نافذة على الفلسفة

بقلم
أ.د. عبدالرزاق بلقروز
ماذا بعد الشفاء من مرض القابلية للاستعمار أو المسألة اليهودية عند مالك بن نبي؟
 ثمّة أسئلة كثيرة تحوم حول النَّص الذي صدر سنة 2012، الذي أنجزه«مالك بن نبي»في 1951 كجزء ثانٍ من كتاب وجهة العالم الإسلامي، ولا نهتم هنا كثيرا بقضيّة البحث في جذور وأسباب بقاء الكتاب في الظلّ، بقدر ما سيتركّز جهدنا في استخراج الأفكار والإشكاليّات الكبرى التي قدّمها مالك بن نبي؛ وما هي الرّهانات التي يقدّمها الكتاب في زيادة فهم للإنسان اليهودي ولثقافته ولطبيعة تكوينه النّفسي والتَّاريخي، وما هو المنهج الذي شغّله «مالك بن نبي» في مقاربة وتحليل المسألة اليهوديّة؟ وما صلة الظَّاهرة اليهوديّة بـ : هيمنة «النّفعيّة الرّأسماليّة» و«الدُّولار» و«المرأة» في الواقع العالمي المعاصر؟
إنّ اللَّفتة المركزيّة التي تمسك بروح تحليل «بن نبي» هي ذلك الرّبط بين الحضارة الغربيّة ومشروع تحديثها؛ وبين دخول اليَهود إليها؛ فاليهود هنا هم روح الحضارة الغربيّة وهم قلبها، هذا ما اقتضى القيام بتفكيك نقديّ وإعادة كتابة للتّاريخ الثّقافي لأوروبا؛ لأنّ الفَاعليّات التي شكَّلت الحضارة الغربيّة ليست فاعليّات مرتبطة بجهود التَّنويريين والذّاتيين مُعرَّاةَ عن أيَّة ألبسة هَووية؛ وإنمَّا هذه مجتمعة لا يُستساغ الحديث عنها دون الإشارة إلى المسألة اليَهوديّة، وهنا المَلْمَحُ الجوهري لخصويّة التَّحليل والمُسَاءلة، ويستدرجنا مالك بن نبي للإمساك بتساؤلات متشعّبة من أوْجَهها:
لماذا طابق «مالك بن نبي» بين روح الحضارة الغربيّة وبين اليهود؟ هل تحقيقا أنّ الحداثة الغربيّة بدأت منذ دخول اليهود إليها ؟ ما هو المنهج الذي توسّل به «مالك بن نبي»من أجل إنجاز الدّراسة الفاعلة للمسألة اليهوديّة؟ ما هي العلاقة بين قوّة اليهود وبين انتباه الإنسان المسلم إلى هذه الحقيقة ضمن أفق المستقبل؟ هل ما طالعنا به «مالك بن نبي»كإستشراف للمستقبل تؤيّده شواهد الواقع ؟ إلى أيّ مدى يمكن للدّور الخارجي أن يمثل تحدّيا بالنّسبة إلى الإنسان بعد أن يُشفى من داء القابليّة للإستعمار؟
أولاً: مبرّرات الموضوع:
إنّ الذي دفع بنا إلى تسليط الاهتمام على المسألة اليهودية في فكر «بن نبي» جملة المعطيات والمبرّرات التالية:
* القلق الذي يحوم حول نصّ كتب في سنة 1951، ولم يُنشر قصد التَّداول الفكري والمعرفي؛ لأنّ أغلب مؤلّفات «مالك بن نبي»كانت الإحراجات حولها إحراجات قانونيّة حول الملكيّة الرّمزيّة والقانونيّة؛ وكتاب المسألة اليهوديّة خارج عن هذه الصّراعات.
* الاستشراف القويّ لدى «مالك بن نبي» بخصوص المسألة اليهودية، ومن أنّهم سيملكون العالم ويسودون في مجالات الحياة العلميّة والسّياسيّة والدّوليّة؛ في الوقت الذي كان اليهود لم يملكوا العالم بصورة كما هم عليه اليوم؛ فهو نوع من الحسّ المستقبلي الذي ينبني على تأويل الحاضر نحو المستقبل.
