مرايا

بقلم
د.عزالدين عناية
الغرب وقانون الشّعوب
 لو شئنا تلخيص فحوى هذا الكتاب، الضّروري ليفتح العرب أعينهم على العالم ولإدراك سير العالم، للخّصناه في ثلاثة أسئلة: هل من الممكن إيجاد قانون دولي قادر فعليّا على تعزيز العدالة دون أن يكون أداة لمشروعات «إمبرياليّة»؟ وهل يمكن أن يكون هناك قانون دولي عالمي حقّا على أساس المبادئ التي تُستقى من تعدّدية الحضارات والنّظم القانونيّة؟ وأخيرا، هل تشكّل محاولةُ توسيع الحكم الرّشيد (حقوق الإنسان والدّيمقراطية) لتشمل بلدان العالم الثّالث التّحولَ المعاصر؟ فعلى النّحو الآتي يستهلّ الإيطالي «جوستافو جوتسي» (1) كتابه المترجم إلى العربيّة «القوانين والحضارات.. القانون الدّولي تاريخه وفلسفته» (ترجمة: حسين محمود (2)/ مراجعة: عزالدّين عناية (3)): طال أمد تأليف هذا الكتاب، وزاد مشقّة، ذلك أنّ مشروعه الأول لم يكتب له أن يستمرّ، وتمّ استبداله بمنظور جديد هو الذي يرافقنا في جميع مراحل العمل الآن.
في البداية، كان البحث يهدف إلى دراسة العلاقة بين سيادة الدّول وحقوق الإنسان في سياق القانون الرّوماني القديم فيما هو معروف بـ «قانون الشّعوب»، ثمّ القانون الدّولي. وتدريجيّا زادت كثافة هذا الهدف وثراؤه بفضل «الاكتشاف» الذي وجدناه متضمّنا في مذهب القانون الدّولي، ويتمثّل في الرّؤية الاستعلائيّة للغرب تجاه الحضارات والثّقافات الأخرى، وكان ذلك بفضل عمل «م. كوسكنييمي»، مؤلّف كتاب «نظام الخطاب» (بالمعنى الذي قصده ميشيل فوكو).
وهكذا تمّ تحديد الفرضيّة الرّئيسة للكتاب بوضوح أكبر من أيّ وقت مضى، والذي يمكن تلخيصه في التّأكيد على استمراريّة خطاب الهيمنة الغربيّة من بداية العصر الحديث إلى الواقع المعاصر.
وجّه هذا المنظور قراءة كلاسيكيّات قانون الشّعوب الرّوماني (ius gentium): من «فيتوريا»، إلى «فاسكيز»، إلى «جروتسيو»، و«بوفيندورف»، و«فاتيل»، و«كانط». ويمتدّ المفهوم نفسه من خلال قراءة المؤلّفين المعاصرين: من «شميت»، إلى «بول»، إلى «راولز». لذلك حدّد الكتاب تاريخين متوازيين: من ناحية، تاريخ تشكيل نظام الدّول، وظهور المجتمع الدّولي والخطوط العريضة للنّظام العالمي الجديد. لكن هذا ليس سوى جانب واحد من جوانب الواقع، حيث إنّ البحث قد حدّد، من ناحية أخرى، تحوّلات الخطاب الغربي: من تفوّق الشّعوب المسيحيّة، إلى تفويض الدّول المتقدّمة على الشّعوب المتخلّفة، إلى خطاب الحوكمة الصّالحة أو الحكم الرّشيد اليوم واستغلال حقوق الإنسان.
1. بصرف النّظر عن التّساؤل حول وجود قانون دولي في العصور القديمة والوسطى، تمّ وضع بداية البحث في عصر تشكيل النّظام الحديث للدّول بين القرنين الخامس عشر والسّادس عشر الميلاديين ومن نقطة معيّنة. من وجهة النّظر الفقهيّة، في المدرسة السّكولائيّة الإسبانيّة الثّانية في النّصف الأول من القرن السّادس عشر، ولا سيما في أعمال «فرانسيسكو دي فيتوريا» و«فرناندو فاسكيز دي مينتشاكا». ويعود الفضل لـ «ف. فيتوريا» في إعادة تفسير تعريف قانون الشّعوب الرّوماني الذي يمكن العثور عليه في «مدوّنة القوانين الحضرية»، مع استبدال مصطلح «الشّعوب» بمصطلح «البشر». مكّنت نقطة التّحوّل هذه من إدخال بحث العلاقة القانونيّة التي يضعها قانون الشّعوب الرّوماني بين الشّعوب وتمثيل المجتمع الدّولي الذي يعبّر عنه هذا القانون. ويقف القانون الطّبيعي خلف تأسيس قانون الشّعوب الرّوماني، بحيث وَجَدت العلاقات القانونيّة بين الدّول تبريرها في مفهوم طبيعي وعالمي تنحدر منه حقوق البشر والشّعوب.
