نقاط على الحروف

بقلم
رجاء موليو
عقيدة التّثليث
 يذهب المسيحيّون إلى كون إلههم عبارة عن ثلاثة أقانيم ممتازة امتيازاً حقيقيّاً، ويسمّونها الأب والابن والرّوح القدس، ويصفونهم هكذا:
أوّلا: تعريف الأقنوم في اللاّهوت المسيحي
المراد بكلمة «أقنوم» اليونانيّة الأصل المستعملة في علم اللاّهوت، التّعبير عن شخصيّة كل من الأب والابن والرّوح القدس، مع اشتراكهم في الجوهر الواحد غير المتجزّئ. وذلك حذرا من استعمال لفظة «شخص» لكونها لا تحتمل الشّخصيّة المنفصلة عن الاشتراك في الجوهر»(1). و«وردت كلمة أقنوم في الرّسالة الثّانية إلى كورنثوس وفي العبرانيّين بمعنى «جوهر أو حقيقة» وبمعنى «ضمانة، كفالة» وقد استعملها آباء الكنيسة قبل مجمع نيقية وبعده. وهي ذات معان عديدة، وترد كمرادف لكلمة «ماهية» ousia. إلاّ أنّ فارقاً أصليّاً يميّزهما، فكلاهما يحدّدان وجوداً موضوعيّاً جوهريّاً، يحدّدان ما هو موجود، ما هو قائم»(2). و«مراد النّصارى بالتّثليث كما يقول الكتاب المقدس هو: إله واحد الأب والابن والرّوح القدس إله واحد، جوهر (ذات) واحد، متساوين في القدرة والمجد»(3). 
 الآب: هو الأقنوم الأول، وهو والد الأقنوم الثّاني، وهو مكوّن الكائنات.
«الابن: هو الأقنوم الثّاني، وهو ولد الأقنوم الأول، وهو المخلص من الخطيئة.
الرّوح القدس: وهو الأقنوم الثّالث، ويصدر عن ركني التّثليث الآخرين بصورة دائمة وأبديّة، وهو معطى الحياة. ويقولون أنّ هذه الأقانيم الثّلاثة واحد»(4). ومن جهة أخرى؛ فالأب عندهم هو اللّه الواحد، والإبن المسيح بكر الخلائق ولد من أبيه قبل العالم، وروح القدس وهو الملك الذي حلّ في مريم(5).  
يقولون أنّ اللّه روح، ولهذه الرّوح قدرة أو طاقة على الصّدور. إذن هناك طاقة أو قدرة في الرّوح ذاتها للانبثاق. الرّوح تنبثق عنها قوّة، والقوّة التي تنبثق عنها تسمّى روح القدس، ونتيجة الانبثاق تسمّى إبناً، فالرّوح هي الأب، تنبثق عنها طاقة تسمّى الرّوح القدس، ونتاج الانبثاق يكون الابن، فالرّوح وطاقتها ونتاجها واحد(6). 
يقول الاستاذ يس منصور: « فاللّه الأب يظهر محبّته ويحرسهم، وربّنا يسوع المسيح يظهر نعمته ويرحمهم، والرّوح القدس يظهر شركته ويمنحهم سلاما»(7) ويقول الاستاذ محمد مجدي مرجان: إن اللّه في نظر فلاسفة المسيحيّة «له كيان قائم بذاته كالإنسان تماما. واللّه ناطق بكلمته كالإنسان كذلك.وهو حيّ بروحه كالإنسان أيضا. ومن هذه الأقانيم أو العناصر الثّلاثة يتكوّن اللّه كما يتكوّن الإنسان تماما. الذّات والنّطق والرّوح»(8). وكلّ من هذه الخواص أو العناصر التي يتكوّن منها اللّه تعطيه وصفاً أو مظهرا خاصّاً، فإذا تجلّى اللّه بصفته ذاتاً سمّي الأب وإذا نطق فهو: الابن، وإذا ظهر فهو: الرّوح القدس»(9). 
وهكذا نرى أنّ دعاة الثّالوث قد منحوا للّه النّطق والكيان والرّوح بشروط وأوضاع خاصّة، فنجد أنّ اللّه كائن بذاته حين يسمّى الأب، وناطقا بكلمته حين يصبح الابن، وحيّا بروحه حين يصير الرّوح القدس؛ هكذا يتحوّل ويتغيّر طبقا للدّور الذي يظهر به.
يقول د. بوست في تاريخ الكتاب المقدس:«طبيعة اللّه عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية. اللّه الأب، واللّه الابن، واللّه الرّوح القدس، فإلى اللّه الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الرّوح القدس التّطهير، ويفهم من هذا أنّ الأقانيم الثّلاثة عناصر متلازمة، ملازمة لذات الخالق»(10).  
«هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»(11). ورد في سفر يوحنا الأولى: «مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللّهِ، فَاللّهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللّهِ. وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي ِللّهِ فِينَا. اَللّهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ»(12).  
إذا اطلعنا على كنه اللّه لا يسعنا إلاّ القول بالتّثليث وكنه اللّه محبّة يفترض شخصين على الأقل يتحابّان، وتفترض مع ذلك وحدة تامّة بينهما. وليكون اللّه سعيداً ولا معنى لإله غير سعيد، وإلاّ انتفت عنه الألوهيّة -كان عليه أن يهب ذاته شخصا آخر يجد فيه سعادته ومنتهى رغباته- ويكون بالتّالي صورة ناطقة له، ولهذا ولد اللّه الابن منذ الأزل نتيجة لحبّه إياه، ووهبه ذاته، ووجد فيه سعادته ومنتهى رغباته، وبادل الابن الأب هذه المحبّة ووجد فيه هو أيضا سعادته وثمرة هذه المحبّة المتبادلة بين الأب والابن كانت الرّوح القدس. إذن فالحبّ جعل اللّه ثالوثا وواحداً معا (13). «يلد الأب منذ الأزل أقنوميّة الابن، لا جوهره، بحيث يكون الابن «رسم جوهر الأب» منذ الأزل، وهكذا يدوم في الأب، والأب فيه إلى الأبد».
ويقال عن الأقنوم الثالث «الرّوح القدس» ليس لكونه يمتاز بقداسته عن الاقنومين الأول والثّاني، بل إشارة إلى نوع فعله، لأنّه هو مصدر القداسة في كلّ الخليقة» (14)  
وهكذا فبعد اعتراف المسيحيّين بألوهيّة المسيح وألوهيّة الرّوح القدس، وذلك لأنّهم يريدون أن يدَّعوا الصّلة باللّه وتلقّي العلم منه؛ لهذا قالوا بألوهيّة الرّوح القدس وأنّه ينزل عليهم ويملؤون به، ويعرفون بواسطته ما لا يعرف البشر، وبذلك اكتمل الثّالوث الذي أرادوه وأشادوا به.  
فهذه الثّلاثيّة في التّقسيم عند المسيحيّين هي من منبع إيمانهم بأنّ اللّه ثالث ثلاثة، وليس فردا صمدا، فهو مكوّن من ثلاثة أقانيم (الأب والابن والرّوح القدس) لكلّ منهم وظيفة تخصّه تجمع في إله واحد في النّهاية. وذلك لأنّهم لا يعرفون اللّه إلاّ بالابن ولا يختارون إلّا بالأب ولا يتقدّسون إلاّ بالرّوح القدس. 
طرح ابن تيمية رحمه اللّه في مؤلّفه أنّ من تدبّر التّوراة وكلام الأنبياء pع من النّصارى، يتّضح له أنّ دينهم متناقض مع ما جاء في دين الأنبياء كلّهم، وأنّ ماهم عليه من التّثليت والاتحاد والشّرك، لم يبعث به أحد من الأنبياء pع(15). وقد استدل البعض من الفرق المسيحيّة في بلدة (دهلي) في إثبات التّثليث، بقوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ بأنّه أخذ فيه ثلاثة أسماء فيدلّ على التّثليث(16).  يقول اللّه تعالى: ﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ...﴾(المائدة: 73)، وهذه الأية الكريمة تنفي بكون اللّه ثالث ثلاثة بل هو إله واحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له شريك في الملك.
المسيحيّون لا يعرفون اللّه إلاّ بالابن، ولا يختارون إلاّ بالأب، ولا يتقدّسون إلاّ بالرّوح القدس. وكما لا يخفى أنّ عمل الفداء قد تأسّس على الثّالوث الأقدس، فليس للنّاس تبرير ولا تقديس، ولا تبنٍّ، ولا كفّارة، ولا شفاعة، إلاّ من وجود الأقانيم الثّلاثة. فلا عجب في أنّه عند دخول الإنسان إلى الكنيسة المسيحيّة يطلب منه الإقرار بالاعتقاد بالثّالوث الأقدس، حسب قول الرّبّ يسوع «تلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الأب والابن والرّوح القدس»(17).
