نبيل غربال
اللّيل والنهار جسمان مادّيان (الحلقة الأولى) : 201 - 2024/04/05
نهدف من وراء هذه السلسلة من المقالات الى تدبر عدد من الآيات التي تشير لظاهرة اللّيل والنّهار. افترضنا وجود مفهومين قرآنيين واحد لليل وآخر للنّهار بعد قراءة علميّة لآيتين ورد فيهما لفظ الضّحى حيث تبيّن لنا أنّهما تعطيان التّفسير العلمي لظاهرة النّهار. استعملنا هذين المفهومين كموجّهين للبحث، وتوصّلنا بهما الى استخراج الدّلالات العلميّة التي تختزنها الآيات التي تشير إلى غشيان اللّيل للشّمس وللنّهار وإخراج النّهار وتجلّيه وتجليته للشّمس وسلخه من اللّيل وغيرها. ومن الآيات التي أفردناها في هذه السّلسلة ببحث خاصّ آية تكوير اللّيل على النّهار وتكوير النّهار على اللّيل لأنّها تشير صراحة الى شكل الأرض الذي بات معلوما وبدقّة عالية من طرف البشريّة.
اقرأ المزيد
كيف نصبت الجبال؟ الجزء 2 : 171 - 2021/10/01
بينّا في الجزء الأوّل من هذا المقال أنّ النّظر المطلوب في الآية 19 من الغاشية هو «دعوة للإقبال نحو الجبال بالبصر والبصيرة والتّفكير العميق في الكيفيّة التي نُصبت بها طلبا لإدراك شيء من حقيقتها وذلك من خلال الاستفهام عن أحوالها وصفاتها المتعلّقة برفعها الى أعلى، متماسكة على وضع دائم»(1)، فهل كانت البيئة الثّقافيّة عند نزول الآية قابلة لمثل هذا الأمر الإلهي ومهيّأة للاشتغال على موضوع الكيفيّة التي نُصبت بها الجبال؟
اقرأ المزيد
كيف نُصِبَت الجبال؟ الجزء الأول : 170 - 2021/09/03
نتدبّر في هذا المقال الآية 19 من سورة الغاشية ﴿ وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ وهي تنتمي الى مجموعة كبيرة من الآيات التي وردت في القرآن الكريم تدعو للنّظر سواء في الظّواهر الطّبيعيّة أو في الأحداث التّاريخيّة أو في النّفس البشريّة أوفي الآفاق(1). جاءت هذه الدّعوة في سياق استفهام يحتمل التَّعَجُّب وَالتَّوْبِيخ وَالْإِنْكَار لعدم النّظر في الكيفيّة التي نصبت بها الجبال وكيفيّات أخرى تتعلّق برفع السّماء وخلق الإبل وتسطيح الأرض(2) . وهي بصيغتها تلك تخبر في الآن نفسه وبوضوح بأنّ الجبال نُصِبَتْ ولم تكن موجودة وبكيفيّة يمكن التّعرّف عليها. فما هو هذا النّظر القادر على كشف الطّريقة التي نُصِبَتْ بها الجبال؟ وهل نُصِبَتْ الجبال فعلا؟ وبأيّ كيفيّة؟ هذا ما سنتناوله بالبحث على ضوء ما تسمح به اللّغة وما توصّل اليه العلم الحديث لنرى هل كان للاستفهام معنى وهي التي صيغت قبل أكثر من 1300 سنة من نشأة العلم الحديث وتطوّره.
اقرأ المزيد
المقال الأول: الجبال أوتاد الجزء الخامس: الدليل الملموس : 169 - 2021/08/06
تناولنا في الجزء الثّاني ظاهرة تعرف بالتّوازنيّة isostasie أي توازن قشرة الأرض التي يرجع الى طفوها على الوشاح الأكثف شبه المائع الموجود تحتها. وتمثّل التّوازنيّة «الآليّة المنسقة التي تربط تطوّر الجبال التّكتوني أو الدّاخلي بتطوّرها الجيومورفولوجي (الشّكلي) أو الخارجي». فعندما تنتصب الجبال تغوص القشرة في الوشاح نتيجة ازدياد حجمها وإذا أزال «الانجراف (الدّحو) كتلة ما من قمم الجبال تستجيب التّوازنيّة برفع سلسلة الجبال بكاملها نحو الأعلى». ويفسّر هذا الارتفاع عددا من الظّواهر التي كانت محيّرة للعلماء مثل تكشّف صخور القشرة الأرضيّة التي كانت توجد تحت الجبال على أعماق كبيرة ومن بينها تلك التي تؤكّد وجود الجذور الجبليّة وهي موضوع الجزء الخامس والأخير من هذا المقال. فالدّليل المادّي على وجود الجذر يتعلّق بالصّخور المكوّنة له والتي صعدت الى سطح الأرض بفعل قانون الطّفو إثر إزالة السّلاسل الجبليّة.
اقرأ المزيد
الجبالُ أوتادٌ الجزء الرابع: ممّا تتكون الجبال؟ : 168 - 2021/07/02
أكّدت الدّراسات المتعلّقة بانتشار الموجات الزّلزاليّة داخل الأرض(1) صحّة التّصوّر القائل بأنّ للجبال جذورا. ويعود هذا التّصوّر الى منتصف القرن 19 وقد توصّل اليه علماء الجاذبيّة الثّقاليّة للأرض بافتراض أنّ القشرة الأرضيّة، والجبال جزء منها، تطفو فوق الوشاح وأنّ تغيّر مرتفعات سطحها يصاحبه تغيّر في سمكها وفق مبدأ أرخميدس للطّفو(2). وبما أنّ الصّورة المتحصّل عليها للقشرة الأرضيّة تحت الجبال تعتمد على المعالجة الحسابيّة للبيانات المتعلّقة بالقياسات الزّلزاليّة في المقاربة العلميّة الأولى، وعلى فرضيّة الطفوية لتفسير شذوذ شدّة الجاذبيّة الأرضيّة بجوار السّلاسل الجبليّة في المقاربة العلميّة الثّانية، يمكن أن يشوبها شيء من الشّك، فإنّ وجود الدّليل الملموس لجذور الجبال أمام أعيننا على سطح الأرض سيزيل نهائيّا تلك الشّائبة ويجعل تلك الجذور حقيقة يقينيّة. فما طبيعة هذا الدّليل وكيف وُجد على السّطح؟
اقرأ المزيد
المقال الأول: الجبالُ أوتادٌ الجزء الثّالث: الموجات الزلزالية «ترى» جذور الجبال : 167 - 2021/06/03
بعد التّدقيق اللّغوي، في الجزء الأوّل من هذا المقال، في المعنى الأصلي للجذر «وتد» والذي يشير الى جسم مغروز في الأرض بإحكام لغاية التّثبيت لجسم آخر، بدأنا في الجزء الثّاني تتبّع تطوّر المفاهيم والتّصورات المتعلّقة ببنية الجبال منذ التّخمينات العلميّة الأولى في القرن السّابع عشر وصولا الى النّماذج المقترحة في القرن التّاسع عشر والقائمة على فرضيّة أنّ الجبال تشكّل جزءا لا يتجزأ من قشرة صخريّة تطفو على طبقة الوشاح التي تسلك سلوك السّوائل على نطاق زمني يمتدّ ملايين السّنين. وقد رأينا أنّ تلك النّماذج واجهت مشكلة اللاّتعيّن في الدّراسات الفيزيائيّة لباطن الأرض، والتي تفيد أنّه يمكن تفسير عدم تطابق نتائج القيس بنتائج الحسابات النّظريّة بعدد كبير من النّماذج المختلفة لهذا الباطن. لذلك صار ملحّا على العقل العلمي البحث عن وسيلة أخرى للتّأكد من النّموذج الأقرب للحقيقة المخفيّة والمتعلّقة أساسا ببنية الجبال. سنعرض في هذا الجزء الثالث الأداة الفعّالة التي حسمت الأمر والمتمثّلة في تقنية الاستشعار الزّلزالي السّيزمي(Exploration sismique). لقد مكنت العلماء فعلا من «تصوير» باطن الأرض واظهار الطريقة التي تتوزع بها الصّخور تحت الجبال وبقيّة أشكال التّضاريس الأخرى.
