شخصيات الإصلاح
بقلم |
![]() |
التحرير الإصلاح |
أ.د.جعفر شيخ إدريس |
جعفر شيخ إدريس، مفكر إسلامي سوداني، وعالم داعية، وأستاذ جامعي، ومؤسّس الجامعة الأمريكيّة المفتوحة ومديرها. متزوج وأب لثلاثة ذكور وبنت، وجدٌ لسبعة أحفاد. ولد عام 1931 ميلاديّة بمدينة «بورتسودان» شرق السّودان وترعرع في عائلة تنتمي إلى الطّريقة الختميّة الصّوفيّة، وفي الثانية عشر من عمره ترك انتماءه إلى طريقة والديه ليلتحق بجماعة انصار السنّة المحمّدية تحت تأثير أحد أقربائه. ومع هذه الجماعة عرف مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
تعرّض في صغره إلى حادث عوقه عن المشي لمدّة ثلاث سنوات تقريباً فتسبّب في تأخّره عن الالتحاق بالدّراسة، لكن هذا التأخير أفاده جداً، إذ جاء إلى الدراسة ناضجا ومتشوّقا، بنهم شديد، فكان في المرحلة الأوليّة والمتوسّطة يدرس في المدرسة والخلوة (مدرسة تحفيظ القرآن الكريم) معاً. ونتيجة لتفوّقه التحق سنة 1950م بمدرسة حنتوب وهي حينذاك إحدى ثلاث مدارس ثانوية في السودان لا يُقبل فيها إلا المتفوقون في الدراسة. وفيها انضمّ إلى حركة إسلامية ناشئة هي حركة التّحرير الإسلامي التي صارت فيما بعد جماعة الإخوان المسلمين. وفي ذلك الوقت لم تكن الحركة على صلة تنظيميّة بحركة الإخوان المصريّة. وكان الطّالب جعفر عضواً نشطاً في الحركة يقيم المحاضرات ويُلقي الدّروس. وقد تأثرت الحركة كثيراً بكتابات سيد قطب.
حصل عام 1961م على درجة البكالوريوس في الفلسفة مع مرتبة الشّرف من جامعة الخرطوم مع تخصّص ثانوي في الاقتصاد. ثم عُيّن معيدا بالجامعة لكنّه سرعان ما انتقل إلى جامعة لندن ضمن بعثة رسميّة لنيل الدّكتوراه، ولم تبدأ صلة الشّيخ بالغرب عند انتقاله إلى لندن، بل بدأت في الثّانوية والجامعة حيث كان التدريس باللّغة الإنجليزية، إضافة إلى احتكاكه في الجامعة بالفكر الغربي في آخر سنتين حيث درس الاقتصاد والفلسفة. وقد امتلك -رغم قصر مدّة إقامته هناك - فهما عميقا للعديد من المسائل المطروحة في الغرب وذلك من خلال معاينته الميدانيّة ومن خلال قراءة البحوث الموثَّقة الموضوعيّة المبنيّة على حقائق ملموسة وما يكتبه المفكرون الغربيّون في العديد من المسائل أهمّها الدّيمقراطيّة.
ترك جعفر شيخ إدريس الدّراسة واستقال من الجامعة ليشارك في العمل السّياسي الإسلامي. وكان مرشح جبهة الميثاق بمدينة بورتسودان(1). ثمّ عاد للجامعة مرّة أخرى عام 1967، ليحصل بعد ثلاث سنوات على درجة الدكتوراه من جامعة الخرطوم في تخصّص الفلسفة، بعد أن ابتعثته الجامعة إلى بريطانيا مرّة أخرى.
وفي العام 1969 كان الشّيخ جعفر الشّيخ إدريس من ضمن ثلّة من القيادات المعروفة التي انسلخت عن الإخوان المسلمين نتيجة رفضهم انتخابَ د. حسن التّرابي أمينا عاما للجماعة.
واضطر الدكتور جعفر للخروج من السّودان سنة 1973م إبان حكم الرّئيس جعفر نميري، فهاجر متخفّياً عبر غرب السّودان إلى ليبيا ومنها إلى لندن ثمّ السّعوديّة حيث عمل بجامعة الرّياض (الملك سعود حاليّاً) ومنها إلى جامعة الإمام التي ظلّ يعمل بها لحين تقاعده سنة 1997م. وكان يدرّس طلاب الدّراسات العليا بالجامعة مواد العقيدة والمذاهب المعاصرة، كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدّكتوراه· وترأس إدارة قسم البحث بمعهد العلوم الإسلاميّة والعربية في أمريكا، التّابع لجامعة الإمام ثمّ عمل مستشاراً للمعهد. وأسّس الجامعة الأمريكيّة المفتوحة مع بعض النّاشطين، ثمّ أصبح مديراً لهيئتها التأسيسيّة.
