نقاط على الحروف

بقلم
د.عبدالسلام الحمدي
قضايا الخطاب الدّينيّ المعاصر من خلال خطب الشّيخ محمّد الأخوة الجمعيّة (1-2)
 مقدّمة
تستمدّ دراسة الخطاب وجاهتها من خطورته في الحياة البشريّة باعتباره الأساس في التّواصل بين النّاس وإنشاء العلاقات الإنسانيّة وتكوين الهيئات الاجتماعيّة، وتتراءى أقصى درجات خطورته في نوعه الدّينيّ بحكم استناده إلى المقدّس (الوحي الإلهيّ المتعالي)، فلا غرو أن ينصرف إلى هذا الضّرب منه نظرُنا، بناء على فرضيّة خلاصتها أنّ الخطاب الإسلاميّ الشّعائريّ(1) تعتريه في الوقت الرّاهن أزمة أظهَرُ تجلّياتها تضاؤل قوّته التّأثيريّة، وشأن هذه الفرضيّة أن تبعث على التّساؤل عن الأسباب الّتي أفضت إلى ضعف فاعليّة ذاك الجنس من المنتَج الخطابيّ.
تتطلّب معالجة هذا التّساؤل تشخيصا لواقع الخطاب الدّينيّ المعاصر ينجلي عن القضايا الّتي يدور عليها ومنهجه في طرحها، ويمكن أن يوصلنا إلى المقصود التّوسّلُ بثلاثة مداخل: فأمّا المدخل الأوّل فالمواضيع المطروقة، وأمّا المدخل الثّاني فالمنهج المتوخّى في التّطرّق إليها، وأمّا المدخل الثّالث فمنهجيّة الاشتغال بها. وبما أنّ المراد ذو وجهين، أحدهما مضمونيّ والآخر شكليّ، نواجه إشكاليّة مركّبة لا يمكن التّعبير عنها بأقلّ من الصّيغتين الاستفهاميّتين الآتيتين: ما هي قضايا الخطاب الدّينيّ المعاصر؟ وكيف يعالجها؟
ويحملنا على استعمال مصطلح الخطاب في هذا السّياق كوننا ندرس ضربا مخصوصا من الكلام، هو الكلام الموجّه نحو الغير لإفادته(2) ، إذ ليس خطابا ما لا يوجَّه إلى الغير من الكلام. ويرجع نعت الخطاب بـ «الدّينيّ» إلى أنّ الدّين مستنده وقضايا التّديّن موضوعه، نعني أنّه استحقّ تلك الصّفة من خلفيّته ومداره. وأمّا وصفه بـ «المعاصر» فتقييد زمنيّ وتعيين لحدود النّظر، ذلك أنّ مجاله لا يتعدّى منتصف القرن العشرين وفق التّقويم الميلاديّ من حيث كونه مبتدأ المرحلة الّتي نهتمّ بها. إذن، ينحصر اهتمامنا في ما يوجَّه إلى الغير، منذ منتصف القرن العشرين، من كلام يستند إلى الدّين ويتّخذه موضوعا.
المدوّنة وسياقاتها:
إذ نقدم على إثارة هذه المسألة نجد أنفسنا إزاء أكثر من خيار في ما يمكن أن نشتغل به من أشكال الخطاب الدّينيّ، ونظرا لأهمّيّة الخطبة الجمعيّة بصفتها مناسبة أسبوعيّة قارّة ارتأينا أن تكون الشّكل الّذي نعتمده في معالجة الإشكاليّة المطروحة، فوضعَنا ذلك إزاء خيارات عديدة في أمر المدوّنة الّتي يمكن اعتمادها، لأنّ مجاميع الخطب من هذا النّوع كثيرة، ويغني عن الإطالة في السّرد ذكر ثلاثة أمثلة منها، أحدها كتاب «منبريّات»(3) ، وبين دفّتيه مجموعة من منجَزات الخطيب محسن بالطّاهر بوعزيز على منبر الجمعة، وثانيها كتابا «منهاج الهداية الإسلاميّة»(4)  و«سبل المهتدين»(5) ، وهما مجموعان خاصّان بالخطب الجمعيّة الّتي ألقاها المفتي الأسبق للبلاد التّونسيّة الشّيخ محمّد المختار السّلاّمي.
ومن تلك المجاميع أيضا كتاب «مختارات من آثار فضيلة الشّيخ محمّد الأخوة»(6) ، وعليه وقع اختيارنا، وألجأتنا إليه اعتبارات إجرائيّة تتعلّق بحجمه وخصائص الخطيب، ذلك أنّ عدد صفحاته لا يصل إلى منتهى المائة السّابعة، ومع هذا نحصر عملنا في فصلين من أحد أقسامه، يمتدّ جماعهما من الصّفحة السّابعة والثّلاثين (37) إلى الصّفحة الخامسة والسّبعين ومائتين (275). أمّا الخطيب الشّيخ محمّد الأخوة (1331هـ/1913م – 1415هـ/1994م)(7)  فشخصيّة يتقاطع فيها التّديّن التّقليديّ والتّديّن الاحتجاجيّ، ناهيك أنّه شيخ من الزّيتونيّين(8) استأنست به حركة الاتّجاه الإسلاميّ إلى حدّ أن بوّأته رئاسة قائمتها الانتخابيّة في العاصمة خلال دورة انتخابات برلمانيّة.