* الحسّ المنهجي والملاحظة الدّقيقة التي بناها «مالك بن نبي»على إشارات ضعيفة وأخرى قويّة؛ بخصوص تجذُّر الهويّة اليهوديّة في الفعل الحداثي؛ وتداخل اليهودي والحداثي في التّاريخ الأوروبي.
* الأسبقيّة التي اختصّ «مالك بن نبي»في استشرافه للدّور اليهودي وانبعاث النّسويّة الدّاعية إلى تأنيث العالم وإنهاء مركزيّة الذّكر؛ وهيمنة النّفعيّة الرّأسماليّة، لأنّ «مالك بن نبي»ربط في استشرافه لقرننا بين ثالوث: اليهود والدُّولار والمرأة.
* القيمة التاريخية والمنهجية التّحليلة العميقة التي أتى بها «مالك بن نبي»بالمقارنة مع النّظام المعرفي لعصره؛ فهو قد طوّر نموذجا غير معهود في قراءة الذّهنية والنّفسية اليَهودية؛ وقد أثبت هذا النّموذج فاعليته في الفهم والتّفسير بدلا من الانطباعية والتّأويلية اللاّمنهجية أو بلغة «مالك بن نبي» العفوية والتَّجريبية والعاطفة النّبيلة والغضب المقدّس؛ هذا سيتأكّد لاحقا مع الدكتور «عبد الوهاب المسيري في نماذج قراءة الظاهرة اليهودية المعاصرة باستخدام المنهج النّماذجي.
ثانيًا: في أن اليهود هم عقل الحضارة الأوروربية وروحها.
يُصرّحُ «مالك بن نبي» في منهجه قبل أن يُطبقه على تفحّصه للظّاهرة اليهوديّة؛ إلى أهمّية تجاوز المظاهر السّطحيّة المباشرة وتعميق السّؤال حول البنية العميقة للأحداث والمَظاهر؛ وهذه اللَّفة المنهجيّة تأخذ بنا إلى المسألة اليهوديّة وكيف قاربها «مالك بن نبي»؛ وأكثر من هذا « العالم الحديث» بمنظومته في القيم وعناوينه التي تعبّر عن هويّة هذا العالم الحديث؟ هل فعلا أنّ الحضارة الغربيّة هي تلك التي جمعت بين أوروبا والمسيحيّة ؟ ماذا لو كانت هذه الثّنائيّة سوى عنوان نظري نجده عند المؤرّخ أكثر ممّا نجده عند عالم الاجتماع أو الفيلسوف؟ أي ذلك الذي ينحصر جهده في رصد الأسباب وذلك الذي يرصد التّوقيت النّفسي ومساءلة الأحداث كيف تحدث هكذا ؟ ولماذا حدثت هكذا؟ وما الإرادة التي تختبئ خلف الأحداث؟
 يُفْصِحُ «مالك بن نبي» في نص مَضْغُوط وكثيف الدّلالة عن الهويّة الفعليّة للحضارة الغربيّة في النّص الآتي: «إنّ أوروبا هي مهد العالم الحديث، لكنّ الحدث الرّئيسي لكلمة أوروبا في التَّاريخ هو وصول اليهود إليها كشخصيّة مستقلّة عن الفكرة المسيحيّة، وهي التي سيطرت على سائر تسلسل حضارتها»(1). وإن هذا الإقرار الخطير يصل وصلا قويّا بين هويّة أوروبا وبين النّسق اليَهودي؛ هذا ويسرد بن نبي الشّاهد تلو الآخر على هذه الحقيقة فثمّة يهود يؤثّرون في المجتمع بالمال؛ وأخرون يؤثّرون بالعلم كهنري برغسون أو فرويد، أو أنريه موروا، وهذه الظّاهرة ليست مخصوصة بالمجتمع الفرنسي؛ وإنّما لمّح «مالك بن نبي» إلى أنّها منتشرة في بريطانيا أيضا، وفي أمريكا البلد الذي وجد فيه اليهود مكانهم وأمسكوا بمراكز المعرفة والمال، حيث لم تكن الكوادر السّياسيّة إلاّ واجهة تنفّذ قرارات داخليّة.
