في العمق

بقلم
أ.د.عماد الدين خليل
مدخل إلى نهاية التاريخ في المنظور القرآني (الحلقة الأولى)
 لم يكن التّاريخ في يومٍ من الأيام ملكاً لأيّة قوّة في الأرض، فهو دائماً يقدّم لنا معطياتٍ معاكسة تماماً لما ادعته الماركسيّة – يوماً – بخصوص فكرة نهاية التّاريخ، حيث تتوقّف حركته عند مرحلة البروليتاريا ( أي الطّبقة العاملة ) وتتراجع إلى الأبد معطيات الصّراع الطّبقي وإفرازاته كالعائلة والدّين والوطنيّة والقيم الأخلاقيّة في ضوء ما سمّاه «ماركس» و«إنغلز» في «المانيفست الشّيوعي» الذي أصدراه عام (1848 م) بالقوانين العلميّة لحركة التّاريخ، حيث يبلغ التّاريخ محطّته الأخيرة، فلا ظالم ولا مظلوم. ثمّ ما لبثت هذه النّظريّة التي تتناقض وقوانين الحركة التّاريخيّة أن انهارت وانهارت معها المؤسّسة الكبرى للاتحاد السّوفياتي بعد إذ تبيّن عجزها عن الاستمرار.
والآن فإنّ هناك ادّعاء مشابه لدى المنظّرين في السّاحة الغربيّة الرّأسمالية، يوازي هذا المصير نفسه الذي قالت به الماركسيّة، ولكن يخالفها بزاوية مقدارها مائة وثمانون درجة، وسيؤول بالتّأكيد إلى المصير نفسه الذي آلت إليه الماركسيّة تنظيراً وتطبيقاً، وهو ما يسمّى بنظريّة «نهاية التّاريخ» التي كان المفكر الأمريكي «فرنسيس فوكوياما» قد نسج حيثيّاتها في ثمانينيّات القرن الماضي، وقدّمها في كتابه المعروف الذي يحمل الاسم نفسه، ثمّ ما لبث أن عاد في أواخر التّسعينيّات لكي يجري عليها بعض التّعديلات بما يجعلها أكثر قبولاً وتوافقاً مع المعطيات والخصوصيّات التّاريخيّة للأمم والشّعوب.
وتلك هي إحدى إشكاليّات العقل الغربي الوضعي التي تنطوي على ما يستحقّ التّقدير والرّفض في الوقت نفسه ... التّقدير للجرأة التي يملكها الغربيّون في نقد أنساقهم الفكريّة وتعديلها، لحظة يتبيّن وجود خطأ ما في جانب من جوانبها، وقد يقودهم هذا – كما حدث في كثير من الأحيان – إلى رفض النّسق الفكري بكليّته والانقلاب عليه، والبحث عن بدائل أكثر إحكاماً. وأمّا ما يستحقّ الرّفض والنّقد في ممارسات العقل الغربي فهو ذلك التّقليد الفكريّ الخاطئ الذي يجعل أيّ مفكّر في السّاحة الغربيّة، عندما يكتشف حقيقة أو معلومة ما تحمل أهمّية معرفيّة، فإنّه يحاول أن يمطّطها أكثر ممّا تطيق، من أجل أن يحوّلها إلى نظريّة أو عقيدة تتحكّم بالحقائق الكبرى، وتصادر العقل البشري، وتحاول أن ترغمه على الدّخول من عنق زجاجتها الضّيق، فما تلبث أن تقع في الخطأ وتدفع المستعبدين بحكم قوانين ردّ الفعل إلى التّمرّد عليها وإسقاطها من الحساب.
لقد حاول «ماركس» و«إنغلز»  – على سبيل المثال – أن يحكما كشفهما بخصوص الصّراع الطّبقي والتّبدّل في وسائل الإنتاج، بمجرى التّاريخ البشري ومعطياته كافّة بما في ذلك الظّاهرة الدّينيّة. «سيغموند فرويد» فعل الشّيء نفسه إزاء كشوفه في مجال الأنا التّحتيّة والضّغوط النّفسيّة، و«دركايم»  مع نظريّته في العقل الجمعي و«جان بول سارتر» مع وجوديته. بل ما حدث ويحدث عبر العقود الأخيرة بخصوص تيّارات الحداثة، البنيويّة وما بعد البنيويّة والتّفكيكيّة والسّيميائيّة،وما بعدها، إلى آخره.
