أهل الاختصاص
بقلم |
![]() |
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام |
لماذا لا تقذفنا الأرض بعيدا في الفضاء كتجلٍّ لقوة الطرد المركزى؟ |
الشغف والهمّة والتّطبيق
لا تنهض الأمم إذا لم يكن لأبنائها على اختلاف مستويات أعمارهم شغف بالسّؤال المعرفي والذي تستتبعه همّة فولاذيّة تحفر في كلّ شيء لاستكشاف إجابة منطقيّة صحيحة على التّساؤل، ومن ثمّ السّهر على تطبيق ذلك الكسب المعرفي للاستفادة منه في مناحي الحياة المختلفة. أحد هذه الأسئلة ما يلي:
سؤال يتبادر إلى الذّهن
يتساءل البعض حول قوّة الطّرد المركزى النّاتج عن دوران الأرض حول محورها، كيف لا نشعر بها؟ وهي تعتمد على سرعة دوران الأرض حول نفسها، مع العلم أنّ الأرض تدور بسرعة 1670 كم فى السّاعة؟ وهي سرعة تقترب من ضعف سرعة الطّائرات. فلماذا لا تقذفنا قوّة الطّرد المركزى النّاتج عن دوران الأرض حول محورها بعيدا في الفضاء؟. هذه القوّة التي تنشأ عن دوران الأجسام، والتي من شأنها طرد الأجسام الدّائرة بعيدا عن مركز الدّوران. والجواب بسيط ويبنى أوّلا على معرفة الفرق بين الحركة الدّورانيّة والحركة الخطّية ومغالطة في السّؤال نفسه.
ونبدأ بالمغالطة، فالرّقم المعطى في السّؤال 1670 كم فى السّاعة ليس هو سرعة دوران الأرض حول نفسها، ولكنّه السّرعة الخطّية التي من الممكن حسابها تقريبيّا من قسمة محيط دائرة الاستواء على طول اليوم بالسّاعات أو بالثّواني أو بأيّ وحدة زمنيّة نريد الحساب بها، وسيأتي ذلك الحساب لاحقا وهي تتغيّر من نقطة لأخرى في الجسم الدّائر أي الأرض. أمّا سرعة دوران الأرض حول نفسها فهي معدّل تغيّر الزّاوية التي يدور بها الجسم بالنّسبة للزّمن، والتي من الممكن حسابها تقريبيّا من قسمة الزّاوية الكلّية التي تحصرها الدّائرة على طول اليوم بالسّاعات أو بالثّواني أو بأيّ وحدة زمنيّة نريد الحساب بها أيضا وهي لا تتغيّر من نقطة إلى أخرى في الجسم الدائر. ولفهم ميكانيكا دوران الأرض حول نفسها يجب أن نعلم أنّ السّرعة الدّورانيّة هي معدّل تغيّر الزّاوية التي يدور بها الجسم بالنّسبة للزّمن، في حين أنّ السّرعة الخطّية هي معدّل تغيّر الإزاحة التي يتحرّك بها الجسم بالنّسبة للزّمن (1).
وفي حالة دوران الأرض حول نفسها، فإنّ معدل دوران الأرض حول محورها هو دورة واحدة كاملة فقط كلّ يوم، أي كلّ 24 ساعة، وهو معدّل شديد البطء كما تعلمون (ويأتي ذلك العلم من مقارنته بحركة عقرب «ذراع» السّاعات التّناظريّة الذي يتمّ دورة واحدة كاملة فقط كلّ نصف يوم، أي كلّ 12 ساعة، بمعنى أنّ سرعة دوران الأرض حول محورها تساوي نصف سرعة عقرب السّاعات). ولكن يأتي الخلط في الفهم من التّعبير عن السّرعة الدّورانيّة بدلالة السّرعة الخطّية (كم/ساعة)، فهذه سرعة الحركة في خطّ مستقيم (وهي تساوي حاصل ضرب معدل دوران الأرض حول محورها في نصف قطر الدّوران).
إنّ السّرعة الخطّية ليست السّرعة الدّورانيّة، وهي سرعة الجسم الدّائر في حالة قطع الاتصال بينه وبين المسبّب لدورانه، وفي حالتنا هذه قوّة الجاذبيّة الشّمسيّة، وستكون في خطّ مستقيم مماس للدّائرة عند اللّحظة التي لو قطع الاتصال بينه وبين الجسم المركزي (في ميكانيكا نيوتن يمثّل ذلك بفناء الجسم المركزي أو بعده بعدا كافيا بحيث لا يكون الجسم الثّاني في دائرة تأثير الجسم المركزي، وفي ميكانيكا أينشتين يمثّل ذلك بتحويل سطح الزّمكان من سطح مشوه إلى سطح غير مشوه تماما أي إلى سطح مستوٍ تماما، وهذا لا يتأتّى أيضا إلاّ بفناء الجسم المركزي أو بعده بعدا كافيا بحيث لا يكون الجسم الثّاني في دائرة تأثير الجسم المركزي، أي أنّنا عدنا إلى تكافؤ الحالتين تقريبا).