2. وتتمّ دراسة عمل «ف. دي فيتوريا»، في الفصل الأول، بكلّ ازدواجيته: فمن ناحية، اعترف هذا المؤلّف بحقوق شعوب العالم الجديد وحقوق الملكيّة الخاصّة بهم ولم يقبل بإمكان شنّ «الحرب العادلة» ضدّهم بسبب اختلاف العادات، ولكنّه، من ناحية أخرى، انتهى إلى إضفاء الشّرعيّة على الغزو الإسباني باسم الدّعاية للدّين المسيحي بتكليف من البابا. ويتّضح التّعقيد في عمل «فيتوريا» أيضًا عند تحليل المواجهة بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي في الفضاء الجيوبوليتيكي للبحر الأبيض المتوسط. اِعترف «فيتوريا» بإمكانيّة إبادة المسلمين، الذين يُعتَبرون أعداء دائمين للدّيانة المسيحيّة، لأسباب تتعلّق بالأمن و«السّلام». وهكذا فإنّ بدايات فكرة صدام الحضارات قد طرحت نفسها قبل وقت طويل من الأطروحات التي صاغها «هنتنجتون» في التّسعينيات من القرن الماضي.
وكذلك كان المذهب اللاحق لـ «أوجو جروتسيو» قد تأثّر بعمق بمفهوم قانون الشّعوب الذي تصوّرته المدرسة السّكولائيّة الإسبانيّة الثّانية. وعلى وجه الخصوص، يتناول الفصل الثّاني، المخصّص للمؤلف الهولندي، التّوتّر المتضارب بشدّة الذي تجاوز في فكره العلاقة بين حقوق الإنسان وسيادة الدّول، والذي تمّ حله، مع التّأكيد الكامل لنظام الدّول الحديث بعد صلح «ويستفاليا».
ولكن تطوّرات نظام الدّول هذا يتمّ تحليلها أيضا من منظور ترسيخ الاستعمار الغربي. ويظهر هذا بشكل خاصّ من تحليل العمل الأساسي لـ «جروتسيو»، «قانون الغنيمة». وعلى هدي ما جاء به «فيتوريا»، ولكن بأفق أصبح الآن علمانيًّا بالكامل، أبرز «جروتسيو» كيف أنّ الرّغبة في الاستيلاء على ما تملكه الشّعوب الأخرى كانت دائما متخفّية تحت قناع الرّغبة في إدخال الحضارة إلى مناطق همجية، وإن استغلّ «جروتسيو» هذا التّحليل للدّفاع عن الأسباب التي ساقها الهولنديّون للاعتراض على التّوسّع الاستعماري البرتغالي. ويسمح لنا تحليل كلاسيكيّات قانون الشّعوب الرّوماني بإعادة اكتشاف الحجج نفسها التي لا تزال تُستَخدم اليوم من قِبل «الحضارة الغربيّة» لتوسيع هيمنتها على مناطق وحضارات أخرى من الأرض.
إنّنا نعتبر هذه الموضوعات هي الأساسيّة في هذا الكتاب، وتمّت معالجتها بعمق في الفصل الخامس المخصَّص للعلاقة بين القانون الدّولي والحضارة الغربيّة. فهذا الفصل يحلّل المفاهيم التي كانت أساس القانون الدّولي في القرن التّاسع عشر من خلال دراسة مؤلّفين مثل «بلنتشلي»، و«لوريمر»، و«ويستليك»، ثم يتابع تطوّرها حتّى القرن العشرين. تمّ تطوير القانون الدّولي في القرن التّاسع عشر كمشروع أوروبي: لقد كان تعبيرًا عن وعي أوروبي مشترك، وكان يُعتَبر نتاجًا لجماعة الشّعوب الأوروبيّة، التي تمّ تصوّرها على أنّها جماعة الشّعوب المسيحية و«المتحضرة» (م. كوسكنييمي).