والذي عليه اجماع الباحثين، أنّ المسيحيّين لم يقتصروا في أخذ عقيدة التّثليث وشرحها من الأصول الوثنيّة، بل وجد الباحثون أنّ قانون الإيمان الهندي الوثني يشبه تماماً قانون الإيمان المسيحي المشتمل على التّثليت. يقول الأستاذ (مالفير) في كتابه نخلة بك شفوات (سنة 1913م) ما يلي: «نؤمن (بسافيسترى) أي الشّمس إله واحد ضابط الكلّ، خالق السّماوات والأرض، وبابنه الوحيد (آتى) أي النّار نور من نور، ومولود غير مخلوق، تجسّد من (فايو) أي الرّوح في بطن (مايا) العذراء، ونؤمن (بفايو) الرّوح الحقّ المنبثق من الأب والابن الذي هو مع الأب والابن يسجد له ويمجد. فالثّالوث القديم هو سافيسترى (الشّمس) أي الأب السّماوي، وآنى (النّار) أي الابن وهو النّار المنبعثة من الشّمس، وفايو (نفخة الهواء) أي الرّوح، هو أساس المذاهب عند الشّعوب الإريانيّة أي الهنود القدماء»(18). وأشدّ ما تأثّروا به من العبادات الوثنيّة، فكرة التّثليث، التي كانت منتشرة بين البابليّين، والمصريّين، واليونانيّين الهنود قبل مجيء السّيد المسيح nع(19) .
وهكذا يتّضح أنّ المنبع الأصلي لعقيدة التّثليث هي الأديان الوثنيّة القديمة، وأنّ المسيحيّين استنبطوها منها، وحاولوا تطبيقها لكي تظهر أنّها من وحي المسيح n. وعليه فإنّ المسيحيّة استقت أصول عقيدة التثليث من مواد وثنية من الدّيانات الشّرقيّة، ثمّ استقت الطّابع الفلسفي من الفلسفة الأفلاطونيّة. ولكي يضمن المسيحيّون عدم مخالفتهم للعهد القديم المصرّح بالتّوحيد أضافوا إلى عقيدة التّثليث فكرة أنّ الثّالوث واحد، وحاولوا بكلّ جهدهم الجمع بين الوحدانيّة والتّثليث وحاولوا الاستدلال على ذلك ولكنّهم لم يستطيعوا. 
ردّ موجز على عقيدة التّثليث 
عقيدة التثليث عقيدة لم ينطق بها نبيّ من الأنبياء ولا رسول من الرّسل، ولم تأت في كتاب من الكتب المقدّسة لدى المسيحيّين، ولم تأت في كتاب سماوى منزّل من عند اللّه. المسيح n الذي يدّعى المسيحيّون الانتساب إليه لم يتحدّث عن التّثليث ولا عن الأقانيم ولا عن اللّه بالمفهوم الذي يعتقده المسيحيّون الآن. هذه وثنيّة أخذها المسيحيّون من الوثنيّين ولذلك فهي متنافية مع بديهيات العقل والمنطق. 
نفي ألوهيّة المسيح
يقدّم لنا العهد الجديد المسيح كاللّه بكلّ وضوح، فالأسماء والألقاب التي يطلقها العهد الجديد على المسيح لا يمكن أن تنطبق إلاّ على اللّه، فهو يدعى اللّه مثلا في تيطس: «مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (20). وينسب الكتاب المقدّس ليسوع صفات لا تصحّ نسبتها إلاّ إلى اللّه، فهو يقدّم لنا ككائن ذاتي الوجود: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ»(21) وكلّي الوجود: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ»(22)،  وكلّي العلم: «اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ»(23)  وقد قبل يسوع المجد والعبادة اللّذين لا يليقان إلّا باللّه، فقال في مواجهة الشّيطان: «حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدهُ تَعْبُدُ» (24) 
كان معظم اتباع يسوع من اليهود الورعين الذين يؤمنون بإله واحد حقيقي. كانوا مؤمنين موحّدين حتّى النّخاع، غير أنّهم اعترفوا به كاللّه المتجسّد. قالت «مرثا»لليسوع ، وهي تلميذة مقرّبة من تلاميذه(25):«نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ»(26) وقول اللّه عز وجل: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ...﴾(المائدة: 72)، يدلّ على وجود قوم من النّصارى قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم، فهؤلاء جعلوه إلها، وهو في الحقيقة عبد للّه خلق بصورة ليس كما يولد الإنسان العادي. 