وقد أُلقِيَت الخطب المعتمدة في درسنا خلال طور ما بعد استقلال تونس عن الاحتلال الفرنسيّ (1956م) حتّى أوائل تسعينات القرن العشرين، واتّسم هذا الطّور بثلاثة معطيات طبعت السّياق التّاريخيّ لإلقاء تلك الخطب: أحدها إقدام السّلطة السّياسيّة على إغلاق أبواب التّعليم الزّيتونيّ التّقليديّ، وثانيها فرض العلمانيّة قسرا وثالثة الأثافي ظهور التّديّن الاحتجاجيّ في ثوب «الجماعة الإسلاميّة» ثمّ تحت اسم «الاتّجاه الإسلاميّ». ولذلك لم تسلم العلاقة بين الفاعل الدّينيّ والفاعل السّياسيّ من توتّرات يُفترَض أن تتردّد أصداؤها في خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة.
ونواجه في دراسة المدوّنة المختارة عائقا يحول دون الإحاطة بما يساعد على فهم الخطب من حيثيّاتها الظّرفيّة، وهو جهلنا بتواريخ إلقائها، لأنّ جامعيْها قلّما أرّخا خطبة(9)، لكن تكلّفا تبويب المجموع حسب معيار الموضوع بنحو يساعد على تناوله، إذ أفردا فصلا لما كان منه «في العقائد والعبادات»(10)، وفصلا آخر لما اتّصل بـ«المعاملات والأخلاق وأحوال المجتمع»(11). وهو ما أوحى لنا بترتيب ثلاثيّ نلتزم به في المحاور الّتي نخوضها، وقوامه على أبعادِ ثنائيّةِ الدّينِ والتّديّنِ، وهي: الاعتقادات والعبادات والمعاملات. أمّا المحاور فأربعة، يتمثّل أحدها في القضايا ذاتها، ويتعلّق الثّاني بالصّيغ التّركيبيّة المعتمدة في إثارتها، ويدور الثّالث على المفاهيم المؤسّسة للمتّصل بها من المنجَز الخطابيّ، ويقتصر الرّابع على الاستراتيجيّات الخطابيّة المتوسَّل بها إلى معالجتها.
المحور الأوّل: قضايا خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة
يتّجه نظرنا في هذا المحور إلى المستوى المضمونيّ من خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة، على سبيل الإجابة عن السّؤال الآتي: ما هي القضايا الّتي اهتمّت تلك الخطب بإثارتها؟ ولما أنّ المنجَز الخطابيّ الّذي نشتغل به هو وجه من تشكّلات الخطاب الدّينيّ، نعتقد أنّ الخطيب لا يمكن أن يتطرّق إلى قضيّة منقطعة الصّلة بمعطيات الدّين، وليس في هذه المعطيات ما لا يتّصل بعنصر من ثلاثيّة الاعتقادات والعبادات والمعاملات، فإنّ الأبعاد الثّلاثة تستوعب كلّ المضامين الممكنة، ولذلك ارتأينا أن نبني عليها المحور ومحاولتنا التّحليليّة برمّتها، ونعتمدها مداخل في مسعانا إلى استجلاء ما نروم كشف الغطاء عنه.
1. في الاعتقادات
يلاحظ النّاظر في مجموع الخطب الجمعيّة المدوّنة بين دفّتيْ الكتاب الّذي نشتغل به قلّة ما يتعلّق منها بالاعتقادات، فهي لا تتجاوز من حيث عددها ثلاث خطب، اُختِير لإحداها عنوان في صيغة استفهاميّة، هو «ما هو الإسلام؟»(12)، واصطُفِي للثّانية عتبة في شكل مركّب إضافيّ، وذلك «ختم الأديان»(13)، أمّا الخطبة الثّالثة فعُنوِنَتْ بالمركّب العطفيّ الآتي: «في الذّكر وفي خواصّ كلمة التّوحيد»(14) . وليس من الغريب أن تكون الخطب المخصّصة لمسائل العقيدة قليلة جدّا مقارنة بالخطب الدّائرة رحاها على العبادات والمعاملات، فالمعطيات الاعتقاديّة نظريّة مجرّدة لا يناسب الخوض فيها مقام الخطبة الجمعيّة، لأنّه مقام يتّسم بكثرة العوامّ في المتلقّين، هذا فضلا عن أنّه من المفترَض كون تلك المعطيات مجمعا عليها ولا خلاف فيها بين المصلّين.
