القرآن والعلم

بقلم
نبيل غربال
الجبالُ أوتادٌ الجزء الرابع: ممّا تتكون الجبال؟
 أكّدت الدّراسات المتعلّقة بانتشار الموجات الزّلزاليّة داخل الأرض(1) صحّة التّصوّر القائل بأنّ للجبال جذورا. ويعود هذا التّصوّر الى منتصف القرن 19 وقد توصّل اليه علماء الجاذبيّة الثّقاليّة للأرض بافتراض أنّ القشرة الأرضيّة، والجبال جزء منها، تطفو فوق الوشاح وأنّ تغيّر مرتفعات سطحها يصاحبه تغيّر في سمكها وفق مبدأ أرخميدس للطّفو(2). وبما أنّ الصّورة المتحصّل عليها للقشرة الأرضيّة تحت الجبال تعتمد على المعالجة الحسابيّة للبيانات المتعلّقة بالقياسات الزّلزاليّة في المقاربة العلميّة الأولى، وعلى فرضيّة الطفوية لتفسير شذوذ شدّة الجاذبيّة الأرضيّة بجوار السّلاسل الجبليّة في المقاربة العلميّة الثّانية، يمكن أن يشوبها شيء من الشّك، فإنّ وجود الدّليل الملموس لجذور الجبال أمام أعيننا على سطح الأرض سيزيل نهائيّا تلك الشّائبة ويجعل تلك الجذور حقيقة يقينيّة. فما طبيعة هذا الدّليل وكيف وُجد على السّطح؟
باختصار شديد: كيف تنصب الجبال؟
سنتناول في مقال منفصل يتعلّق بالآية 19 من سورة الغاشية: «وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ»، موضوع الكيفيّة التي نُصبت بها الجبال، ولكن لا بدّ من ذكر مسألة أساسيّة في هذه الظّاهرة كتوطئة لهذا الجزء. لقد توصّل العلماء الى نتيجة مفادها أنّ سلاسل الجبال القارّية تتوافق مع تقلّص في الامتداد الأفقي للقشرة القارّية ينتج عنه ازدياد في سماكتها يتجسّد بارتفاع سطحها للأعلى (تضاريس) وانغراز قاعدتها في الوشاح (الجذر) وفق مبدأ الطّفو. ويمكن أن يؤدّي ذلك الى تضاعف سمكها الذي يقدّر متوسطه بـ 35 كم تحت السّهول، ليتجاوز 70 كيلومترًا تحت الجبال. فـ «أثناء تطوّر سلاسل الجبال الكبيرة، يتمّ ضغط مناطق بأكملها من القشرة، وتتداخل شرائح كبيرة من القشور القارّية مع أجزاء أخرى من القشرة على طول الصّدوع.  ونتيجة لذلك، فإنّ الصّخور التي كانت قريبة من السّطح تدفن في أعماق كبيرة تحت السّلسلة الجبليّة»(3). كما أنّ الصّخور التي كانت أصلا في الدّاخل، ستزداد انغراسا في باطن الأرض.
وعلى ضوء هذه المعطيات، عمل المختصّون على البحث في الطّبيعة على مؤشّرات تكتونيّة تتعلّق أوّلا بتشوّهات الطّبقات الصّخريّة من طيٍّ وتصدّعٍ وتشقّقٍ وغيرها نتيجة التّقلّص الأفقي للقشرة القارّية، وثانيا على مؤشّرات صخريّة تتعلّق بالمعادن المكوّنة لها خاصّة في جزئها المدفون في الأرض، تثبت وجود ازدياد لسماكتها تحت الجبال. سنكتفي في هذا الجزء بمؤشّر واحد يتعلّق بازدياد ثخانة القشرة تحت الجبال للتّدليل على حقيقة وجود الجذر وهو مؤشّر معدني يفي بالغرض كما سيتبين لنا في آخر المقال. 