اقرأ المزيد
المقال الأول: الجبال أوتاد - الجزء الثّاني: نموذج القشرة الأرضيّة الطّافية فوق الوشاح : 166 - 2021/05/06
تبين لنا حسب قواميس اللّغة العربيّة أنّ الوتد هو جسم صلب جزء منه مغروز في الأرض بينما يعلو الجزء الآخر سطحها وأنّه ثابت ومثبّت. خاطب القران العرب بما يفهمون. قال لهم أنّ الجبال مغروزة في الأرض، وأنبأهم بأنّها مثبّتة لها أيضا وذلك من خلال ما فهموه من بعض الآيات التي ذكرت فيها الرّواسي، فصدّقوا ولم يكن بمقدورهم التأكّد من ذلك. فماذا يقول العلم الحديث عن بنية الجبال ووظيفتها؟
اقرأ المزيد
الجبال أوتادا الجزء الأول: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) في اللغة والتفاسير : 165 - 2021/04/01
تعتبر الجبال بالنّسبة لمقياسنا الزّمني ملامح دائمة على سطح الأرض. لذلك ظنّ الإنسان أنّها خالدة ومظاهر مستقرّة لهذا السّطح. غير أنّنا نعلم اليوم أنّ «مظاهر الدّوام وهم سببه قصر زمن حياة الإنسان على الأرض»(1). فالجبال التي تمثّل أحد أهمّ معالم سطح الأرض، مثلها مثل الصّحاري والمحيطات، تنشأ وتتطوّر ثم تزول. لم تكن هذه الحقيقة الطّبيعيّة واردة إطلاقا في أذهان المتعلّمين زمن ظهور الرّسالة الإسلاميّة فضلا عن العامّة، وذلك في بداية القرن السّابع ميلادي بالجزيرة العربيّة. ورغم ذلك فقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم ما يقرب من أربعين مرّة (6 مرّات بالإفراد و33 مرّة بالجمع). كما استعمل القرآن كلمة رواسي 9 مرّات وهو لفظ على وزن فواعل يعني جمع الكثرة، ولم يستعمل راسيات في علاقة بالأرض، وقد نسب المفسّرون لفظ الرّواسي الى الجبال باعتبار أنّ القرآن قال إنّ الجبال أرسيت (2) . وما يثير الاهتمام حقّا هو دعوة القرآن صراحة الى النّظر في الكيفيّة التي نصبت بها الجبال -من ناحية-وتناوله لصفاتها ووظائفها وخصائصها
اقرأ المزيد
دحو الأرض: المداحي الجليدية : 158 - 2020/09/03
يخضع وجه الأرض باستمرار الى عمليّات تفكيك الأساس الصّخري، وتعرية المنحدرات، ونقل المواد المزالة بالماء أو بالرّيح أو بفعل الجاذبيّة، إذ تدفع المواد الصّخريّة المزالة بالمياه والرّياح الى أماكن منخفضة كالبحار و المحيطات، لتتراكم فيها وتترسّب. تُعرف العوامل القائمة بتلك العمليّات في الأوساط الأكاديميّة بعوامل التّجوية والتّعرية والانجراف. تعتمد عوامل الانجراف أساسا على المياه في حالتها الصّلبة (الجليد) أو السّائلة، كما تلعب الرّياح دورا مهمّا وكلّ ذلك حسب المناخ السّائد. وبما أنّ من نتائج تلك العوامل المسلّطة على وجه الأرض الصّخري هو النّزع والتّنحية والتّقشير للصّخور النّاتئة والدّفع بمواد التّقشير ورميها وجرّها وإلقائها بعيدا عن الموضع والميل الى جعل المكان مستويا بعدما كان متضرّسا، فإنّه يحقّ لنا أن نسمّي تلك العوامل عوامل دحو عوضا عن المصطلح الذي عُرفت به، لأنّ الدّحو -كما بيّنا في مقال سابق (أنظر العدد 144)- يتضمّن معاني الإزالة والنّقل والتّسوية وهو أوسع من معنى الجرف؛ وعمليّة الدّحو عمليّة طويلة الأمد، فدحو جبلٍ وتسويته بالأرض يتطلّب عشرات ملايين السّنين (40 مليون سنة مثلا). وهذا يجعل التّساؤل التّالي مشروعا: إذا كان عمر الأرض يفوق 4000 مليون سنة، فلماذا لم تنجح عوامل الدّحو خلال ذلك الدّهر السّحيق في تسوية سطح الأرض (أي سطح اليابسة) بالكامل؟ والجواب أنّ الأرض كوكب «حيّ»، تتغيّر تضاريسه باستمرار بفعل القوى الباطنيّة البنّاءة للتّضاريس والخارجيّة المزيلة لها. فالأولى تبني الجبال إمّا بدفع الكتل القارّية في مواجهة بعضها البعض بالاصطدام و إمّا بالتّدفقات البركانيّة فتشكّل كتل قارّية جديدة وتشوه سطح الأرض، والثّانية تدحوها.
اقرأ المزيد
دحو ٱلأَرْضِ (3/4) : 144 - 2019/07/04
تخبر الآية 30 من سورة النازعات، أنّ الله تعالى دحا الأرض بعد أن بنى السّماء برفع سمكها وتسويتها وبعد إغطاش ليلها ‏وإخراج ضُحاها وذلك في الآيات الثّلاث التي سبقتها. وتعتبر هذه الإشارة الواضحة الى كون دحو الأرض سبقته عمليّة بناء السّماء ‏عنصرا أساسيّا لفهم عمليّة الدّحو ذاتها، وهو ما جعلنا نفكّر طويلا في الأمر ودفعنا الى التّسليم بفرضيّة عمل مفادها أنّ السّماء ‏المعنيّة بالموضوع هي الغلاف الغازي المحيط بالأرض.
اقرأ المزيد
دحو الأرض(2)‏ : 143 - 2019/06/06
تناولنا في الجزء الأول الصّادر بالعدد 142 من المجلّة لفظ «الضّحى» في اللّغة وفي الاستعمال القرآني. وقد توصّلنا الى نتيجة هامّة ‏مفادها أنّ كلمة «الضّحى» وردت في القرآن بالمعنى الحرفي لها أي أكمل أجزاء النّور في الضّياء والصّفاء، وهذا منتظر، وأنّ الآيات ‏التي وردت فيها تفسير لظاهرة الضّحى وذلك عندما تمّت إضافتها في موضعين في القرآن مرّة الى السّماء في الآية 27 من سورة ‏النّازعات وهي موضوع بحثنا ومرّة الى الشّمس في الآية الأولى من سورة الشّمس وهذا اكتشاف. والدّليل على ذلك أنّ العلم الحديث ‏توصّل الى إرجاع ضياء النّهار الى تفاعل أشعّة الشّمس بالغلاف الغازي المحيط بالأرض. وهذه النّتيجة لا تستقيم طبعا الاّ إذا ‏افترضنا أنّ السّماء جاءت بمعنى الغلاف الغازي المحيط بالأرض وهو ما فعلناه. وإذا كان الأساس الأول للافتراض هو لغوي ‏باعتبار أنّ السّماء في معناها المعجمي اسم مشتق من أصل يدلّ على العلوّ والارتفاع، والغلاف الغازي لا يشذّ عن هذه الحقيقة ‏المشاهدة فهو موجود في الأعلى، فإنّ الأساس الثّاني هو ما تضمّنته الآيات 27 و28 و29 من إشارات سنواصل الكشف عن ‏مضمونها اللّغوي والعلمي في هذا الجزء الثّاني وسلاحنا الوحيد لذلك هو إرجاع الكلمات الى معناها الأصلي وعرض الآيات الواردة ‏فيها على الحقائق العلميّة.‏
اقرأ المزيد
دحو الأرض(1/3)‏ : 142 - 2019/05/02
في المقالين الصّادرين بالعددين 140 و141 من المجلة بيّنا على التّوالي أنّ في القرآن دعوة للنّظر في الكيفيّة التي اكتسبت بها ‏الأرض سطحها وأنّ المدّ هو آليّة من الآليّات التي يشير اليها القرآن، حسب فهمنا بالطّبع، كعنصر من عناصر الإجابة على ‏التّساؤل المتعلّق بالكيفيّة التي تشكّل بها هذا السّطح. نواصل في هذا الجزء الأول من مقال بثلاثة أجزاء عنوانه «دحو الأرض» ‏تدبّر الآية 30 من سورة النّازعات والمتعلّقة بدحو الأرض في نفس السّياق الذي تناولنا فيه آيات المدّ وآية التّسطيح، أي اعتبار ‏الأرض المعنيّة بالدّحو هي القشرة الأرضيّة نفسها وليس كوكب الأرض، لنبيّن أنّ الدّحو هو أيضا آليّة مورست على سطح تلك ‏القشرة لتعطيها الحالة التي هي عليها الآن. وبما أنّ في الآية إشارة الى ما قبل الدّحو، كان لا بدّ من تدبّرها على أنّها تشير الى ‏ظاهرة متكاملة أي أنّ ذكر الما قبل لا بدّ وأن يكون بعلاقة بالدّحو. وهذه الآيات التي تأتي في سياقها آية الدّحو : « أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ ‏السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا‎ (28) ‎وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا‎ (29) ‎وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا‎ (30) ‎أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا ‏وَمَرْعَاهَا‎ (31) ‎وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا‎ (32) ‎مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ‎ (33) ‎‏» (سورة النازعات).
اقرأ المزيد
مَدُّ ٱلأَرْضِ : 141 - 2019/04/04
بيّنا في المقال المعنون « أفلا ينظرون... َإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» الصّادر بالعدد 140 من المجلة أنّ للأرض سطحا ولكنّها ليست ‏سطحا لأنّ «السّطح الحقيقي: هو الذي يقبل الانقسام طولًا وعرضًا، لا عمقًا» حسب الجرجاني (ت 471 ه) وأنّه لا وجود لسطح بلا ‏جسم وهو ما جعل السّيوطي يقول إنّ السّطح « لا يدرك بالحسّ الاّ مع الجسم». واكتشفنا أنّ القول بأنّ جسما ما إذا وصف بأنّه ‏مسطّحا فهو يعني إمّا أنّه ملقى على سطح الأرض أو أنّ أعلاه الممتدّ معه فيه استواء. وقدّمنا الدّليل ‏العلمي على أنّ للأرض سطحا وهذا ليس بديهيّا في الكون المعروف إذ لا سطح للنّجوم وهي المكوّن الأساسي فيه ولا سطح أيضا ‏للكواكب الغازيّة وهي كثيرة. لذلك يكون معنى الدّعوة للنّظر في الكيفيّة التي سُطحت بها الأرض دعوة للنّظر في الكيفيّة التي ‏اكتسبت بها الأرض سطحها سواء بالمعنى الأصلي الذي وضع له الجذر (سطح) وعندها يكون موضوع النّظر هو الكيفيّة التي ‏تشكّلت بها معالم سطحها أي التّضاريس كالجبال والسّهول والمنخفضات الملآى بالمياه كالبحار والمحيطات وغيرها، أو بالمعنى ‏الذي يُستعمل عند القول بأنّ للبيت سطحا وعندها يكون موضوع النّظر هو ما اصطلح على تسميته حديثا القشرة الخارجيّة للأرض ‏فهي سطح الأرض بأتمّ ما في الكلمة من معنى. وقد توصّلت العلوم الحديثة الى أنّ تشكّل أعلى القشرة الصّخريّة والقشرة بذاتها ‏ظاهرة قابلة للفهم والتّفسير وفق نظريّة موحّدة هي نظريّة تكتونيّة الصّفائح والتي سيكون لها في هذا المقال حظّ من التّناول.