تتميز كتابات الشّيخ جعفر بالإجمال ووضع القواعد العامَّة، ولذا جاءت جُلُّها في شكل رسائل صغيرة أو بحوث. ومن مؤلّفاته باللّغة العربيّة: «الفيزياء ووجود الخالق» و«نظرات في منهج العمل الإسلامي» و«الإسلام لعصرنا» و«مناهج التّفكير الموصلة للحقائق الشّرعيّة والكونيّة» و«صراع الحضارات بين عولمة غربيّة وبعث إسلامي». وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة بحوث ومقالات في صراع الحضارات وتأثير الغرب على العالم الإسلامي، وماذا يمكن فعله لمواجهة هذا المد الغربي؟
وقد ركّز فيه على التعريف بالحضارات والعولمة وصراع الحضارات، وموقف الإسلام من الأديان والحضارات الأخرى، وصراع الحضارات ومستقبل الدّعوة الإسلامية، وعلاقة الغرب الاستعماريّة بالعالم، والعلاقات الدّولية في الإسلام، وأسباب صراع الحضارات وواقعه، وأسباب التّبعية للغرب. ثمّ قدّم نقدا للفكر الغربي بمنهج علمي، وتحليلا للأسس الفكريّة التي يقوم عليها الفكر الغربي المعاصر.
وتطرّق فيه إلى كيفية مواجهة المدِّ الغربي وبعث حضارة الإسلام من جديد، فتحدّث عن الوحدة لصدّ الحرب الغربية على الإسلام، وناقش السّؤال: ما فرص نجاح الإمبرياليّة الجديدة؟ ثم أنهى الكتاب بعنوان: «المستقبل لنا»(2)
ولضيفنا ثلاثةكتب باللغة الانقليزيّة (3)، بالإضافة إلى عدد قيّم من البحوث باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة، لعلّ من أهمّها بحوثه في «الرّدّ على أوهام المادّية الجدليّة».
كان الاستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس أحد الأوائل الذين تحدثوا في كتاباتهم ومحاضراتهم عن إشكاليّة كيف يكون الإسلام منهجاً وقائداً للمسلمين في العلوم الطّبيعية والإنسانيّة؟ وكيف يمكن الاستفادة من العلوم الغربيّة من غير الإخلال بالعقيدة الإسلاميّة وثوابت الدّين؟ ووضع الحلول لها من خلال نظريّة إسلاميّة المعرفة، وهو الجانب الذي بذل فيه جهداً واضحاً في التّنظير والتّطبيق (تعريفها ومعرفة مصادرها ووسائلها، وكيفية تطبيقها، والردّ على الشّبهات المثارة حولها) ثمّ الحديث عن الحضارة الغربية (مكوناتها وإطارها، ومقارنتها بالإطار الإسلامي)، وإسلامية المعرفة حسب شيخ إدريس ليست خاصّة بالدّين الإسلامي، أو بأحوال المسلمين الرّاهنة، أو بتاريخهم، فهي لا تقتصر على المجتمعات الإسلاميّة، بل تشمل المجتمع الإنساني كلّه، بما في ذلك المجتمعات الغربيّة. وأنّ مصادر المعرفة إثنان: الوحي والكون، أو الشّرع والخلق، وهما مصدران متوافقان غير متناقضين، يصدق أحدهما الآخر ولا يكذبه، أمّا وسائل المعرفة، فهي: الحسّ والعقل. وأنّ خطأ الفكر الغربي في أنّه يحصر مصادر المعرفة في الكون. فلذلك أصبح العلم عنده مخالفا للدّين.ه
الهوامش
(1) جبهة الميثاق الإسلامي :جبهة الميثاق الإسلامي هو تحالف إسلامي بين الإخوان المسلمين والسلفيين والطريقة التجانية الصوفية، وتكون هذا التحالف لخوض انتخابات 1968
(2) يمكن تحميل الكتاب عبر الرابط التالي: https://dawa.center/file/5396
(3) «The Pillars of Faith» و«Islamization: Its Philosophy & Methodology» و«The Attributes of God»
|