التربية والتعليم

بقلم
د.أشواق طالبي المصفار
المدرسة بين القدوة و القيادة (1-2)

 1. التّعليم والقدوة          

تعتبر المدرسة البيت الثّاني للتّلميذ، دورها مكمّل لدور الأسرة التّربوي ولا يقتصر فقط، على تعليم المواد المدرسيّة، وإنّما تعلّمه مهارات حياتيّة أيضا، فالمعلّم يضطلع بدور أساسي في العمليّة التّعليميّة والتّعلّميّة، لذا عليه أن يتحلّى بصفات علميّة وأخلاقيّة، فالمتعلّم يأخذ بالتّقليد والمحاكاة أكثر ممّا يأخذ بالنّصح والإرشاد، فالحسن بالنّسبة إلى المتعلّم هو ما يفعله معلّمه، أمّا القبح بالنّسبة إليه ما يتركه. وعليه تتأسّس العلاقة «معلّم ومتعلّم» على أساس التّدريب المعرفي في كنف الاحترام، واكتساب قواعد الضّبط الدّاخلي والخارجي عن طريق تفاعل شعوري كاكتساب المعارف واحترام القوانين، ولاشعوري كعلاقة المحبّة أو النفور. وإذا كانت مهمّة المعلم على درجة كبيرة من الأهمّية والنّبل فإنّها تستوجب شروطا أساسيّة من قبيل سلامة الصّحة من النّقص والضّعف، وتوفّر القدرة العقليّة والذّكاء والمهارة المتعلّقة بحلّ المشكلات الطّارئة في المستوى العلمي أو السّلوكي، والإلمام بكلّ ما يتعلّق بملكات التّلاميذ واستعداداتهم وميولهم(1) . 
ثمّ يتحوّل الضّبط المدرسي إلى ضبط اجتماعي، وكلّما زادت نسبة الضّبط المدرسي والاجتماعي قلّت نسبة الانحراف والجريمة، فالعمل التّربوي الإيجابي هو الّذي ينجح في توجيه الأنشطة في اتّجاه واحد حيث يتمّ مجانبة التّشتت الذّهني والسّلوكي المؤدييْن إلى الانحراف، ومن نتائج هذه الوحدة في الأهداف، إذكاء الفاعلية في المُربّى(2).       
إنّ القيادة بالقدوة في المجال التّربوي هي من أفضل أنواع القيادة تأثيرا حيث تُسفر عن نتائج محمودة، والعمليّة التّربوية تبدأ بالقدوة داخل الفضاء الأسري، وخير قدوة نلتمسها في خير الأنام سيدنا محمد ﷺ، الّذي شهد له القرآن الكريم برفعة فضائله لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ‎﴾(القلم: 4)، وقد وصفته زوجته عائشة، رضي اللّه عنها، بأنّ خلقه القرآن وأنّه كان يأمر بمكارم الأخلاق(3)، فتعاليم القرآن لم تبق أفكاراً ماهويّةً مجرّدة، وإنّما تحوّلت إلى تخلق وسلوك، ولذلك ربط القرآن الإيمان بالعمل في كلّ آياته، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ ‎‏ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾(العصر: 1-3)، ولمّا كان النّبي ﷺ، النّموذج الأوفى للإنسان الكامل فإنّ اللّه تعالى نبّه إلى أنّه يُمثّل القدرة المثاليّة، والأُسوة الحسنة، قال اللّه تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾(الأحزاب : 21). 
وما من شكّ في أنّ القدوة حاجة إنسانيّة وضرورة تربويّة(4)، وغيابها يشكّل أزمة في عمليّة التّربية والتّعليم. وقد سبق أن أشار إلى هذه المسألة عالم التّربية الأمريكي «جون هولت» في كتابه «كيف يفشل الأطفال» بقوله: «ليس علينا أن نجعل البشر أذكياء، فقد ولدوا أذكياء، كل ما علينا فعله هو التوقّف عن فعل الأشياء الّتي تجعلهم أغبياء»(5)، فالقدوة هي الّتي تنفخ الرّوح في الكلمات والمواعظ وتجعلها حيّة، إذ بدون القدوة تصبح الكلمات جوفاء، لكلّ هذا جمعت تجربة التّعليم في الفكر التّربوي الإسلامي بين التّعليم والاقتداء وهو ما نجده مترجما بعد قرون ضمن مبادئ التّربية الحديثة. فقد كان المتعلّم يلازم معلّمه آخذا عنه علمه وخلقه وسلوكه، وهو ما جعل التّأثير، ليس فقط في بناء العقل، ولكن يمتدّ إلى التّأثّر الأخلاقي.
