تأملات

بقلم
م.لسعد سليم
فاحشة الشذوذ الجنسي في القرآن الكريم
 كما  وعدناكم في مقالنا السابق بمجلّة الإصلاح: «فاحشة الزّنا في القرآن الكريم»(1) نتطرّق في هذا البحث إلى «فاحشة الشّذوذ الجنسي في القرآن الكريم». وقد فضّلنا استعمال مصطلح «فاحشة الشّذوذ الجنسي» على «فاحشة قوم لوط» حتّى يقع ترسيخ «واقعيّة» هذه الجريمة، ولا ينظر إليها كأنّها قصّة تاريخيّة (مرّ عليها الزّمن)، إلاّ أنّه لا يصحّ بأيّ حال من الأحوال استعمال مصطلح «اللّواط» لأنّ اسم الرّسول «لوط» أشرف من أن يكون مصدرا لهذا الفعل الشّنيع، ولولا «تعويم» مصطلح الفاحشة في تراثنا الفقهي، حيث صارت الفاحشة تطلق على عدّة أمور، من التعرّي إلى القول الفاحش، لكان استعمال مصطلح الفاحشة (معرّفا) كافيا لتعريف هذه العلاقة المشينة، كما ورد في القرآن الكريم.
فكلمة «الفاحشة» وردت معرّفة بهذه الصّيغة أربع مرّات، كلّها تتعلّق بالشّذوذ الجنسي، ثلاث منها في آيات مكيّة:
-﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾(الْأَعْرَافِ:80-81)
-﴿ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون﴾(النَّمْل:54-55ِ) 
-﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِين* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَر﴾(الْعَنْكَبُوتِ:28-29)
والرّابعة في سور النّساء المدنيّة، حيث أمر اللّه بمعاقبة من يقوم بهذه العلاقة الجنسيّة الشّاذّة نساء كانوا (حبسهن في البيوت شرط إقامة البيّنة) أو رجال (إيذاؤهم):
﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا* وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾(النساء:15-16)
مقابل ذلك لم يصف سبحانه الزّنا (العلاقة الجنسيّة بين امرأة متزوجة مع غير زوجها ) (2) بالفاحشة، إلّا مرّة واحدة فقط: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾(الاسْراء:32)،ويدلّ هذا التّكرار في الآيات المكّية(3) على وجودها (في السّرّ) والتّساهل معها في المجتمع المكّي بعكس المجتمع المدني، فلم يرد ذكر هاته الفاحشة في السّور المدنيّة إلاّ في مناسبة واحدة فقط، دالا على شبه انعدامها وذلك على الأرجح إلى تأثير أهل الكتاب وحضورهم البارز في المدينة (العامل الاقتصادي/الرّبا).
فعند تتبع الآيات المكّية، نجد أنّه وقع ذكر «قوم لوط» وكيف وقع تدميرهم والقضاء عليهم لإباحتهم العلاقة الجنسيّة بين الرّجال في إحدى عشرة مرّة، ووصف جلّ جلاله من يمارس هاته الفاحشة بشتّى أنواع الصّفات السّيئة: قَوْمٍ مُسْرِفُون/ قَوْمٍ عَادُون/ قَوْم يجْهَلُون/ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِين/ قوم مُجْرِمون/ مفسدون/ ظَالِمِونَ/ يعملون السّيئات –الخبائث. وفي هذا التّكرار والعقوبة الّتي أوقعها اللّه بهم، دلالة على شناعة هذه الجريمة التي كان قوم لوط أوّل من قام بها. 