وبالفعل، فالملاحِظ لليهود أثناء توجُّههم إلى أوروبا الشّرقيّة وأمريكا أنّهم وجدوا فيهما « مكانا فسيحا لترويج أفكارهم والتَّمكين لها في أوساط السّادة والقادة، بحيث انتقل المركز العالمي لليهود من ألمانيا إلى أمريكا، حيث سخّر اليهود المهاجرون وكثير منهم يهود ألمان، كلّ مؤسساتهم الدّينيّة والثّقافيّة لخدمة أغراضهم في الهيمنة على الإنتاج الفكري فضلا عن الهيمنة في مجال الاقتصاد»(2). هذا يقودنا حسْبَ تحليل «مالك بن نبي» إلى أنّ هوية أوروبا الفعليّة صنعتها العبقريّة اليهوديّة أكثر من العقيدة المسيحيّة.
بعد هذا التّوصيف لمناحي قوّة اليهود في أوروبا؛ يسلّط «مالك بن نبي»أنوار تحليله على المُبَررّات التي جعلت الإنسان اليهودي أو يهود الشَّتات يتوجَّهون إلى أوروبا ولا يتوجّهون إلى الشّرق مع أنّ منطق الأمور يجعلهم أكثر ارتباطا بالشّرق لارتباط جذورهم الثّقافيّة ضمن ذلك المكان؛ إلاّ أنَّ«مالك بن نبي»في تعليله، يطالعنا بجملة تعليلات مركّبة؛ أي تستجمع البعد الدّيني والبعد النّفسي والأثر الثَّقافي في العُقول، فبُخصوص الأثر الثَّقافي في العُقول، فإنّ الارتباط الثَّقافي لليَهُود بالحضارة الآشوريّة والفرعونيّة؛ قد جعل صورهم الذّهنيّة تستحضر دوما الوجود في صورة العبد أو المنبوذ؛ وهكذا، فهو لا يرغب في استعادة تجربة آبائه العبيد، بخاصّة وأنّ تحليل المؤرّخين تطالعنا بما يشبه هذه المواصفات « ظلّ اليهود حتّى آخر مرحلة من تاريخهم في أدنى درجة من الحضارة قريبين من دور التّوحّش الخالص، ولم يجاوز اليهود طبائع أمم الزّرّاع والرّعاة إلاّ قليلا جدّا، وخضع اليَهُود لنظام رعائي، ولم يكادوا يدخلون دائرة التّطوّر الاجتماعي» (3).
هذا في مستوى البيئة الثّقافيّة، أمّا في ما يخصّ المُبرّر النّفسي، فهو أنّ الشّرقي يختلف حسب «مالك بن نبي»عن الغربي، فإذا كان الغربي عجينة رخوة لا ماضيَ ثقافيّا لها قويّ، يمنحها نماذج في الرُّؤية والتّصنيف، فإنّ اليهودي يدرك أنّ الشّرق لا يراه إنسانا معرّى عن أيّة أغلفة ثقافيّة، وإنّما يراه من خلال نموذج ثقافي مخصوص يعطيه دلالته وأصله الثّقافي وألاعيبه في إخفاء هذه الذّات والتّمويه عنها، يقول مالك بن نبي:«فالشّعب اليهودي له خصوصيّة معروفة جدّا ولها موقعها في علم النّفس الإنساني، وخياره قد وجد مساحته كاملة في العجين الرَّخو البادي في طبيعة الأوروبّي، وهذا هو السّبب الأكيد في خيار لا محلّ له في طبيعة الشّرقي على الخصوص، فالرُّجل الشَّرقي يعيش روحه وفكره وينظر إلى علاقاته مع الآخر من فكره»(4). واليهودي لا يحبّ أن يعرف بانتمائه الدّيني بخاصّة في بدايات مجيئه إلى أوروبا، والسّبب أنّه يعرف الكراهيّة الصّامتة والغريزيّة التي تحيط حوله.
