من القلب

بقلم
علي العوني
«جوج ابغال» الى زوال
 «جوج أبغال» معبر حدودي مغلق بين المغرب والجزائر، يتوق المواطنون من كلا البلدين تجاوزه والعبور الى الجهة المقابلة تخليدا لأواصر الأخوة، وتجسيدا لرواط تاريخيّة لا يمحوها تقادم الزّمن. معبر، أقفلته السّلطات الجزائريّة سنة 1994 لأسباب من الصّعب إيجاد مبرّر لها، وكان يعتقد ألاّ يطول هذا الإغلاق بين جارين تقاسما تاريخا ومصيرا ودينا ولغة مشتركة، فإذا به يطول ويمتدّ لعمر جيل كامل حكم عليه بألاّ يعرف عن جيرانه شيئا. وقبل هذا التّاريخ لم يكن المعبر في أفضل حال، بل تعرّض لحالات الإغلاق عدّة مرّات منذ الثّمانينات . وازداد الأمر سوءا في السّنوات الماضية عندما أقدمت الجزائر بتاريخ 24/08/2021 على قطع علاقاتها الدّبلوماسيّة مع المغرب، ثمّ أغلقت مع نهاية نفس العام، أنبوب الغاز الذي كان يمرّ عبر المغرب في اتجاه إسبانيا، فحرمت مواطنيه من غاز كان يمرّ عبر أراضيه، كما أقفلت الجزائر بعد ذلك أجواءها في وجه الخطوط الملكيّة المغربيّة . ووصل بها الأمر مؤخّرا (10/01/2024) الى رفض أيّ عمليّة توطين لعقود النّقل تمرّ عبر الموانئ المغربيّة.  بل الأغرب من ذلك أنّها أعلنت عبر قنواتها التّلفزيّة الرّسميّة منع عرض أيّ مباراة رياضيّة في كأس إفريقيا التي جرت بساحل العاج، يكون الفريق المغربي طرفا فيها. فإلى أين ذاهب هذا العداء المستشري بين الجارين لا سيما بعد أن اقدم المغرب على ربط علاقاته مع إسرائيل، وبدأت الأسلحة تتكدّس على جانبي الحدود؟ أهو عداء مستحكم بين شعبين شقيقين، أو مجرّد مناكفات سياسيّة فوقيّة لا دخل للمواطن فيها؟
فإذا قبلنا جدلا بأن غلق السّفارة في الرّباط ومنع عبور الخطوط الجويّة المغربيّة الأجواء الجزائريّة قد يدخلان ضمن السّيادة الوطنيّة أو القرار السّيادي وهما من مشمولات الإدارة المركزية، فإنّ مصلحة المواطن المغاربي ومشاعره تنتهك في العديد من القرارات الصّادرة عن الأجهزة الوطنيّة وإن كانت لا تخلو هي الأخرى من نكهة سياسيّة. فمنع رجال الأعمال الجزائريّين من الاستفادة من خدمات الموانئ المغربيّة القريبة، سيكلّفهم تحمّل نفقات إضافيّة ناهيك عن مضيعة الوقت، وبالتّالي يضطرّون لتحميلها على كاهل المواطن المسكين، وقطع الغاز عن المغرب أضرّ كثيرا بمصالح المواطن المغربي، أمّا منع المواطن الجزائري من متعة الفرجة على المقابلات الرّياضيّة التي يكون الفريق المغربي طرفا فيها، فهو تعدّ وتحدّ لإرادة الشّعب ومشاعره والتي لم تؤخذ في الحسبان عند صياغة القرار، إذ أنّ حرمانه من متعة متابعة مباريات أفضل فريق على المستويين العربي والإفريقي قد يؤلمه ويعمق الجراح العميقة أصلا. 
نعم إنّه جفاء طال أمده بين شقيقين فرّقت المناكفات السّياسية بينهما، وكأنه حكم على الشّعبين أن يعيشا متباعدين، فكلّ شيء يدعو في الوقت الحالي الى الفرقة بينهما. ولم تسفر الوساطات العربيّة للتّقريب بينهما عن أي نتيجة تذكر. بل إنّ وسائط التّواصل الاجتماعي زادت في إرباك الوضع وإذكاء مشاعر التّباعد والنّفور وتضخيمها. ولكن مسار التّاريخ يقول أنّ مصير الشّعوب يحكمه التّقارب أكثر ممّا تحكمه الفرقة، فكم من حرب دارت بين فرنسا وألمانيا، وها هما اليوم متحالفان بعدما ألقيا العداوة بينهما في سلّة المهملات. فأمل المغاربيين كبير في غد أفضل. بل إنّ ما بقي من مشاعر الودّ والأخوة الصّادقة سوف ينتصر في النّهاية وينسف هذا الهراء وكلّ مظاهر الجفاء. فمشاعر الأخوة مازالت كامنة في وجدان المواطنين الشّرفاء من كلا الطّرفين ويحفظونها في صدورهم مهما طال الزّمن، وسوف تكون لها الغلبة في النّهاية﴿ ...فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً  وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ  كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾( الرعد: 17).