تعريف المعدن والصّخر
يعرّف الأرض مع الكواكب عطارد والزّهرة والمرّيخ بأنّها كواكب صخريّة بمقابل الكواكب الغازيّة الأكبر منها حجما والتي تسمّى الكواكب العملاقة، وهي تتكوّن أساسا من غاز الهيدروجين كالمشتري وزحل وأورانوس ونبتون. ويبدو أن النوى الاربع لهذه الكواكب متشابهة من الصخور والجليد وبصفة عامّة « يتألّف الصّخر من معادن مختلفة. والمعدن هو ترتيب من الذرّات في نمط هندسي خاصّ، أو بلّورة، ومن ثمّ يتميّز بتركيب كيميائي محدّد وبخصائص فيزيائيّة وحتّى بلون خاصّ –انظر الى الأنماط المختلفة من حبيبات في مناضد المطبخ الجرانيتيّة العاديّة. وتحت عتبات محدّدة من الأعماق في باطن الأرض، تدفع الضّغوط ودرجات الحرارة الهائلة الى إعادة ترتيب ذرّات المعدن في بنى بلوريّة جديدة»(4). لذلك «فالصّخور القريبة من سطح الأرض تحتوي على معادن تظهر ذرّات ضعيفة التراصّ نسبيّا. وعندما يزداد الضّغط عليها في أعماق أكبر، فإنّ هذه الذّرّات تنتظم مجدّدا وتنتج معادن لها كثافات تزداد بإطراد»(5). وكمثال للمعادن يمكن أن نذكر معدن السّيليكات الذي تتألّف منه القشرة الأرضيّة بنسبة 90 %. تدخل في تركيبة هذا المعدن أيونات عنصري الأوكسجين (O) والسّيليكون (Si) وتعطي في الفضاء شكلا هرميّا أوجهه ثلاثيّة الأضلع ويحتل السيليكون مركزه.
أنواع الصخور
قسّم المختصّون صخور الأرض الى عائلات ثلاث تختلف عن بعضها البعض بالطّريقة التي تكوّنت بها. أوّل الصّخور التي شكّلت سطح الأرض قبل أكثر من 4 مليار سنة هي الصّخور النّاريّة. تتكوّن تلك الصّخور عندما تبرد الصّهارة الصّاعدة من باطن الأرض. تتشكّل المركّبات المعدنيّة للصّخور النّاريّة حسب تكوين الصّهارة الكيميائي والسّرعة التي تبرد بها والمكان الذي تبرد فيه، إمّا على السّطح أو داخل الأرض. ظهرت فيما بعد الصّخور الرّسوبيّة عندما فتّتت المياه الجارية وأذابت جزءا من الصّخور النّاريّة المتكشّفة لتنقلها الى الأحواض المائيّة، أين ترسّبت ثمّ تحجّرت وبرزت على السّطح بفعل حركيّة القشرة. أمّا العائلة الثّالثة فتسمّى الصّخور المتحوّلة. تتشكّل تلك الصّخور إثر «تحوّل صخر في الحالة الصّلبة بسبب ارتفاع درجة الحرارة و/أو الضّغط، مع تبلور معادن جديدة، واكتساب توزّع معدني جديد، تحت تأثير الظّروف الفيزيائيّة و/أو المواد الكيميائيّة المختلفة عن تلك التي شكّلت الصّخرة الأصليّة»(6). 
فالصّخور المتحوّلة هي في الأصل صخور إمّا ناريّة أو رسوبيّة دُفنت عميقا في الأرض بعد ولادتها بفعل حركيّة القشرة، وهناك حيث الضّغط العالي والحرارة الشّديدة شهدت تغيّرات في طريقة توزّع معادنها دون أي تحوّل في حالتها الفيزيائيّة الصّلبة. وكمثال لحجر رسوبي متحوّل نذكر الرّخام. 
