فواصل

بقلم
د.عماد هميسي
التعايش السلمي في التصوّر القرآني وأثره في ترسيخ القيم الحضارية (الحلقة السادسة: أثر التعايش السلمي
 أثر التّعايش السّلمي في ترسيخ القيم الحضاريّة 
ممّا لا شكّ فيه أنّ إدراك الأبعاد الحقيقيّة للتّعايش السّلمي يدفع المجتمعات العربيّة الإسلاميّة والمؤسسات والمواطنين إلى التفاعل بجدّ واجتهاد وإخلاص من أجل تأمينه وتحصيله. ويتعزّز هذا التّعايش السّلمي بالانفتاح والتّواصل في أمن واستقلال وسلام، لاسيما وأنّه في القرآن الكريم قد تأسسّ على دعائم إنسانيّة نقديّة قويّة تشمل سائر العصور من نزوله إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها. وعليه علينا أن نقيم علاقتنا مع الآخر على أساس القيم الإنسانيّة، في إطار حوار الحضارات وتكاتفها، لأنّ القيم الإنسانيّة كما قلت سابقا هي القاسم المشترك بين كلّ الحضارات وكلّ الشعوب وكلّ الأديان. ومن ثمّ يندرج تحت هذا المضمون أبعاد أهمها:  
1 - البعد الإنساني:
في الحقيقة يتّضح البعد الإنساني للتّعايش السّلمي من خلال ثلاث حقائق على الأقل:
الحقيقة الأولى: أنّه يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم الحياة الكريمة التي تقوم على ركائز مهمّة يفترض أن تتوّفر في واقع الوطن الآمن ومن أهمها: قدرة الإنسان على إشباع احتياجاته الأساسيّة كالغذاء والدواء والعلم وغيرها... ويمكن إشباع هذه الاحتياجات من خلال العمل ورعاية الدّولة وهما كفيلان بحفظ كرامة الإنسان. ومن خلال عدم الاعتماد على إحسان الآخرين والكسب غير المشروع، وهما بلا شك يفقدان الإنسان كرامته ويشعرانه بالدّونيّة والخجل. ويأتي التّعايش السّلمي كعامل حاسم في تمكين الفرد من الاستجابة لاحتياجاته الأساسيّة بالطّرق التي تُبقي على كرامته ولا تمتهنها، فكلّما زاد شعور الدّولة بالأمن وعاشت في سلم، كلّما توفّرت فيها فرص العمل المناسب للفرد والمحقّق لآماله.يقول اللّه تعالى : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾(1)  
الحقيقة الثانية: أنّ حصول التّعايش السّلمي في المجتمعات شرط أساسي لمضاعفة الفرد لجهوده من أجل بلوغ طاقاته الإنتاجيّة وتحقيق ذاته، حيث إنّ الاندفاع نحو مضاعفة الجهود مرتبط بقدرة الفرد على تمييز المصالح الحقيقيّة وما يخدمها. وهذه مهارة بلا شكّ تتأثّر نموّا واضمحلالا بعدّة عوامل أهمها: حصول الأمن والتّعايش السّلمي. ذلك أنّ الدّولة التي تنعم بالأمن والاستقرار تعيش في ظروف إيجابيّة، فهي بلا شكّ ستكون أقرب إلى التّقدم الفكري والفنيّ الذي من آثاره وفرة فرص تبادل الخبرات بين الأفراد والمؤسّسات، وهذا بالتّأكيد يؤدّي إلى زيادة ثقة الفرد بنفسه وزيادة الرّوح الإيجابيّة لديه.
الحقيقة الثالثة: أنّ حصول السلم في المجتمع يساعد على توجيه الفرد لما فضل لديه من طاقات ووقت عقب استيفائه لحاجاته الأساسيّة توجيها رشيدا حيث يسعى سعيّا حثيثا نحو المتعة و الترويح.