إنّ الاقتداء في الإنسان فطرة وجبلة، فهو يولد لا يعلم شيئا، وأبسط دليل في ذلك تعلّم الطّفل للّغة واكتسابها عن طريق تكرار الكلام سواء فهمه أم لا، فهو تأثير فطري لا شعوري. والقدوة الحسنة وسيلة من وسائل تعزيز السّلوك الإيجابي عند الصّغير، فالقيم لا تفرض، وخير طريقة لاكتسابها إنّما يتشرّبها الأبناء عن طريق المعايشة، فإذا ما تلفّظ المربّي بهدوء، اكتسب المُربّى الثّبات، وإذا ما اعتذر الكبير عن خطئه فإنّ الصّغير سيتعلّم تحمّل المسؤوليّة عند ارتكاب الخطأ، إلاّ أنّ ما شهده العالم من تحوّلات جرّاء العولمة الّتي تشجّع على الاستهلاك وتُوظّف الثّقافة لترويجه وتسويغه، وتزرع قيم الثّراء اللاّمحدود وفرض نمط من العيش يقوم على البراغماتيّة الممجّدة للرّفاهيّة والمنفعة السّريعة. 
لقد خلق المناخ الثّقافي المعولم نماذج سيئة يقتدي بها الصّغار والكبار، وطغت القيم المادّية على القيم الرّوحية والمعنويّة، وبرزت قدوات تنتصر لعالم المادّة، وتُرسّخ مفهوم الإنسان الوظيفي أي اختزال الإنسان في الجانب المادّي فقط، وقد قام الغرب بالتّرويج لنماذج بشريّة صعدت في سلّم الثّروة الرّأسماليّة بطرق سهلة ودون شهائد علميّة. والّذي زاد المسألة تعقيدًا، هو خروج الأبويْن إلى العمل ما أفسح المجال لعوالم أخرى تقوم بتنشئة الأبناء، والملاحظ أنّ ابتعاد الوالديْن عن البيت، والتّخلّي عن دورهما التّربوي أوجد فراغا في مجال القدوة، وهو أحد مسبّبات الأزمات الّتي تشهدها الأسرة الحاليّة والمدرسة الحديثة، ولقد مثّل انشغال الأبويْن بالأعمال خارج المنزل لساعات طويلة فراغًا تربويًّا حدا بالأطفال إلى البحث عن أيّ ضرب من ضروب القدوة للسّير على خطاها، والحال أنّهم لا يمتلكون وعيًا كافيًا يُميّزون به بين القدوة الحسنة والقدوة السّيئة. 
والجدير بالملاحظة، أنّ الطفل، بحكم حرجة سنّه، يحتاج إلى الحبّ والعاطفة ومعرفة الضّوابط، لذا تكمن الوظيفة الأساسيّة لمربّيه، والدا أو معلما، في أن يكون أفضل قدوة، ومن ثمّ تعمل الأسرة أو المدرسة على تحقيق هذا الهدف التّربوي لمساعدة الطّفل على اكتساب الفضائل والخبرات(6) عن طريق الاقتداء عبر خطوات مختلفة يمكن اختزالها في ما يلي:
- تعزيز احترام الذّات لدى الطّفل، فالطّفل يرى انعكاس صورته في عيون الآخر، فمدح إنجازاته ستجعله يشعر بالثّقة في النّفس، والافتخار، والاعتزاز بالذّات. 
- احترام ميول الطّفل وحاجاته، فالطّفل هو محور التّربية، ومن حقّ الطّفل أن يعيش طفولته، وليس من حقّ الكبار أن يفرضوا عليه نمط الحياة الذي يريدونه لأنّ في ذلك تشويها لنموه الطّبيعي، يقول روسو في هذا الصّدد: «إنّ الطّبيعة تتطلّب منهم أن يكونوا أطفالا قبل أن يصبحوا رجالا وعلى المربّين أن لا يحملوا الطّفل ما لا طاقة به، وإلاّ عاش تعيسا... أحبّوا الطّفولة، وارعوا في مودّة لهوها وملذّاتها وطبيعتها اللّطيفة، من منكم لم يتحسّر أحيانا على تلك المرحلة من العمر حينما كانت الشّفاه لا تعرف إلاّ الضّحكات، والنّفوس لا تعرف إلاّ الطّمأنينة والأمن والسّلام؟ لماذا إذن تريدون أن تنزعوا من هؤلاء الصّغار الأبرياء استمتاعهم بفترة قصيرة من العمر سرعان ما تنقضي كأنّها سنة من وسن؟»(7).