وقد تنزّلت هذه الآيات من أوّل سنة للبعثة (سورة «ق») إلى السّنة الثّالثة عشر للهجرة آخر الفترة المكّية(سورة «العنكبوت»). وهي حسب ترتيب النّزول(4): سور: ق/ الْقَمَر/ ص/ الْأَعْرَافِ/ الشُّعَرَاءُ/ النَّمْلِ/ هُودُ/ الْحِجْر/ الذاريات/ الأنبِياءُ/ الْعَنْكَبُوتِ: 
1. ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ أَصْحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ* وَأَصْحَٰبُ ٱلْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ (ق: 12-14)
2. ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُر*ِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُر* وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرّ* فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾(الْقَمَرُ:33 - 40)
3. ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو ٱلْأَوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَٰبُ الْـَٔيْكَةِ أُولَٰٓئِكَ ٱلْأَحْزَابُ* إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾(ص: 12-14)
4. ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ* وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الْأَعْرَافِ: 80-84)
5. ﴿كَّذبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* اتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ* وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ* بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُون* قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ(...) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾(الشُّعَرَاءُ: 160-175)
6. ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجهلونَ* فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ (النَّمْلِ: 54-58) 
7. ﴿وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ* قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ* قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(...) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ*مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ (هُودُ: 77-83)
8. ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ* قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ* قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ* لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾(الْحِجْر: 60-77)
9. ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ*قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ*مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ*فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ*وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾(الذاريات: 31-37)
10. ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ (الأنبِياءُ: 74)
11. ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِين* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَر فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(...) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾(الْعَنْكَبُوتِ:28-35)
وقد حرّم اللّه سبحانه الفواحش ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (أي في السرّ كانت أو في العلن) وقرنها بتحريم القتل وذلك للتّأكيد على شناعة الجريمة:
1. ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾(الْأَنْعَامٌ:151)
2. ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾(الاسْراءُ:33)
في سياق آخر، قرن جلّ جلاله الفواحش بالكبائر في مناسبتين ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾ (النّجم: 32 والَّشُورَى:37) وهذا دليل آخر على شدّة التّحريم وتأكيد على أنّ الفواحش من الكبائر. فاللّه سبحانه وصف هذا العمل بالفاحشة والجريمة وجعله من الكبائر وعاقب مقترفيه ومن يوافق عليه (امرأة لوط) أشدّ عقوبة، فقضى عليهم وأفناهم، جزاء على إباحتهم هذه العلاقة ولم يستثنِ من العقاب إلّا من كان ينهى عن هذه الجريمة وهم آل لوط إلاّ امرأته كما ورد في الآية (الْحِجْر:60)، وهذه إشارة إلى أنّه من واجب الإنسان النّهي عن الفواحش حتّى ينجو من عقاب اللّه كما ورد في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾(الْأَعْرَافِ:156)
بناء على ما سلف، تكون الدّعوة لإباحة هذا الفعل الشّنيع وعدم تجريمه، أو وصفه وتعريفه بمصطلحات إيجابيّة أو محايدة كـ «المثليّة»(5) عوضا عن الشّذوذ والفواحش، مخالفا لأمر اللّه الذي وصف فاعليه بالمجرمين، على لسان من أرسلهم لمعاقبتهم: 
-﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴾(الْحِجْر: 58-60)
- ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ*قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ*مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ*فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ*وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾(الذاريات: 31-37)
والمطالبة بإباحة الفاحشة والتّشجيع عليها دعوة إلى تخريب المجتمع، فكما يقضي تفشّي جرائم القتل والسّرقة والغشّ على تطوّر المجتمعات وازدهارها، تقضي الفواحش (الزّنا والشّذوذ) على العائلة التي هي أساس المجتمع ونواته، لهذا جعل اللّه سبحانه هذه الجرائم من الكبائر ووضع لها عقوبات: 
-﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا* وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾(النساء:15-16)
-﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 2﴾(النَّور)
ولا بدّ من الإشارة هنا مرّة أخرى إلى إنّ هذه الحجج التي ذكرناها هي من باب التّبيان؛ فاللّه حكم بشناعة هذه الجرائم بنصّ محكم لا لبس فيه، بحيث صار هذا الأمر من البديهيّات عند المسلمين وحتّى عند غير المسلمين.
ونظرتنا إلى الأمر هي التي تحدّد حكمنا عليه، فالّذي ينادي بعدم التّجريم يرى في الأمر حرّيّة فرديّة عملا بالقاعدة: «شخصان راشدان يمارسان الجنس برضاهما في الحياة الخاصّة لا يتدخّل فيهما أحد»، وينسى أو يتناسى كلّ الأمور والمآلات السّلبيّة لهذا العمل الشّنيع.
أمّا المؤمن فيتبع حكم اللّه، فاللّه سبحانه وصف هذا العمل بالجريمة فيجب على المؤمن أن يكون له نفس الحكم في كلّ ما يتعلّق بالفواحش، مدركا جميع الجوانب المتعلّقة به والشّبهات/المغالطات التي يقع طرحها لـ «تبييض» هاته الجريمة وخاصّة العناصر الثّلاثة: « الخصّوصيّة والتّراضي والفرديّة».
فلا خصوصيّة في الشّذوذ والزّنا، فلا يعقل أن نطالب بالخصوصيّة للسّارق أو المعتدي حتّى وإن مارس اعتداءه في بيته. فالحياة الخاصّة للفرد تهمّه هو فقط في حالة تعلّقه بها وحده لا غير، أمّا العلاقة الجنسيّة فهي تقتضي على الأقل شخصين للقيام بها وهي بالتّالي ليست جزءا من الحقوق والحرّيات الفرديّة لأنّها عمل جماعي وليس فرديّا. زد على ذلك أنّها لا تتعلّق فقط بالشّخصين اللّذين يقومان بها، بل تتعدّاهما إلى أفراد العائلة (المحيط الأول) ثمّ الوسط الاجتماعي، وعلى هذا الأساس يقع تقنين الزّواج والطّلاق في البلدان المتحضّرة.
