كلمات

بقلم
النوري بريّك
سيف كورونا عالم ما بعد الحداثة يترنّح
 مازلتُ يوما بعد يوم أرصّفُ الحقائق وأرتّب المعطيــات وهي تتهاطل من بلاد ما بعد الحداثة ، من غربها ومن شرقها سيّان، تماما كما يتهاطل سقوط الموتى في شوارع أعظم مدن العالم حداثة و«حضارة» كما يقولون، ما زلتُ أتسقّط الأنباء فتأتي تباعا وكلّها تقود الى استنتاج واحد : الحداثة التي حدّثونا عنها كانت مغشوشــة، مزيّفة بل كذبة كبيرة، مجرّد طلاء خارجـــي، لمّا هبط عليها فيروس «كورونا» تعرّى ما تحتها، فإذا هو نــوع من التّوحّش الحضــاري، فقط يتغطّى بوشاح رقيق من حرير لمّاع ويستعمل مخالب وأنيابــا من جوهر خــدّاع ، تماما كما تخفي بعض المخلوقــات سمّها النّاقع تحت ألوانها الزّاهيــة حتّى إذا انجذبت إليها مخلوقـات أخرى غافلــة مفتونة بتلك الألوان فتكت بهــا والتهمتها..
فيروس «كورونا» فضح اليوم كلّ أكاذيب المدنيّة والعلمانيّة المزيّفة التي حكمت الأرض طويلا، «كورونا» عرّت عن الحقيقة فأسفر الوجه البغيض الأناني للحضارة «القويّة» وكأنّي بــ: «ميكيافلّي»، و«هوبّز»، و«كونت» ، ثمّ أحفادهم مثل «ماركس» و«هتلر» و«موسيليني» فـ«بلفور» الى «بوش» وغيرهم..يقفون أمام أنظار العالم عُرْيَ الحقيقة، عراة السّوأة معا..
ظهرت الأنانية المتوحّشة على كفّ هذا الفيروس الضّئيل : أمريكا تخطف حمولة من الكمّامات موجّهة الى فرنسا قبل خروج الطّائرات بها من مطارات الصّين بدفع ثمن مضاعف، وزير التّجارة التّونسي يعلن عن السّطو على باخرة محمّلة بالكحول الطّبّي كانت متوجّهة الى تونس، وقبلها دولة تشيكيا تسرق شحنة كمّامات أرسلتها الصّين الى إيطاليا، دول الاتحاد الاروبّي تدير ظهرها لإيطاليا في محنتها، رئيس صربيا يصيح : «المبادئ التي يتغنّى بها الغرب عن التضامن الانساني مجرّد كلام فارغ»... 
وفي الوقت الذي يكون فيه 40 بالمائة من سكّان الأرض لا يملكون الماء والصّابون في منازلهم لاتقاء خطورة الوباء الهاجم عليهم، هناك آخرون أصحاب ثروات طائلة يدّعون العلم والمدنيّة يتكلّمون على برامج لـ «غزو» الفضاء وبرامج أخرى لتطوير التسلّح والتّفنن في قتل الأنسان وهدم العمران..
هذا الفيروس الصّغير فضح هؤلاء عندما نرى كلّ هذه الأنانيّة وهذا الجشع. لا نستغرب بعد ذلك عندما تنقل لنا الأخبار كيف أصبح النّاس في إحدى المدن الكبيرة يتخطّون الجثث المتناثرة ولا يهتم إنسان بآخر، وعندما نسمع كيف تطرد السّلطات الصّحيّة في هذه الدّول المرضى الذين تجاوزت أعمارهم السّتين سنة، فيُتركون للموت بتعلّة الأولويّة  للشّباب فقط من أجل المحافظة على أدوات الإنتاج فيما بعد، فالاقتصاد أي الأكل والشّرب والمتعة هي رقم واحد أمّا المعنى الإنساني فالى «كورونا» أو بالأحرى الى الموت.
لا يهم..جرثومة الفناء والسّقوط لهذه الحضارة الماديّة سرّعت من حركتها وغيّرت سلاحها، يبقى الآن دور البديل، من يكون وكيف يكون؟؟ هل يجد المسلمون لأنفسهم مكانا ومكانة في عالم ما بعد «كورونا» ؟ نرجو ذلك ..