يقول اللّه تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ، ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَاللَّهُ عِندهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾(2)  
وبالتّالي يتجاوز سعيه إلى مرحلة النّفع المتعدّي الذي تشعر النّفس بحصوله بالرّضى والسّعادة، ومن ثمّ يسهم في خدمة هويّته الحضاريّة بشكل فعّال مثلا في عمل التّطوع والبعض الآخر في ممارسة خدمة مهنيّة يحتاجها المجتمع، ومنهم من تستهويه البحوث والتّجارب التي تؤدي إلى اختراعات مفيدة للدّولة والمجتمع وهكذا... (3)
2 - البعد الاجتماعي:  
ممّا لا شكّ فيه أنّه بقدر ما تكثر بين النّاس المنازعات وترتفع في مجالسهم الخصومات وسوء علاقات الأفراد والجماعات بقدر ما ينفرط عقد الحياة الاجتماعيّة ويفقد التّعايش السّلمي والأمن والاستقرار. لذلك لم  يغضّ القرآن الكريم الطّرف عن المفاسد في عصر الجاهليّة، ولم يشغله جانب العقيدة والعبادة عن محاربتها في إعلان واضح إلى أنّه جاء ليقوّض ذلك البناء المتداعي الفاسد ويقيم مكانه نظامه الإلهي الصّالح تحقيقا لرسالة هداية المجتمع والحياة الطّيبة لجميع النّاس. إنّها رسالة تعلن عن نظرتها الشّاملة للحياة بعيدا عن العزلة الاجتماعيّة وما يدور فيها من ظلم وعدوان. رسالة إلهيّة فيها توجيه للإنسان إلى الاهتمام بأمور المجتمع وعدم التّخلّي عن آلامه وحاجاته ومشاكله. وفيها أمر بأن يكون الإنسان رحيما بالمجتمع، مسؤولا عنه، مبيّنا تطلعاته ومعالجا لأوجاعه. من هنا يعلن القرآن الكريم أنّ المساهمة في إشاعة الرّحمة وشفاء الآلام والمسح على الجراح وتخفيف الأحزان، هي التّجربة الكبرى التي يجب أن ينجح فيها الإنسان من حيث المسارعة في تحقيق التّكافل في المجتمع وبناء العدالة الاجتماعيّة على أسسها الرّاسخة، ممّا يجعل ذلك محكّا للإيمان واختبارا للعقيدة. يقول اللّه تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ .وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ.فَكُّ رَقَبَةٍ .أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ .يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ .أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾(4). 
وبذلك يفصح القرآن الكريم عن غاياته الاجتماعيّة، ويرسم حدودها في الأذهان ويبادر إلى الرّبط بين الجانب الاعتقادي والجانب الاجتماعي، محاربا في نفس الوقت الأوضاع الاجتماعيّة الفاسدة وفاضحا العورات الاجتماعيّة الشّائنة. إنّ هذا من شأنه أن يؤكّد لنا أنّ القرآن الكريم إنّما جاء ليعزّز من أهمّية فهمه وتنزيله في حياة الفرد والجماعة واتخاذه الدّواء النّاجع في معالجة مصائبهما ومِحَنِهما وآلامهما، مع عدم إغفال حقّ كلّ منهما، ولا يتأتى ذلك إلاّ بفهمنا للقرآن الكريم واستيعابنا لآياته وتدبرّنا إياها وعملنا بها. وستكون النتيجة وعي الفرد بحقوقه، وتحمّله مسؤوليّته تجاه إصلاح نفسه وتعهدّها بالتّقويم الدّائم والتّربيّة المستمرّة، ومن ثمّ إدماجها في الحياة الاجتماعيّة صالحة مصلحة، والسّعيّ إلى تجسيد المبادئ والقيم التي تشبّع بها من خلال وعيه وفهمه وتدبّره للقرآن الكريم وإعماله في مفردات حياته اليوميّة (5). 
إنّ امتلاك القرآن الكريم لأخلاقيّة العمل الجمعي له دور كبير في بناء الفرد على أساس الرّوح الجماعيّة والعمل الجمعي، طريق بناء للوصول إلى التّقارب الفكري والعملي وتضييق شقّة الخلاف بين الأطراف المختلفة إن وجدت، وقد نوه القرآن الكريم بضرورة التّماسك والعمل الجمعي. يقول تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾(6) 
لأنّه الجانب القوّي  الذي كان به الإنسان إنسانا، والمبدأ الأصلي للإتحاد والاختلاف  عارض ينتج عنه التفرق والتشتت الذي يؤدي  لإضعاف المجتمع. يقول الله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾(7) 
لذلك نرى اليوم كيف أنّ المجتمعات المتقدّمة استطاعت أن تحوّل نفسها إلى مؤسّسات تعتمد على الرّوح الجماعيّة في القول والعمل. يقول علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: «أعقل النّاس من جمع عقول النّاس إلى عقله»(8). فالغاية التي جعل اللّه تعالى النّاس لأجلها شعوبا وقبائل ليست التّفاخر والتّنازع ولكنّها التعارف والوئام، أما اختلاف الألسنة والألوان والطبائع والأخلاق والمواهب والاستعدادات فتنوع  لا يقتضي النّزاع والشّقاق بل يقتضي التّعاون للنّهوض بجميع التّكاليف والوفاء بجميع الحاجيّات،  فالنّاس إخوة في الإنسانيّة لأنّهم من طينة واحدة، وتنوّعهم إلى  شعوب وقبائل ليس أمرا تتغيّر به حقيقة الإنسانيّة في الإنسان.