لقد توصّلت الى هذا الاستنتاج من خلال إقامتي كتونسي بالمغرب ومن خلال زياراتي المتكرّرة سابقا للجزائر في إطار عملي كباحث ومحاضر في القضايا الاقتصاديّة الاجتماعيّة، وأيضا من خلال ندوة غير رسميّة ولا مخطّط لها عقدت خارج الأنماط التّقليديّة لتنظيم النّدوات. وكان ذلك بمطار محمد الخامس بالدّار البيضاء ليلة 11/12/2023. 
كان من المقرّر مغادرة المطار على متن الخطوط الجويّة التّونسيّة صباح اليوم الموالي على السّاعة الثّانية والنّصف في اتجاه مطار تونس قرطاج، إلاّ أنّ الخطوط التّونسيّة تمسّكت بعادتها في تأخّر مواعيدها. ونحن في قاعة الانتظار سألنا المسؤول عن موعد المغادرة، فأخبرنا أنّ الطّائرة لازالت في تونس وسوف تقلع في الحال في اتجاهنا. فأعطانا سيادته ثلاث ساعات للسّمر. ووجدت نفسي أدير ندوة لم يكلّفني أحد بتنظيمها ولا ترأس جلساتها، أمام فريقين من الجزائريين والمغاربة متّجهين إلى تونس ومنها الى الجزائر العاصمة، إنّها بداية رحلة شاقّة بالنّسبة إليهم.
فسألت فريق الجزائر، أين كنتم وكيف جئتم، ولماذا اخترتم المغرب بالذات، وماذا وجدتم فيه وكيف تعامل المغاربة معكم؟ فكانت إجاباتهم تصبّ كلّها في سعادتهم بزيارة المغرب الذي فضّلوه على كلّ بلدان العالم. واجمعوا القول أنّ كلّ ما في الرّحلة جميل ورائع عدا مشقّة السّفر بالطّائرة وارتفاع كلفتها لأنّها غير مباشرة وهم مضطرّون للمرور على بلد آخر قبل الوصول الى المغرب. وكمثال عن حسن استقبال المغاربة لهم، حكى أحدهم عن مغامرته بالذّهاب الى أقصى الجنوب المغربي على متن درّاجة ناريّة، والتي علّق عليها علم الجزائر، وخلافا لما كان يتوقّع، أُستقبل أينما حلّ بهتافات وتصفيق حارّ، تعبيرا عن الأخوّة الصّادقة التي لازالت كامنة في الوجدان.
ردّ أعضاء الفريق الآخر وهم مغاربة عاملون  في الجزائر، بالقول : أن استقبال المغاربة لكم لا يساوي شيئا أمام احتضان الشّعب الجزائري لنا. فنحن نعمل ونقيم فيها ولا شيء  يعكّر مزاجنا. وكتعبير عن حسن الوفادة، حكى لنا أحدهم قصّة أبلغ من قصّة الجزائري بالمغرب. فقال أنّه يعمل ويسكن في قرية جزائريّة صغيرة، اتفق جيرانه على تزويده بالأكل في شهر رمضان بالتّناوب. ووصل الكرم بأحد جيرانه أن طلب منه تحديد رغباته في الأكلات التي يشتهيها، شبّه ذلك  «بالدّلع» الذي كان يتلقّاه من أمه عندما كان صغيرا ...
حاولت اسفزاز الفريق الجزائري بما يُقال عن المغرب والمغاربة في وسائط التّواصل الاجتماعي بالجزائر، فتبرّؤوا منه ومن الطّغمة الضّالة التي تقف وراءه، بحكم جهلهم للأمور وقصر نظرهم، وهم في النّهاية لا يمثّلون شيئا من المجتمع الجزائري....ثمّ تطرّق الاجتماع بعد ذلك إلى كثير من القضايا الهامّة  والفرص الضّائعة من هذا التّباعد  على البلدين وأيضا على المستوى المغاربي.
وككلّ ندوة  ، صدرت عن هذا اللّقاء غير الرّسمي توصيـة واحـدة تحث على إزالـة «جـوج أبغـال» من الخارطة المغاربيّة حتّى يدبّ الدّفء والخير في قلوب الشّعب المغاربي !!!!