فلسطين بوصلتنا

بقلم
مصطفى يوسف اللدّاوي
اهتزازات إسرائيلية خفية
 يشهد الكيان الصهيونـــي تغييـــراتٍ هادئـــة في بعض المستويات القياديـــة، وهي وإن بدت بطيئـــة وغير لافتـــة، إلا أنها تنمّ عن إحســاس حقيقـــي بأزمـــاتٍ داخليـــة، وتعبر عن اضطراباتٍ تشهدهـــا مختلف المؤسســـات الدفاعية والأمنية الإسرائيليـــة، بعد سلسلـــة مـــن الهزائـــم أو الإخفاقات أو الفشل الذي أصاب جبهتها الداخلية، وصفّها الوطني.
وهو ما قد عبر عنه بوضوحٍ أكثر من مسؤولٍ في الحكومة الإسرائيليـــة، ما يدل دلالــةً قاطعـــة على أن حالة التبجــّح والعربـــدة التي تترجمهــا الحكومــة والجيــش الإسرائيلـــي، اعتــداءً علـــى السكـــان والأرض، أو تعدياً على القدس والحرم، أو اعتراضاً في السياســـة، وغضباً على خطوات المصالحة، لا يستطيـــع أن يخفــــي بعض همهمـــات القلـــق، وصيحات الغضب التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون، محذرين من خطورة الآتي، وصعوبة الواقع الحالي. 
ويدعون الحكومة إلى عدم الاطمئنان إلى الهالة الافتراضيّة التي تبدو من خلال الجيش والأمن، أو القوّة والاستخبارات، فكلاهما لم يتمكّن من القضاء على المخاوف الدّاخلية، والاضطرابات البنيويّة المتزايدة التي يعيشها المواطن الإسرائيلي.
يقصــد الإسرائيليّون بتحذيراتهم ما أصاب الجبهة الداخليـــة من اضطرابــاتٍ وقلق، وما أثارته التقارير من حالة خوفٍ وفزع، نتيجة الاختراقات التقنية الكبيرة والناجحة، التي قامت بها كوادر تقنية عربية وفلسطينية، وتعاونت معها كفـــاءاتٌ أخـــرى من المسلميــن وغيرهم، انطلاقاً من أماكن قصيّة جداً، بعيدة جغرافياً عن الكيان الصهيوني. 
لكنها كانت قادرة على قصف أهدافٍ إسرائيلية كثيرة، وتحقيق إصاباتٍ نوعية ومؤلمة، وتكبيد الجانب الإسرائيلي خسائر مالية كبيرة، يدفعها المواطن الإسرائيلي من حسابه الشخصي، بالإضافة إلى ما تؤديه الحكومة والجيش ومختلف المؤسسات الأخرى. 
وقد بدا جلياً للقيادة الإسرائيليّة أنها لم تتمكن من صدّ العدوان، ولم تنجح في ضرب قواعده، كما لم تصل إلى منفذيه وموجهيه، الأمر الذي يجعل من احتمال بقاء جبهة القتال والمواجهة مفتوحة، وهي جبهة كبيرة وعديدة الأهداف، إذ لا تقتصر أهدافها على المؤسسات الأمنية والعسكرية ورئاسة الحكومة والكنيست وجميع الوزارات الإسرائيلية، بل إنها طالت مؤسسات الكهرباء وتوزيع الغاز، والمستشفيات وشبكات الصرف والرّي، وطالت المستشفيات ومحطات الحافلات، وقد تصل إلى حواسيب شركات الملاحة الجويّة الإسرائيليّة. 
الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث تشويهاتٍ حقيقية في برامج الدولة العبريّة كلّها، ولكن الأهم هو ما قد لحق بالمواطن الإسرائيلي نفسه، الذي تأثّر بما اعترفت به حكومته رسمياً، وما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن النجاحات الحقيقية التي أحدثتها حرب السايبر الجديدة، التي أربكتها نظراً لتعدّد جبهات الاختراق، وكثرة المتطوّعين في هذه الحرب الخطرة، وحالة النشوة التي أصابت العاملين فيها نتيجة الانتصارات الكبيرة التي تحققت على أيديهم. 
ولعلّ من أشدّ ما يشكو منه المسؤولون الإسرائيليون، أن الكثير من الجنود المتمرّسين في هذه المعركة، هم من صغار السّن، ولعلهم لا يقوون على حمل البندقيّة والقتال في الميدان، ولكن ما قد أحدثوه من خرقٍ في صفوفهم كان له من الأثر على جبهتهم الداخليّة أكثر من البندقية، وأشد ألماً، وهم جيلٌ صاعد، يعرف كيف يستخدم التكنولوجيا الحديثة، ويتابع التطورات، ويمتلك القدرات، وعنده من الكفاءات ما يجعل منه طاقة مستمرة، تمكنه من العمل الدؤوب الذي لا يتوقف.