يريد «فوكوياما» أن يقول بأنّ تاريخ البشريّة ألقى قياده، أو انتهى بعبارةٍ أدقّ، بالخبرة اللّيبراليّة الرّأسماليّة التي تتزعّمها – في اللّحظات الرّاهنة – الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وأنّه ليس ثمّة متغيّرات تاريخيّة بعد هذا. لقد ألقى التّاريخ عصا تسياره عند الحالة اللّيبراليّة التي هي في زعمه أعلى صيغ الخبرة البشريّة وأكثرها انطباقاً مع مطالب الأمم والشّعوب، تماماً كما ادّعت الماركسيّة على الطّرف الآخر. وفي الحالتين فإنّنا نجد أنفسنا إزاء معطيات مناهضة لقوانين الحركة التّاريخيّة التي أريد لها أن تمضي في تمخّضها الدّائم، فلا تقف أو تسكن عند هذه المرحلة أو تلك، حتّى يوم الدّينونة الكبرى !!
إنّنا نرجع إلى القرآن الكريـم لكي نجد أنفسنا إزاء رؤيـة واقعيّـة محكمـة لمجرى التّاريـخ البشري: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...﴾(هود:118-119 ). أي أنّه سبحانه وتعالى خلقهم للتّغاير والتّدافع والاختـلاف، وفي آيةٍ أخـرى نقـرأ : ﴿...  وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ... ﴾(البقرة:251).أي التّدافع الأبدي الذي لولاه لتعرّضت الأرض للعفن والفساد ...
ها هو ذا صنم جديد يبرز في السّاحة الغربيّة باسم نظريّة «نهاية التّاريخ»  يستعبد عقول أجيال من المعجبين في الغرب والشّرق، معتقدين أنّها الإنجيل الذي يجب أن يتّبع، وأنّ أيّ شعب من شعوب العالم في جانبيه الغنّي والفقير ، ما لم يحذ حذو الخبرة اللّيبراليّة الأمريكيّة، بديمقراطيّتها المدّعاة، وبرغبتها في التّنامي بالأشياء، والتّكاثر بالأموال والمتاع، والتّنمية الاقتصاديّة التي تمضي إلى غاياتها بعيداً عن منظومة القيم الدّينيّة والخلقيّة والإنسانيّة ، فلن يكون لها مكان في العالم وفي التّاريخ. ومرةً أخرى فإنّ هذا الادّعاء يذكّرنا بمقولات الماركسيّة التي انسحبت في نهاية الأمر من التّاريخ، بينما ظلّت الحركة التّاريخيّة على دفقها وتزاحمها وتمخّضها الدّائم، ومرةً أخرى – أيضاً – نرجع إلى كتاب اللّه لكي نرى أنفسنا إزاء مفهوم «المداولة» الدّائم الـذي لا يسكـن ولا يتوقّـف إلى أن يـرث اللّه الأرض ومن عليهـا : ﴿...وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ... ﴾( آل عمران : الآية 140 ). 
إنّه الدّولاب التّاريخي الذي يظلّ يدور، يرفع قوماً ويضع آخرين، ولن تظلّ أمّة أو دولة أو حضارة أو امبراطوريّة على حالها؛ إنّها جميعاً تخضع للحركة ذاتها : الميلاد والنّمو والشّيخوخة والذّبول. ليس ثمّة نهاية للتّاريخ في المنظور القرآني القائم على ثلاثيّة «التّغاير» و«التّدافع» و«التّداول»، إنّما هي الحركة الدّائمة لأنّ اللّه سبحانه وتعالى أرادها منذ البدء أن تكون تغايراً وتدافعاً وتداولاً، وهذا هو الذي يحرّك التّاريخ، ويعطيه طعمه وملحه، ويمكنه من الانتقال من حالة إلى أخرى، وإلاّ فهي المياه الرّاكدة التي تأسن وتفقد القدرة على الاحتفاظ بصفائها ونقائها ...
