باختصار

بقلم
عبدالقادر رالة
ما بعد الموحدين
 من يقرأ كتب المفكر العبقري وفيلسوف الحضارة مالك بن نبي (1905م ـ1973م)، لا شكّ أن تثير اهتمامه عبارة «ما بعد الموحّدين» أو «إنسان ما بعد الموحّدين»!.. فما هو سرّ اعتماد هذا المفكّر على هذه العبارة التّاريخيّة والحضاريّة التي تتكرّر في أكثر من كتاب من كتبه؟ ..
   و«عصر ما بعد الموحّدين» أو «إنسان ما بعد الموحّدين» عنى بها «بن نبي» الإنسان العربي والمسلم الذي دخل عصر الانحطاط والتّخلّف.. فهل يعتبر هذا التّصريح تجاهلا من الباحث لعصر الدولة العثمانيّة الذي امتدّ الى ما يقارب أربعة قرون من الزّمــن؟، وكذا للدّولة الزّيانيّة (1235م ـ1554م) في مدينة تلمسان، إذ كان هناك إنتاج ثقافي واقتصادي ومظاهر حضاريّة وإن لم تكن تضاهي عظمة الدّولة العباسيّة في بغداد ، أو بهاء الخلافة الأمويّة في الأندلس..
أهم ما يميّز المرحلة العثمانيّة هو التّراجع الرّهيب في استخدام اللّغة العربيّة في مؤسسات الدّولة، والحضارة  لا تقوم إلاّ على لغة قويّة، فاللّغة العربيّة وإن كانت لغة العرب، فهي اللّغة التي جمعت العرب مع غيرهم من المسلمين من الأعراق الأخرى، من فرس وترك وبربر وشركس وأفارقة وصقالبة ومغول...
   لماذا اختار مالك بن نبي عصر الموحّدين تحديدا ؟..
  ربّما لأنّ الموحّدين (1121م ـ1269م) قد كانوا على عكس المرابطين، يؤثرون العلماء ويقرّبون المفكرين ويسعون ليكونوا بجوارهم وفي خدمتهم، حتّى أنّهم اتخذوا منهم ندماء وأصدقاء،  بل أنّ ثاني الخلفاء الموحدين «أبو يعقوب يوسف» (1139م ـ1184م) تعلّم الفلسفة، وجمع كتبها من المشرق والمغرب، وناقش قضاياها.. وفي هذا الجوّ عاش الفيلسوف العبقري بن رشد (1126م ـ1198م) لذلك اعتبر  بن نبيّ عصر الموّحدين عصر العقل والفكر وما بعده عصر الانحطاط، وإن لم يكن الانحطاط كلّيا لأنّ فيلسوفا آخرا عاش في عصر ما بعد الموحدين؛ وهو ابن خلدون(1332م ـ1406م) الذي كان مالك بن نّبي معجبا به أيّ إعجاب!
إذن، فالموحّدون كانوا رعاة علم، وكان المرابطون من قبلهم لا يلتفتون إلّا لعلوم النّقل والفقه، غير مبالين بالعلوم العقليّة، ثمّ جاء من بعدهم العثمانيّون فما اهتموا بالعلوم ولا اعتنوا باللّغة العربيّة، بل صبّوا اهتمامهم على كلّ ما هو عسكريّ في الغالب قصد الدّفاع عن العالم الإسلامي ضدّ التّحدّيات العسكريّة الأوروبيّة والروسيّة والصفويّة، الجدّيّة والخطيرة التي كان يواجهها!.. لذلك لم يكتب مالك بن النّبي عن الخلافة العثمانيّة بأشكالها العالميّة أو المحلّية(الجزائر)، وإنّما كان دائما يتطرّق في مؤلفاته إلى المأزق الحضاري الذي كان يعيشه إنسان ما بعد الموحّدين، ولم يستطع أن يتخلّص منه حتّى أيام الباحث...وحتّى يومنا الحاضر...