من القلب

بقلم
محمد المرنيسي‎
خواطر عابرة
 إذا كنت لا تعرف اللّه فلا تصلح أن تكون أمينا على خلقه. وإذا لم تلبس أقنعة الصّبر اخترقتك السّهام وأوجعتك الأورام والأسقام واتهموك بما ليس في الحساب. عندما يحتاج اليك من هو أعلى رتبة منك، فاعلم أنّه يريد أن ينقذ نفسه ويورطك.وإذا صاحبت الكلب تعلّمت النّباح وحلاك ببعض طباعه، وإذا داعبته تجرأ عليك ولعق خدّك. 
من هجر النّاس أمن شرّهم، ومن خالطهم لا يسلم من أذاهم، فاختر لنفسك ما تستطيع تحمله.يبدأ العداء بالخلاف، وينمو بالمراء، ويثمر بالقطيعة والهجر، فيشتد البغض والحقد ولا ينفع التّرغيب والتّرهيب. لاتخاذ القرار الصّعب عليك أن تتحمّل القادم بعزيمة قويّة، واثبت، فإن توليت فلن يكون لك أي وزن أو اعتبار فيما بقي من عمرك.
مجتمع الغاب أعقل وأرشد من المجتمع الإنساني؛ لأنّ القوي في الغاب يصطاد ما يقتات به من القطيع ولا يدمّر الباقي، ولكنّ المجتمع البشري يدمّر فيه القويّ الضّعيف دون رحمة، ولا من صوت يعلو فوق صوت الأقوياء، واللّه أقوى منهم، والعاقبة لمن اتقى. لا تنتظر من عبدة الأجسام أن يخرجوا من الطّين والوحل، دأبهم أن يلهثوا وراء السّراب، حتى اذا عجزوا عن المسير عادوا يستعرضون ذكريات النّجاح والإخفاق؛ لعلّهم ينسون مؤقّتا ما يعيشونه من معاناة الألم والعذاب والياس.
الظّالم أعمى عن معرفة الحقّ للرّجوع إليه، ولا يزال متلبّسا بظلمه حتّى يُصبّ عليه العذاب صبّا، ولا يجد أمامه الاّ ما يكره . الأحمق يعتقد أن لا عاقل غيره. والجاهل لا يرى أنّ أحدا أعلم منه. والمستبدّ لا يطيق وجود أيّ مدع للإصلاح، ولا يقبل غير الإطراء والتّمجيد. الرّاعي الظالم يسوق القطيع بالعصا، ويعيد الشّوارد بالكلاب، ومن القطيع يستغني الرّاعي ويرمي الفتات الى كلابه، ومن يستطيع أن يخرج من هذا الثّالوث؟
المسؤوليّة صورة جميلة يعشقها الكثيرون ويركضون خلفها، وقلّ من ينجح في الوصول اليها عن جدارة واستحقاق، والاحتفاظ بها الى حين انتهاء مهمته. وما أكثر السّاقطين والمتساقطين في الطّريق  قبل أن يحقّقوا ما يرجون ويأملون.
التّاريخ سجل قاصر كثير الثّغرات والفجوات، فيه المغمور والمشهور، والمنسي والمذكور، وشهادة الحقّ والزّور، وما يسمح بمعرفته اليوم قد لا يكون متاحا غدا، وما نراه اليوم هنا أبيض ناصعا، قد يكون هناك أسود فاحما،.فلا تصدّق الخبر إلاّ بعد الاختبار، واحذر الأبواق المأجورة لأنّها لمسح الأحذية راضية مسرورة. تبيع الكلام بكيس من طعام، وتطمس الحقائق بطيب الرّقائق.
لا تنتظر من الظّلمة والمجرمين أن ينصفوك، ولا تتوقّع من العجزة والمعوقين أن يساعدوك، ولا تطمع في طعام البخلاء، ولا تطمئن لوعد السّفهاء، ولا ترجو من المتكّبرين والمتنطّعين أن يقدّموا لك خيرا أو يدفعوا عنك شرّا، وقديما قالوا: «ما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولّ أنت جميع أمرك»، فتعلّم ما ينفع واعمل ما لا تندم يوما على فعله. الفقراء هم الذين يملكون ما لا يكاد يحصى، ولا نهاية لمطامعهم في المزيد من ذلك؛ لانّهم ينظرون فقط الى من هم أعلى منهم؛ ولذلك تراهم في سباق دائم معهم  حتّى تفاجئهم المهالك، فيسقطون صرعى. الفقر في الفكر أشد فتكا وأقسى ألما من الفقر المادي؛ لذلك تراهم يكرّرون في كلّ مجلس وفي كلّ مناسبة أقوالهم وأفعالهم دون ملل أو فتور أو خجل.
اقطع لسان السّوء بالاحسان، واطلب الثّناء بالاتقان، ولا يغرنّك تعظيم النّاس لك، فأنت أعلم بنفسك منهم، واللّه أعلم بجميع عباده. الخير فيما اختار اللّه لك، فلا تعترض بالشّكوى لدفع البلوى، ولو شاء ربّك لرفع ما تراه بأسا وضرّا، فارض بما قسم اللّه لك، والزم طريق الحقّ واصبر على أذاه، فهو النّجاة من سوء العاقبة.
جدد إيمانك وطهر قلبك، واشتغل بما يهمك في دينك ودنياك، ولا تؤجل الواجب الى الغد؛ فلعلك لا تدركه فتندم، وازرع الخير أينما حللت تسلم، وكن على الحق معينا وظهيرا وعلى الباطل منكرا ومغيرا. ما ذاق طعم العبادة من ركن طوال اللّيل الى الوسادة،وادعى أنّها العادة شاعت بين العبيد والسّادة، في زمن التّفاهة والبلادة.
ما أيسر الكلام في الوعظ والزّهد والقناعة، وما أصعب العمل بما ورد فيها ! فلا تغتر بالمظاهر والصّور والألقاب إذا كانت جوفاء خالية من الرّواء.