إنّ نظريّة «نهاية التاريخ» تسعى إلى إلغاء البعد التّاريخي للأمم والشّعوب ووضعها عراةً قبالة للصّنميّة الاقتصاديّة التي تنزع إلى تسوية الجميع إزاء مطالبها، لكنّها من وراء هذا تزيد أغنياء العالم وطواغيته غنىً وجبروتاً، وفقراءه ومستضعفيه فقراً واستعباداً. إنّها لعبة، أو مناورة فكريّة أخرى – إذا صحّ التّعبير – في إعطاء خلفيّات تنظيريّة وايديولوجيّة لممارسات تتجاوز – ابتداء – منظومة القيم الخلقيّة، وثوابت العقائد والأديان، والمطالب الأساسيّة للإنسان. ومن وراء هذه المناورة تكمن الخبرة الصّليبيّة والاستعماريّة الرّأسماليّة، ومن ورائها – أيضاً – يكمن حلم اليهوديّة ومشاريع حكماء صهيون.
إلغاء الذّاكرة التّاريخيّة، وتحكيم الصّنميّة الاقتصاديّة المتسلّحة بكلّ قوى العلم والتّكنولوجيا والتّفوّق العسكري وحتّى السّياسي للغرب، لن يجعل الفقير غنيّاً، وينزل بالأغنياء لكي يقاربوا الفقراء، إنّها لعبة ستجعلنا وكلّ المستضعفين في الأرض ينسلخون عن تاريخهم وتميّزهم، ويزدادون – وقد تعرّوا من كلّ ما يحميهم ويمنحهم الدّفء – التصاقاً بالقوى المتحكّمة في آليّات الاقتصاد العالميّة، فلا يزيدهم إلاّ عرياً وبرداً ... بهذا نكون قد خسرنا مرّتين !
والصّنميّة الاقتصاديّة ليست إلهاً جديداً تفرزه معطيات عصر الشّيئيّة والتّكاثر والنّمو الأسطوري في تقنيات الإنتاج. إنّه قديم قدم الإنسان نفسه. صحيح أنّ تغيّراً كبيراً لحق هذا الصّنم، فانفلت – وهو يتضخّم – لكي يتحكّم بكلّ شيء في هذا العالم، تماماً كما حدث مع «فرانكشتاين»، وأصبحت محاولة السّيطرة عليه مستحيلة، لكنّه مع ذلك ليس حالة جديدة في تاريخ الإنسان. لقد غزت هذه الصّنميّة حتّى رجال الدّين الرّهبان واتباع الدّيانات السّماويّة من اليهود الذين:﴿... أُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ...﴾(البقرة:93). والنصارى:﴿... الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ ...﴾(التوبة:34)،وغيرهم كثيرون، والذي يحدث الآن محاولة جديدة لتغطية القبح الفرانكشتايني برداء جميل من التّنظير. وهذه المرّة تجيئ المحاولة من قلب العالم الرّأسمالي بصيغة نظريّة جديدة يضعها مفكّر أمريكي يدعى «فرنسيس فوكوياما» باسم «نهاية التاريخ». وقبلها بقرن ونصف نفذت المحاولة على يد مؤسّسي الماركسيّة الكبار : «ماركس» و«انغلز»، وبزاوية مضادّة تماماً تبلغ مائة وثمانين درجة!!
من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، والنّبض الدّيني الذي يتعبّد الاقتصاد ويتّخذه إلهاً، هو نفسه هنا وهناك. فرعان لحضارة مادّية واحدة، كما يقول «جيوروجيو» في «الساعة الخامسة والعشرون».سقطت المحاولة الأولى بعد قرن ونصف من محاولات التّجربة والخطأ، أمّا نظريّة «نهاية التاريخ» فسوف تفترس – بالتّأكيد – زمناً آخر من عمر الشّعوب قبل أن ينكشف زيفها وضلالها ...
إنّ تجريد العالم من بطانته الرّوحيّة، والوجود من تجذّره في الغيب، ومنح السّلطة المطلقة للاقتصاد سوف يميل بالميزان للمرّة العشرين أو الخمسين، في تاريخ الإنسان، الذي سيكون في البدء والمنتهى الخاسر الوحيد. أدرك هذا العديد من مفكري الغرب وفلاسفته وباحثيه ... 