وإذا تحولنا إلى نطاق المجتمع المسلم وجدنا القرآن الكريم يعطي أهميّة للعلاقات الإنسانيّة ويجعلها أساس الاجتماع وأصل العمران. يقول اللّه تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا، كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾(9)  
فالآية القرآنيّة تشير إلى أنّ التّآلف بين القلوب نعمة ربانيّة جديرة بالاهتمام والتّنويه وبذلك تنتفي الأحقاد وتمحي البغضاء وتتوارى الخلافات وما يترتب عليها من حروب، ويذهب شبح الهلاك إلى غير رجعة. لأنّ التأليف بين القلوب إنّما هو إتحاد في المشاعر وانسجام في الوجدان وباعث على التّضامن في السّراء والضرّاء، فهو إذن وحدة نفسيّة أو فكريّة أو عقليّة أو روحيّة تنشأ عنها حتما وحدة اجتماعيّة لا تنفصم(10).
والأصل في الإسلام أنّه دين يجمع لا دين يفرق ويعزل الإنسان ومشاكل الحياة ومتطلّباتها،وإنّ نزعة التّعرّف إلى النّاس والاختلاط بهم أساسي في تعاليم هذا الدّين، فقد بيّن الرّسول ﷺ  أنّ الفضل  لمن خالط الآخرين وتعرّف عليهم ولم يتقوقع على نفسه وذلك  في قوله ﷺ:«المؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على آذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم»(11). 
ملامح الشّخصيّة الإسلاميّة ترتكز على جانبين إثنين، جانب الفكر والإيمان وآداء العبادات وجانب الممارسة في السّلوك الذّاتي وفي العلاقة مع النّاس ومع المواقف الصّعبة في الحياة.  وبصورة عامّة، فإنّ الأسلوب القرآني في التّعامل مع النّاس هو الأسلوب الأمثل والأحسن له انعكاسات إيجابيّة على العلاقات  الإنسانيّة. ولا يزال المسلم الحقّ الملتزم بدينه، المحافظ على أخلاقه الإسلاميّة شامة بين النّاس وقدوة حسنة، يحبه كلّ من يخالطه ويسرّ كلّ من يجالسه. تخلّقه بآداب الإسلام ومكارم الأخلاق يجعل منه شخصا حيّا ومثالا للشّخصيّة الاجتماعيّة الرّاقية المهذّبة، وما انتشار الإسلام في جميع  أنحاء المعمورة إلاّ دليل واضح على انعكاس الأخلاق الإسلاميّة على العلاقات الاجتماعيّة الإنسانيّة حتّى إنّ الذين دخلوا هذا الدّين وتأثّروا بهذه الأخلاق يتجاوز عددهم أضعاف من دخلوا عن طريق الفتوحات.
إذن لا بدّ أن نكون على وعي تامّ بما يحدق بنا من أخطار بغرض الحدّ من التّواصل البنّاء، وتفتيت العلاقات الإنسانيّة، ولا بدّ من تنقية قلوبنا وإزالة الضغائن والأحقاد منها لكي نتجاوز المشكلات الاجتماعيّة. ولا بّد من العمل بشكل حثيث من أجل وحدة الصّف ولمّ الشّمل(12) مصداقا لقوله تعالى:﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾(13).
