شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
وحيد الدين خان
 الشّيخ وحيد الدّين خان  أحد أعلام الفكر الإسلامي في الهند والعالم الإسلامي وأحد أهم رموز الإصلاح والإحياء الدّيني المعاصرين، وهو حالةً فريدة في الفكر الإسلامي، من حيث مساره الفكري والسّياسي وإنتاجه العلمي. اعتمد منهجا يجمع بين المنهج المعرفي الإسلامي والمنهج العلمي والفلسفي، لدراسة العلاقة بين العلم والإيمان من جهة ومقارعة الإلحاد من جهة أخرى. ورغم صعوبة المجال الذي كان يعمل فيه فقد كانت مؤلفاته موجّهة إلى العامّة والخاصّة بحكم جمعها بين البساطة والعمق. 
ولد وحيد الدين خان في غرّة جانفي من عام 1925 في بلدة أعظم غاره (Azamgarh) بالهند. فقد والده وهو ابن أربع سنوات، فعاش حياته يتيما في أسرة ذات تقاليد إسلاميّة عريقة في التّعليم والتّربية والدّعوة. التحق بمدرسة الإصلاح الإسلاميّة في سراي مير، في عام 1938، وفيها تلقّى التّعليم الدّيني وبرزت مواهبه الفكريّة. ومن هذه المدرسة، بدأت رحلة أخرى من رحلات البحث، كان قوامها المطالعة التي صادفت شغفا في نفس الرّجل ونهما إلى المطالعة وذكاء مفرطا. فقد كان خان يدمن قراءة الكتب العلميّة والفكريّة، خصوصا باللّغة الإنجليزيّة. وقد قرأ أزيد من عشرة آلاف صفحة عن الماركسيّة لكي يستوعب فلسفتها، ليكتب بعدها كتابه الشّهير «الماركسيّة في الميزان».
انضم الشّيخ وحيد الدّين خان مبكّراً لـ«الجماعة الإسلاميّة» التي أسّسها أبو الأعلى المودودي في شبه القارّة الهنديّة عام 1941، لكنّه انسحب منها في بداية السّتينيات بعد خمسة عشرة سنة من الانتماء، إثر خلاف عميق مع نهج الجماعة في تصوّر الخطاب الإسلامي وفي نهج الدّعوة وأولويّاتها.
في كتابه «خطأ في التّفسير» الصّادر بالأوردية عام 1963 (ترجم للعربيّة سنة 1992) يورد خان بالتّفصيل الخلفياّت الكاملة والمفصّلة لقطيعته مع المودودي وجماعته، ناشراً الرّسائل التي تبادلها مع قادة الجماعة، بمن فيهم المودودي نفسه الذي آثر عدم الرّد على اعتراضاته الجوهريّة بخصوص فهم الإسلام والدّعوة إليه. فقد وقف خان بقوّة في وجه فكرة الحاكميّة، معتبرا أنّها فكرة جديدة لا دليل عليها من نصوص الشّريعة الإسلاميّة. ومن ثمّ بلور خطابا فكريّا ناقدا لها، وقوام نقده لفكرة الحاكميّة أنّها تمثل ردّا سياسيّا لا حضاريّا على النّكسات التي حلّت بالمسلمين عبر تاريخهم، وتحديدا سقوط الخلافة الإسلاميّة العثمانيّة، وأنّها تمثّل تفسيرا جديدا للإسلام يختصره في قالب السّياسة، ويؤمن بأنّ تأسيس الدّولة الإسلاميّة وإقامة نظامها هو الغاية الأساسيّة من هذا الدّين. وفي هذا يقول خان: «إنّه ليس من الخطأ أن نقول إنّ الإسلام نظام للحياة، ولكن رفع النّظام حتّى يصبح هو الجامع بين كلّ أجزاء الدّين، فذلك هو الخطأ بعينه... لقد جعل هذا التّفسير النّظام محور التّصوّر الدّيني وحكمته الجامعة، ولذلك أصبح النّظام الحيثيّة الأولى للإسلام في هذا التّفسير، فلم يعد بالإمكان فهم الإسلام إلاّ في ضوء النظام!!» 