اقرأ المزيد
أفلا ينظرون... َإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ!‏ : 140 - 2019/03/07
‏ كثرت المواقع في وسائل الاتصال الاجتماعية التي تدّعي بأنّ في القرآن عشرات الآيات التي تقول إنّ «الأرض مسطّحة» ‏ويريدون به شكلا محدّدا للأرض يتمثّل في قرص أو صحن بالرّغم من أنّ مصطلح «الأرض مسطّحة» غير قرآني أصلا. ‏والملاحظ في تلك المواقع أنّها تُدار من طرف شباب في توجّه واضح للتّأثير في شريحة الشّباب خاصّة.‏‎ ‎تعتمد الأفكار المروّج لها ‏على التّفاسير القديمة أساسا ويرفع أصحاب تلك المواقع شعار الدّفاع عن القرآن الذي يدّعون أنّه يقول «صراحة» بأنّ الأرض ‏شكلها كالصّحن ويصرّون على أنّ كرويّة الأرض هي خدعة. وفي المقابل هناك مواقع تعمل على نشر فكرة أنّ القرآن مكتوب من ‏طرف إنسان وتقول إنّه لا غرابة أن تتناقض آياته مع العلم، وهي أيضا تعتمد على ما في التّفاسير القديمة وما يروّجه البعض ممّن ‏يدّعون الدّفاع عن القرآن من أنّ كروية الأرض خدعة تتناقض مع ما في القرآن من حقائق تتعلّق بشكلها وهي حقائق لا يرقى إليها ‏الشّك حسب زعمهم. ينطلق كلاّ التّيارين أساسا من الآية 20 من سورة الغاشية «وإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» وهي موضوع بحثنا ‏في هذا المقال ويرون أنّ الآيات التي تقول بـ «مد» الأرض و«دحوها» و«طحوها» وأنّها «بساط» و«فراش» و«مهاد» كلّها تؤكّد زعمهم ‏بأنّها مسطّحة أي أنّ شكلها كالصّحن أو ما يشبه ذلك.‏
اقرأ المزيد
السماء والطارق «الجزء الأخير» : 138 - 2019/01/03
بيّنا في الجزء الثالث من هذا المقال أنّ أصل الطّرق هو ضرب الأرض بالأرجل ومنه جاء الطّريق. واصطدام الأقدام بسطح ‏الأرض الصّخري ينتج صوتا أي طرقا ويحدث أيضا تغيرا لحالة الجسم المضروب أي سطح الأرض فيصبح حينها مطروقا. ‏تتميّز حالة الجزء المطروق من سطح الأرض عن الحالة التي كان عليها من قبل الطّرق باقتراب مكوناته الصّخرية من بعضها ‏البعض وتجمّعها بشدّة وهو ما يجعلها شديدة الصّلابة بعدما تفتّت بفعل الدّوس بالأرجل وتراكب بعضها على بعض بإحكام وقوّة. ‏فالطّارق وهو يضرب الأرض بالأرجل يصدر صوتا ويحوّل مع الوقت كتلة من الصّخور من كثافة الى كثافة أكبر فأكبر بتفتيت ‏مكوّناتها وتقليص الفضاء بين أجزائها المفتّتة، فتصبح مطروقة وتعطي طريقا. وما يجب اضافته في بداية هذا الجزء الرّابع من ‏المقال أنّ ضرب الأرض بالأرجل هو في الحقيقة عمل غير إرادي وإن بدا غير ذلك، إنّه سقوط للرّجل على الأرض بفعل الجاذبيّة، ‏ويكفي للتّأكد من ذلك أن نتذكّر ما يحدث عندما نكون نمشي وتعترضنا حفرة أو أيّ منخفض بالنّسبة للمستوى الذي كنّا نسير عليه ‏ولم نكن نعلم بذلك. إنّ رجلنا تسقط فيه والدّليل على ذلك أنّ جسمنا يرجّ رجّا حتّى وإن لم يكن عمق الحفرة كبيرا. إنّ ذلك يعني أنّ ‏المشي هو سقوط حقيقي تتكفّل به الجاذبيّة الأرضيّة ولكن تعوّدنا عليه منذ الصّغر يجعل هذه الحقيقة الفيزيائيّة غائبة عنّا. ‏ في هذا الجزء سنسعى للإجابة على هذين السّؤالين الأساسيين: هل هناك نجم طارق بالمعنى الحقيقي للكلمة أي نجم يكثّف المادّة ‏بفعل الجذب الثّقالي كما رأينا في تحليل الحقل الدّلالي للفظ الطّرق؟ وهل بمقدور هذا النّجم أن يثقب السّماء؟
اقرأ المزيد
السماء والطارق ‏«الجزء 3/4» : 137 - 2018/12/06
سنخصص هذا الجزء بالكامل الى معنى الجذر (ط ر ق) لما يكتسي من أهمية بالغة في التدبر العلمي للآيات القرآنية ﴿ وَالسَّمَاءِ ‏وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)‏‎ ‎‏﴾ من سورة الطارق. وفيه اجتهاد شخصي لمحاولة القبض على ‏المعنى الأصلي للطرق باعتماد تصور يربط الكلمة بتجربة حقيقية قديمة قدم الانسان وقدم اللغة. ومبرر ذلك ما اكتشفناه من ‏معان كثيرة عند تتبع الجذر في المعاجم اللغوية وافتقار الدليل عند القائلين بأصل محدد لمعناه ما عدا ما يستشهدون به من ‏أمثلة لاستعماله في اللسان العربي.‏
اقرأ المزيد
السماء والطارق «الجزء 2/3» : 135 - 2018/10/04
ذهبت التفاسير القديمة إلى أن الوصف القرآني «الطّارق» هو عام يشمل كلّ النّجوم أي أنّه ينطبق على جنس النّجوم باعتبار أنّ ‏النّجوم «تأتي» ليلا ويثقب ضوؤها ظلمته كما كانوا يعاينون. وحديثا، وبعد أن أصبح الإنسان يعرف الكثير عن حقيقة النجم، ‏ذهب المفسّرون الجدد في اتجاه المعارف الجديدة حيث اعتبر أغلبهم أنّ النّجوم النّابضة، وهي نجوم نيوترونيه شديدة التّضاغط ‏وتصدر إشعاعا راديويّا دوريّا، هي المراد بـ «الطّارق، النّجم الثّاقب» وقلّة رأت أنّ المراد هو الثّقب الأسود وهو «جرم» غريب ‏لا أحد يعرف طبيعة ما يحتوي وتقول عنه الرّياضيات أنّه «نقطة» عظيمة الكثافة ذات جاذبيّة لانهائيّة. فما هي مبرّرات ‏اتخاذ هؤلاء هذا المنحى في التّفسير؟ ‏
اقرأ المزيد
السماء والطارق ‏«الجزء 1/3» : 134 - 2018/09/06
يقسم تعالى بنجم محدّد بميزتين هما الطّرق والثّقب ‏‎:‎‏ «وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)»[3]. ذهبت ‏التّفاسير القديمة إلى أنّ الوصف القرآني هو عام يشمل كلّ النّجوم أي أنّه ينطبق على جنس النّجوم لاعتبارين اثنين أوّلا لأنّه يشاهد ‏ليلا وكلّ من جاء بليل فهو طارق، وثانيا لأنّ ضوءه يثقب ظلمة اللّيل. وحديثا وبعد إن اقترب الإنسان أكثر من إدراك حقيقة النّجم ‏ذهب المفسرون في اتجاه ثان حيث اعتبروا أنّ النّجوم النّابضة وهي نجوم نيترونيّة شديدة التّضاغط وتصدر إشعاعا راديويّا دوريّا ‏هي المراد بالنّجم الثاقب لأن نبضاتها تصلنا على شكل طرقات وضوؤها ساطع لدرجة أنّه قادر على ثقب الظّلام والوصول إلى ‏الأرض رغم المسافة الهائلة التي تفصله عنها‎.‎‏ كما أنّ هناك من اعتبر الثقب الأسود هو المعني بالآية.‏
اقرأ المزيد
مستقر الشمس «الجزء 5/5» : 132 - 2018/07/05
سنواصل الاستدلال على ما افترضنا أنّه مستقرّ الشّمس من خلال تحليل الصّياغة اللّغوية التي جاءت بها الآية موضوع البحث وذلك من خلال التّساؤلات التّالية. التّساؤل الأول الذي يمكن أن يُطرح هو، لماذا تجري الشّمس «لمستقرّ» وليس «الى مستقر»؟ يجوز لغة، كما قال ابن عاشور في التّحرير والتّنوير، أن تكون اللاّم في « لمستقر» لام التّعليل أي تجري لأجل أن تستقرّ. وهذا ما تقوله بالضّبط النّسبية العامّة. فالجريان يؤدّي بالشّمس الى الثّبات بالنّسيج الزّمكاني بعد تحوّل طاقتها الحركيّة الى أمواج ثقالة. إنّ الشّمس تجري لأجل أن ينتهي جريانها بالضّرورة الفيزيائيّة فتثبت كما ينتهي سير المسافر إذا بلغ مكانه فيستقرّ فيه. إنّ تنزيل النّهاية منزلة العلّة مستعمل في كلام العرب وتطبيقا لذلك على الآية يكون الثّبات في النّسيج الزمكاني هو علّة الجريان أي أنّ الشّمس تجري لتسكن. فعلّة الجريان هو الاستقرار وغاية الجريان هو الاستقرار أيضا.
