفكر الإنساني: من الصّناعة إلى الطّبيعة : 175 - 2022/02/04
ثمَّة نوع آخر من التَّطبُّع لا يقلُّ تعطيلاً أو تكبيلاً لإنجاز التّربية الفكريّة عن التَّطبُّع الثّقافي الذي هو من صميم الفلسفة الطّبيعيّة، لأنّه آتٍ من عوالم الفلسفة الصّناعيّة وسمات المفاهيم والاصطلاحات، ونقصد به الآثار التي تتركها تعاليم المنطق والعلوم في تفكير الإنسان، فهي وإن كانت من أمارات إعمال الفكر في الأشياء والظّفر بثمرات منهجيّة في الفكر والعلم؛ إلا أنَّ التُّخمة منها قد تحول دون إبصار الحقيقة بما هي أفق مفتوح ومستمر ومنفتح؛
اقرأ المزيد
سؤال القيم في الفكر العربي المعاصر : قلق تاريخي أم رهان واقعي ؟ : 174 - 2022/01/07
أضحت مسألة القيم في الواقع الكوني مجالا تداوليّا للنّقاش ضمن التّحوّلات الحداثيّة والمابعدحداثيّة؛ واشتركت في هذا النّقاش المعرفة بفروعها (الفلسفة، العلوم الإنسانيّة، الاجتماعيّة...) بخاصّة من داخل المؤسّسات التي أدركت منزلة وجود التّوجيه القِيمي داخل هياكلها كيْما تستقيم وكيْما تكون مقاصدها مشروعة، وفضلا عن هذا، فإنّ التحوُّلات الكونيّة في مستوى الصّلات بين الثّقافات والحضارات، قد دخلت إلى معجمها التّقييمي روح المفاضلة بين الثّقافات والحضارات، إمّا شعورا بتفوّق نظام القيم الذي تتبنّاه، وإمّا إبصارا منها دونيّة في منظومة قيم مختلفة عنها، لكن هذه الرّؤية لم تكن تؤدّي إلى مسالك الأمان، إذ اندفع العنف وبصورة لا سابق لها، بسبب هذه التّصنيفات القِيميّة التي تتحرّك من وحي عوائد نفسيّة وأيديولوجيّة وجَهالة معرفيّة. لقد استوجب من جهة أخرى؛ استدعاء سؤال القيم مُجدّدا، لكن ليس من أجل المفاضلة والتّصنيف التّراتبي للقيم، وإنّما من أجل التّنقيب عن المُشْترك بين الثّقافات المتنوّعة، من أجل أن يكون أفقا وجسرا للتّواصل، ومُسوغا قويّا من مُسوغات القول بوحدة الطّبيعة الإنسانيّة في نزوعها نحو قيم مخصوصة نجدها مبثوثة في ذاتها أو في فطرتها، وإمّا لانتماء البشريّة إلى روح دينيّة أصليّة ألهمتها هذه القيم وتمظهرت بعدها في الأديان وتجلّياتها.
اقرأ المزيد
لَدْغَةُ الأنْوار : 173 - 2021/12/03
من المعلوم في تاريخ الفِكر الإنساني أنّ حقبة الأنوار تُعَدُّ حقبة اعتزاز بالذّات، وحقبة وعي الإنسان الغربي بنفسه، أنّه قادر على إدارة شأنه الذَّاتي والخارجي بكلّ ثقة وإتقان، ولاحاجة له، إلى أيّة مُنطلقات معرفيّة تتعالى على العقل الإنساني، أو تنفلت من دائرته التّفسيريّة، وتعدّ العبارة الكانطيّة الشّهيرة «أجرؤ على استخدام فكرك الخاصّ»، شهادة ميلاد وإشهاد على أنّ الإنسانيّة بلغت مرحلة النّضج، في مسيرتها نحو الأفضل والأسعد.