«ليوبولد فايس» (محمد أسد) مثلاً يؤكّد أنّ عصرنا هذا « بحاجة إلى إيمان يجعلنا نفهم بطلان الرّقي المادّي من أجل الرّقي نفسه، ومع ذلك يعطي الحياة الدّنيا حقّها. إيمان يبيّن لنا كيف نقيم توازناً بين حاجاتنا الرّوحيّة والجسديّة، وبذلك ينقذنا من الهلاك الذي نندفع إليه برعونة وتهوّر»(1). جورج سارتون الذي غرق في دراسة تاريخ العلوم حتّى شحمة أذنيه يحكم على « التّقدّم المادّي الخالص: بأنّه « مدمّر» وأنّه « ليس تقدّماً على الإطلاق بل تأخّر أساسي»، ذلك « أنّ التّقدّم الصّحيح – ومعناه تحسين صالح لأحوال الحياة – لا يمكن أن يبنى على وثنيّة الآلات ولا على التّعلاّت ... ولكن يجب أن يقوم على الدّين ... على محبّة اللّه سبحانه وتعالى»(2).
لقد سيطر على العالم – كما يقول روجيه غارودي في (وعود الإسلام) « نموذج جنوني من النّمو، لا يمكن أن يعاش»، وها هي ذي « الصّنميّة» كما يسمّيها «تفرّخ وتتكاثر في مجتمعاتنا : صنم النّمو ... صنم التّقنية العلموي ... صنم قوّة الأسلحة والجيوش، بمحذوراتها جميعاً ومحرّماتها وبرموزها المقدّسة وبطقوسها»(3). ومن وراء هذه الأصنام جميعاً يترّبع إله الاقتصاد على جبل النّظام العالمي الجديد، أولمب القرن الحادي والعشرين، محاولاً أن يهيمن على كلّ شيء !
تعويم التّاريخ ، أو إلغاء الذّاكرة التّاريخيّة للأمم والشّعوب سيقود – بالضّرورة – إلى انزلاقات خطيرة قد تذهب بهذه الأمم والشّعوب إلى غير ما كانت توّد الذّهاب إليه، ولسوف تمنح الماسونيّة سلاحاً جديداً. والماسونيّة لا تريد – هي الأخرى – سوى التّحقّق بقدر من التّسوية قبالة الوهم الإنساني، حيث ينزع ابن آدم جلده ويتخلّى عن هويته، ويهرع لكي يندمج في واحدة من أكثر ممارسات العقل الجمعي غوايةً وضلالاً ...
« نهاية التّاريخ» تجيئ أيضاً وكأنّها قد وقّتت على عقارب ساعة محكمة الصّنع، زمن ما يسمّى بالتّطبيع مع العدوّ الصّهيوني. ولنرجع سنواتٍ قليلة إلى الوراء. لقد بدأت أولى محاولات مسح الذّاكرة التّاريخيّة بإجراء تغييرات خفيفة – ربّما لجسّ النّبض – في المعطيات التّربويّة والإعلاميّة والثّقافيّة لشعوب الإسلام ... لمسة هنا وأخرى هناك ... تأكيد على عناصر الوفاق التّاريخي والدّيني والحضاري بين المسلمين وعدوّهم، وتجاوز لحلقات الصّراع والغدر والخيانة من أجل « نسيان الماضي» والانفلات من أسر الأحقاد المتأصّلة، والوصول معاً إلى صعيد الألفة والمحبّة والقدرة على الاندماج الاجتماعي والثّقافي والحضاري. بين من؟ بين القاتل والقتيل، بين من لا يزال يخفي السّكين وراء ظهره ، ينتظر الفرصة وبين الضّحيّة. وبمرور الوقت أخذت تتشكّل لجان شتّى لإعادة النّظر في المناهج الدّراسيّة في ديار العرب والمسلمين، لجان ينضوي تحت غطائها العلمي المخادع خبراء يهود وأمريكان، جنباً إلى جنب مع تربويّين من أبناء العروبة والإسلام أنفسهم.