اقرأ المزيد
مستقر الشمس «الجزء 4/5» : 131 - 2018/06/07
تمثّل الآية الكريمة رقم 38 في سورة يس «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» خبرا إلهيّا عن الشّمس وحركتها وما ستؤول إليه. يهدف الدكتور نبيل غربال من وراء هذا العمل ( خمس حلقات) قراءة الآية الكريمة على ضوء المفاهيم والمعطيات العلميّة الحديثة مدفوعا برغبة جامحة الى تلبية حاجة معرفيّة لا تشبع الاّ بلغة العلم.
اقرأ المزيد
مستقر الشمس «الجزء الثالث» : 130 - 2018/05/03
تصوّر أنّ لك منزلا مساحته 200 متر مربّع وارتفاعه 3 أمتار فكم يكون حجمه؟ الإجابة سهلة ولا تتطلّب إلاّ معرفة تلميذ في السّنة الرّابعة ابتدائي. إنّه 600 متر مكعّب. لكن هل يمكن أن تتصّور أنّ أحد البيوت يمكن أن يتضاعف حجمه ملايين المرّات بدون أن يتغيّر حجم المنزل أي أن يصير مثلا 600 مليون متر مكعّب وقد كان 60 مترا مكعّبا فقط. بالطّبع لا. هذا أمر لا قبل لك ولا لنا أيضا تخيله. إنّ ذلك يعني أنّ فضاء البيت تمدّد أمّا فضاء المنزل فلم يتغير. تصوّر الآن أنّ هناك كرسيّين فقط في ذلك البيت، فهل يمكن أن تتوقّع ماذا يمكن أن يحدث لهما بعد ذلك التمدّد؟ وإن قلت لك أنّ الفضاء المتمدّد سيبعدهما عن بعضهما مسافة هائلة ستستغرب من قولي هذا لأنّ خبرتك اليوميّة ستقول لك بأنّ الكرسييّن سيبقيان في موضعهما فلا قدرة للفضاء حملهما حتى وإن صدقنا جدلا بإمكانيّة توسّعه. لكن ما علاقة مستقر الشّمس بهذه الاحداث التي لا يمكن تصديق وقوعها؟ فلنعد لصلب الموضوع ونرى.
اقرأ المزيد
مستقر الشمس «الجزء الثاني» : 129 - 2018/04/05
رأينا في الجزء الأول أنّ لمادّة (ق ر) في اللّسان العربي معنيين أصليين هما أولا التمكّن وما يعنيه من ثبات وسكون ودوام وثانيا البرد وهو ملازم للسّكون. والمستقرّ لغة يمكن أن يكون اسم مكان القرار أو اسم زمانه أو مصدرا ميميّا. فمن قال باسم المكان اعتبر المواضع القصوى لمشارق الشّمس ومغاربها وكذلك المواضع القصوى في كبد السّماء هي مستقرّات أما تشبيها لها بمستقرّات المسافر الذي يقطع مسيره عندها في حالة المشارق والمغارب أو ضنّا لتوقّف الشّمس الذي يوحيه البطء في حركتها عند الأوج والحضيض. أما القائلون بأنّ المستقرّ اسم زمان القرار أي الوقت والأجل الذي تجري اليه الشّمس ولا تتعدّاه، فيرون أنّه يوم القيامة. وهناك من ربط الزّمان بالمكان وقال أنّ المستقرّ هو الحدّ الذي تنتهي إليه من فلكها في آخر السّنة.
اقرأ المزيد
مستقر الشمس (ج1) : 128 - 2018/03/01
تمثّل الآية الكريمة رقم 38 في سورة يس «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) خبرا إلهيّا عن الشّمس وحركتها وما ستؤول إليه. نهدف من وراء هذا العمل قراءة الآية على ضوء المفاهيم والمعطيات العلميّة الحديثــة مدفوعين برغبة جامحة الى تلبية حاجة معرفيّة لا تشبع الاّ بلغة العلم. ربّما يسأل سائل وما فائدة ذلك؟ استحضر دائما عندما يطرح هذا الســؤال، تجربــة إبراهيــم (ع) حين طلب من الله تعالــى أن يريه كيف يحيي الموتى وذلك لكي يطمئن قلبه. ومع الزّيادة في الايمان التي يولدها ذلك الاطمئنان، فهناك سبب آخر يتمثّل في أنّ الإنســان «مخاطب بالاعتبار بما بلغه علمه» كما قال ابن عاشور في معرض تفسيره لهذه الآية. ويعني ذلك أنّ الإنســان عندما يقرا آيات تشير الى ظواهر طبيعية أدلى العلم الحديث بدلوه في شأنها ويكون له نصيب لا بأس به من المعرفة المتعلّقة بحقائقها فلا يمكن له أن يقرأ تلك الآية بدون أن يتدبّرهــا وأن لا يكون له رأي فيما قيل في شأنها بــل والأفضل من كــلّ ذلك أن يكون التّدبــر العلمي للقرآن دائمَ الحضور سواء كان موضــوع الآية قد وقع تناوله علميا أو لا، إذ لا مانع من ذلك سوى الالتزام الدّقيق بما تقتضيه اللّغة.
اقرأ المزيد
مواقع النجوم :جدلية اللغة والمعارف العلمية (ج2) : 125 - 2017/11/30
رأينا في المقال السّابق أنّ المادّة «وقع» تدلّ في الأصل على السّقوط والتّثبت. وبيّنا أنّ التّفاسير القديمة التزمت بتلك المعاني واعتبرت ما كان يبدو حقيقة أي حركة النّجم عند الغروب وقوعا. سنواصل في هذا المقال عرض ما قيل في الحاضر حول الكلمة القرآنيّة «مواقع النّجوم» لنقترح ما نراه تأويلا أكثر قربا للحقيقة الفلكيّة وأوفى للمعنى الذي يقتضيه اللّسان العربي. ونبدأ بتلخيص لما وجدناه في تفسير النكت والعيون للماوردي (ت 450 هـ) عن مواقع النّجوم وهي ستة أقاويل«:أحدها: أنّها مطالعها ومساقطها، قاله مجاهد.الثاني: انتشارها يوم القيامة وإنكدارها، قاله الحسن.الثّالث: أنّ مواقع النّجوم السّماء، قاله ابن جريج. الرّابع: أنّ مواقع النّجوم الأنواء التي كان أهل الجاهليّة إذا مطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا، قاله الضّحاك، ويكون قوله: { فلا أقسم } مستعملاً على حقيقته في نفي القسم بها.الخامس: أنّها نجوم القرآن أنزلها الله من اللّوح المحفوظ من السّماء العليا إلى السفرة الكرام الكاتبين في السّماء الدّنيا، فنجّمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجّمه جبريل على محمد صلّى الله عليه وسلّم عشرين سنة، فهو ينزّله على الأحداث في أمّته، قاله ابن عباس والسّدي. السّادس: أنّ مواقع النّجوم هو محكم القرآن، حكاه الفراء عن ابن مسعود»
اقرأ المزيد
مواقع النجوم : جدلية اللغة والمعارف العلمية (ج1) : 123 - 2017/10/05
يمثل المقال محاولة علمية لفهم ما يمكن أن تكون دلالة الآيتين 75 و76 من سورة الواقعة « فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» أما موضوعه فهو «مواقع النجوم» وهو موضوع «عظيم» كما تؤكده الصيغة التي ورد بها. لقد كان للعرب أسلوب في تعظيم الخبر والتأكد من صحته، فيقسمون به لكي يصدّق السّامع. إنّ «لا» النّافية يمكن أن تأتي في اللّسان العربي إذا لتأكيد القسم وتقويته لا نفيه. وجريا على ذلك الأسلوب أقسم الله تعالى بالعديد من الأشياء وهو الغني عن ذلك. ورغم أنّ في القرآن الكريم عشرات آيات القسم لكن الذي يدعو للانتباه في القسم الإلهي في الآيتين موضوع البحث هو: أولا «لا» النافية وثانيا التنويه بشأن القسم، إذ أضاف سبحانه بأنّه عظيم. وللتّذكير فقد وردت صيغة «لا أقسم» 8 مرّات في القرآن الكريم إلاّ أنّه في آية واحدة فقط خصّص القسم بالتّعظيم. وهذه الآيات التي يؤكد فيها القسم بصيغة لا النّافية : «فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ»، « وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ»(1)،« فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ» (2)، «فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ»(3)،«لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ»(4)، «فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ»(5)، «فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ * وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ»(6) «لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ» (7)
اقرأ المزيد
السماء بناء (2 من 2) : 121 - 2017/08/03
يتّفق العلماء اليوم على أنّ الكون هو بالتّعريف كلّ ما يوجد ونعرفه الآن أو سنتعرّف عليه مستقبلا. وللتّدقيق فإنّ ما يعتبر موجودا عند العلماء هو ذلك الذي يمكن أن يكون موضوعا للمنهج العلمي وحتّى إن عجزوا على إخضاعه للمقاربة العلميّة، فسيظلّ الجهد النّظري (بناء النّظريات التّفسيرية) والتّقني (بناء الأجهزة القادرة على إخضاع الظّاهرة للقيس) لهؤلاء العلماء منصبّا لأجل ذلك لأنّ أساس العلم الحديث هو البرهان التّجريبي. لا يعني هذا أنّ كل ما لا يكون قابلا للدّراسة العلميّة هو غير موجود، بلى ولكن عند تكوين صورة للكون فإنّنا لا نجد له موقعا فيه.