ومن الملاحظ في الخطب الثّلاث طغيان الكلام النّظريّ العامّ غير المقيَّد بأحوال محدّدة يعيشها المصلّون، فلا يوجد ربط لمفاهيم الإسلام وختم النّبوّة والتّوحيد بواقعهم وحياتهم اليوميّة، إذ لم يخض الخطيب في كيفيّات أجرأة تلك المفاهيم وتنزيلها على صعيد الممارسة العمليّة، بل أغرق في استعراض النّصوص من الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة والمنقولات السّرديّة دون التّطرّق إلى ما يستدعي الخوض في المسائل الإيمانيّة من واقع المسلمين العقديّ، إذ ليس في تلك الخطب برمّتها سوى جملة واحدة تحيل على راهنهم، لكن دون تفصيل، وهي الصّيغة الاستفهاميّة الآتية: «فما بالنا اليوم نريد الرّجوع إلى سيرة الضّلال ونبتعد عن هدي الدّيّان»(15) ، ولعلّه بيّن باستطراد شفويّ ما كان يتراءى له، مثلا، من مظاهر الضّلال في مجتمعه، بيد أنّه ليس يسعنا القطع بذلك في غياب العِيَانِ.
2. في العبادات
تمتدّ الخطب المتعلّقة بالعبادات في المختارات من آثار الشّيخ محمّد الأخوة بين الصّفحتين خمسين وثمان وعشرين ومائة (50-128)، فحجمها يقارب ثمانين صفحة، ومن الظّاهر الفرقُ بينه وبين حجم الخطب المخصّصة لمسائل العقيدة، وذلك أمر طبيعيّ، في تقديرنا، لأنّ العوامّ تهمّهم الأعمال الإجرائيّة المتّصلة بالعبادة لا التّصوّرات النّظريّة الاعتقاديّة الّتي يكفي تصديقها على الإجمال، دون تفكّر، بالنّسبة إليهم. ويمكن تصنيف تلك الخطب إلى صنفين: فأمّا الصّنف الأوّل فمداره على متعلّقات العبادات البدنيّة المتمثّلة في الصّلاة والصّوم والزّكاة والحجّ. وأمّا الصّنف الثّاني فمحوره ثلاث قضايا من العبادات اللّسانيّة، إحداها الذّكر والتّصلية، وثانيتها الاستغفار، وثالثتها الدّعاء.
ومن اللاّفت للنّظر في الصّنفيْن كليهما أنّ القضايا المطروقة جزئيّة، فليس فيهما اهتمام بالقيم الكلّيّة النّاظمة للعبادات البدنيّة واللّسانيّة، ولا ما تنطوي عليه من المقاصد الاجتماعيّة والأخلاقيّة، ولا ما يكابد المتديّن الملتزم بأداء الشّعائر من صعوبات إجرائيّة في ممارستها نتيجة نظام الحياة المعاصرة، ومن هذا القبيل عدم التّناسب بين تزمين العمل بالنّسبة إلى أجراء الوظيفة العموميّة ومواقيت الصّلاة. بل يكاد الكلام في العبادات يتمحّض للقوالب النّظريّة المجرّدة من أيّة صلة بالمشكلات اليوميّة الّتي يواجهها الحريص على إنجاز الفرائض الشّعائريّة وفق أحكامها الشّرعيّة.
ومن الملاحَظ أيضا تهميش العبادات القلبيّة من نظائر المحبّة والخوف والرّجاء ...، إذ لئن يُشِرْ الشّيخ الأخوة أحيانا إلى أهمّيّة فعل القلب وحاله في العبادة، بنحو كالآتي: «اعلموا يا عباد الله أنّ الذّكر يكون الأفضل فيه بالقلب واللّسان جميعا فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، فإن كان الذّكر باللّسان والقلب في غفلة عن الدّيّان فإنّه إلى المراءاة أقرب منه إلى طاعة الرّحمان»(16)، فإنّ هذا الضّرب من الإشارة ليس عنصرا بنيويّا ولا نسقيّا في خطبه الجمعيّة، أي لم يستقم مقوّما ناظما لمنجَزاته من الخطاب المنبريّ، وقد يرجع ذلك إلى خلفيّته الفقهيّة الخالصة من الرّوحانيّة الصّوفيّة.
3. في المعاملات
يفوق حظُّ قضايا المعاملات من خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة، إلى حدّ ظاهر للعيان، نصيبَ مسائل العبادات والاعتقادات، فالدّائر من هذه الخطب على تلك القضايا يقارب حجمه خمسين ومائة صفحة، إذ يمتدّ من الصّفحة تسع وعشرين ومائة إلى الصّفحة خمس وسبعين ومائتين (129-275). ولا غرو أن يستأثر ذلك البعد من حياة المتديّنين بهذا الحجم من الاهتمام مادام العاملَ المباشرَ في علاقاتهم الإنسانيّة ومصالحهم الدّنيويّة، وهو على درجة عالية من التّعقيد المثير للقلق والحيرة، ولاسيّما في ظلّ التّحوّلات الحضاريّة الفارقة الّتي تشهدها المجتمعات الإسلاميّة عموما والمجتمع التّونسيّ خصوصا واستفحال الإشكالات الاجتماعيّة النّاجمة عنها والمقضّة لمضجع المسلم الملتزم.