في الواقع -وهذه هي الأطروحة المركزيّة للفصل- كان القانون الدّولي الغربي، وحتّى النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، واحدًا فقط من بين مجموعة من الأنظمة القانونيّة الدّوليّة -ولا سيما النّظام المركزي ونظام القانون الدّولي الإسلامي المسمّى السِّيَر- التي عبّرت عن نفسها باعتبارها عالميّة الطّابع، تماما مثلما ادّعى النّظام القانوني الأوروبي. وبناء على ذلك، فإنّ إحدى النّتائج الأكثر صلة بالكتاب هي الاعتراف بأنّ الزّعم بعالميّة النّظام القانوني الدّولي الغربي ليس صحيحا، وإنّما هو نسبي وحسب. وبهذا المعنى، يدعو الكتاب القارئَ إلى النّظر إلى الغرب بنظرة «الآخر».
لم يُشكّل القانون الدّولي إلّا في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر كتعبير عن «مجتمع عالمي»، عندما أُجبرت الإمبراطوريّة العثمانيّة والصّين واليابان على دخول النّظام القانوني الإقليمي الذي كان يدور حول أوروبا. استمرّ نظام علاقات التّفوّق والسّيطرة للغرب حتّى فترة ما بعد الحرب الثّانية، عندما شُكّل مجتمع دولي، في حقبة ما بعد الاستعمار، من أنظمة سياسيّة مختلفة تمامًا لأنّها قائمة على مفاهيم تنتمي إلى ثقافات متباينة بشكل عميق. ولكن لكي يتمّ تعريف النّظام القانوني على أنّه نظام عالمي، يجب أن يقوم على مبادئ ومفاهيم لا تقتصر على الغرب وحسب، بل ليست غربيّة. ولذلك يركّز الفصل الخامس على بعض المقترحات التي تُقدّم منظورا «متعدّد الحضارات»، لا سيما في مجال القانون الدّولي لحقوق الإنسان (أونوما يازواكي، عياض بن عاشور، عبداللّه أحمد النعيم).
3. يجب أن نضيف بعد ذلك أنّ التّفكير الذي اتبعناه في الكتاب وضع جنبا إلى جنب البحث مع المقارنة بين أهمّ عناصر التّراث الفقهي في مجال الدّراسات الدّولية، في إطار تحليل نسبيّة النّظام القانوني الغربي: علاوة على التّراث الجروتساني (من جروتسيو إلى اتش. بول)، تيار الكوسموبوليتانيّة- من كانط (الفصل الرّابع)، إلى كيلسن (الفصل السّادس)، إلى راولز (الفصل التّاسع)، إلى هابرماس  (الفصل الثّالث عشر) - وتيار الواقعيّة (ديهيو، كـ. شميت، ومورجنثا) (الفصل السّابع). وبذلك، فإنّ الكتاب، بعد أن عالج بالتّحليل كتاب «أوجو جروتسيو» يواجه التّحوّلات في قانون الشّعوب الرّوماني مع التوقّف عند بعض اللّحظات الحاسمة وحتّى الجدال الحالي في القانون الدّولي المعاصر.
في المقام الأول، تتمّ معالجة صياغة «القانون الكوسموبوليتاني» في الفكر الكانطي (الفصل الرّابع)، والتي نشأت كمحاولة للتغلّب التّدريجي على سياسات القوّة للدّول ذات السّيادة في القرن الثّامن عشر، ونقدًا للاستعمار الغربي، من منظور فلسفة التّاريخ التي تهدف إلى وضع مركزيّة حقوق الإنسان في العلاقات الدّوليّة في مواجهة الدّول: وهو مفهوم لم يتحقّق إلاّ من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
لا يُفَسّر الفكر الأممي الكانطي على أنّه تصوّر طوباوي، بل على العكس من ذلك، باعتباره رؤية واقعيّة بقوّة، بفضل تمثيل المسار الضّروري نحو السّلام، وإن كان ذلك على نحو مثالي لا يمكن بلوغه.
