خواطر

بقلم
شكري سلطاني
المقاربة البشريّة وأبعادها
 يتعامل الإنسان مع وجوده الدّنيوي ويتصرّف سالكا درب الحياة، متوجّها ساعيّا حاملا لمقاربة تُحدّد وجهة تفكيره وسلوكه وتصرّفه وكيفيّة تعامله مع واقعه. فما هو مفهوم المقاربة؟ وما هي أصنافها؟ وما هي الأسباب والعوامل التّي تؤثّر في إعتقاد الإنسان وإتّخاذه مقاربة دون غيرها من المقاربات؟ وهل هناك مقاربة فكريّة وسلوكيّة أجدى وأنفع للإنسان في حياته؟
1 - مفهوم المقاربة :
هي الطّريقة أو الإستراتيجيّة التّي يتمّ بها تناول موضوع أو مشكلة معيّنة بغية حلّها أو فهمها، ويمكن إعتبارها إطارا فكريّا  ونظريّا تُحدّد كيفية تعامل الإنسان مع واقعه.
2 - أنواع المقاربات :
أ-المقاربة الفلسفيّة : مثل مقاربة الوجود أو مقاربة المعرفة، تهتمّ بتحليل المبادئ الأساسيّة للأشياء والظّواهر لتعطي معنى للحياة إجمالا.
ب - المقاربة العلميّة : تعتمد على المنهجيّة التّجريبيّة والبحث لفهم الظّواهر الطّبيعيّة والقوانين التي تحكمها.
ج- المقاربة البيداغوجيّة : تهدف إلى تصميم إستراتيجيّات تربويّة فعّالة لتسهيل التّعليم والتعلّم.
مثل بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا المقاربة بالكفايات...
د - المقاربة الرّوحيّة : تسعى لفهم العلاقة بين الإنسان والوجود وربّه من خلال منظور روحاني تأمّلي مثل التّصوّف.
3 - نفعيّة المقاربة في حياة البشر :
إنّ المقاربة التي يتبنّاها الإنسان تُشكّل أساس نظرته للعالم وتفاعله معه، فهي تؤطّر كيفيّة إدراكه للحقائق وتحدّد إستجاباته.
فمن يعتمد مقاربة علميّة قد يركّز على الأدلة والبراهين قبل إتّخاذ القرار، فيستند إلى عقلانيّة ترتبط بالموضوع دون الإعتماد على العاطفة في الحكم.
ومن يتبنّى مقاربة روحيّة قد يولي أهميّة وإهتماما للإلهام والبصيرة الدّاخليّة والحدس.
كذلك من يتبنّى مقاربة نفعيّة يُبدي إهتماما بالجدوى العمليّة من أيّ فعل وقصد وعمل.
فما هي إذن العوامل المؤثّرة في إختيار مقاربة دون غيرها؟
عدّة عوامل وشروط قد تعتمل مع بعضها لتفرز مقاربة يتبنّاها الإنسان لتُوجّه تفكيره وسلوكه ومنها:
* العوامل النّفسيّة : الحذر، الخوف، الثّقة بالنّفس، المزاج.....
الحالة النّفسية تؤثّر بقوّة في إختيار مقاربة بعينها دون غيرها.
* التّجربة والخبرة ونضج الشّخص: تُشكّل أدوات التّفكير المستقبليّة ودعامة لإتّخاذ قرار ضمن مقاربة شخصيّة وقناعة ذاتيّة.
* البيئة الإجتماعيّة : العادات والتّقاليد والموروث الثّقافي يمكن أن تدفع الإنسان لتفضيل مقاربة دون أخرى.
* المعتقدات الدّينيّة والفلسفيّة : إنّ قناعات الإنسان حول الوجود والغاية تُحدّد زاوية رؤيته للأحداث.
* الضّغوط والظّروف : تُوجّه الإنسان شعوريّا أو لاشعوريّا لتبنّي مقاربة دفاعيّة أو هجومية أو صداميّة أو براغماتيّة نفعيّة صرفة. فهل هناك مقاربة فكريّة وسلوكيّة أجدى وأنفع للإنسان في حياته؟
4 - مقاربة الوديعة :
إنّ افضل المقاربات  هي التي تراعي أبعاد الإنسان الرّوحيّة والنّفسيّة والعقليّة والبدنيّة، والتي تُحقّق الدّيمومة من وجوده الحسّي الدنّيوي إلى وجوده المعنوي الأبدي. وهي المقاربة  التي تجمع بين عقلانيته وعاطفته، وتوازن بين روحانيته ومادّيته ومثاليته وواقعيته من حيث المرونة َوالوسطيّة، إذ لا ضرر ولا ضرار ولا إفراط ولا تفريط، موازنة بين كلّ مكوناته وأبعاده تعتمد على القيم الأخلاقيّة، إذ تنطلق أساسا من قيم الحقّ والعدل والجمال، وهي تسمح للإنسان بتطوير نفسه بإستمرار وذلك بإستمراريته في التعلّم والإستفادة من فرصة الحياة.
إنّ الإنسان تعوزه القدرة التّامة المطلقة والمعرفة الكاملة، ولو كان يعلم الغيب لأستكثر من الخير وما مسّه السّوء، لذلك عليه أن يتجاوز محدوديّة مقارباته الفكريّة وإستعمال عقله بإفراط، وعليه أن يستلهم من تجلّيات ربّه ما يجعله يفهم ويعلم معاني الوجود، وعليه أن يسعى جاهدا للتخلّي ما أمكن عن أناه ( الأنا السّطحيّة) ويتجرّد منها، فليس يملكها،  فاللّه مالكها ( ربّ النّاس، ملك النّاس، إله النّاس) ، والإنسان متسوّغ لها وعليه أن يُرجع الوديعة إلى صاحبها ويستريح من عناء ثقله المعنوي والأمانة التي نأت بحملها السّموات والأرض والجبال.
إنّ مقاربة السّعي لإرجاع الوديعة إلى صاحبها هو تحرير للنّفس من قيود الأوهام وسوء الأفهام وتمكين لها للسّير نحو نور الحقيقة. 
«وشاهده حقّا فيك منك  فإنّه *** هويتك الـــتي بهــا أنت دالــع
فبع منك نفسا بالإله وكنهـه *** تكون كما إن لم تكن وهو صادع» (1)
ألم يتعثّر إبليس اللّعين ويجهل جهالته ويسقط سقطته بإختياره مقاربة التّعالي بالمادّة على الرّوح، حيث رفض الإنصياع لتجلّي ربّه في آدم عليه السّلام بسبب نظرته القاصرة الخاطئة التي ركّزت على أصل الخلق (النّار والصلصال) بدلا من جوهر الأمر (التكليف الإلهي)، حيث إحتقر خلقة الصّلصال وتعزّز بخلقة النّار. إنها مقاربة الأنانيّة والنّرجسية المقيتة المميتة والمادّيّة التي تُمثّل مثالا صارخا للمقاربات الفكريّة الخاطئة التّي تقود صاحبها إلى الضّلال والتّمرّد والعدميّة. فمتى يستفيق الإنسان وتصحو روحانيته وتنقشع عن بصيرته غشاوة الغفلة بنور العلم والفهم عن ربّه، ليتّخذ مقاربة تكون له جسر عبور إلى سفر الباطن وبرّ الأمان؟.
الهوامش
(1)  الشيخ عبد القادر الجيلاني فتوح الغيب