تبدو قضايا هذا البعد من المعطى الدّينيّ متشابكة ومتداخلة في خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة، ومع ذلك يمكن تصنيفها على أساس من خمسة محاور، أحدها محور القيم، ومنه خطبتان مدارهما على قيمة الإحسان(17) ، وأخريات صرف فيها الخطيب الكلام إلى الشّكر(18)والجهاد(19)والعدل(20) والرّحمة(21)  والكرامة(22) والحياء(23) والحِلم والعفو(24)...، وثاني الخماسيّة قضايا العلم والتّعلّم، ومنه آداب العلم والتّعلّم(25)وادّعاء المؤمن العلم فيما لا علم له به(26)وفضل العلم(27)وحفظ الدّين بحفظ وسائله وتعلّم أحكامه(28) وتحريف الكلم على التّعليم الزّيتونيّ(29)...، وثالثها قضايا المرأة، ومنه حجاب المرأة المسلمة(30)  وتكريمها في الإسلام(31) ومعاملتها(32) ووضعها من تولّيها الإمامة وما إليها(33)  ...، ورابعها قضايا العلاقة بين المرأة والرّجل، ومنه نظام الأسرة في الإسلام(34) وحكم اختلاط الذّكر بالأنثى(35) والمساواة بينهما(36)، وخامس الخمسة متفرّقات من القضايا، ومنه مثلا صلاحيّة القصاص للرّدع وتقليل الإجرام(37) .
ويقف النّاظر في مضامين خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة من أبواب المعاملات على أنّها قضايا حيويّة يضجّ بها المجتمع، فهي تعكس ما يشهد سياق إنتاج الخطاب الدّينيّ المنبريّ من تحوّلات اجتماعيّة، وتبين عمّا يعتمل في ذلك السّياق من الشّواغل والصّراعات، وتنجلي عن استحالة جسد المرأة عنصر تنازع بين مختلف التّيّارات الثّقافيّة والفكريّة والسّياسيّة، ولاسيّما بين التّيّار المحافظ الّذي يتكلّم بلسانه الخطيب والتّيّار التّحديثيّ أو الحداثيّ، ومن المجالات الّتي يتنازع شأنَها هذان التّيّاران حقل التّربية والتّعليم، وهو ما يفسّر كثرة التّطرّق إلى قضاياه في النّموذج الّذي نشتغل به من المنجَز الخطابيّ على منبر الجمعة.
المحور الثّاني: صيغ الشّيخ الأخوة التّركيبيّة في معالجة قضايا خطبه الجمعيّة
مرادنا بالصّيغ التّركيبيّة الأشكال النّحويّة المبينة عن التّموقع في الخطاب، وهي صنفان: فأمّا الصّنف الأوّل فالجمل التّقريريّة، ويتّسم هذا النّمط من الجمل بالرّتابة إن يغلب في المنجَز الخطابيّ، وأمّا الصّنف الثّاني فالأعمال الإنشائيّة، وهذه ضربان، أحدهما الإنشائيّات الطّلبيّة الّتي تسفر عن الإرادات والرّغبات والتّطلّعات، ومن هذا القبيل النّداء والأمر والنّهي والاستفهام والدّعاء ...، وثانيهما الإنشائيّات الانفعاليّة الّتي تعكس المواقف، ومنها التّعجّب والمدح والذّمّ. وبالنّوعين من الإنشائيّات يتّخذ الخطيب موقع الموجّه للمتلقّين والفاعل في وجدانهم ووعيهم الجمعيّين. وينهض الخطاب في حال طغيان ذينك النّوعين كليهما بوظيفة مركّبة مزدوجة، وهي الوظيفة التّعبيريّة التّأثيريّة، إذ يعبّر عن شواغل منجِزه ويؤثّر في متلقّيه بما يستخدم من وسائل إثارة الانفعالات وتحريك سواكن الفكر.
وبذلك تضفي الإنشائيّات على المنجَز الخطابيّ حيويّة تلفت أنظار المخاطَبين وتشدّ أسماعهم، وتتواتر في هذا النّوع من الخطاب العناصر الإحاليّة المتعلّقة بالذّات الجمعيّة الّتي ينتمي إليها طرفاه، ولاسيّما ضمير المتكلّم الجمع (نحن) وضمير المخاطَب الجمع (أنتم)، وباستعمال الضّميريْن يراوح الخطيب في تموقعه داخل كلامه الموجَّه إلى المخاطَبين بين الاتّصال والانفصال، ولا عجب، فهو متّصل بالذّات الجمعيّة من حيث انتماؤه الاجتماعيّ إليها، ومنفصل عنها بحكم كونه منتصبا على منبر منفردا بالتّكلّم دون شركائه في ذلك الانتماء.
1. صيغ الشّيخ الأخوة التّركيبيّة في معالجة قضايا الاعتقادات
بالنّظر في خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة المتعلّقة بالقضايا الاعتقاديّة تتبيّن هيمنة الصّيغ التّركيبيّة التّقريريّة، إذ قلّما يوظّف الرّجل الأعمال الإنشائيّة في ما عدا الخواتيم الّتي استقرّ العرف على أن تُخصَّص للدّعاء، فإنّ تتبّع أنسجته اللّغويّة في خطبه تلك يوقف على تواتر عمل إنشائيّ واحد يُتوسَّل به إلى التّنبيه أساسا(38)، وهو النّداء الّذي استعمله بأشكال تركيبيّة مختلفة، وهي «يا عباد الله»(39) و«يا إخواني»(40)و«يا أخي»(41)و«يا أخي المسلم»(42)و«عباد الله»(43)  و«إخواني»(44)، وليس في كلامه ذي المضامين العقديّة من غير ذلك العمل الإنشائيّ سوى صيغتين استفهاميّتين، إحداهما قوله: «فما هذا الدّين الّذي ارتضاه لنا ربّنا ربّ السّماوات والأراضين؟»(45)، وثانيتهما تساؤله: «فما بالنا اليوم نريد الرّجوع إلى سيرة الضّلال ونبتعد عن هدي الدّيّان؟»(46) .