والرّخام هو صخر كلسي متحوّل، يتكوّن من الكلسيت النّقي جداً (شكل بلوري لكربونات الكالسيوم «CaCO3») عندما يتعرّض الحجر الجيري  الرّسوبي الأصلي (صورة) الى ضغط عال وحرارة هائلة في بطن الأرض. تؤدّي تلك الظّروف الفيزيائيّة الى إعادة بلورة صخور الكربونات بدون أن تتغير التركيبة الكيميائية. «أثناء تشكيل الرّخام، يتبلور الكلسيت من جديد. نتيجة لذلك، يختفي وجود الأصداف الأحفوريّة الموجودة عادة في الأحجار الرّسوبيّة، والمساحات المسامية الموجودة بين الحبيبات المعدنيّة، وكذلك التّمييز بين تلك الحبيبات والمكونات الأخرى. لذلك، يتكون الرخام عادةً من مجموعة موحدة إلى حدّ ما من بلورات الكلسيت المتداخلة»(7).
طبيعة الصّخور التي تتشكّل منها الجبال
سبق وأن أشرنا الى أنّ القشرة القارّية تمتدّ في الجزء السّفلي منها إلى انقطاع موهو وأنّ متوسّط سمكها تحت السّهول يبلُغ حوالي 35كم. تتكوّن القشرة القارّية خارج مناطق السّلاسل الجبليّة من الأسفل الى الأعلى من: الجنيس (gneiss) بنسبة 48 % من حجمها، ثمّ الجرانيت (granite) بنسبة 45 % والصّخور الرّسوبيّة بنسبة7 %. لا تمثل الصّخور الرّسوبيّة سوى نسبة ضئيلة من مجمل الصّخور المشكّلة للسّلاسل الجبليّة أي أنّ الكتلة الأساسيّة للبناء الجبلي هي صخور ناريّة وأخرى متحوّلة. يشكّل الجرانيت الجزء العلوي من القشرة وهو صخر ناري لأنّه متكوّن نتيجة تبلور بطيء في الأعماق للصّهارة المندفعة من باطن الأرض للأعلى. 
يتكوّن الجرانيت من معادن متّصلة بعضها بالبعض، وتتوزّع عشوائيّا في الصّخرة وهي: الكوارتز (Quartz)والفلسبار (Feldspath) ذات اللّون الفاتح والميكا (Mica)  ذات اللّون الدّاكن (الصّورة 1).
أمّا الجنيس، الذي يشكّل الجزء السّفلي للقشرة، فيعتبر صخرا جرانيتيّا متحوّلا نشأ حين تعرّض هذا الأخير للضّغط العالي ولدرجات حرارة مرتفعة نتيجة ازدياد حجم القشرة مع نموّها عموديا بالمد حيث وجد نفسه في أعماق أكبر فأكبر.  يتشكّل الجنيس إذن من نفس معادن الجرانيت لكن معادنه لا تتوزّع عشوائيّا مثل الجرانيت بل هي منضدة على شكل طبقات داكنة وفاتحة متناوبة نتيجة الضّغط الذي وجدت فيه (الصّورة 2).
لقد توقّع العلماء وجود صخور متحوّلة مختلفة عن الجنيس وتنتمي للجزء من القشرة القارّية الموجود في أعماق أكبر من 35 كيلومتر أي تحت السّلاسل الجبليّة أين يزداد الضّغط وترتفع الحرارة أكثر، وهو ما عثروا عليه فعلا في السّلاسل الجبليّة التي أزيلت بعوامل الدّحو (التّعرية والانجراف). فكيف حدث ذلك وما هي تلك الصّخور؟ 
الهوامش
(1) أنظر مقالنا بمجلّة الإصلاح، العدد 167 - جوان 2021 - www.alislahmag.com
(2) أنظر مقالنا بمجلّة الإصلاح، العدد 166 - ماي 2021 - www.alislahmag.com
(3) Terre, portrait d’une planète. p.233 ; Ed. de boeck-2014 
(4) المكوّن المفقود في الكرة الأرضيّة، مجلّة العلوم الأمريكيّة. سبتمبر-أكتوبر 2010 / المجلد 26 /ص 3
(5) حلّ مفارقة الهزّات الأرضيّة العميقة – مجلة العلوم الأمريكيّة. مارس 1995 / المجلد 11 /ص 2
(6) Dictionnaire de géologie. A. Foucault et J.-F. Raoult ; Ed. Masson. 3ème édition (1992)
(7)  Terre, portrait d’une planète. P.222 ; Ed. de boeck-2014