اقرأ المزيد
السماء بناء : 120 - 2017/07/06
نسعى في هذا المقال إلى قراءة علمية لبعض الآيات القرآنيّة المتعلّقة بالبناء السّماوي. سنركّز على التّعريف بهذا البناء من منظور علمي حديث وسنحاول استكشاف المخزون العلمي لبعض المفردات القرآنيّة الواردة في تلك الآيات والتي نعتبرها أساسيّة في تحديد ملامح «التّصور القرآني»، إن جاز التّعبير، لظاهرة البناء السّماوي مثل رفع السّماء، ووضع الميزان، وتوسيع السّماء لننتهي إلى قراءة بعض آيات أخرى تتناول نفس الموضوع على ضوء ما سنتوصّل إليه من نتائج.
اقرأ المزيد
التنجيم :الأوهام والحقائق (3/3) : 115 - 2017/02/02
نواصل في هذا الجزء الثالث والأخير توضيح موقفنا من التّنجيم وقراءة «الحظّ». وسنبيّن ما هي القوى الفيزيائيّة التي تؤثّر فينا وكيف يحدث ذلك بعدما نواصل توضيح الظّواهر الفلكيّة التي يعتمدها المنجّمون لبناء تنبؤاتهم. ثلاثة عشر برجا وليس اثنتا عشر رأينا في المقالين السّابقين أنّ البرج هو كوكبة من النّجوم أي مجموعة من النّجوم تبدو مسقطاتها على صفحة السّماء وكأنّها منظومة متماسكة وهو وهم ناتج عن عدم قدرتنا على إدراك البعد الثالث في الفضاء المترامي الأطراف. كما أكّدنا على أنّ الأبراج التي تمثّل المادّة الفلكيّة للمنجّمين هي الكوكبات التي توجد في المسار الظّاهري للشّمس والقمر. وأوضحنا أنّ الأرض عند دورانها حول الشّمس فإنّ هذه الأخيرة تبدو لنا أنّها تنتقل من برج إلى برج. لم يعدّد الأقدمون إلا 12 برجا أي أنّهم لم يروا سوى 12 كوكبة تتحرّك خلالها الشّمس على مدار السّنة. لكن لو دقّقنا رصدنا للمسار الظّاهري للشّمس لتبيّن لنا أنّ في الفترة الممتدّة من 29 نوفمبر إلى 17 ديسمبر لا توجد كوكبة وراء الشّمس أي أنّ النّجوم التي توجد باتجاه الشّمس في تلك المدّة الزّمنية خافتة لدرجة أنّ واضعي الخرائط الفلكيّة (الكوكبات النّجومية) الأولى لم يحدّدوا كوكبة بين برج العقرب وبرج القوس. ولو سلمنا بالتّعريف الذي يعتمده المنجّمون لتحديد برج أو شارة المولود فإنّ مواليد تلك الفترة الممتدة من 29 نوفمبر إلى 17 ديسمبر غير معترف بهم باعتبار أنّ لا برج لهم. إنّهم حقا «محظوظون»!!!.
اقرأ المزيد
التنجيم :الأوهام والحقائق (2/3) : 114 - 2017/01/05
التنجيم هو النّظر في النّجوم والكواكب والقمر ومواقعها النّسبيّة. والمنجّم هو الذي ينظر في مطالع النّجوم ومواقع الكواكب والشمس والقمر في القبّة السّماويّة في زمن معيّن مستهدفا من ذالك، كما يدّعي، التّنبؤ بمصائر ومستقبل الأحداث المتعلّقة بالإنسان والأرض والتّعرف على خاصّيّات الأفراد السّلوكية والنفسيّة والمزاجيّة.
اقرأ المزيد
التنجيم :الأوهام والحقائق (1/2) : 113 - 2016/12/08
لا تخلو تقريبا صحيفة يومية أو أسبوعية من ركن «الحظ». وعند نهاية كلّ سنة ميلاديّة وبداية أخرى يلاحظ بيسر طغيان موضوع التّنجيم على الإعلام المقروء من خلال ما تبرزه الصّحف اليوميّة والأسبوعيّة في صفحاتها الأولى من عناوين وصور مثيرة تتعلّق بالحظّ بحثا عن مزيد من الرّبح خاصّة. كما تسعى بعض الفضائيات لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين بالإكثار من البرامج التي تتناول موضوع الحظ واستدعاء المنجّمين والعرّافين وتقدمهم «كخبراء» و«مختصّين» ليقدّموا تنبؤاتهم «الفلكيّة» للأفراد والجماعات فيما يتعلّق بمستقبلهم سواء العاطفي أو المهني. ولا نستثني الإعلام الإذاعي الذي يخصّص بدوره برامج قارّة للأبراج والحظّ.
اقرأ المزيد
السماوات والأرض- 3 : 111 - 2016/10/06
يمثل هذا المقال الجزء الثالث والأخير لمحاولة قراءة علمية للآيات التّالية من سورة فصّلت «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (*) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (*) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (*) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» (1).
اقرأ المزيد
السماوات والأرض (2) : 109 - 2016/08/04
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (*) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (*) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (*) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» (1) يعتمد العلماء على نظرية تكتونية الصفائح لفهم وتفسير الأرض ماضيا وحاضرا ومستقبلا من خلال رصد ما يعتمل بداخلها من تيّارات حراريّة صاعدة ونازلة وما يظهره وجهها من تضاريس. وقد توصلوا إلى أن تلك الديناميكية الباطنية تفسر الأحداث الجيولوجية التي تظهر على السطح مثل الزلازل وحركة الكتل القارية والبراكين والجبال وغيرها.
اقرأ المزيد
السماوات والأرض : 108 - 2016/07/07
نسعى فـــي هذا المقــال إلى محاولــة فهم الآيـــات 9, 10, 11 و 12 من سورة «فصلت» وخاصّة مسالة خلق السّماوات والأرض من خلال التّساؤل أوّلا عن المعاني اللّغوية التي تحيل إليها تلك الآيات في علاقة خاصّة بـ «الأرض» و«الرواسي» و«اليوم» و«السماء» و«السماوات» و«الدخان» من جهة وما يقوله العلم الحديث في كلّ ذلك من جهة أخرى.
اقرأ المزيد
الثوابت الفيزيائية والتقدير الإلهي (2-2) : 106 - 2016/05/05
رأينا أن نظريّة «الانفجار العظيم» وهي السّائدة الآن حول نشأة الكون تقول بأنّ هذا الأخير كان لحظة الخلق في حالة حارّة جدّا ومضغوطا في «حيز» أصغر بكثير من حجم الذرة الواحدة. «انفجرت» تلك الحالة معلنة انبثاق الكون وكان الانفجار مصحوبا بضخّ كمّية فائقة من الطّاقة في الكون الذي كان ذا حجم غاية في الصغر. بدأ الكون منذ ذلك الزّمن السّحيق بالتّمدد إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن.
اقرأ المزيد
الثوابت الفيزيائية والتقدير الإلهي (1) : 105 - 2016/04/07
في سلسلة المقالات التي اخترنا أن نعنونها بـ«القرآن والسّماء» سيكون الجهد منصبّا على التّفاعل العلمي مع الآيات القرآنية التي تشير إلى الظّواهر الطبيعية والكونية وخاصّة تلك التي أصبحت موضوعا للبحث العلمي وتقدّم العلم أشواطا في دراستها. ليس الأمر بالنّسبة لي اختياريّا بل لديّ قناعة بأن ذلك واجب عقلا حتى يطمئن القلب للاعتقاد بأنّ الله موجود. وهذه ليست بدعة إذ أني اعتبر نفسي سائرا في الطريق التي خطّها إبراهيم عليه السّلام. فرغم صعوبة المقارنة بين تجربتي الإيمانيّة المتواضعة وتجربة إبراهيم الخليل الأكثر عمقا وثراء والأوسع أفقا، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع أبو الأنبياء أن يطلب من الله دليلا حسّيا على بعث الموتى. فكما يمثل بعث الموتى لإبراهيم دليلا على وجود الخالق وقدرته على كل شيء، فإنّ عدم تناقض الآيات القرآنية مع الحقائق العلميّة واستيعاب معانيها للفتوحات العلميّة المتجدّدة دليلا من نوع آخر على المصدر الإلهي للقرآن وبالتالي على وجود الله وذلك بالنّسبة لإنسان القرن الحادي والعشرين.
اقرأ المزيد
أمواج الثقالة:الزلزال الكوني : 104 - 2016/03/17
يمثل حدث الكشف المباشر لأمواج الثقالة والذي أعلن عنه يوم 11 فيفري 2016 فاتحة عهد جديد لعلم الفلك بصفة عامّة وعلم الكون بصفة خاصّة. وتعتبر أمواج الثّقالة التي تنبأت بها معادلات «اينشتين» في النّسبية العامّة منذ العام 1915، أمواجا زلزاليّة حقيقيّة ترجّ النّسيج الكوني رجّا سواء جزءا منه أو بأكمله كما ترجّ الزلازل الأرضيّة الأرض. وكما مكّنت الزّلازل الأرضيّة العنيفة من سبر أغوار الأرض وقدّمت لنا معلومات لا قبل لأيّ أداة سبر أخرى من تقديمها، فإنّ أمواج الجاذبية الثّقالية ستفتح نافذة جديدة على أعنف الأحداث الفلكيّة وعلى المرحلة المبكّرة من تاريخ الكون عندما لم يكن باستطاعة الضّوء التّنقل بحرّية ومدّنا بأخبار ما حدث آنذاك. فما هي أمواج الثّقالة وماذا يمكن لها أن تضيف لنا من جديد عن الكون ويعجز عنه الضّوء؟ ولكن وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة وأخرى بعلاقة معها سنبدأ المقال بلمحة بسيطة عن الزّلازل الأرضية ليتبيّن فيما بعد وجه الشّبه بين الظّاهرتين من حيث طبيعة الموجة من ناحية وقدرة كلّ واحدة أيّ الأمواج الثّقالية والأمواج الزلزاليّة على إخبارنا على بنية الكون والأرض بالتّوالي من ناحية ثانية.