ومن أثر استفحال النّمط التّقريريّ في خطب الشّيخ الأخوة الجمعيّة إسدالُ ظلال الرّتابة على خطابه، وإذ يقترن ذلك بقلّة استعمال ما يشير إلى العناصر السّياقيّة الميتالغويّة من العناصر الإحاليّة، ولاسيّما ضمائر المتكلّم المفرد والمتكلّم الجمع والمخاطَب الجمع وأسماء الظّروف المكانيّة والزّمانيّة، يتراءى مؤشّرا على غياب الواقعيّة في معالجة القضايا الاعتقاديّة، وانعكاسا لانعدام الأشكلة في طرحها، فالغالب على تلك الخطب هو المنحى التّعليميّ الّذي لا يناسب مقام خطبة الجمعة، لأنّه مقام الإنجاز التّواصليّ التّأثيريّ لا الفعل الإخباريّ المعرفيّ، وإنجاز المقال على غير الصّيغ التّركيبيّة الملائمة للمقام قد يستوي عائقا يمنع من تحقيق مقاصده التّواصليّة.
2. صيغ الشّيخ الأخوة التّركيبيّة في معالجة قضايا العبادات
نوجّه نظرنا في هذه الخطوة من محاولتنا التّحليليّة إلى الصّيغ التّركيبيّة المفتاحيّة الّتي تمثّل عناصر تمفصل داخل الخطب الجمعيّة الدّائرة على الموضوعات المتّصلة بالعبادات، وأكثر تلك الصّيغ تواترا بالنّسبة إلى هذا الضّرب من الخطب العبارةُ الجاري استعمالها على ألسنة الخطباء في سياقات «فصل الخطاب»(47)، ونعني أداة الاستئناف «أمّا بعد»، وهي سنّة خطابيّة موروثة، فلا ينفرد بها الشّيخ الأخوة، ويوقفنا النّظر في مواطن ورودها ضمن ذلك النّوع من خطبه على كونه يستخدمها بالأنحاء الآتية:
* فصل الخطاب + إثبات (48) 
* فصل الخطاب + تأكيد (49) 
* فصل الخطاب + نداء + إثبات (50) 
* فصل الخطاب + نداء + تأكيد (51) 
* فصل خطاب + نداء + استفهام (52) 
والحاصل من تأمّل هذه الأنحاء الخمسة أنّ الخطيب عادة ما يحيل في تمفصلات خطبه الجمعيّة على بعض العناصر الثّلاثة الآتية: النّصّ المؤسّس للاجتماع الإسلاميّ (القرآن والسّنّة) والشّارع (الله) ومعطيات نظريّة (أفكار مجرّدة). وهو ما يضعنا في مواجهة تساؤل يمكن صوْغه على هذا المثال: ما مدى نجاعة الخطاب في خطب جمعيّة تنبني تفمصلاتها على الثّلاثيّة المذكورة؟
ومن الهيئات التّركيبيّة المتواترة في سياقات التّطرّق إلى قضايا العبادات ضمن خطب الشّيخ الأخوة الشّكل النّحويّ «نداء + تأكيد»(53)  والجمل الفعليّة القائمة على صيغ الأمر(54) ، فأمّا هذا النّمط من الجمل فجليّ كونه يجعل الخطاب عموديّا لا أفقيّا، إذ يتموقع الخطيب في ما سوى القليل النّادر من ذلك، كقوله «لنعلم»، خارج دائرة المعنيّين بدلالة الأمر الاستعلائيّة، وأمّا ذلك الشّكل النّحويّ فإنّه يحصر سياقه الخِطابيّ في الحدّ الأدنى من درجات التّفاعل، إذ يوسمه بالخطّيّة عموما وعدم تشريك المتلقّين في مضامينه إلاّ من خلال أقلّ الوسائل دلالة على الاستقطاب، وهو النّداء.
وخلاصة ما يوصل إليه تقليب مختلف الصّيغ التّركيبيّة الّتي توسّل بها الشّيخ الأخوة في معالجة قضايا العبادات أنّه ينيط بخطابه وظيفة معرفيّة في مقام يُفترَض كونه يتطلّب ما يحقّق الوظيفة التّأثيريّة، وقد اقترن ذلك بغضّ النّظر عن الأبعاد الإنسانيّة والحضاريّة للشّعائر التّعبّديّة وكثرة الإحالة على النّصوص دون الالتفات إلى الواقع إلاّ نادرا، فقلّما ينطلق الخطيب من وقائع دالّة مثلما فعل في خطبته حول «آداب الصّوم ومستحبّاته» حيث قال: «من القبيح المهان الإفطار على الدّخان، فهو وإن كان مباحا قديما وقد أفتى فقهاء هذا العصر بتحريمه لما فيه من مضارّ، إلاّ أنّه منتن مثل الثّوم والبصل، فالمبادرة به يأباها الذّوق السّليم والعقل المستقيم»(55) .