اقرأ المزيد
القراءة في انزياحاتها : نحو تعيين مواطن أخرى للقراءة : 172 - 2021/11/05
من السّمات اللاَّفتة في فعل القراءة، نمو المفهوم وتراكمه، فمن المعنى الأوَّلي الذي يُعَيّنُ القراءة في القدرة على فهم معاني الكلمات؛ إلى المعنى الذي بات أكثر تركيبا وتعقيدا، أي ذلك الذي ألزم فعل القراءة الانفتاح على المسالك العقليّة مثل التّحليل والتّركيب والمقارنة والنّقد وغيرها من مصفوفة المعاني العقليّة، فمن مُكاشفة معاني الكلمات إلى فهم العالم وإرادة التّأثير فيه عقليّا وفعليّا؛ تبيَّنت القيمة الثّقيلة للقراءة، وترسَّمت معالم جديدة في الممايزة بين الثّقافات : الثّقافة القارئة هي الأفضل، والثّقافة التي لا تقرأ هي المفضولة. غير أنّ ما يوجب صرف القول إلى تبيين حقيقته، أنّ القراءة ليست نصيحة أخلاقيّة محايدة لأجل اكتشاف العلوم فقط ؛ إنّما تتنزّل ضمن رؤية محدّدة عن العالم أو استراتيجيّة تأويليّة للوجود؛ فمعناها ووظيفتها ونطاق تفكيرها، إنّما ترسمها منظوريّة التّأويل الكليّة ومطالب الرّهانات الرّمزيّة والحيويّة للفاعل الإنساني.
اقرأ المزيد
“إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق” : 171 - 2021/10/01
في اليوم الثّاني عشر من شهر ربيع الأول أطلّت شمس الإيمان على الإنسانيّة، أشرقت بأنوارها على الكون كلّه، وامتدّت تلك السّلسلة إلى السّماء، فرح الكون كلّه بهذا الميلاد الجديد، وكانت إيذانا للبشريّة بدخول عهد إنساني جديد يتحرّر فيه الإنسان من قبضة الإنسان، وتعلو قيم التَّقوى والرُّوحانيّة فوق أيّة قيم؛ ويسمو الإنسان على حياته ليعانق المطلق ويعيد وصل العلاقة مجدّدا مع التّعالي.
اقرأ المزيد
الثّقافة والجائحة : ماذا قدَّمت الثّقافة لإنسان الحجر الصحّي؟ : 170 - 2021/09/03
ليست الجائحة مجرّد حدث بيولوجي صحّي، يضرب الجسد الإنساني فيُربك مبدأ تنظيمه ويهاجم منظومته المَنَاعيّة فقط، وإنّما هو حدث ثقافي أيضا، يجعل الشَّخص يُعيد طرح الأسئلة عن معنى حياته، وعن أولويّاته في الوجود، وما المعرفة التي يجب عليه أن يراهن عليها مستقبلا وكيف يبتكر أسلوبا ثقافيّا جديدا في الحياة يحفظ له وجوده الجسدي ووجوده الثّقافي أيضا. لأنّه؛ إذا كان الوباء هو مظهر من مظاهر أثر الفيروسات على الإنسان، وبالتَّالي فمدلوله حسّي مادّي، فإنَّ أثر الوباء في الحياة الثّقافيّة مدلوله معنوي وروحي كذلك، هذا المدلول يظهر في علاقة بالذَّات الإنسانيّة بذاتها في عزلتها : تفكيرا وأخلاقا وإبداعا . ذلك أنّ لكلّ شخص تجربة خاصّة في الحجر الصحّي، والأفضل أن تكون تجرية إيجابيّة أكثر منها سلبيّة، وتحويليّة أكثر منها سكونيّة، ومستقبليّة أكثر منها حاضريّة، وارتكازا على هذا الملمح، فإنّنا نريد أن نستشكل عن قيمة الثّقافة في ظلّ الحجر الصّحي، وما هي المكاسب الإيجابيّة التي يمكن أن يستثمرها كلّ شخص لأجل تطوير ذاته وتطوير محيطه ومجتمعه؟
اقرأ المزيد
طه عبد الرحمن وفريدريش نيتشه أو المفهوم الفلسفي وتسيّب التّأويل الاستعاري : 169 - 2021/08/06