أمّا السّريّة، فإنّ ميزتها في إبطاء تفشّي الفاحشة في المجتمع لا يمكن أن تكون سببا في إباحتها أو السّكوت عنها، وهذا بيّن في قوله تعالى:
-﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(الْأَعْرَاف: 33) 
-﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(الْأَنْعَامٌ: 151)
والسّريّة المقصودة هنا، هي إخفاء العلاقة برمّتها عن كلّ أفراد المجتمع القريبين منهم والبعيدين، وليست إخفاء العلاقة الجنسيّة فقط كما يتمّ التّرويج لذلك، فالعلاقة الجنسيّة لا تقام في العلن حتّى في مجتمعات الغاب.من جهة أخرى فإنّ التّراضي لا يمكن أن يكون سببا في إباحة الأعمال أو تجريمها، بل هو فقط شرط من شروط صحّة العقود (ما لم تخالف القوانين أيضا). 
ولبطلان مزاعم من يدعو إلى إباحة الفواحش، يجب أن تكون مثل هذه القضايا محلّ بحوث متعمّقة من طرف متخصّصين (نزيهين) حتّى يقع تبيان الحقيقة، فذكر آيات اللّه المتعلّقة بالأمر وحدها لا تكفي و إن كانت ضروريّة. وللأسف الشّديد لا وجود لمفكّرين مسلمين مختصّين من يبحث في هذه القضايا، بل أنّ جلّ الباحثين والمفكّرين المعارضين لإباحة الفواحش هم من الغرب(6) كما هو الحال في تبيان فساد الرّبا (من أهم البحوث في هذا المجال كتاب كارل ماركس: «رأس المال»!)
ولا بدّ من الإشارة أيضا الى التّجاوزات التي حصلت على مرّ العصور في المجتمعات المسلمة بتزكية من التّيار الفقهي والتي نُسبت (وتُنسب) إلى الإسلام وهو منها براء، كتعميم الزّنا على كلّ العلاقات الجنسيّة خارج إطارالزّواج(7) أو ابتداع عقوبة الرّجم/القتل، والتّساهل في أمر البيّنة أو قتل البنت العازب من طرف عائلتها إذا ظهر عليها الحمل خوفا من الفضيحة والعار (كما كان يفعل بالموؤودة) متناسية قوله جلّ جلاله: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤهُ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيما﴾(النساء:93).
وقد أدّت هذه التجاوزات إلى نتائج على عكس المطلوب، فصار الطّرف الضّعيف (المرأة/المخنّث) هو من يدفع الثّمن على عكس آيات القرآن الكريم التي وإن حمّلت الطّرفين المسؤوليّة الاّ أنّها تجعل القدر الأكبر منها على الطّرف الأقوى، مع التّشديد على كتمان الأمر وعدم التّرويج له (فأربع شهود أمر شبه مستحيل) وذلك حفاظا على سلامة العائلة وبالتالي المجتمع. في نفس الوقت.
ومقابل «هذا التّشدّد»، كان هنالك  تساهل في أحكام الطّلاق وتعدّي حدود اللّه(8) المتعلّقة به، فكانت النّتيجة دمار العائلة (من الدّاخل) وبالتالي انحطاط المجتمع وتخلّفه، الأمر الذي جعلنا لقمة سائغة للطّامعين (الاستعمار).
وفي الأخير لا بدّ من التّذكير بقوله عزّ وجلّ:﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾(النَّور:19)، وفيه وعيد بالعذاب الأليم ليس في الآخرة فقط بل في الدّنيا أيضا، لمن يعمل على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين والدّعوة لها أو المطالبة بإباحتها.
الهوامش
(1) مجلّة الإصلاح - العدد 201 - أفريل 2024 -  صص 98-107
(2) أنظر مقال «فاحشة الزنا في القرآن الكريم» مجلة الأصلاح 201
(3) هذا السّبب لا ينافي ما ذكر في مقال سابق من أنّ سبب هذا التكرار هو إباحتها في المستقبل البعيد (الأصلاح 191). بل يكمل بعضه بعضا، فاللّه سبحانه يخبرنا عن الأوّلين مخاطبا في نفس الوقت الحاضرين والذين سيأتون من بعدهم إلى قيام السّاعة.
(4) انظر ترتيب نزول السّور كما ورد في كتاب «التّفسير الحديث» بإذن من مشيخة المقارىء المصريّة والذي يطابق في أغلبه ما أشار إليه الشّيخ الطّاهر بن عاشور  في «التّحرير والتّنوير»
(5)  اتظر كتاب:»Kinsey: La face obscure de la revolution sexuelle»  Judith Reisman:
(6) مصطلح محدث» لتبييض» الشذوذ الجنسي» الذي كان يطلق عليه في الغرب قبل ٍباحتهSodomie)), نسبة لسدوم كما وردت في الأنجيل
(7)  أنظر مقال  «فاحشة الزّنا في القرآن الكريم» مجلة الأصلاح 201
(8)  أنظر مقال «الحدود في القرآن الكريم» مجلة الأصلاح 189