3. صيغ الشّيخ الأخوة التّركيبيّة في معالجة قضايا المعاملات
تغلب الأشكال التّركيبيّة ذات الوظيفة الإخباريّة المحض على الخطب الجمعيّة الّتي يتطرّق فيها الشّيخ الأخوة إلى قضايا المعاملات، وهي صيغ صِفْرٌ من المواقف الانفعاليّة والشّحنات الوجدانيّة، ولكنّ الخطيب ينزاح عن هذا النّمط الصِّفرِيّ في بعض خطبه، ولعلّ اشتغالنا بمركّباته النّحويّة الانزياحيّة، في هذه المرحلة، يكون أجدى معرفيا، إذ يفتح أمامنا الأبواب الشّارعة على الدّوافع إليها إن يشمل منظورنا سياقاتها الميتالغويّة انطلاقا من مؤشّرات ماثلة داخل النّسيج اللّغويّ ذاته. ويوقفنا النّظر على ضربين من تلك الانزياحات:
* فأمّا الضّرب الأوّل فصيغ تركيبيّة تقريريّة تحيل على الواقع بنحو يعكس موقف الخطيب منه(56)، ويعبّر بها الشّيخ الأخوة عن انفعالاته إزاء ظواهر سلوكيّة يرى فيها ابتعادا عن الدّين (الرّبا، الزّنا، السّفور ...) وسياقات حدثيّة من نوع غلق مقرّات التّعليم الزّيتونيّ التّقليديّ(57)  وإمضاء الميثاق الوطنيّ(58) ، فهي، إذن، تؤدّي وظيفة تعبيريّة.
* وأمّا الضّرب الثّاني فصيغ تركيبيّة إنشائيّة من الأمر والنّهي(59) والاستفهام الاستنكاريّ(60)، وظاهر توسّل الشّيخ الأخوة بها إلى دفع المتلقّين في اتّجاه التّديّن المنشود من لدنه أي التّديّن الّذي يراه مطابقا لتعاليم الإسلام، فهي، إذن، تنهض بوظيفة تأثيريّة، بمعنى أنّ الرّجل يعمل على إحداث أثر معنويّ في المخاطَبين يجعلهم يتّجهون نحو مراده.
وتعكس انزياحات الشّيخ الأخوة من النّمطين كليهما، الإنشائيّ والتّقريريّ، المشتركات بين التّديّن الزّيتونيّ والتّديّن الاحتجاجيّ في مستوى المواقف إزاء قضايا يضجّ بها الخطاب الدّينيّ المعاصر على أرض تونس، وتتعلّق بالدّولة والمجتمع، فهذا قلب ظهر المجنّ، في ما يرى المنتسبون إليهما، لتعاليم الإسلام، وانقلب على عقبيه، واستعاد حياة الجاهليّة، وتلك علمانيّة لائكيّة معادية، في منظورهم، للدّين، ما فتئت تعمل على إزالة معالمه وإنشاء هيئة اجتماعيّة متنكّرة لشريعته. وفي هذا الإطار العامّ من الموقف المناهض للواقع الرّاهن تتنزّل إثارة الشّيخ الأخوة لقضايا جزئيّة وإجرائيّة، غالبا، تتصّل بأحوال المرأة وأوضاع التّعليم بعد استقلال البلاد واستئثار التّحديثيّين بإدارتها سياسيّا وثقافيّا.
الهوامش
(1)   نقصد المنجَزات الخطابيّة في سياقات أداء شعائر من قبيل صلاة الجمعة وصلاة العيد.
(2) يُنظر: السّبكيّ، عليّ (ت756هـ/1355م) و السّبكيّ، عبد الوهّاب (ت771هـ/1370م)، الإبهاج في شرح المنهاج، تح. شعبان محمّد
إسماعيل، مكتبة الكلّيات الأزهريّة، القاهرة، 1981، ج1، ص44.
(3) بوعزيز، محسن بالطّاهر، منبريّات مجموعة من الخطب الجمعيّة، الأخلاّء، تونس، 1999.
(4) السّلاّمي، محمّد المختار، منهاج الهداية الإسلاميّة من خلال الخطب الجمعيّة، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط2، 1995 (أربعة أجزاء في مجلّديْن)
(5) السّلاّمي، محمّد المختار، سبل المهتدين خطب جمعيّة ألقاها المؤلّف الفاضل في جامع السّلام بحاضرة تونس، دار القلم، دمشق، 2008 (جزءان).
(6) السّاحلي، محمّد العزيز و بلغيث، محمّد، مختارات من آثار فضيلة الشّيخ محمّد الأخوة، دار سحنون، تونس، 2017.
(7) تُنظَر نبذة عن حياته وآثاره في: محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.ن، صص7-12.
(8) تُنظَر سيرته طالبا ومدرّسا بجامع الزّيتونة في: م.ن، صص7-10.
(9) يُنظَر: م.ن، ص90، 131، 159، 169، 236، 252.
(10) م.ن، صص37-128.
(11) م.ن، 129-275.
(12) م.ن، ص39.
(13) م.ن، ص44.
(14) م.ن، ص46.
