حتى لا ننسى

بقلم
التحرير الإصلاح
في ذكرى اندلاع الصراع بين بورقيبة وبن يوسف
 بعد الفشل الذّريع الذي منيت به السّلطات الاستعماريّة الفرنسيّة في قمع الثّورة التونسيّة المسلّحة (1952 / 1954) التي استبسل خلالها المقاومون و«الفلاّقة»، وعلى إثر الهزيمة النّكراء للجيش الفرنسي في الهند الصّينية في معركة « ديان بيان فو»  في  فيتنام في 7 ماي 1954، واندلاع الثّورة المسلحة في الجزائر في أول نوفمبر من العام ذاته، ونتيجة لضغط الأمم المتّحدة التي أرسلت بعثة إلى تونس لتقصّي الحقائق حول السّجناء السياسيين فأوصت بإيجاد حلّ للقضية التونسيّة ودعت الفرنسيين إلى فتح مفاوضات جدّية مع تونس، قرّرت فرنسا إجراء  تعديلات على سياسته الاستعماريّة لجعلها مقبولة وأخذت تبحث عن مخرج مشرّف لها من الأزمة. فأعلن رئيس مجلس الوزراء الفرنسي بيار منداس فرانس في جويلية 1954 عن نيّته إعطاء تونس استقلالها الدّاخلي وفي غرة جوان 1955 عاد الحبيب بورقيبة من المنفى في يوم مشهود، ليقع امضاء اتفاقيات الاستقلال الدّاخلي بعد يومين من عودته. وقد شكّلت  هذه الاتفاقيّة، منعرجاً سياسيّاً وتاريخيّاً كبيراً في تاريخ الحركة الوطنية التونسيّة، حيث تفجّرت كل التناقضات الأيديولوجيّة والسّياسيّة والشّخصيّة، التي كانت مطموسة خلال مرحلة تأطير وتجنيد القوى الحيّة بالبلاد من  أجل خوض معركة التّحرر الوطني، والظفر بالاستقلال. وانقسمت النّخبة السّياسيّة إلى فصيلين أحدهما مساندا لبورقيبة والآخر للزعيم صالح بن يوسف الذي عارض بشدّة اتفاقية الحكم الذّاتي واعتبرها خطوة الى الوراء وجاهر بذلك في مؤتمر دول عدم الانحياز ودخل في صراع مفتوح مع بورقيبة، مناديا بضرورة المقاومة من أجل الاستقلال التّام والالتحام بالثورة الجزائريّة. ومنذ ذلك الحين ولدت الحركة اليوسفيّة، التي كانت تضمّ بالإضافة إلى صالح بن يوسف تيارات فكريّة وأحزاب سياسيّة ومنظمات وعناصر وطنية وأخرى ثوريّة، تؤمن بالكفاح المسلّح، وقطاعات شعبيّة عريضة، متناقضة مع نهج  الحبيب بورقيبة المساوم مع الاستعمار الفرنسي. وفي نوفمبر 1955 دعى بورقيبة لمؤتمر للحزب في صفاقس وتمكّن من كسب المعركة سياسيّا خاصة بعد رفض بن يوسف حضور المؤتمر. حاول بن يوسف، الذي وقع رفته من الحزب، من تنظيم مؤيديه إلاّ أنّه أجبر على المنفى بعد أن لوحق أنصاره من طرف وزارة الداخلية والبورقيبيين. لقد رأى بورقيبة أن  التسوية السّياسيّة مع الاستعمار الفرنسي هي مفتاح الحلّ للمسألة الوطنيّة  التونسيّة، لذلك ضحّى بالمقاومة المسلّحة وعمل على تجريدها من السّلاح بجميع الطرق والأساليب بما فيها التّعاون مع الجيش الفرنسي، لأنّه  كان يعلم أن استمرار المقاومة المسلّحة ضد الاستعمار سيجعل مركز  الثقل السّياسي يميل بكل تأكيد إلى مصلحة الحركة اليوسفية التي تقود هذا  الكفاح المسلح، والمتحالفة عضوياً مع الثورة الجزائرية. وفي 29 فيفري 1956 افتتحت بباريس مفاوضات أفضت في 20 مارس إلى إعلان الاستقلال الكامل لتنتهي بذلك حقبة الحماية التي دامت 75 عاما وتدخل تونس في حقبة جديدة مازال التونسيون مختلفون في تقييم نتائجها.