التربية والتعليم
بقلم |
محمد الدرداري |
الكتاب المدرسي: إرشادات وتوجيهات |
الكتاب المدرسي هو حامل بيداغوجي يحتوي على مجموعة من المعارف التّخصّصيّة والدّعامات الوظيفيّة التي تهدف إلى بلوغ أهداف محدّدة. وتقدّم هذه المعارف والدّعامات في قالب تعليمي منظّم صالح للتّدريس في مستويات تعليميّة محدّدة.
فالكتاب المدرسي إذن هو أداة تعليميّة تتضمّن في الغالب المحتوى التّعليمي والأسناد والأهداف والوضعيّات وبعض صيغ التّقويم، ويهدف إلى تصريف المنهاج التّعليمي الذي تضعه الجهات الوصيّة على قطاع التّربية والتّعليم وتنزيله.يؤكّد العديد من المهتمين بالشّأن التّربوي والبيداغوجي والدّيداكتيكي أنّ الكثير من الكتب المدرسيّة لا تخلو من إيجابيّات، ولكنّها تشكو في الآن نفسه من بعض النّقائص والسّلبيّات، وقد دفع هذا الوضع ببعض هؤلاء إلى اقتراح حلول لتحصين هذه الإيجابيّات وتوسيعها، وتجاوز السّلبيّات أو تقليليها ومنها:* تجريب الكتب المدرسيّة قبل المصادقة النّهائيّة عليها للتّأكّد من مدى قابليّة تحقّق الكفايات الواردة فيها، وهو ما أشار إليه الدّكتور العربي اسليماني بقوله: «إنّ مفارقة الكتاب المدرسي الجديد هي أنّ لجنة التّأليف تتكوّن من أستاذ جامعي باحث ومفتّشين وأساتذة مدرّسين ذوي تجربة طويلة، الشّيء الذي جعلهم يُضمنون هذا الكتاب كفايات وأهدافا تناسب مستواهم وكفاياتهم ولا تناسب في أغلبها مستوى المدرّسين الجدد وكفاياتهم، بينما كان المنطق يقتضي تشخيصا ترابيّا وتجريب الكتاب لمعرفة النّسبة منه القابلة للتّحقّق»(1) .* الالتزام بالأمانة العلميّة في النّقل، والإحالة على مصادر المعلومة في مضانها، ولقد قادتني الصّدفة يوما أن وقفت على فقرات طويلة في كتاب من كتب التّربية الإسلاميّة بالثّانوي التأهيلي أُخذت حرفيّا من موقع إلكتروني دون الإحالة عليها، وذكر صاحبها، وهذه عادة قبيحة يحسن بمن يؤلّف لأبنائنا تجنّبها، وتبدو أهمّية الإحالة على المراجع والمصادر في مساعدة المتعلّمين المجدين في توسيع مداركهم، وإغناء رصيدهم المعرفي.* مقاربة القضايا العلميّة والتّربويّة في ضوء المستجدات العلميّة والتّكنلوجيّة التي تشهدها البشريّة اليوم، وعدم الاكتفاء بالقضايا التّقليديّة التي لم تعد قادرة على الإجابة عن أسئلة المتعلّمين الرّاهنة والملحّة. * إثراء الكتاب المدرسي بكلّ ما من شأنه أن ينمّي الحسّ التّحليلي والنّقدي لدى المتعلّم، وعدم الاكتفاء بتسويد الصّفحات بالمادّة المعرفيّة الجاهزة التي تقتل في المتعلّم روح التّحدّي والإبداع والنّقد، وفي هذا المقام أقترح تدعيم المقرّرات الدّراسيّة بالدّعامات المختلفة التي تثير فيه حافزيّة الدّراسة والبحث والتّحليل، وهذا الطّرح يتأكّد من خلال ما أسفرت عنه بعض الدّراسات التّربويّة والتي أكّدت بأنّ المعرفة التي يسهم المتعلّم في توليدها وبنائها تكون أحبّ إلى نفسه وأرسخ في ذهنه من المعارف التي يتلقّاها جاهزة دون أيّ جهد أو عناء.* تجنّب بعض المشوّشات والتي قد تنفِّر المتعلّم من الكتاب المدرسي، وهذه المشوّشات منها ما يتعلّق بالشّكل كسوء اختيار ألوان بعض الخلفيّات، ومنها ما يتعلّق باللّغة كاستعمال بعض العبارات الصّعبة والمشكّلة، ومنها ما يتعلّق بالمضمون كإقحام بعض المسائل التّخصّصية الدّقيقة والتي لا يفهمها إلّا المتخصّصون.