نجح خان في إحراز إنجازات كبيرة في محاورة الملحدين، ففي كتابه «الإسلام يتحدى» اعتمد خان على المنهج العلمي عبر استغلال قوانين الإحصاء والفلك والرّياضيّات والفيزياء والكيمياء لمقارعة الملحدين وإثبات وجود اللّه، واستند إلى بعض أبحاث ونظريّات اللاّدينيين والملحدين العلميّة واستخدم الحجج والقضايا العقليّة الإلحاديّة، ليكشف زيفها وتناقضها ثمّ قلبها بأسلوب علمي لصالح إثبات وجود اللّه. وقد احتاج خان إلى قراءات هائلة في الفكر المادّي الغربي، وخصوصا مؤلّفات الصّف الأمامي من مفكّريه، قبل أن يكتب ناقدا ومتحدّيا له، كما قرأ بتمعّن وتمكّن مؤلفات «برتراند راسل» الذي يمثّل أحد رؤوس الإلحاد الفلسفي في العصر الحديث. يكشف الكتاب عمق المنهج الفكري لوحيد الدّين خان، فقد صدّره برأيه ورؤيته لعالم اليوم، حيث اعتبره عالم المادّيات الذي يعيش أعتى ثورة للإلحاد. وقد أسّس وحيد الدين خان في كتابه «الإسلام يتحدّى» علم كلام جديد مناسب للعصر خاليًا من جدل الفرق الإسلامية القديمة، ومتجردًا من محاكاة الفلسفة الإغريقية القديمة،وفق ما يرى الدّكتور محمد عمارة. 
يرى وحيد الدّين خان أنّ عدم العنف أصل أصيل في الدّين الإسلامي، ولذلك كانت دعوته تقوم أساسا على محاربة العنف والتطرّف ونشر السلام، وباستنباط حسابي يرى أنّ المعارك القتاليّة للنّبي الكريم ﷺ استغرقت 36 ساعة لا أكثر من عمر الرّسالة التي استمرت 23 سنة. وقد استطاعت هذه الفكرة أن تجذب عددا كبيرا من الشّباب الهندوسي إلى الإسلام. كما استطاع وحيد الدين خان أن يعزّز العلاقة مع مختلف الرّموز الدّينيّة في المجتمع الهندي وعمل معها على إطلاق مظاهرات وطنية تشمل مختلف الطوائف من أجل السّلام.
في عام 1970 أسّس وحيد الدين خان المركز الإسلامي في نيودلهي، والذي عمل على إصدار مجلة «الرّسالة» بالأردية عام 1976، ثم بالإنجليزية والهندية أعوام 1984 و1990 وذلك لنشر فكره ورؤيته عن روح السّلام في الإسلام والمسؤوليّة الاجتماعيّة للمسلمين وللتّرويج للفكر والعمل الإيجابي.
توفّي المفكر الإسلامي وحيد الدّين خان في نيودلهي، الأربعاء 21 أفريل 2021، عن 96 عاما، بعد أيام من ثبوت إصابته بفيروس كورونا، وبوفاته فقدت الهند والعالم الإسلامي مفكرًا دينيًا بارزًا وعالمًا إسلاميًا حاول ـ حتّى نهاية حياته ـ ردم هوّة الخلافات، باحثًا متعمقًا في أمور عصره بأعمق ظواهرها وأعقد تشعّباتها، شارحًا لثقافة الإسلام الخالدة في أدقّ خصائصها وأشمل معطياتها تاركا خلفه مكتبة علميّة كبيرة باللّغة الأرديّة والهنديّة والإنكليزية. حيث تتجاوز مؤلفاته 200 كتاب، وتُرجمت كتبه إلى العديد من اللّغات، وترجم له ابنه ظفر الإسلام خان إلى العربيّة قرابة 40 كتابا. ومن بين مؤلّفاته «الإسلام يتحدّى»، «الدّين فى مواجهة العلم»، «رسول السّلام»، «تعاليم النّبي محمد»، «الجهاد والسّلام والعلاقات المجتمعيّة في الإسلام»، «أيديولوجيا السّلام»، «حاضرنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام»، «قضية البعث الإسلامي»، «حكمة الدّين»، «الإنسان القرآني»، «شرح مشكاة المصابيح»، «يوميات الهند وباكستان»، «الإسلام والعصر الحديث» بالإضافة إلى تفسيره القرآن الكريم «تذكير القرآن»...