إنَّ المسعى الذي يقوم عليه الطّرح الفلسفي لطه عبد الرّحمن هو تخليص القول الفلسفي العربي من رقّ التّقليد والإتباع، بالبحث عن أقوم المسالك التي تمُكّن المتفلسف العربي من تحصيل الإقدار على التّفلسف والاستقلال بفضاء فلسفي مخصوص ملمحه الجوهري هو الإبداع؛ هذا المُبتغى وضع له طه عبد الرحمن فرعا معرفيّا اصطلح على تسميته بـ: «فقه الفلسفة». وموضوعه هو « الظّواهر الفلسفيّة بوصفها وقائع ملموسة واردة في لغات خاصّة وناشئة في أوساط محُدَّدة وحادثة في أزمان معيّنة وحاملة لمضامين أثّرت فيها عوامل مادّية ومعنويّة مختلفة»(1). وواضح من هذه المُواصفات الصّفة العلميّة التي عليها هذا الفرع المعرفي الجديد، فهو يجعل من الفلسفة موضوعا للعلم يجوز قراءتها قراءة رصديّة ووصفيّة وشرحيّة بعد أن كانت تتأمَّل هي العلوم وتفحص مبادئها المنطقيّة ونتائجها الموضوعيّة، ولمّا كان المفهوم الفلسفي هو الأداة المركزيّة للتّفلسف؛ فإنّ طه عبد الرحمن راهن على البحث عن القوانين التي تنضبط وفقا لها الصّناعة المفهوميّة الإبداعيّة، وكيف تؤثّر اللُّغة الطّبيعيّة ونُظُم المعرفة في هذه الصّناعة، فبدا له أنّ للمفهوم الفلسفي جانبين إثنين هما : جانب عباري هو مدلوله الاصطلاحي وجانب إشاري يرتبط بالمجال التّداولي للفيلسوف، فالعبارة « هي كلام دال على الحقيقة صريح لفظه مُحْكم تركيبه، بينما الإشارة على عكسها، كلام دال على المجاز أو مضمر لفظه أو مشتبه معناه، وهذا يعني، أنّ العبارة هي أساسا، كلام يلتزم بضوابط العقل المجرّد، في حين أنّ الإشارة هي، أساسا، كلام ينفتح على رحاب الخيال المجسّد؛ وانضباط العبارة بقيود العقل المجرّد يجعل مضمونها مُتَغلغلا في عالم المعقولات الكليّة، منقطعا عن خصوصيّة المجال الذي يتداولها فيه واضعها، بينما انفتاح الإشارة على أودية الخيال يجعل مضمونها متغلغلا في عالم المعاني المُشخَّصة، مُتّصلا بخصوصيّة المجال الذي بتداولها فيه واضعها».
اقرأ المزيد
نشأة التَّفلسف في الفكر الإسلامي : 168 - 2021/07/02
قد تبدو هذه الفاتحة الدَّاعية إلى التَّجاوز أو التَّعدي لما هو مرسوم أمرا سابقا لزمنه البحثي،ذلك أنّ استجماع النّتائج واستكشاف الآفاق إنّما تكون في الخاتمة النّهائيّة التي تقتضيها شروط البحث، إلاّ أنّنا في هذه الفاتحة أردنا عمدا البدء بالخوض في شرط تعدّي القراءات السَّابقة في الفلسفة الإسلاميّة، ليس تعدّيا مبنيّا على التَّقوُّل أو الرَّمي بالعقم، وإنّما تجاوزا من حيث طبيعة الأسئلة التي دارت حول الفلسفة الإسلاميّة، من قبيل: هل ثمّة إبداع في الفلسفة الإسلاميّة؟ هل نسميها فلسفة عربيّة أو نسمّيها فلسفة إسلاميّة؟ ما حّظ العقل الفلسفي الإسلامي في الإبداع الفلسفي وهل أسهم فعليّا في تطوير الفكر الأوروبّي؟ ماذا بقي من فكر يمكن لنا التّواصل معه من تاريخ الفلسفة الإسلاميّة كي نربطه بإشكالات عصرنا؟
اقرأ المزيد
دروس في فلسفة الدّين «الدرس الثالث» : 167 - 2021/06/03
رأينا في الدّرس الثاني أنّ مبحث فلسفة الدّين كجزء من أجزاء المعرفة، لا يتناول الدّين مُكْتفيا بمحاولة الفهم لماهيته وعِلله وغاياته، وإنّما ثمّة أثر كبير للدّين نفسه على عقول الفلاسفة وثمرات فكرهم نفسه، وما تصنيفهم كحكماء إلاّ نتيجة لرؤاهم الفلسفيّة المبنيّة على إقرار مؤدّاه؛ أنّ للعالم وُجودا محدثا وليس قديما، وأنّ المعاد حَقَّ وليس باطلا، وأنّ النَّفس جوهر شريف وليست عرضا. لقد قام هؤلاء باستجلاب المقدّس في فضاء جديد هو فضاء القول الفلسفي من حيث هو رغبة جامعة في الحكمة وبحث عن الحقيقية في صورة جديدة.