المواطن الإسرائيلي لم يعد بعيداً عن هذه الحرب، فقد أصابت الكثير منهم رصاصاتٌ قاتلة، وشظايا مقعدة، نالت من حساباتهم البنكية، وطالت أرصدتهم في المصارف، وعبثت في بطاقاتهم الائتمانية، فوجد الكثير منهم أن حساباتهم تنقص، وأن مشترياتٍ غريبة قد تمت عبر بطاقاتهم، وأنها نفذت بنجاح رغم كل محاولات التأمين والحماية. 
وغيرهم قد اشتكى من عدم القدرة على الدخول إلى حساباته الشخصية، وأن الكثير من المعلومات الخاصة به قد فقدها، أو قد تم السّطو عليها، وأن أسراره قد كشفت، وما يحرص على إخفائه قد علم، وأن رسائل من الصناديق البريديّة قد فتحت، وغيرها إلى آخرين قد أرسلت، في هتكٍ كبيرٍ للخصوصية الفرديّة.
الأمر الذي أكّد لديهم مخاوف حكومتهم، بأن مقاتلي الكمبيوتر والإنترنت قادمون، وأنهم يهددون فعلاً كل الشبكات الإلكترونية، وسيدخلون إلى كل الحواسيب الشخصية والعامة، وقد يأتي اليوم الذي ترتدّ فيه عليهم وسائل أسلحتهم، فتفتك بهم قبل غيرهم، وتضرّهم وقد لا تصيب أعداءهم، إذ ما الذي سيمنع السايبريين من اختراق أنظمة المطار، والقواعد العسكرية، ومنظومات الصواريخ، وحواسيب المفاعــــلات، وشبكــــات المصانــــع، وملفات المستشفيات، ودفاتر الضرائب وحسابات الجمارك وغير ذلك. 
وقد علم الإسرائيليون أن هذه ليست خيالاتٍ ولا مستحيلات، وأنها ليست صعبة أو متعذرة، بل إنها محاولاتٌ قد تنجح، وقد سبق لها هي أن أرسلت فيروسات إلى حواسيب المفاعلات النووية الإيرانيّة، وقد نجحت في إرباك عملها، وتعطيل نشاطها، الأمر الذي يجعل من العكس ممكناً وسهلاً، وهي تأخذ تهديدات المقاتلين الجدد على محمل الجدّ، وترى أن الخطورة حقيقية وليست وهمية، وأن إمكانيات النجاح عالية، وأن وسائل الحماية غير كافية، وهي مكلفة ومجهدة، وفيها خسائر، ويكتنفها مغامرات.
لهذا أقدمت الحكومة الإسرائيلية على تعيين «جلعاد أراد» وزيراً للإعلام وتكنولوجيا المعلومات، وهو الذي كان مسؤولاً عن الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة، على أن يعين وزير الدفاع الإسرائيلي «موشيه يعالون» مسؤولاً جديداً مكانه تحت مسؤوليته في قيادة الأركان، ليكون مسؤولاً عن تحصين الجبهة الداخليّة، وتحقيق الحماية المطلوبة للشعب اليهودي، وتبديد مخاوفهم، وإنزال السّكينة على قلوبهم، وتعميم الطمأنينة التي فقدت بينهم، وإعادة الثقة بجيشهم وأجهزتهم الأمنية.
هذه ليست أضغاث أحلام، ولا معارك في الخيال، ولا حرب أبطالها جنرالاتٌ وألوية من ورق، إنها معركة حقيقية، ولها كلفتها، وفيها مقاتلون أشدّاء، لديهم الحميّة والبأس، وعندهم الجرأة والقوة، ويملكون الإرادة والتّحدي، والفضاء أمامهم مفتوحٌ حتى السّماء، ومجالها رحبٌ بلا انقضاء، لا يصدنهم عن المواجهة أحد، ولا يردعنهم عن المساهمة في المعركة بطش العدو، الذي لن يتمكن عبر كل إجراءاته من تحصين نفسه، وحماية كيانه، والحيلولة دون استهدافه، وقد نجح هذا اللواء التقني في تحقيق انتصاراتٍ ومازال، وأصبح يرعب ويخيف، ويقلق العدوّ ويصيبه في القلب، فلا يستخّفن أحدٌ بجدية هذه المعركة، ولا يقللنّ من خسائر العدو فيها، ولا يتأخرن قادرٌ عن خوض غمارها، والمشاركة في معمعانها.
-----------
-  كاتب فلسطيني
moustafa.leddawi@gmail.com