قبل الوداع
بقلم |
علي عبيد |
حبّ الله ورسوله |
أشرت في العدد السّابق من المجلّة في نفس هذا الرّكن إلى أنّ الاحتفال بذكرى المولد النّبوي الشّريف يمكن أن يكون مرّة في الأسبوع وليس في السّنة، وذلك بصيام يوم الإثنين وقيام ليله، باعتباره يوم مولد الرّسول ﷺ ، وهكذا نكون قد عبّرنا عن حبّنا للرّسول الكريم، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (آل عمران: 31)، فحبّ الرّسول يترجم باتباع سنّته. وفي الحديث: «كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى». وطاعة الرّسول ﷺ ومحبّته لا تقتصر على الاحتفال السّنوي أو الأسبوعي بذكرى مولده، بل تشمل أيضا اتباع أوامره واجتناب نواهيه، وتوطين النّفس على فعل الخيرات وترك المنكرات لنيل الأجر والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. ورد في الأثر «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا»، ومن أهمّ السّنن التي حثّنا الرّسول ﷺ على المحافظة عليها، الحرص على النّظافة وإماطة الأذى عن الطّريق، قال ﷺ: «الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعونَ أو بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعبةً: فأفضلُها قولُ لا إِلهَ إلَّا اللهُ، وأدْناها إماطةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمانِ»، وأدناها يعني أيسرها، من الدّنوّ أي القرب.
فإماطة الأذى عن الطّريق ميسرّة للقويّ والضّعيف، والكبير والصّغير، والغنيّ والفقير، والرّئيس والمرؤوس، فهل يتوفّر هذا الخلق فينا وفي مجتمعاتنا؟ لا، بل هو متوفّر في المجتمعات المتقدّمة لأنّهم يؤمنون بحبّ أوطانهم، فيحرصون على نظافتها، وينخرطون جميعا بصفة طوعيّة في عمليّة رسكلة الفضلات المنزليّة وإعادة تدويرها، أمّا نحن، فندّعي حبّ اللّه ورسوله، ولكنّنا لا نبالي بإلقاء الفضلات على قارعة الطّريق، ولا نسعى إلى تثمينها، بل نعتبرها زبالة نحمّل مسؤوليّة رفعها للبلديّة وأعوانها، وهكذا تنتشر الأوساخ والأوبئة في مجتمعاتنا ويعمّ فيها الفقر والجهل والمرض، وهي التي تدّعي وراثة الإسلام والإيمان، في حين تزداد البلدان الغربيّة تقدّما ونظافة وثراء، وترتقي في مراتب الإيمان والإسلام والإحسان. ورد في الأثر « غَسلُ الإِناءِ وطَهارَةُ الفِناءِ يورِثانِ الغَناءَ».
ومن المفارقات أنّ عون النّظافة في المجتمعات المتقدّمة يُدعى بمهندس النّظافة، أمّا عندنا، فنسمّيه «زبّال»، بينما يبشّره الرّسول ﷺ بالأجر الكبير والعتق من النّار. ورد في الأثر: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة، كلّ يوم تطلع فيه الشّمس : تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطّيبة صدقة ، وبكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطّريق صدقة». لو طبّقنا هذا الحديث على المجتمعات المتقدّمة لوجدناه مجسّما بنسبة عالية، أمّا في مجتمعاتنا «الإسلاميّة» فنسبة التّطبيق ضعيفة إذا لم تكن منعدمة.
ومرتبة الإحسان مفقودة عندنا رغم أنّ القرآن الكريم يؤكّد على أهمّيتها ﴿ ...وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة: 195)، ومن المفارقات المؤلمة أنّنا على مستوى الشّعائر التعبّديّة نحتفل بذكر الرّسول والتّعبير عن حبّنا له في كلّ الأوقات وعلى مدار السّاعة، وآناء اللّيل وأطراف النّهار، ويتجلّى ذلك عند آداء فريضة الصّلاة، فذكر محمد ﷺ يقترن بذكر اللّه في الآذان وفي إقامة الصّلاة وفي التّشهّد، أمّا على مستوى العبادات التّعامليّة فإنّنا عاجزون حتّى عن إماطة الأذى عن طرقاتنا، وننسى أو نتناسى أنّ الإسلام لا يفصل بين العبادات الشعائرية والعبادات التّعامليّة، بل يقرن بينهما ويربط النّجاح في الأولى بالحرص على القيام بالثّانية، قال الرّسول ﷺ: « ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ»، فهل أن كلّ الشعوب العربيّة بحكّامها ومحكوميها ستقف يوم القيامة بين يدي اللّه مفلسة نتيجة تفريطها في العبادات التّعامليّة؟ أم ستشملها رحمة اللّه وتثوب إلى رشدها قبل فوات الأوان؟
نسأل اللّه أن يراجع بنا إلى الحقّ ويهدينا إلى سواء السّبيل، ويعيننا على إماطة الأذى عن طريقنا ويعيدنا إلى عبادات المعاملات، لعلّنا نصحّح المسيرة ونكون خير أمّة أخرجت للنّاس بسلوكنا وأخلاقنا.
|