نقض اليهود لعهدهم مع رسول اللّه ﷺ في سنوات الهجرة الأولى لا لزوم له، فتنة سوق الصّاغة في حيّ بني قينقاع خارجةً عن المطلوب، محاولة بني النّضير اغتيال رسول اللّه ﷺ  تثير الأحقاد، غدر بني قريظة زمن حصار الأحزاب القاسي، حلقة محزنة، اقتحام خيبر تجدّد الضّغائن. وفي كلّ الأحوال يفضّل إلغاء هذه الوقائع من مفردات المناهج التّدريسيّة ، ويفضل أيضاً أن تحلّ محلّها كلّ الخبرات والتّجارب التي تجعل الوجدان المسلم يتقبّل اليهودي ويربّت على كتفيه.
في إحدى البلدان العربيّة – على سبيل المثال – أسّس « مركز تطوير المناهج» سنة 1990م بأموال معونة أمريكيّة ، وقد قدّم هذا المركز ( 29 ) مستشاراً أمريكياً من الاختصاصيّين الذين يعملون أصلاً في مركز تطوير التّعليم في واشنطن، وبين هؤلاء المستشارين الأمريكيّين إثنان من اليهود.
وقد عمد المركز إلى إعادة النّظر في تدريس مادّة الحضارة الإسلاميّة ومادّة التّربية الدّينيّة وعلوم القرآن الكريم والسّيرة النّبويّة. وقد قلّصوا في التّاريخ الإسلامي فترة الفتوحات الإسلاميّة، وحذفوا تدريس تاريخ الصّراع العربي اليهودي، كما حذفوا من علوم القرآن الكريم تدريس الآيات التي تلعن اليهود أو تشير إلى عداوتهم ومكرهم، وحذفوا من السّيرة تدريس حروب الرّسولﷺ مع اليهود ... وفي التّربية العامّة للشّعب يتدخّل هذا المركز لتوجيه الموادّ الإعلاميّة في الإذاعة والتّلفزيون والصّحف بحيث تنسجم مع ما تقرّر في منهج التّعليم.
هذه كلّها مجرّد محاولات تدبّ على استحياء ، وهي لا تعدو أن تكون رقعاً محدودة في نسيج التّاريخ الكبير الذي لا أوّل له ولا انتهاء ... هنا تصير نظريّة «فوكوياما» عن نهاية التاريخ، بقوّتها التّنظيريّة وإغوائها، وبالتّحليلات المدعّمة بالأدلّة والوقائع التي اعتمدتها، فرصةً لتجاوز مرحلة التّرقيع في عمليّة التّطبيع، والتّحوّل إلى الإجهاز الكامل على التّاريخ ، وفتح الطّريق على مصراعيه للقاء المسلم واليهودي على صعيدٍ واحد يستوي فيه في الظّاهر هذا وذاك، ولكن فيما وراء القشرة الخادعة تتشكّل واحدةً من أبشع عمليّات القهر الجماعي في التّاريخ.
لقد مارست الماسونية ، بشكل من الأشكال ، اللعبة نفسها ، ومن خلال الإلحاح على التسوية نفذ العقل اليهودي ، لكي يتمركز في المفاصل الحساسة ، ويحوّل المنتمين للحركة إلى أدوات صماء تنفذ ولا تناقش حتى وهي تمارس الانتحار ... ومارستها الشيوعية ... ومن خلال إلحاحها على التسوية ، صعد الانتهازيون والأفاقون ، وضاع العمال ... ازداد الروس غنىً وجبروتاً وجاهاً ، واستعبدت عشرات الأمم والشعوب والجماعات.
الهوامش
(1) الطريق إلى مكة، ترجمة عفيف بعلبكي، ط1 ، دار العلم للملايين، بيروت – 1956 م، ص 323-324.
(2) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، تعريب د. عمر فروخ، مكتبة المعارف، بيروت – 1952 م ، ص 72-73.
(3) وعود الإسلام : ترجمة : ذوقان قرقوط، الوطن العربي ، القاهرة – بيروت – 1984 م ، ص 217-218.