قوى كاذبة لكنها مفيدة
ينشأ عن الدّوران قوّتان كاذبتان «أي لا تنتجا من تأثيرات (تفاعلات) فيزيائيّة حقيقيّة بين الأجسام»، أي بتوقّف الدّوران يتوقّف ظهور تلك القوى، إحداهما تسمّى قوّة الطّرد المركزي وهي تنشأ من الازدواج بين السّرعة الدّورانيّة ونصف قطر الدّوران. بينما تسمّى القوّة الثّانية بقوّة «كوريوليس» وهي تنشأ من الازدواج بين السّرعة الدّورانيّة والسّرعة الخطيّة، جدير بالذّكر أنّ قوّة «كوريوليس» لا تبذل شغلا وذلك لأنّها تعمل في اتجاه عمودي على اتجاه الحركة باستمرار.
قوة الطرد المركزى
ينتج عن الدّوران قوّة تسمّى بقوّة الطّرد المركزى ومقدارها في حالة الدّوران في دائرة يساوي (حاصل ضرب الكتلة في مربّع معدّل الدّوران في نصف القطر) ومع أنّ السّرعة الدّورانيّة للجسم الدّائر واحدة لكلّ أجزائه إلاّ أنّ نصف قطر الدّوران يختلف من جزء إلى آخر، فكلّما اقتربنا من مركز الدّوران (إذا كان الدّوران حول نقطة) أو كلّما اقتربنا من محور الدّوران (إذا كان الدّوران حول محور) فإنّ نصف قطر الدّوران يقترب من الصّفر، وبالتّالي تتناقص قوّة الطّرد المركزى كلّما اقتربنا من مركز الدّوران أو محوره حسب الحالة، كما تتناقص أيضا السّرعة الخطّية.
مثال واقعي
لنأخذ مثالا على ذلك بحساب قوّة الطّرد المركزى لجسم كتلته 100 كيلوجرام عند خط الإستواء، حيث يكون نصف قطره مساويا لمتوسّط نصف قطر الأرض الاستوائي 6378143 مترا، ومن الممكن حساب السّرعة الخطّية أيضا من اعتبار بسيط وهو أنّ الجسم الواقع على خطّ الاستواء يتمّ دورة كاملة في 24 ساعة، محيط هذه الدّائرة هو محيط دائرة نصف قطرها يساوي نصف قطر الأرض الاستوائي، أي أنّ المحيط يساوي 40075000 مترا. وبالتالي فإنّ الجسم الواقع على خطّ الاستواء يتحرّك بـ 40075000 مترا في 24 ساعة أو في 86400 ثانية، وبقسمة المسافة على الزّمن تكون السّرعة الخطّية 463.83 مترا في الثّانية. والآن أصبحت قيمة قوّة الطّرد المركزى بوحدة النّيوتن جاهزة للحساب لذلك الجسم وهي تساوى 3.3731 نيوتن. ولمقارنتها بقوّة الوزن (حاصل ضرب الكتلة في تسارع الجاذبيّة الأرضيّة) لنفس الشّخص (كتلته 100 كيلوجراما تقريبا) عند نفس المكان أي عند دائرة الاستواء نجد أنّها تساوي 980 نيوتن، والآن أصبحت المقارنة جاهزة وهي قسمة قوّة الطّرد المركزى على قوّة الوزن لتخبرنا أنّ قوّة الطّرد المركزى لأيّ جسم لا تمثّل أكثر من جزء واحد من 299 جزء من قوّة الوزن لذلك الجسم عند دائرة الاستواء. وإذا أتممنا الحساب عند أيّ من القطبين سنجد أنّ قوّة الطّرد المركزى لأيّ جسم تمثّل جزءا واحدا من 300 جزء من قوّة الوزن لذلك الجسم هناك. أي أنّ أحدنا لن يشعر إلاّ بحوالى 0.003 فقط من وزنه، نتيجة دوران الأرض حول محورها، وذلك مقدار صغير جدّا لن يشعر به أبدا إذا اعتمدنا على الحواس الشّخصيّة. ومع ذلك تعتمد قوّة الطّرد المركزي طرديّا على مرّبع السّرعة الخطّية لكن يدخل نصف قطر الدّوران ليلطّف من حدّة هذه القوّة، حيث تعتمد قوّة الطّرد المركزي عكسيّا على نصف قطر الدّوران.
ولقوّة الطّرد المركزي تطبيقات تفوق الحصر بدءا من فصل الدّهن «القشدة» عن الحليب، وليس انتهاء بتخصيب اليورانيوم لانتاج الطّاقة النّوويّة في مفاعلات الطّاقة الذّريّة.
الهوامش
(1) Goldstein. “Classical mechanics” Feynman, Quantum Mechanics, And Path Integrals, McGraw-Hill Companies 1965 |