اقرأ المزيد
السماء/الكون : 99 - 2016/01/08
لا يمكن تناول مسالة السماء والسماوات وهي ألفاظ عربية ومصطلحات قرآنية وما يمكن أن تعنيه بعلاقة بالكون، أي بكلّ ما هو معروف وما يمكن أن يعرف مستقبلا، من دون أن نبدأ بالتّذكير بالصّورة التي توصل إليها الإنسان عن الوجود (العالم، الكون) وهي الصّورة التي حاولنا تناول أهم جوانبها في سلسلة المقالات السّتة عشر الصّادرة بمجلة الإصلاح (الأعداد من 81 إلى 97 ). تلعب قوة الجذب ألثقالي التي تسلّطها كتل الأجسام المادية على بعضها البعض الدّور الرئيسي في بنية الكون. وقوة الجذب ألثقالي هي التي بفضلها نحافظ على بقائنا فوق الأرض إذ بانعدامها سوف لن يمنعنا أحد من التّحرك بعيدا عن الأرض ولن يقرّ لنا حينها قرار. كان «نيوتن» يعتقد بأنّ الكون فضاء لانهائي تتحرّك فيه الأجرام السماوية بتأثير من قوّة جذب طبيعيّة تحدثها كتلها على بعضها البعض وهي نفس القوّة التي تحفظ بقاءنا على سطح الأرض. ويفيد قانون الجاذبية العام الذي صاغه نيوتن والمعروف بقانون «التربيع العكسي» أنّ كلّ الأجسام تتجاذب تجاذبا يزداد بتزايد كتلها وينتقص بتزايد مربع المسافة الفاصلة بينها. ورغم أنّ مدى هذا التّجاذب لانهائي فإنّ شدّته ضعيفة جدّا.ولكي يصف دوران الأرض حول الشّمس مثلا، قال «نيوتن» أنّ كتلة الأرض تخضع إلى قوّة جذب ثقالي تسلطها عليها كتلة الشّمس وفقا لذلك القانون. أمّا في انعدام كتلة الشّمس فإنّ الأرض ستتحرك في الفضاء في مسار مستقيم. يفسّر ذلك القانون الجاذبية على الأرض مثل ظاهرة السّقوط التلقائي للأجسام نحو الأرض كما يفسّر حركة الأجرام السّماوية مثل مدارات الكواكب حول الشّمس ودوران الأقمار حول الكواكب. ورغم قدرة هذا التصوّر على ربط الأرض بالسّماء من خلال وحدة القانون الذي يسري تأثيره هنا وهناك، إلاّ أنّ بعض الملاحظات الفلكيّة كانت عصيّة على التفسير مثل عدم انتظام مدار كوكب عطارد وهو ما سيقع فهمه في إطار فهم جديد لظاهرة الجذب ألثقالي.
اقرأ المزيد
الإلحاد «العلمي» والظلم العالمي : 98 - 2015/12/25
في الحقيقة، فإنّ أوّل ما يجول بخاطري عند استحضار الرّسول الأكرم هو رسالة الأنبياء والرّسل الذين اختارهم الله والتي تتمحور أساسا حول الله الذي لا يُدرك بالحسّ ولا بالعقل. فالإنسان يعجز بطبعه على الإحاطة بالله لذلك شاءت العناية الإلهية أن تتدخّل لتذكير الإنسان بالله وبصفاته الخبرية والفعلية من ناحية ولتجيبه نهائيّا عن تساؤلات تتعلّق بالوجود والموت وما بعده. هذا فضلا عن التوجيهات الأخلاقية والقيمية والتي تشترك في أغلبها الرّسالات السّماوية وحركات الإصلاح الأرضيّة. و باعتبار أنّ «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ » (آل عمران - الآية 144) فإنّ رسالته هي امتداد طبيعي لمن جاء قبله كما قال تعالى «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء- الآية 25).
اقرأ المزيد
كون أو أكوان : 97 - 2015/12/11
تمثل المسافة المقدرة بقرابة 42 مليار سنة ضوئية أفق الرؤية الكوزمولوجية أي المسافة التي لا يمكن رؤية أي شيء وراءها أيا كان الموقع الذي نحن فيه. إنّها المسافة التي قطعها الضّوء منذ الانفجار العظيم أي وبمعنى آخر إنها مقدار تمدّد حجم الكون منذ الانفجار في أيّ اتجاه نرصده. لقد سبق وأن تناولنا الضّوء باعتباره الأداة الوحيدة القادرة على مدّنا بالمعلومات اللاّزمة عن ماضي الكون (انظر المقالات 8 و9 و10) وبناء على ذلك فإنّ كلّ ما يمكن أن يصلنا لا يستطيع أن يأتينا بسرعة أكبر من سرعة الضّوء ويتطلب طبعا مدّة زمنية محدّدة.
اقرأ المزيد
نشأة الكون : 96 - 2015/11/27
لقد انبثق الكون من «العدم» في اللّحظة «الصّفر». وخلال الجزء الأول من عشرة مليون مليار مليار مليار مليار جزء من الثّانية كان الزمان والمكان ممتزجان بلا انفصام. أما ماذا حدث قبل تلك اللحظة فلا إجابة. اللّحظة «الصفر» من أين جاءت اللّحظة الصّفر؟ سؤال أساسي يطرح عند الكلام في تاريخ الكون. لنذكر بأساس نموذج الانفجار العظيم. بني النّموذج انطلاقا من حقيقة مفادها أنّ المجرّات الموجودة خارج المجموعة المحليّة تبتعد عنا وذلك مهما كان اتّجاه الرّصد. تكفلت النّسبية العامّة بتفسير ذلك وقالت أنّ تلك الظّاهرة لا يمكن أن تفهم على أساس أنّ المجرات تتحرّك في فضاء لا مبال، بل وعلى مستوى تلك الأبعاد الكونية، فإنّ المفاهيم الجديدة للمادّة والطاقة والزّمن والفضاء تؤدّي إلى القول بأنّ الفضاء بين المجرّات يتمدّد وأنّ ما يبدو لنا فراغا كونيّا تتوزّع فيه المجرّات هو في الحقيقة نسيج خفيّ محكم البناء تقوم فيه الجاذبيّة الثقاليّة (أي تلك القوّة التي تجعل المادّة والطّاقة منجذبة لبعضها البعض ومتماسكة ) بدور الاسمنت المسلّح الذي يحفظ البناءات الضّخمة ويمنعها من الاختلال والانهيار. يحمل ذلك النّسيج المرن المجرّات التي تمثّل جزءا لا يتجزأ منه وعندما يتمدّد فإنّ المسافات بينها تكبر. حسنا، ولكن النّتيجة المنطقيّة لتبنّي ذلك التّفسير الذي تقدّمه معادلات النّسبية والتي وقع التّأكد من مصداقيتها هي أغرب من الخيال. فإذا سلّمنا بأنّ الفضاء يتمدّد فإنّ العودة بتلك الحركة إلى الماضي تعني ببساطة أنّ المجرّات ستكون قريبة أكثر فأكثر من بعضها البعض وأنّ حجم الكون سيتقلص أكثر فأكثر ولو تركنا المعادلات الرّياضية تصف لنا بقيّة «الحكاية» وسايرنا المنطق الرّياضي إلى مداه فإنّها، أي المعادلات الحسابية، ستوصّلنا إلى حالة لا يمكن تصوّرها أي إلى كون ذي حجم يساوي صفرا وذي كثافة لانهائيّة. عندها لا معنى لأيّ شيء حتى الزمن.
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج14 - تاريخ الكون : 95 - 2015/11/13
استقرّ الاقتناع بأنّ هناك من الأدلّة ما يكفي للقول بتمدد الكون ومروره في الماضي السّحيق بحالة كان فيها حارّا جدّا وكثيفا جدّا وصغيرا جدّا لدرجة أنّ كلّ المفاهيم التي لدينا الآن عن المادّة والطّاقة والزّمن والفضاء تفقد معناها وتعجز لذلك كلّ القوانين التي اكتشفناها عن تصوير ما حدث في تلك الحالة. ولكن فلنكن واضحين ولندقّق في ماذا يعني العلماء بالبداية عندما يتناولون تاريخ الكون؟ إنّهم يتكلّمون عن البداية الفيزيائيّة للكون أي تلك البداية التي باستطاعتهم أن يقدّموا لها تصوّرا تسمح به ترسانة القوانين المكتشفة إلى يوم النّاس هذا. إنّ البداية التي يقصدها علماء الكونيّات هي الحالة التي يكون فيها الكون قابلا للوصف. فما هي النّظريات العلميّة القادرة على السّفر بنا إلى ماضي الكون السّحيق وإعطائنا وصفا لما يمكن أن يكون عليه الكون منذ انبثاقه أي منذ أن اكتسب حالة يمكن إدراكها بخيالنا العلمي؟
اقرأ المزيد
بعض ألغاز الكون : 94 - 2015/10/30
يتّصف إشعاع الخلفيّة الكوني الميكروي الموجة الذي تبقى من الكون المبكّر الحارّ جدا بخصائص تسترعي الانتباه. أولا أنّه يأتي من كلّ الاتّجاهات وثانيا انّه يُظهر الخواص ذاتها في كل الاتّجاهات. إنّها خصائص يعبر عنها بمصطلح «ايزوتروبي» والذي يعني باليونانية «هو نفسه أينما استدار المرء». فالخلفيّة الإشعاعية للكون تظهر ايزوتروبيّة فائقة للعادة. ورغم أنّ الايزوتروبيّة أصبحت اليوم أمرا راسخا فالمعضلة التي تطرحها هو كيف يمكن تفسيرها. فالحسابات تبيّن أنّ العمليّات الفيزيائيّة التي أنتجت هذا الإشعاع والتي يمكن أن تعطي له نفس الخصائص في كلّ مكان في الكون تتطلّب حجما للكون يقدر بمليار سنة ضوئيّة وذلك من بداية التّمدد إلى الآن، لكن الأرصاد تعطي كونا متجانسا وبمقياس أكبر 14 مرّة تقريبا. وفي محاولة لتفسير ذلك اقترحت في بواكير الثمانينات من القرن الماضي فرضيّة «التّضخم» أو «الانتفاخ» inflation.