بعد ذلك نتناول مشكلة أزمة سيادة الدّول القوميّة في الفترة المتراوحة بين القرنين التّاسع عشر والعشرين (في الفصل السّادس)، من منظور الكوسموبوليتانيّة، من خلال التّفكير الذي جاء به «هانز كيلسن»، انطلاقا من إدراكه لتلك الأزمة، لتطوير مفهوم أحادي الجوهر للقانون الدّولي مقارنة بالقانون الدّاخلي للدّول. وقد شكّك تحليله في مبادئ مذهب القرن التّاسع عشر الذي اختزل القانون الدّولي في قانون خارجي للدّولة، كتعبير عن سيادة الدّولة القوميّة. بدلًا من ذلك، استأنف تراثا فكريًّا يعود إلى كتاب «كريستيان وولف» وفكرته عن «المواطَنة المثلى»، التي اُتّخِذت كشكل مؤسّسي لمجتمع جديد من الشّعوب. وهكذا طوّر «كيلسن» مفهومًا يتجاوز أي منظور تعاقدي، ووضع القانون الدّولي باعتباره نظامًا أعلى مستقلًا عن إرادة الدّول. تتوافق مع هذا المذهب إيديولوجيا «السّلميّة» في مقابل إيديولوجيا «الإمبرياليّة» للدّول القوميّة.
على هذه الأسس، يتمّ بناء الباراديغم الذي يمكن تطويره إلى القانون الدّولي اليوم، وينبغي أن تكون مبادئه على النّحو التّالي: «إضفاء الشّرعيّة» الكاملة على الحرب باعتبارها عقوبة ضد انتهاكات نظام القانوني الدّولي؛ إمكانيّة تعريف العلاقة بين القانون والأخلاق من خلال تحديد معيار المسؤوليّة الجنائيّة الفرديّة لانتهاك حقوق الإنسان ومبادئ الولاية القضائيّة الجنائيّة الدّوليّة. ولكن النّص يُثبت عدم جدوى هذا الباراديغم الكليسيني (نسبة إلى كليسن)، في ظلّ وجود نظام للعلاقات الدّولية تهيمن عليه القوى العظمى من جانب واحد.
واستمرارًا للمنظور الكانطي، يتعامل الكتاب أيضًا مع فكر «جون راولز» (في الفصل التّاسع) الذي يُقدِّم، جنبًا إلى جنب مع القانون الدّولي، مفهوم قانون الشّعوب، والذي يتضمّن جميع مبادئ القانون الدّولي الوضعي. محاولة «راولز» هي تحديد الأسس المشتركة للقانون الدّولي في مواجهة تعدّدية الدّول والإيديولوجيّات الحاملة لها: من الإيديولوجيا الديمقراطيّة اللّيبراليّة إلى مبادئ الشّريعة الإسلاميّة.
وهو يحاول تحديد الشّروط الممكنة للتّعايش ضمن «مجتمع سياسي عادل للشّعوب». على وجه الخصوص، يعترف «حقّ الشّعوب» لراولز بحقوق الإنسان كمعيار مشترك يمكن أن يكون أساسًا للانتماء إلى مجتمع الشّعوب العادل، بغضّ النظر عن أيّ دلالة إيديولوجيّة -سواء كان ذلك القانون الطّبيعي أو القانون الإسلامي-. بهذه المعايير، يعود «راولز» إلى موضوع الحرب الحرج، الذي يجد أسس شرعيّته في ضمان الأمن، أي في الدّفاع عن النّفس، أو في «استثناء حالة الطّوارئ القصوى».
حاول المسار المتَّبع حتّى الآن تسليط الضّوء على تحوّلات القانون الدّولي، من قانون الشّعوب في العصر الحديث إلى القانون الدّولي المعاصر، وتطوير بعض الجوانب المحدّدة للعلاقات المعقّدة التي حدثت تاريخيًّا بين حقوق الإنسان وحقوق الشّعوب وسيادة الدول. ثمّ يتمّ تناول بعض القضايا المحدِّدة للعلاقات الدّولية: فمن جهة، نتناول المفاهيم الغربيّة لحقوق الإنسان في القانون الدّولي مقارَنة بإعلانات الحقوق الإسلاميّة (الفصل العاشر)؛ ومن ناحية أخرى نعالج تفسير القانون الدّولي من منظور العالم الثالث (الفصل الحادي عشر).