(15) م.ن، ص42.
(16) م.ن، ص50.
(17) م.ن، ص205، 207.
(18) م.ن، ص210.
(19) م.ن، ص218.
(20) م.ن، ص222.
(21) م.ن، ص249.
(22) م.ن، ص257.
(23) م.ن، ص260.
(24) م.ن، ص270.
(25) م.ن، ص152.
(26) م.ن، ص155.
(27) م.ن، ص159.
(28) م.ن، ص163.
(29) م.ن، ص169.
(30) م.ن، ص143.
(31) م.ن، ص183.
(32) م.ن، ص188.
(33)  م.ن، ص191.
(34) م.ن، ص136.
(35) م.ن، ص139.
(36) م.ن، ص179.
(37) م.ن، ص273.
(38) الزّنّاد، الأزهر، دروس في البلاغة العربيّة نحو رؤية جديدة، المركز الثّقافيّ العربيّ، الدّار البيضاء-بيروت، 1992، ص135.
(39) محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.س، ص39، 40.
(40) محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.ن، ص39، 43.
(41) م.ن، ص41.
(42) م.ن، ص41.
(43) م.ن، ص47، 48.
(44) م.ن، ص48.
(45) م.ن، ص39.
(46) م.ن، ص42.
(47) الجوهريّ، إسماعيل بن الشّيخ غنيم (كان حيّا سنة 1165هـ)، إحراز السّعد بإنجاز الوعد بمباحث أمّا بعد، تح. أبو بكر بلقاسم ضيف الجزائري، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2011، صص-40-41.
(48) «أمّا بعد فمن وصايا القرآن ...» (محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.س، ص53). «أمّا بعد فاتّباع سنّة أحمد عليه السّلام هي طريق المقرّ ...» (محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.ن، ص58). «أمّا بعد، فخير الهدي هدي الهادي ...» (م.ن، ص79) «أمّا بعد، فها أنّ الله الكريم يخاطبكم ...» (م.ن، ص93) ...
(49)«أمّا بعد فإنّ أجمل ما يتنافس فيه الطّائعون ...» (م.ن، ص50). «أمّا بعد فإنّ من أكمل وأشمل موجبات الشّكر والثّناء ...» (م.ن، ص66). «أمّا بعد، فإنّ القرآن المجيد ناطق ...» (م.ن، ص73) ...
(50)«أمّا بعد فيا أيّها المسلمون شرع الله لنا فريضة الصّيام ...» (م.ن، ص76) «أمّا بعد، فيا أيّها النّاس: بعد ما أدّبكم الله الكريم بآداب تحتاجونها (...) علّمكم ...» (م.ن، ص98) ...
(51) «أمّا بعد، فيا أيّها المسلمون إنّ لله علينا فرائض ...» (م.ن، ص83) «أمّا بعد، فيا أيّها المهتدون قد علمتم أركان النّسكين العظيمين المتعلّقين ببيت ربّ العالمين من عمرة وحجّ ...» (م.ن، ص115) «أمّا بعد، فيا أيّها المؤمنون قد فاز في هذه الأيّام من تعلّق بعظيم الجناب ...» (م.ن، ص126) 
(52)«أمّا بعد، فيا أيّها المهتدون أما علمتم قول الله (...)؟ فالله الكريم لا يلحق بأحد من خلقه عذابا انتقاما ...» (م.ن، ص122) ...
(53)«أيّها النّاس إنّ من أعظم دعائم الدّين الصّلوات ...» (م.ن، ص61). «أيّها النّاس إنّ الجماعة مع ما فيها من الأجر ...» (م.ن، ص61) «أيّها النّاس إنّ للجمعة آدابا ...» (م.ن، ص61) «أيّها النّاس إنّ من صام رمضان ...»(م.ن، ص70) «عباد الله إنّ من المعلوم من الدّين ...» (م.ن، ص72) «عباد الله: إنّ المولى الكريم لمّا فرض علينا ...» (م.ن، ص90) «عباد الله: إنّ زكاة الفطر في مشروعيّتها ...» (م.ن، ص91) ...
(54) «اعلموا ...» (م.ن، ص50) «لنعلم ...» (م.ن، ص51) «استغفروا ربّكم وأكثروا من استغفاره ...» (م.ن، ص54) «واستديموا طاعته ...» (م.ن، ص56) «عليكم بتعجيل الفطر إذا تيقّنتم الغروب ...» (م.ن، ص77) ...
(55) م.ن، ص77.