اقرأ المزيد
الانفجار العظيم : 93 - 2015/10/19
يعبّر مصطلح «الانفجار العظيم» عن أهم ما صيغ من مفاهيم وتصوّرات تتعلّق بالكون نشأة وبنية وصيرورة تاريخيّة. و«الانفجار العظيم» هو استعارة لوصف بداية الكون وهو في الحقيقة استعارة غير موفّقة كما سيتبيّن في هذا المقال لأنّها تحيل مباشرة إلى تصوّر حدث عنيف وقع في الفضاء وأدّى إلى ظهور الكون الذي نحن جزء منه ولنا القدرة على دراسته وهو ما لا تقول به النّظريات الفيزيائيّة المتعلّقة بالكون نشأة وتطوّرا. وإنّي أرى أنّ المصطلح يمكن أن يعبّر بأكثر مصداقيّة وبشكل مجازي طبعا عن «الانفجار» الذي نسف كل الأفكار التي كانت سائدة قبل أواخر العشريّة الثالثة للقرن الماضي والقائلة بسكونيّة الكون وأزليته.
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج11 - تضاريس الفضاء : 92 - 2015/10/02
حملت كلمتا «كون» و«عالم» المعارف الفلكيّة المعروفة في كل فترة من فترات التّاريخ البشري والمشتركة في موضوع واحد وهو «كلّ ما هو موجود وخاضع للتّصور والإدراك». ولكن وجب توضيح معنى كلمة «كون» أو بالأحرى تتبّع تطوّر المعنى الذي تحمله. لقد تطوّر فعلا مدلول كلمة «كون» إلى أن أخذ المعنى الحديث بمصطلح Univers. تدين مقدمات المقاربة العلمية الحديثة للظواهر الطبيعية لابن الهيثم الذي أسّس لمنهجية تقوم على الملاحظة الدّقيقة للظّاهرة المعنيّة بالبحث ومحاولة توفير الظروف الملائمة لإجراء بعض التّجارب لتفسيرها متجاوزا الطّريقة المكتفية بالمنطق العقلي المجرّد والتي اتّبعت منذ الإغريق . تبنّى «جاليلاي» تلك المنهجية وطبقّها على السّماء والأرض منطلقا من فرضيّة أنّ الكون يتكوّن من صنف من مادّة محكومة بقوانين «كونيّة» ثابتة وواحدة في كلّ مكان، (على الأرض وفي السماء) وكل زمان (اليوم و أمس وغد) ويمكن التّعبير عنها بلغة الرّياضيات.
اقرأ المزيد
البصمة الطيفية و كنز المعلومات : 91 - 2015/09/17
يتكون الضّوء الأبيض من مجموعة ألوان يمكن إبصارها في ظاهرة «قوس قزح». تمكن الإنسان، بعد اكتشافه للطّبيعة التموّجية للضّوء، من تحديد مجال التّرددات (أي أطوال الموجات باعتبار أنّ الموجة تعين بسرعتها وهي سرعة الضّوء في الفراغ وطول موجتها وتردّدها) للإشعاعات الممثّلة لتلك الألوان. تبيّن لاحقا أنّ الطّيف المرئي (ألوان قوس قزح) لا يمثّل سوى جزء بسيط من مجموع الإشعاعات الموجودة في الكون والتي يغيب أغلبها عن المشاهدة بالعين المجرّدة.
اقرأ المزيد
الانسان والسماء - 9 سرعة الضوء : 90 - 2015/09/03
وضع إذا «ماكسويل»، العام 1865، قوانين الكهربية والمغناطيسية في إطار نظري موحّد من خلال المعادلات التي أصبحت مشهورة باسمه وقدّم التّفسير العلمي لحقيقة الضّوء كتذبذبات لمجال كهربي ومغناطيسي. وقد ظهرت في معادلاته سرعة الضّوء التي يرمز لها بالحرف «c» . تمثل سرعة الضّوء ظاهرة طبيعيّة مراوغة باعتبار طبيعة الضّوء المراوغة في حدّ ذاتها، فهي تارة تموجيّة و تارة أخرى جسيميّة.
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج8 - لغة الكون : 88 - 2015/08/06
رأينا مع مقراب «جاليلاي» أنّ الضّوء الصّادر عن الأجرام السّماوية هو الذي جمعته العدسة بكمّية كافية لتستطيع عين الإنسان إبصار ما كان محجوبا عنها منذ آدم عليه السلام. لذلك يستحق الضّوء كظاهرة طبيعية تسليط «الضّوء» عليه باعتبار أنّه يمثّل اللّغة الوحيدة – كما سيتبين ذلك لاحقا - التي استطاع بواسطتها الإنسان سبر أغوار المادّة و الكون واستكشاف مكوناته وبنيته وحركتيه وحلّ بعض من ألغازه وأحاجيه مثل أزليته وحجمه وغير ذلك. فأبعاد الكون كما سنرى كبيرة جدّا ويستحيل الوصول أو حتّى الاقتراب من أقرب نجم من مليارات مليارات النّجوم التي يحتويها كوننا لدراسته مباشرة. فماذا عن ماهية الضّوء؟ وكيف تقع عملية الإبصار؟ وأيّ معلومات يمكن أن نستقيها من الضّوء القادم إلينا من الأجرام الموجودة في أعماق السّماء والماضي السحيق لتلك الأجرام؟ لنحاول تتبّع مفهوم الضّوء عبر التّاريخ باقتضاب نأمل ألاّ يخلّ بالغاية المرجوة و هي إدراك أهمّيته كوسيلة أساسيّة في تعاطي الإنسان قديما وحديثا مع السماء.
اقرأ المزيد
الإنسان والسماء - الجزء السابع - الجاذبية الثقالية : نموذج نيوتن للكون : 87 - 2015/07/23
لم تكن مساهمة «جاليلاي» في بحث الإنسان عن حلول لأسرار السّماء تقتصر على الجانب العملي، فرغم ما أحدث اختراعه للمقراب من فتح لآفاق رحبة في مجال سبر أغوار الفضاء السّحيق إلاّ أنّه يعتبر أحد أهم مؤسّسي المنهج العلمي الحديث إن لم يكن الأهم. لم يكن «جاليلاي» مقتنعا بفيزياء «أرسطو» عن الحركة فاشتغل عليها وكانت مقاربته تعتمد أساسا على التّجربة والملاحظة. كما يعود إليه الفضل في وضع أوّل نظريّة فيزيائيّة لسقوط الأجسام بما تسلطه الأرض عليها من قوة جذب. كان تفسير «أرسطو» السّائد لقوة الجذب التي تسلّطها الأرض على الأجسام يقدم في إطار تصوّر لكون هرمي يتكوّن من عالمين مختلفين، ففي عالم ما تحت القمر تمثّل ظاهرة الجذب ألثقالي خاصيّة للأجسام الثّقيلة التي تميل إلى التّحرك نحو «موقعها الطّبيعي» في مركز الأرض الذي يمثّل بدوره مركز الكون. أمّا الأجسام الخفيفة مثل النّار، فإنّها تتحرك طبيعيّا نحو الأعلى. بيّن «جاليلاي» بالتجربة أنّ الأجسام الثّقيلة والخفيفة تسقط على الأرض بنفس التّسارع في غياب المقاومة التي يمارسها الهواء على حركتها. كما مكّنته التّجارب العديدة التي قام بها من تحديد العلاقة الصّحيحة بين القوّة والحركة: فلا يمكن تغيير حالة حركة جسم إلاّ بتسليط قوّة عليه. ففي غياب أيّ قوة يحافظ الجسم إمّا على الثّبات أو على الحركة المنتظمة. بقيت هذه العلاقة ذات طابع كيفي مع «جاليلاي» إلى أن تمكّن «نيوتن» من صياغتها كميّا.
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج5 : انهيار التصور التقليدي للكون : 86 - 2015/07/09
سيطرت نظريّة «أرسطو» على البشرية طيلة ألفي سنة. ساد الاعتقاد قبل 1543 ميلادي بأنّ الأرض مركز الكون وأنّ هناك سبعة أجرام تدور حولها في مدارات دائرية وبسرعات ثابتة ومحمولة بكور تحفظ توازنها وهي عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل، الشمس والقمر وكلّها ترى بالعين المجردة. تتوزّع النّجوم على كرة أكبر منها جميعا وتحتويها وليس هناك بعدها شيء إلاّ الخلاء. مثّلت تلك الأجرام السّبعة بالنّسبة للإنسان مصادر للضّوء مثلها مثل النّجوم التي ترصع السّماء وقد سمّيت «أجساما جوالة» Planètes من طرف اليونانيين لأنّها تغيّر مواقعها بالنّسبة لبعضها البعض وبالنسبة للخلفيّة النّجومية التي تبدو فيها المسافات الظاهريّة ثابتة بين النجوم.
