همسة

بقلم
محمد المرنيسي‎
فن الارسال والإعادة
 لا تسل عن هذا الفنّ في المعاجم والمراجع ومراكز البحث، فلن تشبع حاجتك، ولن تجد ضالتك.هذا الفنّ واقعي عملي، يكتسب بالمران والتّجريب لاكتساب الزّبون بأساليب التّرغيب والتّحبيب، بعيدا عن التّنظير والتّلبيس، والتّقعيد والتّأسيس.
 هو فنّ الصّنّاع والحرفيّين في الإنشاء والتّجديد والتّرميم، والاختصاصيّين في علاج الأجسام والنّفوس والتّقويم، وبين الفريقين علاقة وثيقة، دقيقة رقيقة. فعندما تقرّر أن تبني بيتا فتأكّد أنّك لن تسكن بيتك الجديد -إن كان لك في العمر بقيّة - حتّى تسكنك الأوجاع والأسقام والأورام،وتسلخ جلدك العيادات والمصحّات بالفحوص والتّحليلات والأدوية والإرشادات؛ بسبب ما يلحقك من المعاناة والمصاعب والمتاعب، مع العمّال والمعلّمين، ومن لهم صلة بذلك من الحرفيّين المتمرّسين المتربّصين بالمغفلين. 
ذلك مثل لهذا الفنّ الذي ينتهي بانتهاء المشروع، أمّا إن كان المشروع هو جسمك فسيظلّ هذا الفنّ نشيطا مرحا، يتنقّل بين الأجهزة والجوارح، يطارد الألم والوجع، ولن تنتهي لعبة المطاردة حتّى يستسلم جسمك المنهك الى غرفة  الأسرّة البيضاء، في انتظار لقاء الأحباب والأصدقاء. فاحذر يا أخي أن تغلق عليك الدّائرة، ولن تستطيع الخروج  منها.
تلك هي لعبة الاختصاصيّين من الأطباء النّابهين الذين لا يريدون الاستئثار بالطّريدة، فهم ينتّفون ريشها، وينهشون لحمها، ويمتصّون عظمها حتّى تسقط على المشرحة، فيؤدّي الخلف ما بقي من ديون المصحّات على السّلف.
وبالمثال يتّضح المقال:
زرت طبيبي كالعادة يا سادة بعد انتهاء الدّواء، ومعي نتائج التّحليلات المطلوبة، وبعد الفحص وقراءة النّتائج نظر اليّ كالمشفق النّاصح وقال: «تحتاج إلى زيارة اختصاصي في كذا وكذا ليطمئنّ قلبي. وسأكتب لك رسالة عن وضعيّتك الصّحيّة لتسلّمها له، وأنا أنتظر جوابه داخل شهر تقريبا». 
ذهبت الى الطّبيب المختصّ الثّاني وسلّمته الرّسالة، وبعد الفحص ملأ وصفة بتحليلات جديدة، وعند إحضارها كتب لي دواء مع تحليلات أخرى تجرى بعد خمسة عشر يوما. عدت كالخروف البليد الى الطّبيب العنيد، فقرأ النّتائج وقال: «تابع الدّواء. وسأكتب لك رسالة الى الاختصاصي في كذا وكذا، وأنا أنتظر جوابه في أجل قريب». فقلت له: «فهل من جواب عن الرّسالة التي قدّمتها لك من طبيبي؟»، قال: «وأنا طبيبك. سأجيب عنها بعد أن تأتيني بجواب الطّبيب الذي ستزوره».
خرجت كالمعتوه، أبحث عن طريق الخلاص من دائرة الإفلاس، قبل نزول البلاء بارتفاع تكاليف الفحوص والتّحاليل والدّواء، وقلت لنفسي: «ساعديني على مقاومة المرض بنسيانه وتخلّصي من الدّواء وحاشيته وأعوانه، واطلبي ما تشائين من طيب القوت وما لذّ من أصنافه وألوانه، وتمتّعي بما تملكين قبل أن تهلكي، ثمّ تسألين. ساعدي ذوي الحاجات؛  لدرء الضرّ وحلّ المشكلات، واعلمي أنّه لا ينفع ذكاء الطّبيب عند حلول الأجل، ولا يردّ النّدم ما فات من العمل، وإيّاك والتّسويف فيما يكتب به لك الأجر والثّواب، من الأعمال وحسن الخطاب، فبادري الى زرع الخير قبل أن تغلق الأبواب، واسألي اللّه أن يقيك ويصرف عنك سوء العذاب، ويحول بينك وبين مصحّات الذّئاب، وادع الى ربّك قبل أن تنقطع الأسباب».
مساكين أهل البلاء، يتعلّقون بالهباء، في عنان السّماء، يبحثون عن المخرج من الدّاء والعناء، وعندما يعجز الأطبّاء والرّاقون والعرّافون والكواة، ينشط المشعوذون وتجّار الأعشاب والبخور؛ لامتصاص ما بقي من دم الأبرياء.
فهل من رحيم كريم يخفّف من عناء أهل البلاء ولو بالدّعاء، رجاء في الشّفاء،وربّك ذو العزّة والجلال، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء، وهو سبحانه على كلّ شيء قدير.