إنّ الكون كلّه مخلوق صادر عن إرادة واحدة هي إرادة اللّه الواحد القهّار، فبعد أن لم يكن شيئا مذكورا صار خلقا واحدا لخالق واحد؛ قال تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾[البقرة: 117] . وهي الحقيقة التي أخبر عنها القرآن الكريم في أوّل وحيه إلى خاتم رسله حيث قال جلّ جلاله:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[العلق: 1]، فأخبر أنّ «أصل الموجودات كلّها واحد وهو الخلق الإلهي»(1) وقد دلّ النّصّ القرآني بما هو أصرح وأوضح دلالة ناصعة على واحديّة الخالق جلّ في علاه في قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16] . «فالعالم ككل يعود في وجوده إلى اللّه وحده بعد أن كان في طيّ العدم، وما من موجود يوجد على مرّ الدّهر إلاّ واللّه هو المبدئ له، وليس ما يبدو من تتابع سببي في سلسلة الخلق إلاّ ناموسا إلهيّا ترجع فيه تلك السّلسلة إلى الخالق الحقيقي»(2). وواحديّة الخالق هذه تتجلّى أبعادها في وحدانيّة الإنشاء والإبداع، فالعالم؛ علويه وسفليه باعتباره أشياء، مرجعه ومرده إلى اللّه وحده، تشهد كلّ ذرّة فيه ونواة به على خالقيّة اللّه سبحانه، وتشهد وحدة أجزائه، وترابط أركانه، وتناسق بنيانه على حكمة الرّبّ وعظمته ووحدانيته، قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[الأنبياء: 22]
|