في الحالة الأولى، نوضح بجلاء أنّ القانون الدّولي يشتمل في الواقع على تعدّدية الأنظمة الدّوليّة بسبب الاختلافات الثّقافية التي تقسّم الشّعوب. وانطلاقًا من هذا الوعي، أجرى البحث مقارنة بين الرّؤية الغربيّة والإسلاميّة للحقوق لتلمّسِ الأسباب المحتملة للتّقارب: ربّما يمكن التّعرّف عليها في المحاولات الفقهيّة، التي لا تزال محدودة في العالم الإسلامي، لإعادة تفسير المصادر الدّينية الإسلاميّة من منظور تاريخي.
ويبيّن الفصل العاشر الصّراع بين الغرب والعالم الإسلامي منذ العمل التّحضيري للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. ولكن بدءًا من إعلان برشلونة لعام 1995، تمّ تحديد البحر الأبيض المتوسّط باعتباره المنطقة الجيوبوليتيكيّة، نظرًا لتراثها القديم من الحضارات (اليونانيّة والرّومانيّة واليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة) التي تشاركت وأثرت في بعضها البعض، بحيث أظهرت إلى الوجود «لقاء بين الحضارات» ضد الرؤية الأطلسية لأمريكا الشمالية لما يسمى «صدام الحضارات».
ثم يطوّرُ الفصل الحادي عشر بعمق نهجًا محدّدًا في تحليل القانون الدّولي اليوم: وجهة النّظر التي تأخذ في الاعتبار القانون الدّولي الغربي من منظور العالم الثّالث (Twail - Third World Approaches International Law). وفي هذا الفصل تمّت دراسة مؤلّفين مثل (أناند، أنجي، جاثي، راجاجوبال، جروفوجوي، شيمني وآخرون) والذين كانت لهم بعض الأطروحات الدّقيقة: أولاها الأطروحة التي بموجبها يمثّل القانون الدّولي النّظام القانوني الذي طوّر الإيديولوجيا التي شرعنت الاستعمار. وثانيها، التّأكيد على أنّ القانون الدّولي يضع نفسه في خدمة التّوجّهات الاستعماريّة الجديدة للقوى الغربيّة.
أخيرًا يأتي الباب الختامي لتحليلات الكتاب، في الفصل الثّاني عشر، يعرض شروط أيّ لقاء محتمل للحضارات من وجهة نظر القانون الدّاخلي. يتناول هذا المنظور مشكلة تأسيس الحقوق من خلال تحليل علاقة «الكرامة - الحقوق»، مع دراسته بصفة خاصّة من المنظور الغربي ومن منظور التّراث الإسلامي. من هذا نستمدّ الحاجة إلى الحقوق الثّقافيّة لحماية الهويّات التي تنتمي إلى ثقافات مختلفة، والتي تعبّر عن الحاجة إلى توسيع ديمقراطيّاتنا في اتجاه تعدّدية قانونيّة تهدف إلى تعديلها بشكل عميق، فقط إذا أصبحت الدّيمقراطيّات الغربيّة قادرةً على تحقيق تكاملٍ في وسعه الاعتراف بخصوصيّة «الآخر» واحترامها، وكانت قادرة على تقديم نفسها وقبولها باعتبارها طرفا في الحوار، «حوار الحضارات»، من قبل البلدان التي تنتمي إلى حضارات وثقافات أخرى.
وهناك فصل أخير (الفصل الثالث عشر) يناقش إشكاليّةَ الجدل الغربي حول الأطروحات المتعلّقة بـ «دسترة القانون الدّولي» بناء على رؤية المؤلِّفين المعاصرين مثل «هابرماس»، و«توموستشات»، و«فون بوجداندي»، ومقارنتها مع قوة «الإمبراطوريّة» في العلاقات الدّوليّة. ومن جانب آخر أعيد فحص معارضة ما يسمّى بـ «العالم الثّالث» لمشروع الحكم العالمي ومطالبات «حقوق الشّعوب». وختاما نرى أنّ المستقبل يبدو غير متوقّع...
الهوامش
(1) جوستافو جوتسي، مفكر إيطالي وأستاذ القانون الدّولي بجامعة بولونيا الإيطاليّة.
(2) حسين محمود، مترجم وأستاذ جامعي مصري، أصدر عشرات الترجمات من الإيطالية.
(3) عزالدّين عناية، أستاذ تونسي إيطالي بجامعة روما، ترجم وأشرف على ما يناهز السّتين عملا لفائدة مشروع كلمة الإماراتي.