شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الأستاذ أحمد المستيري
 الأستاذ أحمد المستيري محامي ومناضل سياسي وحقوقي تونسي، ينعت في تونس بأبي الدّيمقراطيّة، من بين قلّة من السّياسيين الذين تركوا بصمتهم في الحياة السّياسيّة التّونسية، عاش مرحلتيْ المقاومة وبناء الدّولة، وقاد معركة الديمقراطيّة والتعدّديّة الحزبيّة. غادرنا يوم الأحد 23 ماي 2021 بعد أن وافته المنيّة عن سنّ تناهز 96 سنة، بعد مسيرة نضاليّة وسياسيّة متمّيزة تقلّد خلالها عدّة مناصب وساهم من موقعه في تحقيق عدّة انجازات للدّولة التّونسيّة الحديثة. 
ولد أحمد المستيري في 2 جويلية 1925 بضاحية المرسى في عائلة ثريّة من كبار المالكين العقاريّين لمدينة تونس، تعود بجذورها إلى مدينة المنستير ولها اهتمام بالشّأن العام ودور بارز في السّياسة التّونسيّة. وهو ابن الطّاهر المستيري. درس في الصّادقية ثمّ زاول دراسته العليا في مجال الحقوق في الجزائر فيما بين 1944 و1948، ثم بمعهد الدّراسات السّياسيّة وكليّة الحقوق بباريس حيث أحرز على الإجازة، وعاد إلى تونس العاصمة ليزاول مهنة المحاماة منذ عام 1948.
انتمى منذ مطلع شبابه في عام 1942 إلى الشّعبة الدّستوريّة بالمرسى صحبة الطّيب المهيري.ولما أنهى تعليمه الثّانوي والتحق بباريس لدراسة القانون كان في طليعة المناضلين متحمّلا عديد المسؤوليّات بين الحقلين النّقابي والسّياسي. وفي سنة 1950 انضمّ المستيري  إلى جامعة الحزب الحرّ الدستوري الجديد بتونس ضمن القيادة السّريّة للحزب قبل أن يلتحق في جانفي 1952 بالدّيوان السّياسي السّري للحزب الذي أصبح يقوده فرحات حشاد والصّادق المقدم. 
خاض المعركة الشّرسة ضدّ الاحتلال الفرنسي خاصّة في مرحلتها الأخيرة (1952-1954) وكان جلّ القادة آنذاك في السّجون والمنافي، فوجد نفسه مع قلّة من أصدقاء الكفاح أمام مسؤوليّات جسام، فقام بتنظيم المقاومة المسلّحة السّريّة. انتخب ضمن أعضاء المجلس القومي التّأسيسي الذي أرسى أوّل دستور للبلاد التّونسيّة بعد الإستقلال، ثمّ تولّى عدّة حقائب وزاريّة أهمّها العدل (1956) والماليّة والتجارة (1958) فالدّفاع (1966) ووزارة الدّاخليّة (1971) التي أستقال منها بسرعة بعد رفض بورقيبة الانفتاح السّياسي، كما شغل مناصب ديبلوماسيّة أهمّها ممثل تونس في مجلس الأمن للأمم المتّحدة إثر النّزاع مع فرنسا بعد  قصف ساقية سيدي يوسف وسفارة تونس لدى الاتحاد السوفياتي ثمّ الجمهورية العربية المتّحدة فالجزائر.
أحمد المستيري رجل مواقف ومبادئ، جريء لا يجامل، كلّفته معارضته الشّرسة لسياسة التّعاضد الفلاحي عندما رأى أنّها حادت عن مسارها المعلن وأضرّت باقتصاد البلاد، طرده من الحزب الاشتراكي الدّستوري الحاكم في 29 جانفي 1968 قبل أن يعود إلى الدّيوان السياسي للحزب بعد إزاحة أحمد بن صالح الذي كان مشرفا على ملف التّعاضد. وكلّفه تحدّيه لبورقيبة في مؤتمر الحزب 1971 طرده من الحزب صحبة جمع من رفاقه ممّن عرفوا فيما بعد بالتّيار التّحرري (1972)ثمّ من البرلمان (1973) بعد معارضته الشرسة لخيار تعيين أعضاء الدّيوان السيّاسي وتمسّكه بضرورة انتخابهم من المؤتمر، شأنهم شأن أعضاء اللّجنة المركزيّة. 
