باختصار

بقلم
عبدالقادر رالة
الكِتابْ والزّلابية
 كان الأستاذ يشرح الدّرس عن الحضارة العبّاسيّة وثرائها الحضاري والاقتصادي وامتدادها الجغرافي وتنوع شعوبها وأممها ... كان درساً ممتعاً...
وبعد أن أنهى الأستاذ حديثه، أخرج من محفظته السّوداء كتابا عنوانه «بغداد مدينة السّلام»، وقال وهو يُشير اليه : «هذا كتابٌ مفيد، صفحاته ليست بالكثيرة، مائة وعشرون صفحة، لكنّه نافع وممتع، ثمنه بضع دنانير؛ ثمن كيلو غرام زلابية !»
كنّا في الأيام الأولى من الشّهر الفضيل، رمضان الكريم!
صراحة أنا وزميلين آخرين لم يُعجبنا تشبيه الأستاذ للعلم بالزّلابية! غير أنّي في النّهاية اقتنعتُ بكلام الأستاذ وفهمت قصده، إذ بعد  عطلة عيد الفطر لمّا عُدنا الى قاعة الدّرس تذكّرتُ الكتاب وعنوانه، وتذكّرتُ أيضا أنّه طيلة شهر رمضان الكريم كان والدي يحملُ يوميّاً كيلوغراما من الزّلابية اللّذيذة وقارورتي عصير كبيرتين .. فلو لم يشتر يوما واحدا فقط لكان الكتاب في محفظتي، ولكنتُ استمتعتُ بمطالعته، والكتاب يبقى أمّا الزّلابية فقد انتهت ْ...ولو أنّه اشترى الزّلابية والكتاب بالتداول يوما بيوم لكانت عندنا مكتبة منزليّة صغيرة! استمتع بقراءة كتبها المتنوّعة، والزّلابية لم تكن ضروريّة على مائدة رمضان كلّ يوم مثل التّمر أو الحليب!
وحينما تقدّم بي العمر اكتشفتُ حقيقة، ليس أبي، أو بعض الجيران وإنّما المجتمع كلّه لا يحبُّ الكتب ويُعادي القراءة، ويتحجّجُ بغلاء أسعار الكتب... فقط الكتب غالية ! أمّا السّيجارة .. الملابس..الحذاء.. الماكياج.. مشاهدة مقابلة في كرة قدم.. العصير..
لا يتحجّجون بالغلاء بل من الشّباب عافاهم اللّه 
من يشتري المخدّرات يومياً!
ماذا سيضرُّ الميزانيّة العائليّة 
لو كان فيها كتاب واحد كلّ شهر ؟...