هذا من جهة القائلين بألوهيّة المسيح، من جهة أخرى نجد أقوالا تخالف أنّه إله؛ وتقول بأنّه بشر ورسول مرسل من اللّه تعالى إلى النّاس لتأدية رسالته، يدعو إلى عبادة اللّه وعدم الإشراك به وتخليص بني إسرائيل ممّا هم فيه من كذب وزور ورياء، واتخاذ إبليس لهم ولياً ومعيناً على أكاذيبهم(27). من بين هذه الأقوال:«وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ»(28)، و:«لاَ أَزَالُ شَاكِرًا لأَجْلِكُمْ، ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي، 17كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ،»(29) و:«لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ»(30)، و:«فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ:«أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي»(31)، و:«مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي»(32)، و:«فًأمَا ذَلك اليوْم وَتِلك السَّاعَة فلاَ يعْرِفُها أَحد ولا الملائِكة الذَّينَ في السَّماء ولاَ الابْن إلاَّ الأَب وَحْده»(33).
وفي القرآن الكريم حجج عديدة على بطلان ادّعاء التّثليث، كقوله تعالى: ﴿...إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ...﴾(النساء: 171)، وقوله: ﴿...قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا..﴾(المائدة: 17). وهذا المسيح قد انتهى أمره، وكذلك والدته والكون لازال كما هو، فإذا كان عيسى إلها، والاله صُلب وعُذّب، فمن يدير العالم؟ 
يديره الاله الحقيقي الذي خلق السّماوات والأرض، والذي يخضع له كلّ شيء بما في ذلك عيسى n، يقول تعالى:﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(المائدة: 120). وقوله تعالى:﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ...﴾(المائدة: 72) يحسم في مسألة كفر هذه الفرقة،  وقد بيّن المسيح أنّه مجرّد رسول، أمر بني إسرائيل بعبادة اللّه ربه وربّهم، وحذّرهم من الإشراك باللّه حيث الحرمان من الجنّة: ﴿...يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾(المائدة: 72).
وجاء في كتاب إظهار الحقّ، أنّ مسلما كان يتلو القرآن فسمع منه أحد القسّيسين هـذا القـول: ﴿...وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ...﴾(النساء: 171)،  فقال: «إنّ هذا القول يصدق ديننا ويخالف ملّة الإسلام؛ لأنّ فيه اعترافاً بأنّ عيسى n روح هو بعض من اللّه»، وكان علي بن حسين بن الواقد مصنّف كتاب النّظير حاضراً هناك فأجاب: «إنّ اللّه تعالى قال مثل هذا القول في حقّ المخلوقات كلّها: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ...﴾(الجاثية: 13)، فلو كان معنى روح منه روح بعض منه أو جزء منه، فيكون معنى جميعا منه أيضاً على قولك مثل، فيلزم أن تكون جميع المخلوقات آلهة»، فأنصف القسيس وآمن (34).  
فهناك عدّة أدلّة وشواهد تقرّ بأنّه نبيّ، فهو قد أعلن تماماً مشيئة اللّه من جهة خلاص الخطاة الهالكين: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ»(35)
كما يلقب بكونه رسولاً: «الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي»(36) ومشرّعاً وموصياً: «هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعًا لِلشُّعُوبِ، رَئِيسًا وَمُوصِيًا لِلشُّعُوبِ»(37)ومعلّماً: «وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ»(38). ونور العالم وشاهداً؛ لأنّه مرسل من اللّه ليعلن مشيئته للنّاس ولكونه ابن اللّه يكون صادقاً في كلّ شهادة (39) .
من هذه الأدلة يتبين أنّ عيسىn نبيٌّ ومرسلٌ وشاهدٌ وموكلٌ بحمل رسالة المحبّة والتّبشير للنّاس، وتعليمهم أمور الدّين والتّعاليم الدّينيّة الحقيقيّة. فهو يكلّم النّاس عن اللّه بواسطة التّوجّهات الرّبّانيّة؛ إمّا بالتّوبيخ أو التّأديب أو التّهديد، أو التّقرير، أوالوعد، أو التّنبؤ بأمور مستقبليّة حسبما تقتضي الظّروف والأحوال، فهو نبيّ كما جاء في التّوراة: «فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ»(40).
وخلاصة لما تقدّم ذكره، نجد نصوصا قائلة بألوهيّة المسيح، وفي المقابل نصوصا تنفي القول بألوهيته وتعتبره مجرّد إنسان خاضع للإرادة الرّبانيّة كجميع البشر، ممّا يؤكّد إنسانيّته المحضة، تابع لتعليمات  اللّه، ضعيف أمام قوّته؛ محدود المعرفة والعلم المختصّ بالاله، متطلّع لما عنده من علم الغيب، صاحب رسالة تابع لأوامره ونواهيه، وهذا يولد تعارضاً صارخاً بين نصوص الكتاب المقدّس بالنّسبة لعقيدة ألوهيّة المسيح. وهذا إن دلّ على شيء فهو يؤكّد أنّ هذه النّصوص من تأليف البشر، وهو ما أضافه بولس للعقيدة المسيحيّة باعتباره المؤسّس الحقيقي لها. وهذا الخلط لا نجد له مثيلا في النّصوص القرآنيّة.
