خواطر
بقلم |
شكري سلطاني |
الصّبر قيمة مطلقة |
الصّبر قيمة مُثلى ثابتة يحتاجها الإنسان في حياته للتّوازن والإعتدال والمداراة ومسايرة نسق زمانه والثّبات عند المصائب . والصبر عون للإنسان، فليست حياة الإنسان كلّها رخاء ورفاهيّة، فلا تثبت على حال واحدة، بها منخفضات ومرتفعات ومطبّات ومنعرجات وطريق سويّ أحيانا .
الصّبر عنوان ومبدأ أساسي للتكيّف مع ضرورات الحياة وصيرورتها، فتصاريفها متلوّنة بألوان النّفوس وأذواقها وتعلّقاتها وتوجّهاتها وأفعالها، تغيّرات وتحوّلات لا علاج لها إلاّ الصبر والثّبات. ولكن الإشكال كيف يكتسب الإنسان قيمة الصّبر ويحوزها لتصبح له مهارة تساعده على مصارعة نوائب الزّمن؟ وكيف لمفرط الحركة والنّشاط وذي الحساسيّة المفرطة أن يتحلّى بالصّبر ولا يندفع متسرّعا ؟
إن الملاحظ لحياتنا العاديّة يستنتج عديد المواقف والقرارات وردود الأفعال والسّلوكيات كلّها متسرّعة يصاحبها الحرص والتّهوّر، يفتقد الصّبر ويغيب تماما لخصال يتّصف بها أصحابها تمنعهم من الصّبر والمصابرة ومغالبة نفوسهم عن المسارعة فيندفعون دون رويّة وبصيرة. فهل الصبر موهبة ساكنة في بعض النّفوس أو مكتسب يكتسبه الإنسان بالتدرّب والتعلّم وبعد نضج وخبرة ؟
يتميّز ويتحلّى حقيقة بعض البشر بصبر يزينّهم، يجعلهم لا يتزعزعون ولا ينكسرون أمام مصائب الزّمن ونائباته .
فالصّبر لهم موهبة وفنّ ودربة وكفاية تجعلهم يتجاوزون الصّعوبات والعقبات والمحن بكل إقتدار.
هي قلّة قليلة من البشر، وذلك لتوازن نفوسهم واعتدالهم وعدم إفراطهم وتفريطهم ولروحانيتهم وهممهم العاليّة وعقلياتهم الرّاقيّة. بينما يعجز آخرون -وما أكثرهم- أن يتحكّموا في نفسيّاتهم، وأن يراقبوا ردود أفعالهم وسلوكهم ويضبطوها، فتراهم ينساقون ويستجيبون متسرّعين متهوّرين ليزيدوا حالهم سوءا وتعقيدا وصعوبة.
الصبر عاقبته محمودة، أمّا التّسرّع والتهوّر والحرص فعاقبتها النّدامة . يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿ ...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(الزمر: 10) ويقول الإمام علي ابن أبي طالب عليه السّلام: « وقلّ من جدّ في شيء يؤملّه فاستشعر الصّبر إلاّ فاز بالظّفر» .
الصّبر ضرورة حياتيّة وقيمة لا بدّ منها لتخطّي المصاعب وتجنّب الأسوأ. لهذا فإنّ على الإنسان أن يتدرّب على إكتساب قيمة الصّبر لتصبح له مهارة وكفاية، ليشتغل الصّبر آليّا وتلقائيّا عندما يقتضي الأمر ويُستدعى الصّبر، فيجده صاحبه عونا.
يكتسب الصّبر باتّباع طريقة ومنهج وسلوك متكرّر يُتجنب فيه التّسرّع والإنفعال، وذلك بإكتساب عقليّة وذهنيّة محيطة ومؤطّرة ومتعالية نسبيّا على الحوادث والوقائع والأحداث. ولن يتاتّى ذلك إلاّ بثقافة وخبرة وإتساع أفق الفهم بتسلّق الإنسان وصعوده سلّم المراقي العرفانيّة العليا حيث قدرات التّحليل والتّركيب والتّأليف والنّقد.
على الإنسان أن يتعلّم في مدرسة الحياة ويصوغ شخصيّته وينحتها من جديد، يصلحها ويداوي عللها، عليه أن يتعوّد الصّيام عن الأكل والكلام والغيبة والنّميمة ويزهد ولا يطمع. عليه أن يسعى جاهدا وهو يكدح لتحقيق كرامته، وأن يغيّر من عاداته التي ثبت عدم جدواها وفائدتها.
شعوب تحررت من عقدها وعللها بممارستها الحضاريّة ووعيها، فسكن الصّبر راسخا في ذواتها وانتصرت في أحوال منازلاتها، أمّا غيرها فقدْ فَقَدَت بوصلة السّير، فتاهت وضاعت لغياب القيّم الجوهريّة في حلّها وترحالها وسفرها الدّنيوي وفي سكونها وحركاتها. فما نالت تلك الشعوب ما أرادت. ضرّستها الدّنيا بأنيابها، فأردتها مفلسة منكسرة. |