- تدريب الطّفل على الاعتماد على النّفس، فكلّما ازدادت قدرته قلّ اعتماده على الآخر.  
- تفادي الانتقاد المركّز على السّلبيّات، والقصد من ذلك تجنّب التّربية المعتمدة على تحقير المُربّى من خلال مقارنته بغيره وتوبيخه، لأنّ هذه الطّريقة تجعل الطّفل كالعبيد، حسب روسو، والأهمّ من ذلك هو  التّركيز على المجاملات والثّناء دون الإفراط في التّسامح معهم لأنّ ذلك يجعلهم مستبدّين. 
- الابتعاد عن الشّتم والضّرب، فالعنف والشدّة يفسدان معنى الإنسانيّة، فيجب أن يتعلّم الطّفل أخطاءه بمفرده، وفسح المجال أمامه ليكتشف المفاهيم بمفرده، فروسو في هذا المجال، يرى أنّ الإنسان خيّر بالفطرة والتّربية هي الّتي تفسده حسب مبادئ التّربية الطّبيعيّة، فالإنسان، حسب رأيه، يولد كائنا طيّبا ولكن فساد المجتمع هو الّذي يفسد طبيعته البشريّة.
-ضرورة تخصيص وقت للعناية بالأبناء، فلا يجب أن تشغل مهام الدّنيا الآباء عن الإصغاء لأبنائهم    ومشاركتهم حياتهم ومشاغلهم اليوميّة.
-التّدريب المستمر على اكتساب صفات الضّبط والانضباط، والقصد من ذلك أنْ يتعلّم الطّفل كيفية التّصرّف من خلال مراقبته للأهل وتقليدهم. 
والمستفاد من هذه الخطوات هو ضرورة تشجيع الطّفل على التّعلّم واكتساب الخبرات حتّى بواسطة اللّعب، وتجنب الدّروس المباشرة(8). فالقدوة الحسنة هي أقوى أشكال التّعليم، وهي تقتضي المطابقة بين القول والفعل بحيث يكون التّعليم مُنصبًا على الإلمام بالكيْفيّة، والمراد من ذلك معرفة كيف تتمّ عمليّة النّجاح، وكيف يتمّ تجاوز الصّعوبات، وهي طريقة أثبتت التّجارب نجاعتها ولاسيّما عندما قُورنت بالطّريقة التّربويّة المُركّزة على سؤال «لماذا» لمعرفة الأسباب. 
وعلى هذه الشّاكلة، يتّضح أنّ القدوة الحسنة هي أهم عنصر في تشكيل شخصيّة الإنسان السّويّة، ذلك أنّ التّربية والتّنشئة ليست في جوهرها إلا ّعمليّة اجتماعيّة تفاعليّة يكتسب الفرد من خلالها الخبرة والتّجربة والمعرفة وأنماط السّلوك من الكبار، لذلك تأتي أهمّية القدوة في مقدّمة الطّرق التّربويّة الّتي يكتسب الفرد من خلالها القيم والاتجاهات على اعتبار أنّ القدوة تجسيد لمعاني القيم وتطبيق لها، فالفعل، حينئذ، أبلغ من القول وأشد تأثيرا منه.
2. النتائج المنجرّة عن غياب القدوة الحسنة 
إنّ غياب القدوة الحسنة، سواء داخل العائلة أو داخل المدرسة، يحدث شرخا بين الآباء والأبناء ويؤثّر سلبا في العائلة والمجتمع، وهكذا تتفاقم مظاهر السّلوك غير السّوي، فالكبار من الآباء، والمعلّمين يشكلون قدوة حسنة يتأثّر بها الأبناء ويتّخذونها نبراسا لهم يوجه سلوكهم وتصرّفاتهم في مواجهة المواقف الصّعبة الّتي تعترضهم في الحياة، غير أنّ هذه القدوة لم تعد تلعب دورا هامّا في حياة أجيال اليوم، إذ ضعف مفهوم القدوة الحسنة، وفقدت هذه الأيقونة مكانتها بسبب وجود مصادر أخرى للتّربية والتّوجيه، والملاحظ في هذا الإطار، أنّ العائلة التّونسيّة اليوم تعيش حالة من العزلة، ومن أهمّ مظاهرها وتجلّياتها غياب الحوار، وانعدام اللّقاءات الدّافئة نتيجة انشغال الكبار والصّغار بمشاغل الحياة اليوميّة، وقد زاد الارتباط بوسائل الاتّصال ومواقعها الاجتماعيّة في عزلة الشّباب عن أهلهم وذويهم، فاكتست العلاقات الأسريّة برودة قاتلة لكلّ إحساس ووجدان، ومن ثمّ  تقوّت النّزعة الفرديّة وانحلت الرّوابط الأسريّة والاجتماعيّة، وما عمّق هذه الهوّة التّربوية هو غياب البرامج الإعلاميّة التّوعويّة.
