وفي أنفسكم...
بقلم |
![]() |
أ.د. ناصر أحمد سنه |
عاصرات وصمّامات جسمك العجيبة |
وأنت تبتلع ـ بيسرـ طعامك.. هل أخذت «تأشيرة مروره الآمن « عبر (بوّابات وصمّامات) أجزاء الجهاز الهضمي؟!. فـ «الحارس» الأوّل على بوّابة مدخل المرئ هو «عضلة المريء العاصرة العليا» Upper Esophageal Sphincter. إنّها مسؤولة (لا إراديّاً) عن حماية هذه البوّابة من دخول هواء الشّهيق إلى المريء، فلا ينتفخ البطن بل الرّئتان، كذلك منع استنشاق الطّعام إلى رئتيك. كما توجد عضلة عاصرة ( من مجموع ثلاث عضلات: الطّرجهاليّة اللّسان – مزماريّة، والطّرجهاليّة المستعرضة والدّرقيّة الطّرجهاليّة) تُغلق الحنجرة أثناء عمليّة البلع أو السّعال.
وعبر حركة المريء تصل البلعات الغذائيّة إلى نهايته، فترتخي «عضلة المرئء العاصرة السّفلي» Lower esophageal sphincter (بوّابة الفؤاد للمعدة)، فتدخل إلى تجويف المعدة وتحافظ عليه لعمليّة الهضم. كذلك تمنع حامض المعدة الحارق (درجة حموضة حمض الهيدروكلوريك بين 1-3)، والإنزيمات والمخاط من الإرتجاع نحو المريء. لكن عند انفتاح عضلتي المريء يحدث التّجشؤ أو القيء، وأيّ خلل في هذه العضلة يعدّ سببًا رئيساً للإصابة بالارتجاع المعدي المريئي.
ولولا العضلة العاصرة البوّابيّة (Pyloric Sphincter) لما سُمح للطّعام المهضوم جزئيًّا بالمرور من المعدة إلى الجزء الأول من الأمعاء الدّقيقة (الاثني عشر). حيث سيتعرّض لصفراء وأنزيمات الكبد الهاضمة. فالعضلة العاصرة الكبديّة (العضلة العاصرة أودي) «Sphincter of Oddi» تقع في نقطة التقاء القناة الصّفراويّة وقناة البنكرياس مع قناة الإثني عشر. وبحكم هذا الموقع فإنّ استرخاءها أثناء تناول الطّعام يُقدّر كميّات إخراج المواد والإنزيمات الهاضمة التي تمرّ عبر القناة الصّفراويّة وقناة البنكرياس وتطرحها في قناة الإثني عشر لتعمل على هضم الأطعمة هناك.
وعند التقاء الجزء الأخير من الأمعاء الدّقيقة مع الجزء الأول من الأمعاء الغليظة (القولون) يوجد الصّمام اللّفائفي الأعوري «Ileocecal valve» العامل على تنظّيم حركة مرور الطّعام (في اتجاه واحد) من الأمعاء الدّقيقة إلى الغليظة ومنع رجوعه (أو الغازات النّاشئة عن الهضم) إلى الخلف. وعند المستقيم وفتحة الشّرج يوجد الصّمام الشّرجي «Anal Sphincter». وهو عبارة عن عضلتين عاصرتين (داخليّة، وخارجيّة) تتحكّمان في عمليّة تنظيم طرح البراز خارج الجسم. أمّا الدّاخليّة فهي (لا إراديّة) لمنع تسرب الفضلات، بينما الخارجيّة فهي (إراديّة طوعيّة) لتمرير البراز أو إمساكه عند الطلب.
وفي المثانة البوليّة (سعتها نحو 700 ملّيلتر) صمّامان يتحكّمان في خروح البول، ويضمنان تخزينه أثناء النّوم أو الانشغال ـ لساعات ـ بأمور معيشيّة. وأحد هذه الصّمامات متّصل بالجهاز العصبي الإعاشي فيعمل بطريقة أوتوماتيكيّة، والآخر متّصل بالجهاز العصبي الإرادي وله الأولويّة عند رغبة الإنسان في التّبول. ومثل العضلة العاصرة الشّرجيّة ، تحتوي عضلة الإحليل العاصرة (وكذلك فتحة مجرى البول في الجهاز البولي الأنثوي) على عضلات داخليّة (لا إراديّة) وخارجيّة (إراديّة) تنظّم تدفّق البول عبر الإحليل (الأنبوب الضّيق). فوظيفة العضلة العاصرة الإحليليّة (العضلة العاصرة البوليّة أو عضلة مجرى البول العاصرة) التّحكّم في احتجاز البول أو إفراغه خارج الجسم.
وتتحكّم القزحيّة ـ الجزء الدّائري الملوّن من العين وتحيط بالبؤبؤ ـ في كمّية الضّوء التي تدخل العين عبر التّحكّم في حجم «البؤبؤ». فتعمل عضلة مصرة القزحيّة «iris sphincter muscle» على توسيعه في الظّلام للسّماح بزيادة دخول الضّوء، بينما تعمل على تضييقه في حال وجود إنارة ساطعة بشكل مشابه للفتحة الموجودة في الكاميرا.