الهوامش
(1) شرح أصول الإيمان، الدكتور القس أندراوس واطمسون والدكتور القس إبراهيم سعيد، دار الثقافة، الطبعة الرابعة، ص:46.
(2) سر التدبير الالهي (التجسد الالهي)، اسبيرو جبور، الطبعة الأولى 1980، ص: 201. 
(3) دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، سعود بن عبد العزيز الخلف، ص: 194.
(4) المسيح والتثليث، محمد وصفي، دار الفضيلة، ص:105.
(5) قواعد ابن تيمية في الرد على المخالفين، حمدي بن حميد بن حمود القريقري، دار الفضيلة، الطبعة الأولى 1432ه-2011م، ص: 84.
(6) مقارنة الأديان دراسة في عقائد ومصادر الأديان السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام، والأديان الوضعية الهندوسية والجينية والبوذية، طارق خليل السعدي، دار العلوم العربية، الطبعة الأولى 1425ه- 2005م، ص: 137.
(7) رسالة التثليث والتوحيد، يس منصور، مطبعة الاسكندرية، الطبعة الثانية 1963، ص: 37.
(8) الله واحد أم ثالوث، محمد مجدي مرجان، مكتبة النافذة، الطبعة الأولى 1972، الطبعة الثانية 2004، ص: 13.
(9) أصول المسيحية كما يصورها القرآن الكريم، داود علي الفاضيلي، ص: 217.
(10) مقارنة الأديان دراسة في عقائد ومصادر الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام والأديان الوضعية الهندوسية والجينية والبوذية، طارق خليل السعدي، ص: 186. /الأسس اللاهوتية للتعليم الثالوث في كتاب الكنوز للقديس كيرلس الأسكندري، جورج عوض إبر إبراهيم، مطبعة جي سي سنتر 2013، ص: 135.
(11) متى: 3/17.
(12) يوحنا الأول: 4/15-16.
(13) المسيحية، الدكتور أحمد شلبي، ص: 132 بتصرف.
(14) شرح أصول الإيمان، الدكتور القس أندراوس واطمسون والدكتور القس إبراهيم سعيد، ص: 56-57.
(15) قواعد ابن تيمية في الرد على المخالفين، اليهود-النصارى-الفلاسفة- الفرق الإسلامية، حمدي بن حميد بن حمود القريقري، ص: 132.
(16) إظهار الحق، رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي، دار ابن الهيثم، الطبعة الأولى 1426ه- 2005م، ص: 51- 52.
(17) شرح أصول الإيمان، القس أندراوس واطسون القس إبراهيم سعيد، دار الثقافة القاهرة، 1298، ص: 60 
(18) تأثر المسيحية بالأديان الوضعية، أحمد علي عجيبة، موسوعة العقيدة والأديان 10، دار الأفاق العربية، الطبعة الأولى 2006م، ص: 521.
(19) الإصلاح الديني في المسيحية مقارنة بالإصلاح الفكري في الإسلام، كابان عبد الكريم علي، دار دجلة، الطبعة الأولى 2010، ص: 20-21. 
(20) إنجيل تيطس: 2/13.
(21) إنجيل يوحنا: 1/ 4 .
(22) إنجيل متى: 18/20.
(23) إنجيل يوحنا: 6/ 64.
(24) إنجيل متى: 4/ 10.
(25) نجار وأعظم، جوش ماكدويل، ترجمة سمير الشوملي، مطبعة حياة المحبة في الشرق الأوسط، ص: 7-8.
(26) إنجيل يوحنا : 11/ 27.
(27) دراسات معاصرة في العهد الجديد والعقائد النصرانية، محمد علي البار، ص: 169.
(28) كورنثوس:15/28.
(29) أفسس: 1/16-17.
(30) تيموثاوس: 2/5.
(31) يوحنا: 11/41-42.
(32) يوحنا: 8/28.
(33) مرقس:13/32.
(34) إظهار الحق، رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي، ص: 51.
(35) إنجيل يوحنا : 5/25.
(36) الرسالة إلى العبرانيين: 1/3.
(37) سفر إشعياء: 55/4.
(38) سفر متى: 23/10.
(39) شرح أصول الإيمان، القس أندراوس واطسون القس إبراهيم سعيد، ص: 125.
(40) سفر أعمال الرسل: 3/22.