في ظلال آية

بقلم
ابراهيم بلكيلاني
أجمع آية في القرآن
 يقول الحقّ تبارك وتعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (1)
أمرت هذه الآية بثلاثة: العدل والإحسان وصلة الرّحم. ونهت عن ثلاثة: الفحشاء والمنكر والبغي، لذلك قال فيها ابن مسعود رضي اللّه عنه « أنّ هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير يُمتثل وشرّ يُجتنب»(2)، ويشرح ابن العربي ذلك « وأراد ما قال قتادة: إنّه ليس من خُلق حسن، كان أهل الجاهليّة يعملون به إلاّ أمر اللّه به، ولا خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلاّ نهى اللّه عنه، وأن يريد الخير للخَلق كلّهم، إن كان مؤمنا فيزداد إيمانا، وإن كان كافرا فيتبدّل إسلاما، وموالاة الخلق بالبِشْر والسّياسة»(3) . وقسّم ابن العربي العدل إلى ثلاثة أقسام: 
1. «العدل بين العبد وربّه إيثار حقّ اللّه على حظّ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزّواجر، والامتثال للأوامر.
2. العدل بينه وبين نفسه فمنعها عمّا فيه هلاكها.وعزوب الأطماع عن الاتباع، ولزوم القناعة في كلّ حال.
3. العدل بينه وبين الخلق، ففي بذل النّصيحة، وترك الخيانة فيما قلّ وكثر، والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه، ولا يكون منك إلى أحد مساءة بقول ولا فعل، لا في سرّ ولا في عَلَن، حتّى بالهم والعزم، والصّبر على ما يصيبك منهم من البلوى، وأقلّ ذلك الإنصاف من نفسك وترك الأذى». ورحم اللّه العلاّمة ابن عاشور الذي قال في العدل «فحقوق المسلمين بعضهم على بعض من الأخوة والتّناصح قد أصبحت من العدل بوضع الشّريعة الإسلامية»(4).
أما الإحسان فهو في العلم والعمل كما يقول ابن العربي، ويقول ابن عاشور « ثمّ الإحسان في المعاملة فيما زاد على العدل الواجب، وهو يدخل في جميع الأقوال والأفعال ومع سائر الأصناف إلاّ ما حُرم الإحسان بحكم الشرع»(4). 
ومن لطائف الفخر الرّازي في تفسيره لهذه الآية قوله « الأحوال التي وقع التّكليف بِهَا إما الاعتقادات وإمّا أعمال الجوارح. أمّا الاعتقادات فالعدل في كلّها واجب الرعاية» وبعد ذكر للأمثلة في الباب الثاني أعمال الجوارح يقول « فظهر بهذه الأمثلة أنّ العدل واجب الرّعاية في جميع الأحوال» (5). 
وفي جوابه عن سؤال: «لِم سمّي هذا المعنى بالإحسان؟»، يقول الفخر الرازي « والحاصل أنّ العدل عبارة عن القدر الواجب من الخيرات، والإحسان عبارة عن الزّيادة في تلك الطّاعات بحسب الكمّية وبحسب الكيفيّة، وبحسب الدّواعي والصّوارف، وبحسب الاستغراق في شهود مقامات العبوديّة والرّبوبيّة، فهذا هو الإحسان»(5). 
يقول ابن عاشور « ونهى اللّه عن الفحشاء والمنكر والبغي وهي أصول المفاسد، فأمّا الفحشاء: فاسم جامع لكلّ عمل أو قول تستفظعه النّفوس لفساده من الآثام التي تفسد نفس المرء..وأمّا المنكر فهو ما تستنكره النّفوس المعتدلة وتكرهه الشّريعة من فعل أو قول..والبغي هو الاعتداء في المعاملة» وكما يشير ابن عاشور « فهذه الآية جمعت أصول الشّريعة في الأمر بثلاثة، والنّهي عن ثلاثة» ويشير ابن عاشور إلى « أنّ الفقرات الشّهيرة التي شهد بها الوليد بن المغيرة للقرآن من قوله: (إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وما هو بكلام بشر) قالها عند سماع هذه الآية». ويضيف ابن عاشور « وقد اهتدى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه اللّه إلى ما جمعته هذه الآية من معاني الخير، فلمّا استخلف سنة 99 كتب يأمر الخطباء بتلاوة هذه الآية في الخطبة يوم الجمعة وتُجعل تلاوتها عوضا عمّا كانوا يأتونه في خطبة الجمعة من كلمات سبّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي تلاوة هذه الآية عوضا عن ذلك السبّ دقيقة أنّها تقتضي النّهي عن ذلك السبّ إذ هو من الفحشاء والمنكر والبغي»(4).