(56)«نرى في مجتمعنا غشيان مناكر تندى منها الجباه ...» (م.ن، ص131) «فهذه المؤسّسات تتعاطى بالرّبا ولا نكير ...» (م.ن، ص131) « (...) ولكن لم نر نتفيذا إلى هذا اليوم ...» (م.ن، ص131) «وهذه النّساء سافرات عاريات قضاء نيلهنّ الشّهوة وحبّ الخلاعة ...» (م.ن، ص131) «ثمّ خاتمة مطاف القول إنّ ما برز للوجود منذ أيّام قريبة ممّا دُعِيَ بالميثاق الوطنيّ التّونسيّ فما كان فيه من آراء ومقرّرات إن جاءت موافقة للإسلام وتوجيهاته فهو واجب القبول والعمل به، وما كان مناكدا ومخالفا لشرع الله فهو مردود ومنبوذ واجب إلغاؤه» (م.ن، صص150-151) «فما علينا جميعا من أهل الرّأي والعلم ومن مرشدين كالصّحافيّين ومن مستشارين ومن كلّ مسلم يريد أن يربط حاضره بماضيه وأن تبقى الأجيال الصّاعدة متمسّكة بهدي الإسلام حقّا إلاّ أن نستحثّ حكومتنا الإسلاميّة على توسيع برامج تعليم النّشء الدّين في مدارسنا القوميّة ...» (م.ن، ص162) «لذا كانت يد الكفر والاستعمار الرّذيل اللّعين تريد تهديمه وتوقيف رسالته (...) حتّى بعثت بأيدي رذيلة خسيسة دنيّة فهدمت هذا المعلم من الدّين روحا وقيمة ومضمونا فأوصدت أبوابه حتّى لا يبقى مشعّا بالدّين القويم ...» (م.ن، ص165) «(...) حيث توقّفوا عن دفاعهم ومصدر عزّهم ووجودهم، ألا وهو معلم السّعادة جامع الزّيتونة العظيم بقول في هذا الهيام والحيرة من الزّمان في ظلام حالك وجبروت هالك ...» (م.ن، ص166) «لكن يا للأسف ما راعنا إلاّ والتّعسّف ينزل بنا فيفتكّ مقرّ الإدارة المأذون فيه من الدّولة بما لا شكّ فيه ولا سؤال يعتريه وتبديل أقفاله دون سابق إعلام أو إنذار ...» (م.ن، ص167) «إنّ ما نسمع ممّا يقع إحياء ليلة رأس السّنة الميلاديّة (...) ولكنّنا لم نسمع بنكير ولا تذمّر ...» (م.ن، ص201) «إنّ ما نراه ونشاهده ونسمع به ممّا هو واقع من مجامعنا لممّا يندى له الجبين وتغزر منه دمعة العين ويحزن له قلب المسلمين» (م.ن، ص263) ...
(57) اندرج ذلك في سياق استراتيجيّة هدفت إلى تقويض أركان التّعليم الدّينيّ وإنشاء نظام تعليميّ عامّ (يُنظَر: حجّي، لطفي، بورقيبة والإسلام الزّعامة والإمامة، دار الجنوب، تونس، 2013، صص85-88).
(58) وقّعت وثيقةَ «الميثاق الوطنيّ»، بقصر قرطاج الرّئاسيّ في السّابع من نوفمبر سنة 1988، أحزاب سياسيّة وقوى مدنيّة بمبادرة من رئاسة الجمهوريّة (يُنظَر: Anderson, Lisa, «Political Pacts, Liberalism, and Democracy: The Tunisian National Pact of 1988», in: Government and Opposition, vol. 26, no. 2 (Spring 1991), Cambridge University Press, pp244-260.)
(59) «اعملوا بجدّ وإخلاص ...» (محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.س، ص132) «تمسّكوا بتعاليم دينكم ...» (محمّد العزيز السّاحلي ومحمّد بلغيث، م.ن، ص132) لا تجرأوا على الله ولا تتقوّلوا عليه ...» (م.ن، ص158) «فيا أهل القرآن ابتعدوا عن هذا الخسران واهتدوا بهدي الدّيّان ولا تشبّهوا بأهل الضّلال، ولا تنقادوا إلى إيحاء الكفّار ...» (م.ن، ص201) «ارحموا تُرحَموا واشكروا فضل ربّكم ...» (م.ن، ص210) «اخشوا ربّكم ولا تخشوا النّاس ..» (م.ن، ص215) «كونوا سعداء بالعدل ...» (م.ن، ص222) «اعدلوا في تصرّفاتكم ...» (م.ن، ص224) «اجتهدوا أن تكونوا متّصفين بأخلاق الكرام ...» (م.ن، ص239) «توكّلوا على الله ...» (م.ن، ص252) «أمعنوا النّظر وتبيّنوا جليّا المعاني العالية ...» (م.ن، ص270) «يا أخي المسلم (...) فابق على عزّة نفسك ولا تُذِلَّها ...» (م.ن، ص258) «يا أخي المسلم العزيز لا تكن مثل ذلك ...» (م.ن، ص258) ...
(60) «فما معنى إباحة الاختلاط بين الذّكر والأنثى والفتى والفتاة بغير حدود ولا وازع؟» (م.ن، ص139) «فكم من مآسي أتت من كراسي المدارس الّتي يقعد عليها شابّة محاذية لشابّ في ريعان الشّباب؟ وكم ومن رزيّة سُجّلت من عمل الموظّفة أو موظّفات في مخابي القاعات؟ وكم من هلكة استفحلت بين رؤساء ومديرين؟» (م.ن، ص139) «ألم يكن من الشّرع العزيز الطّلب بإعفاء اللّحي وتبيّن الشّارب؟» (م.ن، ص145) «هل من نقص للمساواة إذا أعطيت الرّئاسة في البيت للرّجل باعتبار أنّه قوّام مكوّن لحاجاته ... ؟» (م.ن، ص181) ...