ويتجذر موقف المستيري بتمسكه بالحرّيات فكانت الرّسالة الشّهيرة التي وجهها إلى بورقيبة صحبة نحو عشرين من رفاقه  سنة 1976 في الذّكرى العشرين للاستقلال والتي كانت درسا في معنى الحرّية والاستقلال الفعلي للبلاد. ثمّ تمسّكه بالتّعدديّة الحزبيّة وإصراره على تأسيس حزب معارض أطلق عليه إسم حركة الدّيمقراطيين الاشتراكيين وتولى أمانته العامّة، وعبّد بذلك الطّريق لغيره ممّن جاؤوا بعده وأسّسوا الأحزاب. ثمّ كانت له الجرأة في اتهام النّظام بتزوير الانتخابات سنة 1981 وإفساد التّعدديّة. وللرّجل مواقف حاسمة في مجال حقوق الإنسان، حيث كان وراء تأسيس الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الانسان سنة 1977 وكانت الأولى في افريقيا. ودافع عن المساجين السّياسيين الإسلاميين ووقف ضدّ رغبة النّظام في الانتقام منهم، وقاد وساطات محلية وديبلوماسية في الغرض ساهمت في انقاذ سياسيين من حكم الإعدام. كما تجلت جرأته حين قاد مظاهرة ضدّ العدوان الأمريكي على ليبيا سنة 1986 وكلفه ذلك الاعتقال والمحاكمة ثمّ الإقامة الجبريّة. وبعد الانقلاب الذي قاده بن علي على الرّئيس بورقيبة في السّابع من نوفمبر 1987، وفشل انتخابات 1989، انسحب المستيري من الأمانة العامّة للحزب ثمّ اعتكف منذ أول التّسعينات في بيته وهجر السياسة بعد أن تأكّد بحسه السّياسي أنّ النّظام يتّجه نحو الدّولة البوليسيّة ولن يسمح بالتعدديّة السياسيّة الحقيقيّة.
ترك لنا كتابين إثنين، واحدا مشهودا يتمثّل في إنجازاته في السّاحة السّياسيّة في فترة الإستعمار وفي فترة الحكم البرقيبي، والثاني مقروءا تحت عنوان «أحمد المستيري شهادة للتاريخ» صدر عن دار الجنوب للنّشر سنة 2011 وتضمّن سيرة حياته ودوره في بناء الدّولة الوطنيّة من خلال المسؤوليّات المختلفة التي تحمّلها، وصولا إلى تأسيس حركة الدّيمقراطيّين الاشتراكيين، وما عايشه وما عاينه من أحداث ويحلّل المواقف بصفته رجل الدّولة والمفكّر السّياسي.
وبما أنّه من أصحاب المبادئ فقد كانت فرحته عظيمة بالثّورة التّونسيّة، فأضاف ملحقا في مذكراته سماه «نداء إلى الضّمائر الحرّة والعزائم الصّادقة»، عبّر فيه عن ابتهاجه بالثّورة، ورسم بعض الاختيارات الضّرورية العاجلة، لكنّه رفض بشدّة تشكيل حكومة محمد الغنوشي الأولى باعتبارها من بقايا النظام المخلوع، وهي في تقديره محاولة صريحة للالتفاف على الثّورة تفطن إليها مبكرا. 
تمّ ترشيح الأستاذ المستيري في 2013 خلال الحوار الوطني لترؤس الحكومة التّونسية إثر الأزمة السّياسية التي عصفت بالبلاد بعد اغتيال المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي لكنّ الأطراف المحسوبة على اعتصام الرّحيل، رفضت ذلك وتمّ الاختيار على المهدي جمعة لرئاسة الحكومة.