وعجيب شأن التّركيب التّشريحي والفسيولوجي لثديّ المرضع، وترويته الدّمويّة والعصبيّة وتجاويفه وقنواته وفتحاته التي يتدفّق عبرها الحليب. ففي منتصفه توجد الحلمات كسبيل موصل بين إنتاج الحليب في الثّدي وبين فم الرّضيع. وتحتوي هذه الحلمات على عضلات عاصرة تمنع تسربه بين فترات الرّضاعة الطّبيعيّة وبخاصّة عند امتلاء الثّدي برزق الوليد.
صمّامات القلب
للحفاظ على سريان الدّورة الدّمويّة في الاتجاه الصّحيح يحتوي القلب على أربعة صمّامات تُنظّم عبور الدَّم عبر حجرات القلب الأربعة. والصّمّامات الأربعة هي: الصّمّام المترالي، والصّمّام ثلاثي الشّرفات، والصّمّام الرّئوي، والصّمّام الأورطي. ويمتلك كلّ بطين صمّامًا واحدًا ذا اتجاه داخلي، وصمّامًا واحدًا ذا اتجاه خارجي. ويتكوّن كلّ صمّام من طيّات نسيجيّة تنفتح وتنغلق مثل أبواب متأرجحة باتجاه واحد. ففي البطين الأيمن، يوجد الصّمّام ثلاثي الشّرفات ذو الاتجاه الدّاخلي (ينفتح من الأذين الأيمن)، والصّمّام الرّئوي هو الصّمّام ذو الاتجاه الخارجي (ينفتح باتجاه الشّريان الرّئوي).
وفي البطين الأيسر، نجد الصّمّام المترالي هو الصّمام ذو الاتجاه الدّاخلي (ينفتح من الأذين الأيسر)، والصّمام الأبهري ذو الاتجاه الخارجي (ينفتح باتجاه الشّريان الأبهر). ويستقرّ الصّمّامان المترالي والصّمّام ثلاثي الشّرفات في موضعهما عن طريق خيوط ليفيَّة صلبة (الحبال الوتريّة) ترتبط بالعضلات الرّفيعة (العضلات الحليميّة) التي ترتبط بجدران البطينين «جهاز تحت الصّمام». ووظيفته المحافظة على الصّمّامات من التّدلّي عند إغلاقهما. وليس له تأثير على فتح وإغلاق الصمامات، التي تحدث كليّاً بسبب الضّغط المتدرّج عبر الصّمّام.
في أوردة الجسم والسّاقين
يوجد في السّاق نوعان من الأوردة: الأوردة السّطحيّة، والأوردة العميقة. فأمّا الأولى قتقع تحت الجلد مباشرة ويمكن رؤيتها بسهولة على سطح الجلد. وأمّا الثّانية فتوجد عميقا خلال عضلات السّاق. وينتقل الدّم من الأوردة السّطحيّة إلى الأوردة العميقة عبر أوردة صغيرة أخرى تربط بينهما تسمّى الأوردة الثّاقبة «Perforator veins». وتحتوي الأوردة السّطحيّة والأوردة الثّاقبة على صمّامات ذات اتجاه واحد تسمح بانتقال الدّم في اتجاه القلب فقط، ولا تسمح برجوعه عكس اتجاه القلب.
وتتكوَّن هذه الصّمّامات من سديلتين (شُرفتين / وُريقتين) تلتقيان بحواف. ففي الوقت الذي يتحرّك فيه الدَّم نحو القلب، فإنَّه يدفع الشُّرَف كزوج من أبواب تتأرجح في اتجاه واحد. وإذا كانت الجاذبيّة تسحب الدَّم بشكلٍ مؤقَّت نحو الأسفل، أو إذا بدأ الدَّم في الرّجوع في الوريد، فيجري دفع هذه الشُّرَفِ مباشرة للإغلاقِ، ممَّا يمنع الجريان العكسي. لذا عندَ وجود إصابة (بالدَّوالِيّ علي سبيل المثال)، يتعذَّر إغلاق هذه الشُرَف نتيجة اتساع الأوردة بشكلٍ كبير، ممّا يجعل تدفّق الدَّم في الاتجاه العكسي. فيركد الدّم بالأوردة ممّا قد يسبب الإصابة بجلطات السّاقين.
والخلاصة: العضلات العاصرة «Sphincters muscles» : هي «عضلات دائريّة (منها الدّقيق المجهري، ومنها الكبير بحجم حبّة الجوز). أمّا الصمّامات «Valves» فهي كالأبواب تُفتح في اتجاه معين، وتسمح بالتّدفق أحادي الاتجاه. والعضلات العاصرة والصّمّامات هيكلان يؤدّيان وظائف متشابهة. حيث يتمّ التّحكّم ـ إراديّاً (عضلات ملساء) أو لا إراديّاً (عضلات مخطّطة) ـ في بوّابات/ أنابيب / ممرّات/ فتحات/ تجاويف الجسم الطّبيعيّة، فترتخي لتفتح أو تنقبض لتغلق هذه البوّابات وفق العمليّات الفسيولوجيّة المتنوّعة. ويتراوح عدد العضلات العاصرة والصّمّامات ما بين 50و60 نوعًا (أكثرها في الجهاز الهضمي). وهي أحد أهمّ مكونات الجسم وأبرزها، وفوائدها الصّحيّة لا غنى عنها، وإذا فقدت وظيفتها يتعرّض الجسم لمشاكل منها: ارتجاع المريء، وسوء الهضم، وسلس البراز، واحتباس البول، وسلس البول ، ومشاكل صمّامات القلب ...الخ. ولولاها لمشى المرء تقطر منه فضلاته وبوله وإفرازاته.
|