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج5 - من الفلك العربي الى الفلك الاوربي : 85 - 2015/06/25
اقترح الفلكي وعالم الرّياضيات أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني (805 - 880م) منذ منتصف القرن التّاسع ميلادي أوّل الإصلاحات لنموذج بطليموس، كما راجع في نفس الفترة عالم الفلك والرياضيات والهندسة والموسيقى ثابت بن قرّة (836 - 901) كل البراهين الرياضياتيّة التي قام بها بطليموس وانتقد الحلول التي اقترحها هذا الأخير. وعدّد أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (956 - 1040 م) في أهمّ كتبه «الشّكوك حول بطليموس» التّناقضات التي يعاني منها التّصور الفلكي لبطليموس خاصّة مفهوم «منحرف المركز» (أنظر الجزء الثالث في العدد 83 من المجلّة) حيث أن هناك من المعاصرين من يذهب للقول بأنّ بطليموس قام بعملية «غشّ» كبيرة وذلك باقتراحه ذلك المفهوم. وقد ذكر بن الهيثم في كتابه أنّه لا يمكن عقلا أن يكون لنظام بطليموس وجودا حقيقيا وأنّه غاية في التّعقيد ولا يصف الواقع. وقد كان لابن الهيثم موقفا رافضا واضحا لمفهوم «إنقاذ الظواهر». ويقصد بهذا المفهوم أنّ «مهمّة العلم تنحصر في تقديم صيغ ومعادلات وقوانين إجرائيّة وليس الهدف منه وصف الظّواهر وصفا حقيقيا وصادقا، بل القدرة على التنبؤ بما يطرأ عليها تنبؤا حسابيا، أي أنّ قيمتها كصيغ ومعادلات وقوانين قيمة إجرائية وليست قيمة وصفية». وهذا أساس الاتّجاه الرياضياتي عند أفلاطون (427 - 348 ق م). الذي يرى أن دراسة السماء تكون دائما انطلاقا من مبدأ أن حركات الأجرام السّماوية دائريّة ومنتظمة ودائمة الانتظام وهو افتراض ضروري لإنقاذ الظواهر الفلكية. فالاهتمام بإنقاذ الظواهر وعدم الاهتمام بحقيقتها يمثّل أساس علم الفلك التعاليمي الذي يستعمل الرّياضيات كأداة للتّنبؤ بما يطرأ على الأجرام ولا يولّي أي اهتمام للكيفيّة التي تقع بها.
اقرأ المزيد
الإنسان والسماء - الجزء الرابع - إسهامات الحضارة العربية الإسلامية : 84 - 2015/06/11
أهم ما طبع في ذاكرتي من تلك المقدّمة التي بدأ بها الأستاذ في الدّرس الافتتاحي لمادّة الجيوفيزياء عام 1983 بجامعة باريس 6 وذلك في إطار التّحضير لنيل شهادة في الدّراسات المعمّقة لمادّة الجيوفيزياء هو قفزه مباشرة من الحضارة اليونانية إلى القرن الخامس عشر وهو يقدّم بسطة عن تاريخ العلوم دون أن يشير إلى ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة طيلة وجودها والذي استمر لمئات السّنين. و قد فوجئت حقيقة من ذلك الموقف الذي بدا لي غير علمي ولا موضوعي في عاصمة من المفترض أن تكون عالميّة للعلم والبحث العلمي. ففي فرنسا مثلا كانت الفكرة السّائدة إلى منتصف القرن العشرين تقول أنّ كلّ ما فعله العرب انحصر في نقل ما أنتجه اليونانيون إلى اللّغة العربيّة والاكتفاء بالمحافظة عليه. و لم تقع الإشارة إلى الفلك العربي إلاّ عام 1997 عندما أصدر الكاتب Jean –Pierre Verdet مؤلّفا في سلسلة Que Sais-Je عنوانه «تاريخ الفلك القديم والكلاسيكي». ولكن وبفضل المؤرّخين الجدد بدأت عمليّة إسعاف الحضارة العربيّة الإسلاميّة حيث اكتشف هؤلاء أنّ العرب وبداية من القرن 7 ميلادي لم يكتفوا بجمع المعارف التي جاء بها من قبلهم من الإغريق والفرس والهنود وغيرهم، بل ساهموا في تعميق تلك المعارف وإثرائها والتأسيس الحقيقي للمنهج العلمي الذي يمارس الآن على المستوى العالمي. لقد قال «محمد إقبال» في كتابه (تجديد الفكر الدّيني في الإسلام ) ما يلي « لقد كانت أوروبا بطيئة نوعا ما في إدراك الأصل الإسلامي لمنهجها العلمي، وأخيرا جاء الاعتراف بهذه الحقيقة. يقول «بريفولت » (Briffault) في كتابه «بناء الإنسانية» (Making of Humanity) : «إنّ روجر بيكون درس اللّغة العربيّة والعلم العربي والعلوم العربيّة في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلّميه العرب في الأندلس. وليس لروجر بيكون ولا لسميه الذي جاء بعده الحقّ في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي. فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوروبا المسيحية، وهو لم يملّ قطّ من التّصريح بأنّ تعلم معاصريه للّغة العربيّة وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقّ. والمناقشات التي دارت حول واضعي المنهج التّجريبي هي طرف من التّحريف الهائل لأصول الحضارة الأوروبية. و قد كان منهج العرب التّجريبي في عصر بيكون قد انتشر انتشارا واسعا، و انكب الناس، في لهف، على تحصيله في ربوعنا» (1).
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج3 - تلاقح الحضارات : 83 - 2015/05/28
أدى اكتشاف البرنز في أوروبا في بداية الألفية الثانية ق.م. وازدياد الحاجة إلى النحاس والقصدير لتذويبه، إلى تطوّر شبكات تبادل وتواصل منتظمة بين أوروبّا واليونان ومصر والعراق. وفّر هذا المناخ الحضاري الجديد للممارسة الفلكيّة التي انتشرت عند النّخبة صاحبة السّلطة الدّينية والسّياسية في العصر الحجري الحديث كما تشهد على ذلك البناءات الحجرية الضخمة، الظروف الملائمة لزيادة الاهتمام بالفلك ولمزيد من اتقانه. وقد عثر في ألمانيا عام 1999 على أقدم خريطة سماوية معروفة إلى يومنا هذا مرسومة بالذّهب على قرص من البرنز قطره 30 سنتيمتر. يعود تاريخ هذا القرص الذي تمثل فيه بعض الأجرام السّماوية إلى 1600 ق.م.
اقرأ المزيد
الإنسان و السماء - ج2 - معادلة : الفلك - التنجيم : 82 - 2015/05/14
من الغايات الأساسيّة لاهتمام الإنسان بالسّماء منذ العهود المبّكرة من التاريخ وما قبله هي وضع خرائط للأجرام السّماوية - الطّرف الأول في معادلة فلك - تنجيم- ليستعملها المنجّمون لما يدّعون أنّه كشف للطّالع – و هو الطّرف الثاني في المعادلة-. فرغم أنّ ما يرتسم كلّ ليلة في صفحة السّماء يتغيّر تدريجيّا عن اللّيلة التالية، إلاّ أنّ الإنسان استطاع أن يلاحظ أنّ هناك أنماطا من التّشكيلات النّجومية تظهر دوريّا خلال مدّة زمنيّة محدودة تبدأ دائما بالاعتدال الرّبيعي. فألفها واستطاع رسم تلك الأنماط ممّا مكّنه من امتلاك روزنامة دقيقة للأحداث الفلكيّة. لم يكن من الممكن القيام بذلك العمل إلاّ عبر الرّصد وإجراء حسابات معيّنة على مجموعة من البيانات المتعلّقة بحركة النّجوم والكواكب ومواقعها عبر الزّمن وفي القبّة السماوية. وتدلّ الآثار المكتشفة لحدّ الآن بأنّ التاريخ المشترك والطويل بين التّنجيم (تأويل السّماء) والرّصد (مراقبة السّماء) بدأ قبل حوالي 4500 سنة في منطقة الهلال الخصيب بين نهري دجلة والفرات، أي العراق الممزّق اليوم.
اقرأ المزيد
الإنسان والسماء - ج 1 : 81 - 2015/04/30
منذ أن وجد آدم عليه السّلام على وجه الأرض لم يكن لعيونه ولعيون أبناءه من بعده أن لا ترى أو أن تخطأ العديد من الظواهر الفلكيّة مثل : * المسار اليومي للشّمس وللقمر في القبّة السّماوية، * التغيّر اليومي لموقع شروق الشّمس وغروبها بين نقطتين قصويين وهما الانقلاب الصيفي والانقلاب الشتوي وما يحدث بينها من تغيّر تدريجي لطول اللّيل والنهار، * الأطوار التي يمرّ بها شكل القمر من البدر إلى المحاق مرورا بأهلّة متغيّرة الأحجام، * الخسوف القمري والكسوف الشّمسي أي احتجابهما في الأوقات التي من المفترض أنّهما يكونان موجودتين، * شروق النّجوم وغروبها مع تغيّر مواقعها التّدريجي في القبّة السّماوية، * الأحداث الفلكيّة المفاجئة والمخيفة مثل سقوط النّيازك والشّهب،
اقرأ المزيد