* الملاءمة والانسجام بين مضمون البرنامج الذي يحويه الكتاب المدرسي والأهداف المسطّرة المراد تحقيقها.* التّشدّد والصّرامة في التّأليف ومن ذلك وضع معايير شكليّة وعلميّة وتربويّة ومنهجيّة دقيقة تكون مقياسا في اختيار الكتب، بحيث لا يقبل منها إلاّ ما استوفى الشّروط، واستكمل المعايير والضّوابط.* أن يخضع الكتاب المدرسي لمراجعة دوريّة دقيقة يكون منطلقها الملاحظات التي يبديها السّادة المدرّسون، وكذا المستجدّات التي تطرأ على السّاحة العلميّة والتّربويّة، وممّا يؤسف له أنّ الكثير من المقرّرات الدّراسيّة التي تعدل بين الفينة والأخرى يكون الدافع إليه تجاري محض.* تجنب الإغراب والغموض في التمارين المقترحة في الكتاب المدرسي، ولقد استغربت يوما لما سألني أحد الأصدقاء عن سؤال في كتاب التربية الإسلامية مستوى الثالث ابتدائي، فلم أدر ما وجهه، ولا المراد منه، وهذا ما ألاحظه أحيانا في كتب مادة التربية الإسلامية بالمستويات الثلاثة بالتعليم الثانوي التأهيلي، فإذا كان مدرس المادة يحار أمام بعض الأسئلة فما عسى التلميذ أن يفعل.وأقترح هنا أن تكون هذه التمارين عبارة عن مشاريع تعليمية قابلة للإنجاز عبر آلية التفكير النقدي، وباستخدام مهارات حل المشكلات.* التدقيق في اختيار النصوص المؤطرة للدروس، وتجنب التعسف في توظيفها، فكلما كان اختيار النصوص موفقا إلا وساعد ذلك في سلامة البناء وتحقيق الأهداف. والمعايير الأساسية التي في ضوئها يتم اختيار الدعامات النصية هي:أولا: الصلة المباشرة بموضوع الدرس.ثانيا: الإيجاز والاختصار ثالثا: أن تنطوي على أكبر عدد من المعاني التي لها علاقة بالدرس.وأي إخلال بمعيار منها سيفضي بالأستاذ إمّا إلى تغييرها بما يناسب وهذا هو المطلوب، أو الإبقاء عليها ومسايرة لجنة التّأليف في تعسّفها، وهذا هو اختيار غالبيّة المدرّسين للأسف الشّديد.* إعطاء الوقت الكافي لِلِجان التّأليف؛ لأنّ الجودة والعجلة لا تجتمعان، وأقترح أن يكون هذا الوقت بالأشهر أو السّنوات وليس بالأيام والأسابيع. وكثير من النّقائص التي سُجلت على العديد من الكتب المدرسيّة في مختلف المواد الدّراسيّة كانت بسبب السّرعة والاستعجال، وأعتقد أنّه لو أتيح للجان التّأليف الوقت الكافي لتضاءلت تلك النّقائص، كما أقترح أيضا أن يكون التّأليف المدرسي عبارة عن وَرْشات مفتوحة لا تخضع لأوقات محدّدة أو مناسبات خاصّة.تلك ملحوظات بدت لي حول أهمّية الكتاب المدرسي، وكيف يمكننا تجويده والارتقاء به ليساير برامج التّصحيح والتّقويم، وهي ليست من وحي الخيال، وإنّما جاءت نتيجة اطلاعي على هذه الكتب، واحتكاكي الطّويل بها، وأيضا من خلال الحوارات والنّقاشات التي نخوض فيها نحن الأساتذة مع بعضنا البعض، وأعتقد أنّ إخراج الكتاب المدرسي من شرنقة التّرهّل والجمود إلى عالم التّجديد والإبداع رهين بمدى استعداد الجهات الوصيّة على الاستماع للفاعلين المباشرين في الميدان، وإشراكهم في مشاريعها التّجديديّة التي ترفع شعارات الإصلاح والجودة والإنصاف. الهوامش (1) المعين في التربية، العربي اسليماني (ص: 332). |