وقفة مع كتاب

بقلم
د.علي رابحي
«تحصيل السعادة» للفارابي
 يعتبر كتاب «تحصيل السعادة» عملا منهجيّا بيّن فيه الفارابي السّبيل إلى الوصول إلى الغاية الأسمى للوجود الإنساني، وهي السّعادة التي لا تتأتى إلاّ بالعلم. والعلم حسب الفارابي لا يحصل دفعة واحدة بل لا بدّ من تعلّمه والتّدرّج فيه. لهذا نجد الفارابي يقرّر منذ البداية أنّ الأشياء الإنسانيّة إذا حصلت في الأمم وأهل المدن حصلت لهم بها، السّعادة وهي أربعة أجناس: الفضائل النّظرية والفضائل الفكريّة، والفضائل الخلقيّة، والصّناعات العمليّة.
1 - الفضائل النّظريّة.
وهي العلوم التي تهدف إلى تحصيل الموجودات، وحسب النّظريّة الأرسطيّة في المعرفة يقسّمها الفارابي بدوره إلى:
أ- معرفة فطرية:  أي التي يولد الإنسان وذهنه مزوّد بها، وما عليه إلاّ أن يكتشفها عن طريق التّعلّم.
ب- معرفة مكتسبة:  وتنقسم بدورها إلى نوعين: الأول اكتساب من خلال البحث والاستدلال والتّعلّم والثاني التمييز بين المسائل وبين النّتائج.
ويعتبرها الفارابي بمثابة المقدّمات الأولى إلى العلوم، وتكون هذه العلوم مجهولة في أوّل الأمر بالنّسبة إلى المتعلّم الذي يقبل على تعلّمها، ثمّ تصير مطلوبة، وتشكّل له اعتقادا أو علما. لكن الفارابي يستدرك بأنّه لا نصل دائما إلى اليقين، فقد نصل إلى حقّ أو شبيه بالحقّ أو ظن. والسّبب هو اعتمادنا على مناهج متنوّعة.من هنا يميّز الفارابي بين «مبادئ الوجود» و« مبادئ التّعليم»، ويرى أنّ مبادئ التّعليم هي سبب معرفتنا لمبادئ الوجود، وبالتّالي مبادئ الوجود هي سبب وجود ما يحصل لنا من استعمالنا لمبادئ التّعليم.
2 - الفضائل الفكريّة.
العلم البشري في علاقته بتحصيل السّعادة منطلقه الطّموح الإنساني إلى الكمال، من هنا يقسّم الفارابي الأشياء إلى أشياء طبيعيّة، يستعمل فيها الفضيلة النّظريّة، لأنّ الأشياء الطّبيعيّة لا تتبدّل ولا تتغيّر، وأشياء إراديّة، وهي الأشياء التي تتبدّل وتتغيّر من زمان لآخر، ومن شخص لآخر. فالأشياء الإراديّة غير خاضعة للفضيلة النّظريّة، وإنّما تحتاج إلى قوّة أخرى تسمّى القوّة الفكريّة. وهذه القوّة الفكريّة تسمّى الفضيلة الفكريّة وهي مدنيّة مشتركة.
3 - الفضائل الخلقيّة.
إنّ الغاية الفكريّة تستنبط ما هو أنفع في غاية ما فاضلة، أمّا القوّة الفكريّة المستنبط منها ما هو أنفع وفي غايتها شرّ فليست فضيلة فكريّة. والاستنباط من الفضيلة الفكريّة فيما هو أنفع في غاية ما فاضلة يسمّى الفضيلة الخلقيّة.
4 - الصناعات العملية.
 الصّناعة  العمليّة هي تنزيل نتائج الفضائل الثلاث السّابقة مجتمعة وتفعيلها في الواقع المعيش، إمّا عن طريق الإقناع، أو الإكراه لإلزام المخالفين. وتمارس من طرف الفيلسوف أو الإمام أو واضع النّواميس، عن طريق التّعليم فيما يخصّ الفضيلة النّظريّة، وعن طريق التّأديب فيما يخصّ الفضيلة الفكريّة والفضيلة الخلقيّة، والجامع لهذه الفضائل يسمّى الإمام الكامل عند الفارابي.
خلاصة القول  
إنّ موضوع كتاب «تحصيل السّعادة» للفارابي، هو التّعريف بالعلوم وأقسامها وأهمّيتها وكيفيّة تحصيلها، وليس موضوعه السّعادة ابتداء كما يوحي عنوان الكتاب. غير أنّ هذه العلوم مجتمعة إذا اجتهد في تحصيلها الفرد والجماعة حصلت السّعادة.