اقرأ المزيد
دروس في فلسفة الدّين «الدرس الثاني» : 166 - 2021/05/06
لا يتناول مبحث فلسفة الدّين كجزء من أجزاء المعرفة، الدّين مُكْتفيا بمحاولة الفهم لماهيته وعِلله وغاياته، وإنّما ثمّة أثر كبير للدّين نفسه في عقول الفلاسفة وثمرات فكرهم نفسه؛ أو أنّ من تَسَمُّوا بقُدماء الحكماء في التُّراث الإنساني كانوا يقتبسون حكمتهم من تعاليم الدّين الإلهيّة، وإظهارا لهذه الفكرة يقول أبو الحسن العامري عن حكماء اليونان في الفصل الثالث من كتاب: «الأمد على الأبد»،[قُدَماء الحُكماء وجَلاَلة الحكمة] :«أوّل من وُصف بالحكمة من البشريين على الإطلاق كان لقمان الحكيم. واللّه سبحانه وتعالى يقول (وَلَقَدْ آتيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ) [لقمان 12] وكان في زمن داود النَّبي عليه السّلام، وكان مقامهما جميعا ببلاد الشّام. وكان أنباذوقليس اليوناني يختلف إليه، على ما حُكي، ويأخذ من حكمته...
اقرأ المزيد
دروس في فلسفة الدّين «الدّرس الأول» : 165 - 2021/04/01
من الجدير بالملاحظة أوّلا، تنوُّع المقاربات في دراسة الدّين وتداخلها خاصّة بين الفلسفة والعلوم الإنسانيّة - الاجتماعيّة، وامتدّ هذا الاهتمام، إلى المناهج البيولوجيّة، التي تناولت الدّين من حيث أدواره وتأثيره على الترَّكيبة البيولوجيّة للإنسان(1)، وكأنّ الدّين بات هو الموضوع الراَّبط بين العلوم من حيث أنّه الموضوع الذي يمكن لمناهج العلوم العديدة من أن تفتح معه نقاشا في شؤونه ومطالبه وما الذي يريده من الإنسان، وهل ثمّة قنوات في الإنسان تعي الدّين كما تعي الحواس عالم الموجودات الحسّية، ويعي العقل عالم المجرّدات الفكريّة. أم أنّه النّزوع نحو عوالم الغيب له دوافع نفسيّة وظروف اجتماعيّة وتركيبات بيولوجيّة. إنَّ كثرة التَّحليلات والتأمًّلات حول الدّين، بمعزل عن قدرتها في فهمه وتناوله : بالنّقد والتَّحليل أو بالتبنيّ و التَّشغيل، لهي علامة لافتة على أنَّ الدّين وميل الإنسان إلى التّديّن وشعوره بالحاجة إلى قوّة عليا، شيء غريب ويستنفر القوى العقليّة والنّفسيّة لأجل إيجاد معنى له، أو رسم لسبل للتّواصل معه؛ و الآكد أنّ المُساكنة الإنسانيّة في الدّين ليست شيئا يتخيّره الإنسان بالمعاندة أو بالموافقة، بل هو القوّة السَّارية والعماد الكلّي لنظام الموجودات ولمعنى جريانها.
اقرأ المزيد