إنّ غياب القدوة الحسنة يؤثر تأثيرًا سلبيًا في تنشئة الأبناء بحيث لا تكون سليمة على الوجه المطلوب، وفي غياب النّموذج البشري السّوي تبدأ لدى الأبناء العادات السّيئة في الظّهور إلى أن تتحوّل إلى ظواهر اجتماعيّة خطيرة تمثّل آفة للفرد والمجتمع، كآفة التّدخين، والمخدّرات، والخمر، والعنف، واللاّمبالاة ووغيرها من الآفات الّتي تؤثّر سلبا في صحّة الأبناء النّفسيّة والجسديّة. وفي هذه الحالة يتّخذ الابن نماذج يقتدي بها بالرّغم من كوْنها نماذج سالبة وغير سويّة، والغريب أنّها شديدة النّشاط عبر مواقع التّواصل الاجتماعي تُروّج للتّفاهة والسّذاجة، وتغليب المادّة على الرّوحانيّات عوض الاقتداء بالشّرفاء سواء في المستوى المحلّي أو العربي أو العالمي، وليس خافيا، أنّ هذه الظّاهرة تُمثّل خطرا مُحقّقًا على بناء شخصيّة الأطفال. 
والحاصل ممّا سبق، أنّ التّربية من خلال الاقتداء بالقدوة الحسنة هي أساس الاستقامة والصّلاح الفردي والمجتمعي، وهو ما يُؤكّد اليوم مسؤوليّة الآباء لمراجعة أساليبهم التّربويّة السّيئة الّتي تجعل الأبناء في معرض الضّحيّة المُنفعلة بسلوك الكبار، والعمل على تزكية النّفس وتصحيح السّلوك لأنّ الابن أمانة وجوهرة نفيسة سيحاسبون على أذاها. والّذي لا مراء فيه، أنّ غياب القدوة الحسنة أدى إلى ارتفاع منسوب الجريمة في الوسط المدرسي، وهي ظاهرة غريبة على قيم الإسلام  النّاهضة على السّلم، والمحبّة، والمودّة والتّآخي. وما يشهده الوسط المدرسي اليوم من مظاهر عنف مختلفة كالاعتداء بالضّرب أو الشتم، أو تخريب تجهيزات المدرسة، تمثّل خطرا اجتماعيّا ينمّ عن انهيار المعايير التّربويّة السّائدة خاصّة وأنّه مرتفع لدى التّلاميذ في مستوى الجنسيْن ما يجعل علماء الاجتماع والنّفس يدقّون أجراس الخطر للإعلان عن كوْن  العنف المدرسي يُمثّل ظاهرة تعيق سير العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة.
لقد شهدت ظاهرة العنف المدرسي تطورًا ملحوظًا عبر السّنوات، حيث كانت في السّابق تقتصر بشكل أساسي على العنف الّذي يمارسه أشخاص خارج المدرسة، مثل السّرقة أو الاعتداءات الجسديّة. ولكن مع مرور الوقت، زادت حالات العنف داخل المدارس وبين أفراد المدرسة نفسها، بما في ذلك العلاقة الرّابطة بين المعلّمين والتّلاميذ. وهناك عدّة عوامل تسهم في هذا التّطوّر نُجملها فيما يلي:
-العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة: إنّ ظروف انتماء بعض المتعلّمين إلى الطّبقات الفقيرة والهشّة قد تؤدّي إلى الانحراف الاجتماعي وتزيد من احتماليّة مشاركتهم في أعمال العنف المدرسي. وهذا بيار بورديو يشير إلى أنّ المدرسة تضطلع بدور مهمّ في إعادة إنتاج التّفاوت الاجتماعي والاقتصادي. فقد بيّن أنّه من خلال نقل القيم والمعارف والمهارات، يمكن للمدرسة أن تعزّز الرّأسمال الثّقافي والاقتصادي للتلاميذ الّذين يتمتّعون بموارد وفرص أكبر، بينما قد تعجز في تلبية احتياجات المتعلّمين الّذين يعانون من الفقر والتّهميش، ما يؤدّي إلى تكرار الظّواهر الاجتماعيّة السّلبيّة مثل العنف(9).