3 - البعد الأخلاقي:      
من مظاهر اختلال التّعايش السّلمي تدهور الأخلاقيّات الإنسانيّة الذي يتسبب في ضعف الدّولة في آداء واجباتها تجاه شعبها ومنها شعورهم بالأمن والسّلام الذي من المفروض أن تؤمّنه بكلّ ما أوتيت من قوّة. لأنّه من الواضح من خلال المفهوم الشّامل للتّعايش السّلمي أنّ تميّز الدّولة بقيم أخلاقيّة عالية من أهمّ أسباب ارتقائها إلى مستوى اجتماعي فاضل، وهذا هو اللاّئق بالجنس البشري الذي فضله عزّ وجلّ على سائر الكائنات الأخرى. ومن أمثلة المثل الأخلاقيّة نجد العدل والمساواة والإيثار والتّعاون والاستقامة والتّسامح وتحمل المسؤوليّة. وتتفاوت الشّعوب في مدى استفادتها وإدراكها لهذه المثل الأخلاقيّة بقدر استعداد دولهم في تحقيقها في الواقع وبقدر استقرار الأمن والسّلام بين أفراد الشّعب. والعكس صحيح، لأنّه مثلا عندما تضعف قدرة أفراد المجتمع على الذّود عن القيم الأخلاقيّة وينهمك المجتمع في الملّذات والشّهوات على حساب المثل العليا، وتغيب في نفس الوقت الأدوار القياديّة الواعية والبرامج العلميّة التي تحافظ على تلك المثل، يضعف أمن الدّولة في الغالب، الأمر الذي يؤدّي إلى سكون تلك القيم والأخلاق في المجتمع حتّى وإن وجدت في ضمائر النّاس(14). 
الخاتمـة:
وفي ختام هذا أخلص إلى النّتائج التاّلية :
- إنّ مفهوم السّلم بمعانيه اللّغوية الثّريّة يستبطن بعض الدّلالات  المهمّة التي يجب أخذها في الاعتبار خاصّة حين ترتبط هذه المعاني بمثيلاتها نصوص القرآن الكريم وحين تسقط عليها بعض الدّلالات الثّقافية في الواقع المعيش. 
- التّعايش السّلمي مطلبا شرعيّا وأسلوبا حياتيّا ومنهجا حضاريّا للتّفاهم بين أفراد المجتمع.
- من مقتضيات حصول التّعايش السّلمي ضرورة الوعي بالذّات أوّلا ثمّ فهم الآخر، ثمّ الدّعوة إلى  تقديم الأنا على حقيقتها أمام الآخر.
- تبرز قيمة التّعايش السّلمي في حياة المجتمع من خلال إقامة مبادئ  أخلاقيّة عليا من حريّة  وعدل ومساواة إلخ ...
- تحقيق التّعايش السّلمي في حياة المجتمع وهو أساس التّآلف والتّفاهم والمحبّة بين النّاس وعامل مهمّ من عوامل الرّقي الحضاري.
- إنّ الإنسانيّة اليوم في حاجة ماسّة إلى قيم التّعايش السّلمي بين النّاس باعتباره مدخلا ناجعا لحماية الإنسان والعمران.
- إنّ القرآن الكريم قد أقام جسور التّعايش السّلمي المشترك والسّلم الأهلي داخل الوطن العربي الإسلامي وبين جميع أطيافه ومكوّناته دون اعتبار للاختلاف في الدّين أو العرق أو اللّون...ذلك أنّ هدف الرّسالة الإسلاميّة هو الحفاظ على الإنسان جسدا وروحا ونفسا وفكرا وثقافة وهوّية.
- القرآن الكريم في حقيقته وجوهره وأصله دعوة إنسانيّة عالميّة شاملة تهدف إلى تأليف القلوب وجمعها. 
- تمتع أتباع الأديان والملل الأخرى بكافة الحقوق في ظلّ التّعايش السّلمي الذي دعا إليه القرآن الكريم فكانوا يقيمون شعائرهم الدينيّة ويحافظون على مقدساتهم في حريّة كاملة.
- يقتضي التّعايش السّلمي عدم إذاية أيّ إنسان بسبب دينه أو عرقه أو أصله أو معتقده أو انتهاك عرضه أو التعدّي على ماله وحرماته أو الاعتداء عليه بأيّ وسيلة أو الإضرار به أو قتله.
- إنّ الحلّ لما تعيشه الأمم والمجتمعات والشّعوب اليوم من عنصريّة وعصبيّة وعنف وطائفيّة وغير ذلك هوما جاء به القرآن الكريم من تعايش سلمي  وطبق ذلك في أروع صورة زمن النّبوة .
توصيات البحث
- وجوب السّعي الحثيث للأفراد نحو تأصيل مبدأ التعايش السّلمي وغرسه في النّفوس والضّمائر رعاية لتحقيق مقاصد الشّريعة عموما والمصالح الضروريّة للفرد والمجتمع على وجه الخصوص.