ثالثًا: في أن اليَهود ليسوا على صورة واحدة
يسُود التّصور حول اليهود؛ أنّهم جماعة واحدة لها مقالة واحدة وشكل تواجدي ثقافي واحد؛ إلاّ أنّ التَّحليل العميق يُقَرّر ويسطع بحقيقة أخرى، أنَّ اليهود هم جماعات وليست جماعة واحدة، والأصل في تماثل مواقفهم هو إيمانهم بالأرض الموعودة والوطن المفقود؛ فهذا هو النّسق الضَّام لهذه الوِحدة، أمّا البنية وتركيبها فتّتسم بالترَّكيب المُخْتلف، هذا ما ينبّهنا إليه «عبد الوهاب المسيري» في مسارات إجابته عن سؤال: من هو اليهودي، فهو يحدّثنا قائلا: «أن الشَّخصيّة  اليَهوديّة هي نتاج تفاعل بين مجموعة من البشر، ومركَّب من الظُّروف التَّاريخيّة والبيئيّة، على مدى زمني معقول، وهو الأمر الذي لم يتوفّر إلاّ للعبرانيّين، ولم يتوفّر إلاّ للجماعات اليهوديّة التي انتشرت في بقاع الأرض المختلفة، وعاشت تحت ظروف اجتماعيّة مختلفة، ولذا، نرى أنّه يجب الابتعاد عن التّعميم المتعسّف، والكفّ عن استخدام صيغة الشّخصيّة اليهوديّة، لنتحدّث بدلا من ذلك عن الشّخصيّات اليهوديّة والهويّات اليهوديّة. وصيغة الجمع لا تنكر الخصوصيّات اليهوديّة، ولكنّها لا تجمع بينها وكأنّ هناك صفة جوهريّة أو عالميّة كامنة في كلّ اليهود»(5). و«مالك بن نبي»تبعا للسّقف المعرفي الذي كان في زمن كتابة نصّه عن اليهوديّة، لم يكن يتوفَّر على الأدوات التَّحليليّة التي تطالعه بهذه النّتيجة، أي أنّ اليهود ليسوا وصفا واحدا، وإنّما هم أوصاف متعددّون حصرهم «مالك بن نبي» في الفئات الآتية:
إن ّهذه التّصنيفات التي يأتي على تفصيلها «مالك بن نبي»؛ هي تصنيفات تمثّل الحلقة التّطوريّة للنّفسيّة اليهوديّة، وهي حلقة تاريخيّة فيما يبدو، فالتَّاريخ اليهودي خرج من انتمائه الدّيني الذي يعبّر عن صورة منبوذة في مخيّلة الإنسانيّة إلى فعل التَّهويد لأوروبا كلّها، وهو فعل يجد تعليله في الطّبيعة الرّخوة للإنسان الأوروبي وفقدانه الارتكاز على هويّة ثقافيّة واضحة، لأنّ ما يريده الأوروربّي هو المفيد والجميل، وأدرك اليهودي هذه الحاجات فعمل على توفيرها وتكوين الهويّة الأوروبيّة تكوينا يهوديّا.
هذا التَّكوين ليس تبليغا ثقافيّا أو إدخال الأوروبيّة إلى الملَّة اليهوديّة، وإنّما الإمساك بمراكز الحركة بخاصّة المراكز الاقتصاديّة والعلميّة والسّياسيّة من أجل التّأثير في كبرى القرارات الرُّوحيّة والمصيريّة لأوروبا. 
كما تعكس فكرة ذات أهمّية قصوى؛ هي تلوّن اليهودي وتشكيل ذاته تبعا للسّياق الثّقافي الذي يكون فيه، ومثال ذلك أنّ « المفكرين والمبدعين اليهود أو ذوي الأصل اليهودي الذين ظهروا طوال التّاريخ، كانوا جزءا من التَّشكيل الثَّقافي أو الحضاري للبيئات التي ظهروا فيها بدءا بـ «فيلون اليهودي» في القرن الأول قبل الميلاد، الذي جمع المصدرين اليوناني واليهودي، وحتّى «جاك دريدا» في القرن العشرين، الذي ولد في الجزائر وانتمى إلى الثّقافة الفرنسيّة.
 تترى الأمثلة على تعدّدية الإنتماءات والمشارب، وإذا كان ذا سمة لكثير من الثّقافات القديمة والحديثة فإنّ الوضع اليهودي يختلف في حدّة تماهيه مع السّياقات الثّقافيّة المختلفة إذ إنّه لا يكاد يكون هناك من يماثلهم في معدّل ذلك التّماهي في التاريخ»(6). وهذا الإقرار قد يجد تبريرا لتعدّديّة الهويّة اليهوديّة وتلامسها وفقا للسّياق الثّقافي الذي تتحرّك فيه.