-التّأثيرات الثّقافيّة ووسائل الإعلام: يمكن أن تؤثّر الصّور العنيفة في وسائل الإعلام والثّقافة الشّعبيّة في سلوك المتعلّم داخل المدرسة محاولا تقليدها.
-العقليّة الثّقافيّة: يركّز «بورديو» على العقليّة الثّقافيّة الّتي تشكّلت لدى المتعلّم في المدرسة وخارجها، فإذا كانت القيم والمعتقدات المنتشرة تعزّز العنف أو تبرز الفوارق الاجتماعيّة بين المتعلّمين، فقد تزيد من احتمالات حدوث الصّراعات والعنف داخل المدرسة.
-نقص الرّقابة والتّأديب: في بعض الأحيان تشهد بعض المدارس نقصا في التّأديب الّذي يفرضه المعلّم أو إدارة المدرسة ما يؤدّي إلى زيادة حالات العنف بين التّلاميذ أو بينهم ومعلّميهم. 
-التّحديات التّعليميّة: يمكن أن تكون صعوبات التّعلّم والتّعليم وضغوطاتهما سببا في توتّر التّلميذ، وقد يساهم هذا التوتّر في ارتفاع احتمال استخدام العنف تُجاه الآخر كوسيلة للتّعبير عن الاستياء.
-نقص الدّعم النّفسي والاجتماعي: إنّ نقص الدّعم النّفسي والاجتماعي لدى التّلميذ سواء من الأسرة أو المدرسة يُمثّل سببا للجوء المتعلّم إلى العنف كوسيلة لجذب الانتباه أو تحقيق القبول.
وما يمكن أن يخلص إليه الدّارس، ممّا سبق، هو أنّ مظاهر العنف لدى التّلميذ تعكس الانفعالات المستبطنة لدى التّلميذ، وهي حالات تنمّ عن تقليد الصغار للكبار، ولاسيّما أنّ الأبناء شديدو التّأثر بمظاهر العنف الصّادر عن «الرّاشدين». ولعلّ الحلّ الأمثل يتبلور في توفير بيئة تعليميّة آمنة وداعمة تساعد في تقليل حالات العنف داخل المدرسة مع تعزيز الثّقافة السّليمة وبناء علاقة صحيحة بين جميع المشاركين والمساهمين في الحياة المدرسيّة. كما تقتضي هذه المسألة ضرورة وجود إخصائي اجتماعي ونفسي داخل المدرسة، إلى جانب تحلي المعلم بصفات القائد الكاريزمي، فكيف ذلك؟ 
هذا ما سنتطرق إليه في العدد القادم إن شاء اللّه.
الهوامش
(1) ينظر أسعد فرح، المعلم الناجح في التّربية والتّدريس، دار ابن النّفيس للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2018، ص 15 وما بعدها.
(2)  ينظر أسعد فرح، المعلم الناجح في التّربية والتّدريس، م ن، ص 83.
(3)  ينظر البخاري محمّد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الإيمان، مصر، 1423ه، 2003م، كتاب: الأدب، باب: حُسن الخُلُق والسّخاء وما يكره من البخل، ص1244.
(4)  يمكن العودة في هذا المجال إلى الحازمي عبد الرحمان بن سعيد، التربية في القرآن الكريم توجيهات تربوية لبعض آيات القرآن الكريم، بحث مقدّم لمؤتمر التّربية الإسلامية وبناء المسلم المعاصر من الفترة 22-23 محرم 1427ه، ص 42.
(5)  هولت جون، كيف يفشل الأطفال، دار المعارف، مصر، ط 1، 1960، ص31.
(6)  ينظر قوازو: برنار، نموّ الذكاء عند الأطفال، تعريب منير العصره، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة-نيويورك، ط1، 1986، ص327.
(7) روسو: جان جاك، إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشد، تعريب نظمي لوقا، تقديم أحمد زكي محمد، الشركة العربية للطباعة والنشر، مصر، ط 1،  1984، ص ص 81،80.
(8) ينظر فرج عبد اللطيف بن حسين، طرق التّدريس في القرن الواحد والعشرون، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، المملكة العربية السعودية، ط1، 2005، ص 64.
(9) بورديو بيار وباسرون جان كلود، إعادة الإنتاج في سبيل نظرية عامّة لنسق التّعليم، تعريب ماهر تريمش، مراجعة سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط 1، 2007، ص 97.