- وجوب المبادرة والإسراع من قبل أجهزة الدّولة الكبرى والجهات المعنية الأخرى لتطوير برامجها الثقافيّة والإبداعيّة وهيكلتها الإداريّة نحو تفعيل التعايش السّلمي في المجتمع وتحصيله.
- علينا إعادة بناء منظومة القيم الاجتماعيّة وغرس ثقافة التّجديد في الفكر الإسلامي والانفتاح الإيجابي على الآخر وثقافته انفتاحا  يؤسّس للتّكامل والتّواصل الحضاري، ويتكفّل بإعداد المواطن الصّالح الذي يسهر في إشاعة التصّورات الصّحيحة عن الإسلام بعيدا عن الغلوّ والتّعصب بمختلف أشكاله.
- علينا بث روح المحبّة والتّعاون في نفوس الأفراد وتحذيرهم من الاختلافات التي تسبّب الفرقة والبغضاء والتّشاحن.
- إبراز الفكر الوسطي المعتدل القائم على التّعايش السّلمي والتّسامح والحوار والتّحذير من التّيارات الفكريّة التي تبثّ خطاب الكراهيّة والتعصّب.
- تأهيل المؤسّسات التّعليميّة والجامعيّة لنشر قيم التّعايش السّلمي وتعزيز أدوارها في مكافحة كلّ أشكال التّعصّب ومناهضة خطاب الكراهيّة وسلوك التّطرف والعنف.
- تبيين مخاطر الغلوّ والتّشدّد على الأمّة وأنّ ذلك لا ينبع إلاّ من قلّة العلم وضعف القيم وغياب المرجعيّة.
- توجيه عناية المراكز العلميّة والبحثيّة للإسهام في تطوير منظومة القيم المستمدّة من القرآن الكريم والسّنة النبويّة والتّركيز على أثرها في إثراء العلوم الإسلاميّة من خلال مشاريع بحثيّة موّجهة. 
- عقد المؤتمرات العلميّة التي تتباحث سؤال التّعايش المشترك وما يرتبط به من إشكاليّات قيميّة في واقعنا المعاصر الذي يعدّ صراع قيم بامتياز.
- الدّعوة إلى الكتابة في هذا الموضوع وترجمة ذلك إلى مختلف اللّغات العالميّة الحيّة حتّى يتسنّى لغير العرب الإطلاع على الصّورة الحقيقيّة التي كان عليها غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي.
الهوامش
(1) سورة التوبة، الآية 105 
(2) سورة آل عمران ، الآية 14 
(3) الشقحاء (محمد) : الأمن الوطني تصور شامل، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف الأمنيّة 1425 هـ ، السعوديّة، ص35 إلى 39 
(4) سورة البلد، من الآية 11 إلى الآية 18
(5) عبد الواحد (مصطفى) : المجتمع الإسلامي : أهدافه  ودعائمه وأوضاعه وخصائصه في ضوء الكتاب والسّنة – دار  الجيل الجديد  ومكتبة المتنبي، ط 2 -1394 هـ / 1974 م بيروت، القاهرة،ص 13 إلى 19 / أبوعودة (أحمد منصور) : والوحدة الإسلاميّة – رسالة ماجستير الجامعة  الإسلاميّة،1430هـ/2009، ص 11 إلى 13 .
(6) سورة الأنفال، الآية  24 
(7) سورة يونس، الآية  19
(8) الشوكاني :  فتح القدير الجامع لفنّ الرواية و الدّراية في علم التفسير -دار الفكر بيروت- 2/ 139
(9) سورة آل عمران ، الآية 103 
(10)   التومي (محمد) : المجتمع الإنساني في القرآن – الدّار  التونسية للنشر  -1407 /1986 م- تونس، ص271 
(11)  الترمذي : السّنن – كتاب صفة القيامة و الرقائق و الورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب منه - حديث رقم 2035 
(12) أقبيق (غازي صبحي): آيات قرآنية : ومضات من القرآن الكريم  - دار الفكر دمشق-  8/103
         الغزالي (محمد) : خلق المسلم  دار القلم ط 3  -1400 هــ/1980 م - ص172 
(13) سورة الأعراف، الآية 199.
(14) الشقحاء(فهد): الأمن الوطني  تصور شامل – ص39 إلى 44