هذا، ولم تعرف الظَّاهرة اليهودية اعتراضا أكبر كالذي واجهته من الزّعيم الألماني الذي أيقظ في نفوس شعبه إرادة الحركة والانتقام جاءته من معاهدة فرساي 1919 التي كانت جائرة على ألمانيا، وكان المتسبّب فيها برأي «هتلر» هم اليهود، فاندفع «هتلر» إلى اللّجوء إلى التَّصفية للظّاهرة اليهوديّة في أوروبا، حيث رفض أموال اليَهُود التي تقدّموا بها دعما لحزبه، وبرأي «مالك بن نبي»أنّ أحد المُبررات الحضارية التي كانت خلف فشل «هتلر» في حربه على اليَهود، هو أنّه استخدم الشّعارات التي كانت بحوزتهم، أي شعار العنصريّة والفكرة الاستعماريّة بما هي فكرة يهوديّة في جوهرها.
رابعًا: خاتمة أو أنَّ عُمْقُ المسألة هو حضاري في جوهره:
يؤكّد «مالك بن نبي»أنّ الأفق الزّمني الذي ينتمي إليه هو؛ يُظهر قيما متحالفة هي النّزعة اليهوديّة، والرّأسماليّة والاستعماريّة؛ والمسلك الآمن الذي يراه «مالك بن نبي»هو الإسلام كرسالة عالميّة يمكن أن تساهم في العلاج لمشكلات العالم، ذلك أنّ شرط الإسلام «أنّه دين قادر في تكوينه على تصحيح الرّأسماليّة وتَعْديلها، وكذلك الشُّيوعيّة ومحور العنصريّة والاستعمار ليأخذ على يد اليهود في إدارة العالم، وهكذا نرى دور الاسلام في عالم جديد؛ يعتمد على قيمته الدّاخليّة بقدر ماللقيمة الرُّوحيّة وفاعليتها من قدرة على استيعاب مخلفات عصر مضى في تجدّد الحضارة الإنسانيّة»(7). 
والهَدَفُ من هذا كُلّه هو تحقيق السَّلام العالمي، لأنّ الرُّوح في مرحلة جراحها تبحث عن الفكرة التي تواسيها أكثر من أيّ شيء آخر، ويربط «مالك بن نبي» هذه الغاية؛ بـ: التَّخْطيط بنوعيه، الدّاخلي والخارجي، الأولى تُفَتّت القابليّة للاستعمار، وتَعمل على إعداد نخبة مختارة، تعكس جوانب البناء التّكاملي: العقديّة في بنية الإيمان، والأخلاقيّة في معايير السُّلوك، والاجتماعيّة في شبكة التَّواصل، ثمّ العالميّة في المدى الإنساني.
هذا ويشير «مالك بن نبي»إلى مسألة الإسلام الخارجي، بخاصّة مع الأوروربي، حيث يبصر فيه أي الأوروبي طبيعة عفويّة جميلة، تتجلىَّ في سرعة المبادرة، وبراءة الطّفل «إنّها طبيعة جميلة لولا أنّ اليهود شوّهوها»(8). من هنا يتَّصف المشروع بالسّعي نحو العودة بالأوروبي إلى أصالته وعفويّته.
الهوامش
(1) مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي - المسألة اليهودية، سوريا : دار الفكر، 2012، ص 42.
(2) طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، المغرب، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2006، ص 62.
(3) غوستاف لوبون، اليهود في تاريخ الحضارات الأولى، ترجمة عادل زعيتر، مصر: مكتبة النافذة، 2009، 95.
(4) مالك بن نبي، المسألة اليهودية، مرجع سابق، ص 50.
(5) عبد الوهاب المسيري، من هو اليهودي، مصر : دار الشروق، 2002، ص 11.
(6) سعد البازعي، المكون اليهودي في الحضارة الغربية، المغرب، بيروت : المركز الثقافي العربي، 2007، ص 41.
(7) مالك بن نبي، المسألة اليهودية، مرجع سابق، ص 130.
(8) المرجع السابق، ص 140.