شذرات

بقلم
د.محمد عمر الفقيه
صلاة الاستخارة
 المفاهيم الخاطئة حول (صلاة الاستخارة) أدت إلى كثير من المآسي في مجتمعاتنا، فكم من خاطب نََفَر من خطيبته، وكم من مخطوبة نفرت من خطيبها لأنّها رأت رؤيا غير سارّة بعد الاستخارة. وكم من صفقة تجاريّة أبطلت بعد الاستخارة. وكم من صلة رحم قُُطعت، وكم من قرار خاطئ اتخذ بسبب المفهوم الخاطئ للاستخارة، وكم ... وكم ... وكم ...
ومن المغالطات التي شاعت حول ما يطلق عليه «صلاة الاستخارة» والتي أدخلت هذه العبادة في نفق مظلم، وأصبحت مصدر شقاء لكثيرين بدلا من أن تكون راحة وطمأنينة للنّفس الإنسانيّة الأمور الآتية:
أولا: اعتقاد بعض النّاس أنّ صلاة الاستخارة إنّما تُشرّع عند التردّد بين أمرين، وهذا غير صحيح، لقوله ﷺ في الحديث: « إذا همّ أحدكم بالأمر...»(1) ولم يقل ( إذا تردّد )، والهمّ مرتبة تسبق العزم والقيام بالفعل.
ومن الآيات الدّالة على أنّ الهمّ يعني توجيه الإرادة نحو القيام بالفعل بعد أخذ التّدابير والأسباب المؤدّية إليه، قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ...﴾(يوسف: 24). ومن المعلوم أنّ امرأة العزيز أخذت كلّ التّدابير والأسباب التي تمكّنها من يوسف a ، ومن هنا فليس المقصود بالهمّ التّردّد بين أمرين.
فالاستخارة وقتها بعد اتخاذ القرار من المستخير، فيطلب من اللّه الخير بهذا الفعل إن عزم على الفعل، وإذا عزم على التّرك يطلب من اللّه الخير على ما عزم تركه.
ثانيا: يعتقد البعض أنّه لا بدّ من أن يرى رؤيا بعد الاستخارة تدلّه على الصّواب ، ممّا يدفع البعض إلى التّوقف عن اتخاذ القرار حتّى يرى رؤيا تساعده وتدعّمه لاتخاذ القرار، وهذا الاعتقاد باطل لا دليل عليه، بل الواجب أن يتّخذ الإنسان القرار مباشرة بعد الاستخارة، لأنّ الاستخارة هي تفويض الإنسان أمره للّه بعد الأخذ بالأسباب.
ثالثا: اعتقاد بعض النّاس أنّه لا بدّ من انشراح الصّدر للفعل بعد الاستخارة، وهذا لا دليل عليه، لأنّ حقيقة الاستخارة تفويض الأمر للّه، حتّى وإن كان الإنسان كارهاً لهذا الأمر، واللّه عز وجل يقول: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة: 216)
وهذا الاعتقاد زاد الكثير من النّاس تردّدا وحيرة واضطرابا، ولعلّ البعض أعاد صلاة الاستخارة مرّات ومرّات ...
رابعا: فعل الرسول ﷺ، لم ينقل لنا أحد من الصّحابة الكرام أنّ الرّسول ﷺ صلّى صلاة الاستخارة قبل موقعة بدر أو قبل موقعة أحد أو قبل موقعة الخندق أو تبوك، رغم ما كان يعيشه المسلمون في تلك المواقع من ضيق وحرج وحاجة، وإنّما الذي تواتر عنه ﷺ أخذه بمبدأ الشّورى، والعمل بالأسباب والتّدابير التي تؤدّي إلى النّصر، وبعد ذلك التّوجه إلى اللّه بالدّعاء وطلب العون والنّصر.
خامسا: إنّ صلاة الإستخارة بمفهومها التّراثي والشّعبي هي أشبه ما تكون بالتّطيّر الذي نهى اللّه عنه، لأنّها مرتبطة بعمليّة انشراح الصّدر وانقباضه، وهذه عمليّة مزاجيّة مرتبطة بالعوامل النّفسيّة التي يعيشها الإنسان وفق الأحداث التي يصارعها في حياته، ولا يمكن جعلها سببا لتوجيه سلوك الإنسان في قضايا مصيريّة كالزّواج أو السّفر أو الصّفقات التّجاريّة .
سادسا: صلاة الإستخارة بمفهومها التّراثي والشّعبي، تتعارض مع الأخذ بالأسباب التي أمرنا اللّه بها، كما أنّها قد تؤدّي إلى إساءة الظّنّ باللّه، ومثال ذلك : لو أنّ فتاة تقدّم لها رجل لخطبتها، فاستخارت، فرأت في منامها أن تطير مع طائر الحبّ في مروج خضراء وجنّة غنّاء، فانشرح صدرها لما رأت في منامها، فوافقت على خطبة من طلب يدها، وتبيّن لها بعد ذلك أنّه من مردة شياطين الأنس، فماذا سيكون ردّة فعلها؟، بالطّبع ستقول صلّيت صلاة استخارة، وبناء على ما رأيته في المنام وافقت على الزّواج، وكأنّها تحمّل المسؤوليّة لمن اختار لها وفق المفهوم الخاطئ لصلاة الإستخارة . لذلك كم نحن بحاجة إلى مراجعات شاملة لمعظم مفاهيمنا الدّينيّة، وإعادة النّظر فيها وتصويبها وفق مبادئ القرآن الكريم ومقاصده العظيمة .
ملاحظة: مع تحفّظي على تسميتها بصلاة الاستخارة، فلا يوجد صلاة اسمها صلاة استخارة، وإنّما الوارد بالأدلّة هو دعاء الاستخارة أي الدّعاء بطلب الخير من اللّه وهذا أمر مشروع لا غبار عليه.